هاجس الامتحانات الإشهادية يعود من جديد...فهل يقدم "أمزازي" على إلغائها مجددا والاقتصار على الباكلوريا فقط؟



بقلم : إسماعيل الحلوتي

في الوقت الذي تجري فيه الحملة الوطنية للتلقيح ضد جائحة "كوفيد -19" على قدم وساق، الهادفة إلى تحقيق مناعة جماعية في غضون أسابيع قليلة، والخروج بأقل الخسائر من هذه الأزمة الصحية الخانقة، التي أربكت بلدان العالم وفرضت عليها قيودا قاسية لم يكن حتى أكبر المتشائمين يتوقع حدوثها. مما اضطرت معه وزارة التربية الوطنية ببلادنا إلى إعادة النظر هي الأخرى في نظامها التعليمي، واعتماد نمط التعليم بالتناوب من أجل تأمين استمرارية الدراسة والحفاظ على صحة وسلامة المتعلمين وأوليائهم والأطر التربوية...

وفي خضم النقاش الذي أحدثه هذا النمط من التعليم الطارئ الذي يمزج بين التعليم الحضوري والتعلم الذاتي، وما يواكبه من تخوفات حول انعكاساته السلبية على مستقبل جزء كبير من المتمدرسين، فإذا بهاجس الامتحانات الإشهادية التي قرب موعدها يعود ليشغل بال الكثيرين، حيث تباينت الآراء واتسعت دائرة الجدل بين عدد من المهتمين بالشأن التربوي والأسر المغربية...

إذ أمام إصرار وزير التربية الوطنية سعيد أمزازي على إجراء امتحانات آخر السنة المتعلقة بشهادة نهاية السلك الابتدائي والإعدادي والسنتين الأولى والثانية من سلك البكالوريا: الجهوي والوطني، حتى إن اقتضى الأمر تمديد السنة الدراسية، وفي غياب أي تصور واضح حول تدبير هذه الامتحانات، هناك فاعلون تربويون يدعون إلى ضرورة الانكباب العاجل على بحث السبل الكفيلة بإيجاد صيغة ملائمة تراعي التفاوتات القائمة في سير الدروس لجميع المستويات التعليمية المعنية والوضع الاستثنائي الحاصل.

كما أن هناك آخرين يطالبون بإلغائها لعدة اعتبارات منها مثلا غياب التوازن وتكافؤ الفرص في إنجاز البرنامج الدراسي بين المتعلمين، سواء في التعليم العمومي والخصوصي من جهة، أو بين الوسط الحضري والقروي من جهة ثانية، فضلا عن صعوبة التعليم بالتناوب مع عدم تكييف المقررات والتسرب الدراسي وتوالي احتجاجات الأساتذة وإضراباتهم...

وعلى عكس الإجراءات التي اتخذت في السنة الماضية من حيث حصر مواضيع الامتحانين الوطني والجهوي في الدروس التي تم إنجازها حضوريا إلى حدود تعليق الدراسة في 14 مارس 2020 وتعويضها بالتعلم عن بعد، وعدم إخضاع تلاميذ باقي المستويات إلى امتحانات آخر السنة بما في ذلك الامتحان الخاص بمستوى السادس ابتدائي والثالث إعدادي، وإقرار النجاح والمرور إلى المستوى الموالي استنادا على نقط امتحانات الدورة الأولى ونقط المراقبة المستمرة المنجزة حضوريا فقط. فإن الوزارة الوصية اعتمدت منذ بداية الموسم الدراسي الحالي 2020/2021 بشكل انفرادي ودون إشراك باقي الهيئات المعنية على نوعين من التعليم: تعليم حضوري بالنسبة للمؤسسات التعليمية المتوفرة على البنيات المادية والبشرية، التي تتيح لها إمكانية استيعاب أعداد التلاميذ في الفصول الدراسية وتفسح المجال أمام الأساتذة للقيام بمهامهم في ظروف تربوية سليمة ومريحة. وهو ما يهم فقط مؤسسات التعليم الخصوصي بصفة تامة ونسبة جد ضئيلة من مؤسسات التعليم العمومي. وتعليم بالتناوب أي نصف حضوري بالنسبة لغالبية مؤسسات القطاع العام في جميع الأسلاك والمستويات الدراسية، غير المتوفرة على نفس الشروط السالفة، مما يفرض على إداراتها الاستعانة بنظام تفويج التلاميذ.

فكيف يمكن إذن ضمان المساواة وتكافؤ الفرص بين مختلف الفئات المعنية، إذا كان تلاميذ التعليم الخصوصي يستفيدون من تعليم حضوري بالكامل في جميع المواد، لتوفر مؤسساتهم على بنية تحتية من حيث الحجرات الدراسية الكافية والأطر التربوية اللازمة. بينما زملاؤهم من غير المحظوظين في التعليم العمومي والعالم القروي يعرفون اضطرابات صارخة في تلقي الدروس؟ ذلك أن التعليم بالتناوب الذي

فرض على السواد الأعظم من المتمدرسين من أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة، مقسم إلى ثلاثة أيام في الأسبوع فقط لتعليم حضوري وثلاثة أيام أخرى لتعليم عن بعد، في إطار ما أطلق عليه "التعلم الذاتي". وهو نمط يبدو غير واضح المعالم ليس فقط بالنسبة للتلاميذ، بل حتى للأساتذة أنفسهم الذين لم يخبروه من قبل ولم يتلقوا أي تكوين بشأنه. ثم على أي حال ستكون عليه النتائج إذا ما تغاضت الوزارة عن هذه الفروقات ووضعت أطرا مرجعية موحدة للامتحانات؟ وهل يتحقق الإنصاف في حالة توحيد أسئلة الاختبارات بين جميع المتعلمين في التعليم الخصوصي والتعليم العمومي؟

ثم هل بإمكان التقويم التربوي أن يكون موضوعيا في ظل هذا المشهد الضبابي والملتبس؟ ذلك أن التقويم السنوي يشكل أهمية كبرى في نجاح العملية التعليمية-التعلمية، وأنه بدون توفر الشروط التربوية المناسبة، لا يمكن أن يسهم في تطوير تعليمنا. إذ بفضل التقويم العلمي نستطيع الوقوف على مكامن الضعف لدى المتعلمين والتعرف على أثر كل ما تم التخطيط له وتنفيذه من عمليات التعليم والتعلم، واقتراح الحلول الكفيلة بتعزيز المكتسبات وتدارك السلبيات والعمل على تجاوزها. والامتحانات من بين آليات الرصد التربوي التي تحدد درجة تحقيق المتعلمين للمخرجات الأساسية للعملية التعليمية...

إن الوزارة مدعوة إلى الحسم في اتخاذ القرار الأنسب على أن تراعي في ذلك مصلحة عموم التلاميذ، لاسيما أننا نمر بظروف استثنائية جراء ما خلفه تفشي جائحة كورونا من إكراهات، يأتي في مقدمتها التعليم بالتناوب الذي مازال في الوقت الراهن غير قادر على تحقيق تكافؤ الفرص والإنصاف بين مختلف الفئات المتعلمة. وإذا كان لا بد من الإبقاء على الامتحانين الجهوي والوطني، حفاظا على مصداقية شهادة البكالوريا، فإننا نقترح إلغاء الامتحانات الإشهادية في السنتين السادسة ابتدائي والثالثة إعدادي، والاكتفاء باعتماد نقط المراقبة المستمرة في النجاح.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-