"عمري ما ننساك".. مبادرة تحتفي بأساتذة في المغرب الشرقي

لم يدر بخُلد مجموعة من أساتذة التعليم الابتدائي دَرّسوا سنة 1994 بمجموعة مدارس أيت علي وحسو وهم يغادرون هذه البلدة قبل عشرين سنة أنهم سوف يُستدعون لتكريمهم من لدن تلامذتهم في تلك القرية التي انطلق فيها مشوارهم المهني.

الفكرة بدأت بدردشة شبابية لمجموعة من شبان أيت علي وحسو بجماعة أيت بوداود ومن أيت حدو بجماعة تاغبالت بالبحث عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن معلمين سبق أن درسوهم بداية تسعينيات القرن الماضي، عثروا على واحد ثم اثنين وهكذا.

كانت الفكرة أن يتم التواصل مع مُعلمين سبق أن درّسوا بالمنطقة، ثم تطورت المبادرة إلى دعوة لتكريم رجال تعليم عاشوا في هذه القرية قبل ما يزيد عن عقدين من الزمن، ثم انتقلوا إلى وجها أخرى في أوقات لاحقة.

عرفان

وجّه قدماء تلاميذ مجموعة مدارس أيت علي وحسو دعوة إلى أساتذة سبق أن درّسوهم بين سنة 1994 وسنة 1998، فحضر ستة أساتذة من مدن تطوان والدار البيضاء وتازة وبني ملال وغيرها، وجرى استقبالهم من قبل شبان يشتغلون في مهن مختلفة، سواء في الوظيفة العمومية أو في وظائف خاصة وأعمال حرة.

استقبال بالتمر والحليب كما يليق بمعلمين كانوا هنا قبل عقدين من الزمن، حيث ظروف العيش أسوأ بكثير من الآن؛ فلا طرقات ولا كهرباء ولا مياه في المنازل، ولا وسائل نقل ولا مواصلات، على الأقل مقارنة بالوضع الحالي.

"كنت هنا قبل عشرين سنة في هذه مدرسة أيت علي وحسو، التي كانت تضم تلاميذ دواوير أيت إشو وأيت حدو ايضا، ولم أتمالك نفسي وأنا أحظى بهذه الدعوة والاستقبال من قبل تلامذتي السابقين، الذين أعتز بنجاحهم في حياتهم" يقول مبارك عزيز، معلم قادم من تاهلة نواحي تازة، وهو الذي بدأ مشواره المهني في قرية أيت علي وحسو التابعة لجماعة أيت بوداود نواحي زاكورة.

ثم يضيف مبارك عزيز، في حديث لهسبريس الإلكترونية، بالقول إن "أمورا كثيرة تغيرت من حيث البناء والطرق وغير ذلك؛ لكن معدن الناس لم يتغير، فالطيبوبة والصدق والقيم هي ما يميز ساكنة هذه المنطقة، لذلك أشكرهم، باسم جميع الأساتذة".

لم يقم هؤلاء التلاميذ القدامى الذين ينتمون إلى دواوير أيت علي وحسو وأيت إشو وأيت حدو، نواحي تازارين، بحجز غرف فندقية لضيوفهم كما هو معتاد في مثل هذه الأنشطة التي يأتي فيها الضيوف من مدن بعيدة، بل تمت استضافة المكرمين في بيوت تلامذتهم القدامى، وتنظيم زيارات لهذه الدواوير التي كانوا يشتغلون فيها، ثم تقديم وجبات في بيوت هؤلاء التلاميذ السابقين الذين تجاوز أغلبهم الثلاثين سنة، ويشتغلون في أعمال حرة، أو في وظائف تابعة للدولة.

مبادرة فريدة

لحسن أوعلال، أستاذ بمركزية أيت علي وحسو وأحد الذين شاركوا في تنظيم هذا النشاط، قال إن "هذه المبادرة فريدة من نوعها وطنيا، وتروم تكريس قيم احترام الأستاذ وثقافة الاعتراف بالجميل، وهي قيم بدأ المجتمع المغربي يفقدها مؤخرا".

وزاد أوعلال، في تصريح لهسبريس، بالقول "إن القائمين على هذه المبادرة يهدفون إلى تقوية تلك الآصرة التي تربط الأستاذ بالتلميذ، التي يجب دائما أن تنبي على التقدير والاحترام. أغتنم الفرصة لأشكر كل الذين أسهموا بأي شكل من الأشكال في هذا التكريم، وهذه المبادرة".

من جهته، أكد علي واحي، رئيس جمعية آباء وأولياء مدرسة أيت علي وحسو، أن هذه المبادرة "تبقى قليلة جدا في الأساتذة، وإن كنا نهدف من ورائها إلى رد الجميل لما أسدوه من خدمات جليلة لجيلنا ولمدرستنا وللمنطقة عموما".

وأضاف واحي أن هذا النشاط "نهدف من ورائه إلى توعية الآباء بضرورة ترك بناتهم يواصلن دراستهن؛ فعدد كبير من الفتيات يغادرن مقاعد الدراسة في سن مبكرة".

حب الأستاذ

علي داوي، رئيس جمعية آباء وأولياء تلاميذ مدرسة أيت حدو، قال إن مبادرة "أستاذي عمري ننساك" تهدف إلى "إعطاء صورة جيدة للمنطقة في الوقت الذي يتم ترويج صورة عن تعنيف الأساتذة ورجال التعليم، وللتعبير على أننا نحب أساتذتنا، وأن لهم مكانة مرموقة في قلوبنا، كما نريد أن نشجع بذلك الناشئة على حب التمدرس وحب المدرس".

من جهتهم، عبّر الأساتذة المكرمون عن سعادتهم بهذه المبادرة، التي حضرها عدد كبير من رجال التعليم القدماء بالمنطقة. كما حضرها تلاميذ مدرسة أيت علي وحسو والدواوير المجاورة، وجرى خلالها توزيع جوائز على المتفوقين وتكريم الأسر التي كافحت من أجل تعلم بناتها، خاصة أن فتاتين فقط في دوار أيت علي وحسو هما من حصلتا على الإجازة في صفوف الفتيات، إحداهما في اللغة الإنجليزية والأخرى في الشريعة الإسلامية. وبهذه المناسبة، جرى تكريم أسر الفتاتين سالفتي الذكر، لتشجيع الآباء على البذل من أجل تعلم الفتاة القروية.

عن موقع هسبريس
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-