التعليم الأولي مدخل لإصلاح منظومة التربية والتكوين


جاء الإصلاح التربوي لتحقيق أسس مدرسة الجودة والإنصاف والارتقاء بالفرد والمجتمع، ويراهن قطاع التربية الوطنية على التعليم الأولي لتحقيق هذا المسعى، حيث يعتبره مدخلا أساسيا والقاعدة الصلبة التي ينبغي أن ينطلق منها أي إصلاح تربوي، بعدما ابانت نتائج التقارير التشخيصية الوطنية لواقع التعليم الأولي ببلادنا، الصادرة عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي عن عدم تحقيق الطموح الذي كان مأمولا في تعميم التعليم الأولي للأطفال ما بين 4و5سنوات خصوصا بالوسط القروي، مما جعل المشروع الإصلاحي الجديد يضع التعليم الأولي في صلب اهتماماته ويقدم تدابير وإجراءات لتجاوز كل هذه الإكراهات التي تحول دون تعميمه وتطويره، حيث اعتبره قطاع التربية الوطنية ورشا ذا أولوية في برنامج عمله الذي قدمه سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، أمام أنظار صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده خلال محطة الدخول المدرسي 2018-2019، بتاريخ 17 شتنبر 2018 .

التعليم الأولي للأطفال يلزم الدولة والأسرة

أصبح التعليم الأولي ملزما للدولة والأسر أو أي شخص مسؤول عن رعاية الطفل قانونا، وذلك بحكم مقتضيات القانون الإطار51.17، باعتباره قانونا ملزما للدولة والمجتمع، حيث أفرد الباب الرابع بأكمله لتحقيق إلزامية الولوج إلى المدرسة من قبل جميع الأطفال من 4 سنوات إلى 16سنة وكذا بحكم قانون إلزامية الولوج للتعليم الأولي للأطفال المتراوحة أعمارهم 4و5 سنوات، وهذه الإلزامية جاءت بناء على كون التعليم الأولي أساس بناء المدرسة المغربية الجديدة التي يتطلع إليها المجتمع المغربي، والأهمية التي يكتسيها هذا النمط من التعليم في ارتباطه بمرحلة محورية في تكوين شخصية الطفل على المستوى النفسي والجسدي والعاطفي والعقلي مع ما تكتسيه هذه المرحلة من تنمية للقدرات والمهارات والتشبع بالقيم الإيجابية، وتهييئها الأطفال للمرحلة الابتدائية ومن الولوج السلس للدراسة والنجاح الدراسي، والتقليص من التكرار والهدر المدرسي، فضلا عن مساهمته في تحقيق تكافؤ الفرص بين الأطفال، خصوصا في المناطق الهشة بالمجال الحضري و القروي.

واعتبارا لهذه الأهمية قام سعيد أمزازي الوزير الوصي على قطاع التربية الوطنية بإعطاء انطلاقة البرنامج الوطني لتطوير التعليم الأولي وتسريع وتيرته يوم الأربعاء 18 يوليوز 2018ـ ، بالصخيرات تحت شعار: “مستقبلنا لا ينتظر”، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله الذي دعا في رسالته السامية إلى إرساء نظام تربوي فعال ومنصف ومعمم، وإلى ضرورة التعبئة الوطنية لمختلف الفاعلين المؤسساتيين والخواص حول أوراش الإصلاح، مؤكدا جلالته “…وإننا لنشيد بمبادرة عقد هذا اللقاء بالنظر لأهمية سياقه، حيث يندرج في إطار تفعيل الإصلاح التربوي، المنبثق عن الرؤية الإستراتيجية 2015-2030، الهادفة إلى إرساء مدرسة جديدة، ترتكز في آن واحد على الإنصاف والمساواة، والجودة والارتقاء بالفرد، وتقدم المجتمع والتي نحن حريصون على تفعيلها…”

حصيلة مرحلية إيجابية ودفعة قوية نحو التعميم الكلي

من إيمانه بأن التعليم الأولي يشكل المنطلق للإصلاح، خصص قطاع التربية الوطنية المشروع الأول ضمن مشاريع تنزيل أحكام القانون الإطار51.17 للارتقاء بالتعليم الأولي وتسريع وتيرة تعميمه، وذلك من خلال تعزيز تكافؤ الفرص، والاهتمام بولوج الفتيات الصغيرات والأطفال في وضعية إعاقة عملا بمبدإ التمييز الإيجابي، وكذا توسيع العرض وتركيز الجهود على الحد من التفاوتات بين الجهات وخاصة بالمناطق القروية والنائية وشبه حضرية، وتلك التي تعاني خصاص في البنيات التحتية التعليمية، وذلك بتعزيز الفضاءات الملائمة للتمدرس وتزويدها بالتجهيزات الضرورية، بما فيها الولوجيات والبنيات الرياضية والتثقيفية وإعادة تأهيل مؤسسات التعليم الأولي القائمة.

لقد بذلت الوزارة مجهودات غير مسبوقة لتحسين جودة التعليم الأولي، على مستوى المناهج ومعايير الجودة والتكوين الأساسي والمستمر للمربيات والمربين واعتمادها نموذجا بيداغوجيا موحدا متجددا، يأخذ بعين الاعتبار المكاسب الرائدة في مجال علوم التربية مع استلهامها للتجارب الناجحة في هذا المجال وتطويرها لنماذج التعليم الحالية واعتمادها إطارا منهاجيا جديدا ودلائل بيداغوجية خاصة بتنزيله، دونما إغفالها التأهيل التربوي للتعليم الأولي التقليدي، وكل هذه المجهودات حققت تقدما ملموسا على مستوى نسبة التمدرس بالتعليم الأولي، يتجسد في انتقال عدد الأطفال المسجلين به من 699.265 طفلا وطفلة، بما يمثل 49.60 في المائة برسم الموسم الدراسي 2018-2017 إلى ما يناهز 910.428 طفلا وطفلة، أي ما يمثل نسبة 72.5 في المائة خلال الموسم الدراسي 2020-201، وتتجه الوزارة نحو التعميم الكلي في افق الموسم الدراسي 2027-2028.

هذه الحصيلة الإيجابية تحققت بفضل المقاربة المنفتحة التي تنهجها الوزارة مع شركائها الوطنيين والدوليين، خصوصا مع جمعيات المجتمع المدني، ووضعها الآليات الكفيلة بضمان الانخراط التدريجي للجماعات الترابية في تعميم هذا التعليم، وبرنامجا توقعيا متعدد السنوات وتحديد الحاجيات المادية والموارد البشرية الكفيلة بتغطية هذا الطور التعليمي.

وهي دينامية غير معهودة لرفع تحدي تحقيق التعميم تعززت بتكثيف عملية تكوين المربيات والمربيين على الإطار المنهاجي، وحرص الوزارة على ضمان الاستقرار المادي لهذه الفئة من المربيين لأداء رسالتهم التربوية على أحسن وجه من خلال دعوة وزير التربية الوطنية الأكاديميات الجهوية إلى توفير الاعتمادات الضرورية لضمان تغطية الحد الأدنى لأجور المربيات والمربين المتعاقد معهم من لدن الجمعيات المكلفة بتسيير أقسام التعليم الأولي، وكذا مراقبة مدى احترامها للالتزامات الواردة باتفاقية الشراكة المبرمة معها.

انسجام في الجوهر مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030

ينسجم مشروع الارتقاء بالتعليم الأولي وتسريع وتيرة تعميمه، في جوهره مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، حيث جعلت من ضمان الولوج إلى تعليم ذي جودة لفائدة الجميع، بحلول سنة 2030 الهدف الرابع، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال تمتيع جميع الأطفال بتعليم ابتدائي وثانوي مجاني ومنصف وجيد، مما يؤدي إلى تحقيق نتائج تعليمية ملائمة وفعالة.

وتحقيقا لهذا الهدف تواصل الوزارة مجهوداتها، بتعاون مع مختلف الشركاء الوطنيين والدوليين، لأجل تحقيق الأهداف المرسومة، والآجال المحددة في القانون-الإطار، وذلك من خلال تعبئة الموارد المالية والبشرية الضرورية، ووضع الدلائل المرجعية لمعايير جودة التعليم الأولي، ومواصلة تكثيف عملية تكوين المربيات والمربين على الإطار المنهاجي، فضلا عن تحيين الترسانة القانونية في إطار تنفيذ المخطط التشريعي لقطاع التربية الوطنية.

وبذلك تكون الوزارة قطعت شوطا مهما في مسار تعميم التعليم الأولي، إلا أنه لا يزال أمامها تحديات كبيرة تستدعي منا جميعا، كل من موقعه، الانخراط الواسع والمسؤول، من أجل كسب هذا الرهان وتحقيق أهدافه داخل الآجال المحددة، استجابة لتطلعات مجتمعنا ولما يصبو إليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-