ضغوط نفسية وتحولات جنسية وراء إغماءات تلميذات مغربيات

بعد المقال الذي نشرتْه جريدة هسبريس حول الإغماء في صفوف عدد من تلميذات الثانوية الإعدادية ابن سينا بأقا، تبيّن أنَّ هذه "الظاهرة" تحدث في مؤسسات تعليمية أخرى، مُخلّفة جُملة من التساؤلات، سواء لدى أولياء أمور التلميذات، أو لدى الأطقم التربوية والإدارية.

أوَّل نقطة تثير الانتباه في هذا الموضوع أنَّ حالات الإغماء التي تسبقها حالة من البكاء الهستيري والصراخ تحدث في صفوف الفتيات فقط، دون الذكور، وثاني نقطة أنّها تحدث، بحدّة أكبر، في الثانويات الإعدادية؛ وثالث نقطة أنَّها تحدُث بشكل جماعي.

للبحث عن إجابة علمية لهذه "الظاهرة"، طرقنا باب علم النفس، فكان الجواب الذي قدمه الدكتور جواد مبروكي أنَّ أسباب الإغماء على التلميذات تعود، في أغلب الأحيان، إلى ضغوطات نفسية وتحوّلات جنسية وتغيرات هرمونية؛ فضلا عن ظهور العادة الشهرية وتغيُّر الجسم من جسم الطفلة إلى جسم المرأة.

في السطور الآتية يجيب الدكتور جواد مبروكي، الخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي، والطبيب والمحلل النفساني، عن أهمّ الأسئلة المتعلقة بأسباب الإغماء على التلميذات في المؤسسات التعليمية.

ما هو التفسير العلمي لهذه الإغماءات؟ ولماذا تحدث في المؤسسات التعليمية ولا حدث في أماكن أخرى (البيت مثلا)؟

أشير، بداية، إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي أنّه عند الإغماء على الفتاة يجب عرضُها على الطبيب العضوي لنتأكد أنْ ليس هناك سبب عضوي (سبب قلبي أو غددي مثل مرض السكري، أو عصبي كنوع من أنواع الصرع...). ولمَّا لا يجد الطبيب أي سبب عضوي، في هذه الحالة نبحث عن السبب النفسي. وهذه قاعدة من قواعد الطب.

سنفترض إذا أنه لا يوجد سبب عضوي لأجيب عن أسئلتك.

سبب الإغماء بصفة عامة يكون هو القلق (Stresse)، الراجع لعدة أسباب أذكر منها:

أ‌-أسباب شخصية وعائلية

1- قلق وضغوطات المراهقة: تغيُّر الجسم وتطوُّرُه إلى جسم المرأة.

في هذا المنعطف تعاني الفتاة من خروجها من مرحلة الطفولة، لتصبح امرأة قابلة للزواج والحمل والولادة، وهذا المستقبل يخيفها جدا ويضغط على ذهنها الذي لازال ذهن طفلة.

ويزداد هذا القلق جرّاء ملاحظات المحيط العائلي، من قبيل "تبارك الله ولتي امرأة إوا ردّي بالك"، أو ملاحظات على جسمها.. "لا تضغطي على ثديَيْك واستعملي حمّالات الثديْين حتى لا يتضخّم حجمُهما".. وهي ملاحظات تقلق المراهِقة كثيرا، بل تُخيفها، لأنها لا تدرك ما يقع لها.."جسم امرأة وذهْن طفلة".

2- بداية العادة الشهرية وآلامُها

مع غياب التربية الجنسية لا يتمّ تحضير الفتاة لمرحلة البلوغ، ومعنى العادة الشهرية ودورها والتغييرات الهرمونية التي تصاحبها، ما يجعل الفتاة تتخيل العادة الشهرية بشكل غير واقعي؛ فضلا عما يقال لها في ثقافتنا.. "وا صافي دبا بلغتي وردّي بالك إلا قاس شي واحد فيك تقدري تحملي، وردي بالك في الحمام راه بزاف دالعيالات جلسو بلا ما يغسلو الأرض وكان باقي المني دالراجل وحملو".. فجأة تتحول الفتاة إلى امرأة وتشعر بالخوف وبالرعب.

3- التحذير الأبوي:

وهو يقوم على المنع من العلاقات مع الزملاء الذكور أو حتى الحديث معهم، وتصويرهم بأنَّ لا هم لهم إلا الجنس. وبطبيعة الحال فالعلاقة مع الذكر تتغير.. ومن الطبيعي أن تتحدث المراهِقة مع زميلها الذكر، ولكنها تشعر بالذنب، وهذا يسبب لها ضغطا نفسيا.

4- الشحنات الجنسية:

تشعر المراهقة بشحنات جنسية، يجب عليها كبتها وعدم التعبير عنها، فينقلب هذا الكبْت أو يتحول إلى ضغوطات داخلية وإلى قلق مع مرِّ الأيام. ومع الأسف غياب التربية الجنسية يترك المراهِقة وحيدة مع قلقها بدون إدراك ما يقع لها.

5- الاكتئاب:

المراهقات يتعرضن بعد كل هذه التقلبات الهرمونية والجسدية، مع القمع الثقافي والعائلي والديني، إلى الاكتئاب، ما يزيد حجم الضغوطات النفسية ودرجة القلق.

ب‌- ضغوط التحرش الجنسي داخل العائلة وفي الشارع:

جسْم المراهقة، الذي هو جسم امرأة، يتعرض لتحرش جنسي من أفراد المحيط العائلي، فتتعرض فجأة لهذا الضغط وكأنه خداع. كما أنها في الشارع تسمع كلمات جارحة يخاطبها بها الذكور. في ظل هذا الوضع ترتبك المراهِقة وتتعرض لصدمات نفسانية، تفاقم القلق والضغوطات التي تثقل كاهلها.

ت‌-الضغوطات المدرسية:

1- التركيز:

تشعر المراهقة بتعب على المستوى الذهني، جرّاء كل التغيرات والضغوطات التي تتعرض لها، إذ ينخفض تركيزها، وتواجه صعوبات في الدراسة، تشكل بدورها قلقا وضغطا نفسانيا.

2- الوزرة البيضاء:

ارتداء الوزرة مفروض على الأنثى، ما تفسره بأنها جسم مثير جنسيا (في الوقت نفسه لازال ذهنها ذهن طفلة)، وهذا يخيفها من جسمها في مخيالها؛ وهو سبب آخر للقلق.

3- نظرة الأستاذ إلى جسمها:

وبالخصوص إذا كان الأستاذ صغير السن، إذ يكون لهذه النظرة أثر كبير على نفسية المراهِقة، وربما تغرم بأستاذها؛ وكل هذا يولّد لديها ضغوطا وقلقا، ومع الأسف لو كانت هناك تربية جنسية لكانت المراهِقة على حذر مما سيقع لها.

هذه أهم الأسباب التي تخلق ضغوطات نفسيةً وقلقا كبيرا لدى المراهقة، وهي ضغوطات لا بد أن تخرج إلى العلن في إطار التربية الجنسية والتعبير عنها بشكل سليم، وإلا سيتمّ التعبير عنها عن طريق "الانفجار"، فتتحول إلى أعراض عضوية.. والإغماء غالبا ما يكون هو الحل الوحيد.

لماذا تدخل الفتيات بشكل جماعي في حالة الإغماء؟

لأنهن من جهة يَعشن الظروف والضغوطات نفسها، ولأنَّ إغماء المراهقة يخلق قلقا عند زميلاتها، ويكون النقطة التي تفيض الكأس، فتدخل مراهقات أخريات في الحالة نفسها.

لماذا تصيب هذه الحالة الفتيات فقط دون الفتيان؟

لغياب كل الأسباب التي ذكرتها سلفا عند الذكور، إذ إنهم لا يعيشون ضغوطات المراهقة التي تعيشها الإناث.

كيف يمكن لأفراد عائلة الفتاة أن يتعاملوا معها في هذه الحالة؟ وهل ثمّة حل لتفادي وقوعها في الإغماء؟

لا يمكن تعميم حلّ واحد على كل الحالات. ولكنَّ الذي يجب القيام به هو عرض المراهقة على طبيب ليستبعد الأسباب العضوية، ثم عرضها على طبيب نفسي أو معالج نفسي لمساعدتها ومساعدة محيطها العائلي.

هل للأمر علاقة بغياب الحوار بين الآباء والأمهات من جهة، والفتيات من جهة أخرى، حول الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة؟

بالطبع غياب الحوار وغياب التربية الجنسية من العوامل التي تساهم في عذاب المراهق عامة، والمراهقة على وجه الخصوص.

عن موقع هسبريس
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-