إن الوثيرة التي تتسارع بها الأحداث السياسية في المغرب تدفع إلى شيء من الاستغراب، ويبدو أن البلاد تسير بلا معالم في الطريق، وهو ما يطرح الكثير من الأسئلة من قبيل:أين الخلل ؟ من يتحمل المسؤولية ؟ و إلى أين يسير المغرب…؟
منذ أن اهتزت أركان الدولة مع ظهور الجائحة ببلدنا والسلطات تقدم رجلا وتؤخر أخرى، ما معناه الارتباك والعجز عن إيجاد الحلول.فلم يكن من الوارد أن يعود المغرب للحرب مع جبهة البوليزاريو وتبدأ المناوشات والتحرشات، ولم يكن من المفكر فيه أن يتم التطبيع في عهد حكومة يقودها إسلاميون. هي إيديولوجيا، ولا بد لها من تبرير.أَلم يتم تبرير تقنين زراعة الكيف بحجج فارغة ؟ ومن يعلم بماذا ستُبرر العلاقات الرضائية لاحقا. ولَكَمْ عانى المغاربة من القفز على القانون بفذلكات واهية.
قطاع التربية والتعليم في المغرب ليس بخير ولم يسلم من الارتجالية في اتخاذ القرارات رغم بعض المجهودات التي لم تحقق الكثير،ورغم تولي بعض المثقفين أمور الوزارة في وقت سابق، نفس النتيجة تكرر وإن بطرق مختلفة.فالسرعة التي يتم بها الإصلاح وتنزيل مضامين القانون الإطار 51-17 لن تؤدي إلا إلى ما أدت إليه التجارب السابقة. صحيح أن مقتضيات هذا القانون تبدو طموحة لكنها قد ترفع من الشعارات ما تعجز الدولة عن تحقيقه.تحقيق التقدم يسبقه تفكير عميق وليس نوايا و رفع شعارات.
وما تجربة التعليم عن بعد التي أملتها الجائحة ببعيدة. لم تكن من اختيارنا ولم نقكر فيها جماعيا وإنما فرضت نفسها عليها فرضا، فانبرى المسئولون في الوزارة بالبحث عن الحلول مدفوعين بحماس زائد لتدبير الظرفية، فتم تصوير الدروس وفُتحت الفضائيات وتم توزيع بعض اللوحات الإلكترونية، وتم التخلي عن بعض الامتحانات الإشهادية، ولكن ما النتيجة ؟ يحتاج الأمر إلى تقييم، والتقييم ينبغي أن يرتكِن إلى معايير للقياس. وهل توزيعُ لوحات إلكترونية بدون محتويات ولا تكوين للتلاميذ دليلا على نجاح التجربة ؟ و هل ارتفاع نسبة الناجحين دليل على النجاح في تبني التعليم عن بعد و النية في اعتماده مستقبلا ؟ فمادامت الجائحة زرعت فينا الخوف، وبثت الرعب، فكيف يصح اعتبار التعليم عن بعد خيارا استراتيجيا في سياق كهذا ؟
الاحتجاجات التي يعرفها الشارع المغربي، والتي يخوضها الأساتذة منذ ما يزيد عن أربع سنوات وما يتعرضون له من تنكيل وإصرار الوزارة على عدم إيجاد الحلول ليس مفهوما. فكيف للإصلاح أن ينجح وأحد أضلاع المثلث معطوبة ( متعلم ـــ مدرس ــ معرفة ) ؟ مادام هناك احتجاج فهناك خلل، والخلل معروفة أسبابه. لا يمكن مواجهة الاحتجاجات بالعنف و لا بتركها حتى تقل حدتها أو ينال الوهن من أصحابها. قد تُبهر مظاهر القوة الكثير من الضعفاء، لكنها عابرة، وما بني على باطل فهو باطل. الدولة الحديثة تقوم على أسس متينة، وتعتمد الوسائط، وتفتح قنوات التواصل، وإلا حل الشك مكان الثقة، وهو ما قد يتسرب إلى الأسر وأبنائها.
ليس المطلوب من الدولة أن تكسر شوكة من احتج من أبنائها وتستعرض أمامهم عضلاتها، فلسان حالها يقول: « لا عطاء تحت الضغط” والأساتذة يجيبون أيضا “لا عطاء بلا ضغط “.صحيح أن منطق الدولة ليس هو المنطق الذي ينطلق منه الأشخاص، ونعلم أن للدولة هواجسها، لكن لا شيء يبرر إعمالها للعنف بمختلف صيغه.
للدولة هيبة يجب الدفاع عنها وعدم التساهل مع من انتهكها.فالأساتذة أعقل من أن يسعون إلى الاصطدام معها، ولا إلى الهُزء بها، لكن التنكيل بهم من طرف بعض أعوانها يجب أن تشجُبه ولا تتساهل معه ولا يجب أن يحل الركل والرفس والصفع محل الحوار.فلا يمكن للمقاربة الأمنية أن تصمُد على المدى البعيد.
ما يُصيب التعليم في المغرب ليس حدثا عارضا، بل هي أزمة بنيوية. فعندما يتتابع الوزراء ولا يقدمون شيئا، وكل وزير ينسخ ما جاء به سلفه ولا يقدم خطته وتصوره أما المغاربة، ولا يُحاسب على ما قدم، فاعلم بأن النتيجة غير مضمونة والرهان خاسر.فماذا قدم المثقف الذي تولى مهمة القطاع سابقا ؟ و ماذا حقق وزير الداخلية الذي تولى شؤون الوزارة قبل أن يُعفى ؟ وماذا قدم لنا السفير السابق عندما كان وزيرا للتعليم ؟ وماذا قدم أيضا الأستاذ الجامعي ؟وماذا يُقدم رئيس الجامعة الآن و هو الوزير ؟ الأمر لا يعدو أن يكون مجرد خطابات و التهليل بإنجازات غير ملموسة.كأن لسان الحال يقول : “مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إن كُنْتُمْ صَادِقِينَ” ويأتي الجواب: ” انْطَلِقُوا إِلَى ماكُنْتُمْ به تُكَذبُون”. فإذا كان الأمر بهذه الصعوبة، فمن يصلح ليكون وزيرا للتعليم في المغرب ؟
إن تحقيق المشروع المجتمعي الذي، يجب أن لا يتسم بتكبر الدولة وتغييبها لكل الفاعلين، لأنه ببساطة شأن الجميع، وليس خاصا بفئة معينة. فلا جدال أن الأستاذ أحد هذه الأطراف ومن المفروض إشراكه وتمتيعه بجميع حقوقه لكي يحس بانتمائه للمنظومة. فلا يمكن إنجاح المشروع وفي نفس الوقت اجتثاث حقوق الأستاذ والحط من قيمته.تلك إذن كرة خاسرة. يحكى أن الحمار سُئل: أيها أحسن لك، أن تطلع في العقبة أو تنزل في المنحدر ؟ قال : لعنة الله عليهما معا.علينا أن نختار الطريق بوضوح.فالوقوف في العقبة غير مقبول،إما أن نتقدم للأمام وإما أن نتقهقر.
عن موقع العمق