العاقل و الأحمق، المعادلة الصعبة.

العاقل والأحمق هما وجهان لعملة واحدة ... فكل منا يعتريه الحمق ثم يمتلكه التعقل فيفكر بمتسع الوجود ... لكن حين يتم التنصيص السلطوي على معايير العقل والتعقل فإن العملية تروم بالأساس إلى تدجين اجتماعي /انسياقي بحد تفكير القطيع ...
فمتى أكون عاقلا ؟.


إنه حكم قيمة التراكم الذي نبحث عنه بالجمع ، وهو أسهل النيل به، والقبض عليه. فعند الإمساك بآليات العقل وتبعات التفكير، تتم عملية النمذجة الناقلة من حالة اللاعقل إلى وضعيات امتلاك عقل الوعي بالذات والآخر... لكن حينما أفكر بنمطية التيار وبنفس الخانات والمنهج (الذاكرة التاريخية) فإنني أصنف نفسي ضمن خانة عقلاء قوم الحل والعقد وأمتلك معرفة وقدرات ومهارات سطرتها حكمة الرؤوس التي أينعت سلفا.... وحين يكون تفكيري العقلي ضد التيار يرفع القلم عني لزاما وأحاسب وفق حالات تموقعي في " اللاعقل " وأصنف خارجيا، و بالمارق المتشيع الفريد ....
وحتى لا أخاصم اللاعقل وأضمن تعاطفه الإنساني، فمتى أكون أحمقا ؟
لا أريد استعمال مصطلح " المجنون " لأنه يحمل حمولة المس ... وممكن أن أحتاج إلى جذبة و ليلة مؤلفة من الدقة العيساوية و"القرقبة" الكناوية و الحفرة الحمدوشية.... فيما المهم عندي هو تحديد المقاطع التي أكون فيها أحمقا بوجه محددات هوامش منطق التفكير الاجتماعي...


 اليوم أعترف وأقول إنها كثيرة. كثيرة ، بفعل العوامل الخارجية الضاربة على تفكيرنا بالتحدي ... فعندما أرى نفسي وأبناء الشعب كرامتهم تداس عنوة بمتوالية ادفع ....أجن وأفقد عقلي ..... عندما تحكمنا صورة الماضي وتخطط للمستقبل الآتي، عقلي ينتكس إلى الحمق ردة ويتيه في أحلام يقظة الحاضر الذي أتلف مشيته المستوية...عندما أرى العدل فسادا و الحرية فوضى... يسكنني الحمق وأعلن الرفض ب " لا " النافية للعقل والذات... حين تصير القيم تشكل بمنهج الولاء  فإني أنادي على أداة " ما " لغير العاقل وأستعملها في تعابيري ... هي كثيرة مواقف وصور الحمق التي تسكنني برجة التحولات الاجتماعية الارتدادية غير العادلة. هو الحمق بعينه حين تضيع إنسانية الكرامة الاجتماعية وقانون الحرية...


لما نعيب على الأحمق حمقه ؟ أنه يمتلك ناصية حريته...إنه الأحمق/ العاقل الذي يسير نفسه / ذاته  بدون مركبات نقص اجتماعية...إنه لا يحاسب والقلم لا يدون أفعاله حتى و إن ساءت علانية فهو فوق منطق العادة وحريته تمارس على الجميع عنوة، ولا نقدر على وصف آخر، غير ذكرنا له "مسكين...". 


فإذا كان العاقل هو الذي يسعى أن يغير نفسه / ذاته ليتلاءم مع العالم والمحيط ...فبئس العقل والتعقل في هذا الموضع ... أما إذا كان الأحمق هو من يريد أن يغير العالم ليتلاءم مع قدراته العقلية/التفكيرية في مواضع شتى... فنعم الحمق وقد حقق علامة الاستحقاق التامة ...وبه ممكن أن نعمل...ونستنجد بالحمق التطوعي كبوابة فسيحة لولوج الحرية... وتوقيف الفوضى الضاربة.


هذه معادلة بسيطة بين الأحمق والعاقل ... فأيهما تريدون ؟ الأحمق الذي يسعى إلى تغيير العالم ....أم العاقل الذي يستبيح ذاته بالتغيير والتغير كالحرباء مرة بالاستلاب ومرات عديدة بالانبطاح والهرولة نحو المصالح  ...؟. لا تتسرعوا في الاختيار و أنصحكم بالاختيار الأول والعمل من داخله لأجل تدبير التغيير بحكامة...
لكني من باحة التفكير ...أعلن حمقي التام .... وأقر به علانية وأنا في كامل قوتي العقلية .... لأنني لا أريد أن أعيش بعلبة تصبير أمل العاقل إلى ما لانهاية ...لا أريد شرب وأكل التقليد الوافد علينا حتى التخمة.... لا أريد أن أكون نسخة  كاربونية  سالبة ... إنها حياتي وتشخيصها بدور الأحمق أو العاقل لا يعفيني من إبراز وجود "أنا" التفكير كأولوية تتموضع وفق التميز بالرأي و النقد في صوابه، أو في عدوله التام عن مواقع الأخطاء ... الحمق لا يعفيني في معاكسة التيار الجارف في خفة رياحه ولو بالصياح كأضعف الإيمان ... فعندما أفكر بسلطة الحمق/ العاقل، أموقع ذاتي وفق محرك مروحيات الكثلة الاجتماعية بالتأثير فيها ولو بالرأي...


وصلة الخيط الرابط بين الأحمق / والعاقل شعرته أكثر رقة من شعرة (الذاكرة/ التاريخ/ النسيان) الوطنية ... وسحبها بالقوة تميل كفة حساب الكتلة المتحكمة ... إننا نعيش إعلان " عقل القطيع " الطيع... فرغم أن الذئب موضعه أعلي النبع فهو يدعي بأن الحمل هو من أفسد صفاء الماء ... فلا أنا مع الحمل في ضعفه و خنوعه، ولا ضد الذئب في ظلمه واستبداده .... بل يجب أن أمثل الحق العادل الذي يحكمنا بالمساواة، ليس في نوايانا الداخلية، وإنما في الأعمال بمرجعية الحكامة القانونية و المصداقية الأخلاقية ...


ذ/ محسن الأكرمين.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-