كلمة الميلودي المخارق الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل بمناسبة فاتح ماي 2018

بـاسـم الله الــرحمان الرحيـم
أخـــواتي إخــــوانـي،

نلتقي في هذه الذكرى العمالية المجيدة، نلتقي من جديد لتخليد عيدِنا العالمي فاتح ماي 2018، بنفس العزم والحماس والتطلّع إلى مستقبلٍ أفضل، نلتقي لنُجدّدَ عهدنا، ونؤكد تلاحُمنا، وتضامننا، ووحدة صفوفنا، ولنستعرض مطالبنا وانتظاراتنا، ونعبر عن مواقفنا ورفضنا لكل التراجُعات والهجمات التي تمُس حقوقنا ومكاسبنا، متشبثين بمنظمتنا العتيدة، مُلتزمين بقيمها الســـاميـــة، ومعــــتـــزيــن بتـاريـخهــــا المجــيــــد.

نحن الطبقة العاملة المغربية، بكل مكوناتها المهنية والقطاعية، نحن العمال والموظفون والمستخدمون والأطر… نحن الأجراءُ، نساءٌ ورجالٌ، من مختلف الأجيال، وعبر كل جهات وأقاليم البلاد، نلتقي من جديد لنحتفل بعيدنا الأممي، ونرسخ في صفوف متراصة، وحشود منظمة، وجودنا كقوة اجتماعية لها كلمتها وحضورها ومشروعها المجتمعي المناهض للاستغلال ولكل أشكال التمييز والتسلط الطبقي. مشروع مجتمعي تُحْتَرَمُ فيه الحريات العامة، وعلى رأسها الحريات النقابية، وتسود فيه العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل لثروات البلاد، مجتمع ديمقراطي، يحفظ لكل المواطنين كرامتهم ومساواتهم، ويضمن لكل الأجراء وعموم الجماهير الشعبية شروط ومستلزمات العيش الكريم.

فاتح ماي، الذي يُمثِّـل لنا نحن الطبقة العاملة المغربية لحظة للاحتفال ولاستحضار حصيلتنا النضالية، هو كذلك محطة نتعـاهد خلالها على استمرارية تشبُّـثنـا بالمبادئ والقيم السامية لمنظمتنا النقابية العتيدة، ونؤكد وفاءنا بكل تفان وإخلاص بكل التزاماتنا النقابية والاجتماعية، والسياسية التي في طليعتها موقفنا الثابت من قضية وحدتنا الترابية.

أخـــواتي إخــــوانـي،

إن تخليدنا لعيدنا الأممي يتزامن هذه الأيام مع استفزازات جديدة من أعداء وحدتنا الترابية، الذين يحاولون بالدسائس والمؤامرات زعزعة الاستقرار الذي تنعم به المنطقة. فخلال الأيام الأخيرة، تعيش بعض المناطق العازلة على إيقاع تصعيد استفزازي خطير، في خرق سافر للشرعية الدولية، وغير مسبوق في تاريخ هذا النزاع المفتعل والمفروض على المغرب. وكما تعلمون فهذه المنطقة هي أراضي مغربية خاضعة للسيادة الوطنية، ولن يسمح المغرب بتحويلها إلى أمكنة يتخلص فيها المناوئون لوحدتنا الترابية من المخيمات التي تورطوا في إحداثها.

إن هذه المحاولة اليائسة، تؤكد فشل المسار التآمري، الذي سار عليه جيراننا منذ أربعين سنة، ولم ينالوا فيه من عزم وعزيمة المغاربة، ولا استطاعوا التأثير بدسائسهم على إجماعنا الوطني، وعلى تمسكنا بكل ترابنا الوطني. وهذه الاستفزازات التآمرية، هي في دناءتها، مجرد ردة فعل يائسة أمام الانتصارات التي حققها المغرب.

والاتحاد المغربي للشغل، المعروف بوطنيته الصادقة، وبدفاعه بكل إمكاناته عن قضية صحرائنا المسترجعة، لم ولن يذخر جهدا عبر تعبئة مناضليه للترافع النضالي في كل المنابر والملتقيات النقابية الدولية بمختلف القارات التي يمثلون الاتحاد فيها، مع تشددهم وصرامتهم في التصدي لكل المناورات المناوئة لوحدتنا الترابية.

أخـــواتي إخــــوانـي،

إننا في الاتحاد المغربي للشغل، وبعد تحليلنا الدقيق وتقييمنا العميق للعمل الحكومي، خاصة في نسخته التي دار عليها الحول، نجد أنفسنا مرة أخرى أمام العبارة المزمنة: “ما أشبه اليوم بالأمس “. فكل المؤشرات تدل على أن الحكومة الحالية، لم تستوعب مجريات الأحداث، ولا استخلصت الدروس والعبر مما جرى وما يجري. فإذا كانت سياسات الحكومات المتعاقبة قد عودتنا على ألا تنتظر منها الطبقة العاملة المغربية إلا الأسوأ، فالحكومة الحالية تُؤكد نفس القاعدة في سيرها على نفس المنوال، واستمرارها في تكريس عدائها للعمال والعاملات، وفي التضييق على العمل النقابي، سواء من خلال الحروب المعلنة من طرف الباطرونا على المكاتب والمسؤولين النقابيين، المنضوين تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، أو من خلال التشريعات والإجراءات الحكومية الرامية إلى الإجهاز على الحقوق والمكتسبات النقابية، وتفكيك مدونة الشغل، وسن القوانين التكبيلية لممارسة الحقوق النقابية والتكميمية للمسؤولين النقابيين.

كنا نأمل غداة تنصيب النسخة الحالية من الحكومة، حتى وإن احتفظت بالجزء الوفير من مكوناتها السابقة، أن تكون قراءتها للمشهد أكثر جرأة وموضوعية، وأكثر استحضارا للأولويات الاجتماعية التي لا تحتمل التأجيل ولا المناورة والمراوغة، إلا أن السنة التي مرت من عمرها أكدت أن “حليمة وفية لعادتها القديمة”، فما انتظرناه من عمل تصحيحي، وإجراء تقويمي، تحول إلى معانقة لنهج الحكومة السابقة، وسير على خطاها ومواصلة لما تسميه “إصلاحات هيكلية”، وما تعتبره حفاظا على التوازنات المالية والماكرو/اقتصادية دونما اعتبار لكلفتهما الاجتماعية وعواقب تبعاتهما التي تنذر الوقائع الحالية بتفاقمها مستقبلا.

أخـــواتي إخــــوانـي،

لقد دأب الاتحاد المغربي للشغل على تحمُّلِه لمسؤولياته كاملة بشجاعة وصدق ووطنية ونزاهة في التفكير والممارسة، في مواقع النقد، ننتقد بموضوعية وتجرد ونقدم الاقتراحات والحلول الناجعة، وفي مواقع المواجهة، نناضل بكل قوانا وبكل الوسائل والإمكانات المتاحة من أجل رفع الظلم والحيف والقهر عن أخواتنا وإخواننا العاملات والعمال وعموم الأجراء، وفي مواقع الحــوار، نحــاور ونفـــــاوض متشبثيـــن بمطالبنــــا وقيمنــــا.

وكما هو معلوم، فالاتحاد المغربي للشغل يشارك في الحوار، المفتوح مؤخرا، بين الحركة النقابية والحكومة وأرباب العمل، واللجان المنبثقة عنه ليساهم فيها مناضلو الاتحاد المغربي للشغل بمقترحات وأفكار تنسجم مع مطالبنا التي نتشبث بها وندافع عنها، والتي تجسد في مجملها انتظارات وتطلعات الطبقة العاملة المغربية بكل مكوناتها. إلا أن العرض الحكومي الأخير جاء مخيبا للأمل فالزيادة المقترحة في الأجور بالنسبة للوظيفة العمومية جد هزيلة وتمييزية ولا تهُمُّ كل المؤسسات العمومية. أما بالنسبة للمأجورين بالقطاع الخاص، فلا زيادة في الحد الأدنى للأجر ولا زيادة عامة في الأجور ولا دفع إلى مفاوضات قطاعية.

إن العـرْض الحكومي يُعــدُّ اســتِهتـــاراً بالطبقة العـاملة وحركتها النقــابـيـة، كنا نأمل أن نصل عشية عيد الشغل، إلى اتفاق اجتماعي يستجيب إلى مطالب الطبقة العاملة، إلا أن الحكومة أفـسـدت على الشغيـــلة المغربيـــة فـرحتها بعيدها الأممي؛ لنــجــعــــل إذن من هـــذا اليوم يومـــا للاحتجــــاج والاستنـــكـــــار.

إن مشاركتنا في الحوار مع الحكومة لا تلغي تنديدنا، وشجبنا، ومناهضتنا لكل التوجهات المعادية للعمال وللحركة النقابية. سنظل رافضين لمحاباة الحكومة لأرباب العمل، ولصمتها المزمن أمام الانتهاكات الصارخة لحقوق العمال والعاملات في الوحدات الصناعية والخدماتية، وأمام الاستغلال البشع لعرقهم، وإهدار كرامتهم، والدوس على كل القوانين والأعراف والمواثيق المصادق عليها من طرف الدولة المغربية. إننا إلى جانب تنديدنا بالهجومات الممنهجة على الحريات النقابية، لن نقبل أبدا بتفكيك مدونة الشغل المتوافق عليها بين الفرقاء الاجتماعيين، ولن نقبل أبدا بالهشاشة في الوظيفة العمومية، ولا بالقانون التكبيلي لحق الإضراب، ولا بالتدخل في الشؤون النقابية. كما لن نقبل باتفاق لا يدعم القدرة الشرائية للأجراء عبر الزيادة في الأجور، وتعويض ما لحقهم من أضرار جراء الارتفاع المهول لتكلفة العيش، نتيجة للسياسات اللاشعبية المنتهجة : {المقايسة، تفكيك نظام المقاصة، وتحميل الأسرة مصاريف التعليم والصحة….}

إن تبني الحكومة الحالية لنهج سابقتها، إنما يعبر عن فقدانها لأي تصور تنموي، وعجزها عن إيجاد صيغ جريئة وناجعة لتجاوز الأزمة الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد المغربي، مكتفية بمواصلة الخضوع لتعليمات المؤسسات المالية الدولية، وبِــرَهْـنِ البلاد والعباد لتوجيهات صندوق النقد الدولي. والمغاربة لن ينسوا مخلفات سياسات التقويم الهيكلي خلال ثمانينيات القرن الماضي، وما تسببت فيه من مآسي ومصائب اجتماعية، والحكومة اليوم مصرة أن يعيد التاريخ نفسه في شقه السلبي ، مع ما يترتب عن ذلك من بطالة، وهشاشة، واتساع لرقعة الفقر، وتجميد للأجور، وارتفاع للأسعار، وتضخم للضغط الضريبي، واسـتـِـئْـسـَادٍ لأصحاب رؤوس الأموال من المحظوظين المستفيدين من الرّيع والامتيازات، والمسنودين حكوميا تحت مُبرِّر توفير الشروط الملائمة للإنتاج، “وتشجيع الاستثمار”. إنهم العينة المدللة من طرف الحكومة المراكمين للثروات الطائلة على حساب شقاء ومعاناة وفقر الطبقة العاملة المغربية والفئات الشعبية.

أخـــواتي إخــــوانـي،

كما تعلمون، فالاتحاد المغربي للشغل خاض الكثير من المعارك والنضالات، وقاد كفاحات بطولية وطنيا وقطاعيا دفاعا عن حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة المغربية وكل الأجراء، تَـوَّجَها بالحملة الوطنية ضد الهجوم على الحريات النقابية التي نظمها طيلة شهـر كامل، من العاشر من فبراير إلى العاشر من مارس 2018، هذه الحملة التي كانت صرخة مُدوية لمواجهة الانتهاكات التي تُهدد الحقوق النقابية ومكتسبات العمال والعاملات، وضد المحاولات الهادفة إلى إضعاف الحركة النقابية المغربية، ومن خلالها رددت الطبقة العامـلة المغـربية بقـوة : لا للهجوم على الحق النقابي ـ لا لطرد الممثلين النقابيين ـ لا لتمرير مشروع القانون التنظيمي والتكبيلي لحق الإضراب ـ لا لتعطيل آليات الحوار الاجتماعي.

ومن بين النتائج المباشرة لهذه الحملة الوطنية، وفي إطار التضامن النقابي الدولي توصل الاتحاد المغربي للشغل بعشرات رسائل التضامن من النقابات العمالية بمختلف القارات، والتي إضافة إلى مساندتها وتضامنها، عبرت عن استنكارها لممارسات الحكومة المغربية وشجبها لمواقفها السلبية من العمل النقابي.

إن مصداقية الاتحاد المغربي للشغل، ووفاءه للمبادئ والقيم النقابية والإنسانية السامية، وإشعاعه النضالي، وطنيا ودوليا، ودفاعه الدائم على قضايا وحقوق الأجراء، قد جعله قبلة للمناضلات والمناضلين، ومحط إقبال جماهيري يتمثل في هذه الجموع الغفيرة التي عززت صفوفه، التحاقات جماعية من مختلف القطاعات المهنية، والتي اذكر منها على سبيل المثال فقط: ـ موظفات وموظفي وأطر وزارة المالية على الصعيد المركزي والجهوي وبجميع المديريات عبر التراب الوطني ـ قطاع الإنعاش الوطني الذي يضم عشرات الآلاف من العمال والعاملات ـ عدد مهم من الوحدات الصناعية والإنتاجية، أخص بالذكر أهم وحدة إنتاجية في ميدان المواد الغذائية بالمغرب. ومختلف الوحدات الإنتاجية من مختلف القطاعات المهنية ، لكل هؤلاء الملتحـقيــن بالاتحـــاد نقـــول لهـم : مرحــبا بكـم في منظمتكم وبين إخوانكم، ونهنئكم على حسن اختياركم لإطاركم النقابي الوحدوي والمستقل الاتحاد المغربي للشغل، الذي لن يذخر جهدا في الدفاع عن حقوقكم والوقوف إلى جانبكم.

أخـــواتي إخــــوانـي،

إن الاتحاد المغربي للشغل الذي هو جزء لا يتجزأ من حركات التحرر الوطني، والقوى الديمقراطية والتقدمية، ليجدد تضامنه المبدئي والدائم مع كل النضالات العمالية وكفاح الشعوب من أجل حريتها واستقلالها، وكرامتها، وتحقيقها للديمقراطية والعدل والمساواة، ويؤكد تضامنه المطلق واللامشروط مع عمال وشعب فلسطين، ومساندته الكاملة والدائمة إلى غاية قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين. ويعبر عن تضامنه مع القضايا العادلة والمشروعة لكل الشعوب التواقة للحرية والعدالة الاجتماعية.

عاشت الطبقة العاملة المغربية.
عاش الاتحاد المغربي للشغل.

عاش المغرب.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-