مشهد التلذذ بالعنف والتباهي:
إن كان للموت من خدش للحياة، فهذا هو الموت بعينه الذي نعيشه من خلال تلذذ المصور وهو يلتقط أنفاس تلميذة صارخة باكية مستعطفة، يمرغها أرضا وأرضا وسط الشارع وهي تصرخ نحيبا وما من مجيب.
هل من نخوة في هذه البلاد؟ هل وصلنا إلى هذه الدرجة من الانهيار وأصبحنا نكرر المآسي على أنها إنجازات عظيمة نتباهى بها؟
بعد فتاة الحافلة، يأتي الدور على فتاة/تلميذة الشارع، والقادم أسوأ. لم أستطع أن أكمل الفيديو لبشاعته، لوقاحته، ولقسوته، وأكملته مضضا. لهذه الأسر التي تلد "الوحوش" في أشكال أدمية؛ ماذا قدمنا للإنسانية لنقول لقد قتلنا الوحش فينا، لقد تغلبنا على الكبت فينا، على العنف فينا؟
تبا للكبت. تبا للعنف. تبا لكل متاجر في شعب حوّل بشرا إلى وحوش أدمية تتباهى بالألم والعجرفة تكبر فيها، تتباهى كم أصبح هذا الوحش ضاريا قادرا على الافتراس، كم تغولت فينا الصعلكة وحسبناها أخلاقا تستحق التصفيق.
بئس الكائن هذا. بئس اللحظة. بئس المصور والمشهد برمته. تقتلون كل شيء حيا فينا، كم تحبون التشفي صورا والقادم أفظع. أيها المغاربة انتبهوا، انتبهوا والتقطوا الإشارات قبل فوات الأوان.
مشهد الفرجة:
يحز في النفس أن المشاهد الأكثر دراماتيكية في مغربنا تصل بسرعة، تصلنا عبر وسائط التواصل الاجتماعي وتكون صادمة وتخلف وقع الصدمة والاهتزاز، تجعل النوم يجفو من عيوننا.
المشهد ذاته يتكرر في مشهد الفتاة بالحافلة بالدار البيضاء، أو في مشهد الفتاتين بأكادير وهما تتعرضان للرجم والصفع لأنها لبستا تنورتين قصيرتين، أو مشهد نساء الصويرة حيث عمد البعض إلى توثيق لحظة التدافع ونسي أنهن نساء مهملات ومهمشات وعمد إلى تقاسم الصور لحظة أنين الموت دون السؤال. فلهذا الكائن حرمته.
كم يحز في النفس وأنا أرى محفظة التلميذة هي الأخرى تنال حظا وافرا من الركل والتمريغ والصفع، كأنها إحالة إلى كتاب لم يعد يجدي وإلى مدرسة فقدت رونقها في محاربة عنف تتعدد مشاربه يضع. "المفترس" ركبته على عنقها في عملية احترافية كمحترفي المصارعة ورفاق جون سينا وهم يكيلون الضرب والرفس والزهو بالنفس...
كم هي مؤذية هذه المشاعر التي تعزز صور الانهيار فينا. كم هو محزن أن الفاعل يافع مراهق كل همه أن يفرغ شحنة من العنف والشهوة تحاصره ولا يعلم أن العالم بأسره ينظر كم انهارت مدرستنا وأسرتنا وشوارعنا. وكم يحز في النفس أننا لم نعد نستطيع أن نحافظ على إنسانيتنا أمام فداحة وهول المشهد وتتبعه حتى النفس الأخير.
مشهد الواقعة ومشهد السؤال:
يولد هذا الفيديو المقرف الكثير من المرارة والغضب وردود الفعل... ومعه تتوالد وتتناسل الأسئلة طازجة؛ هل هي حالات هنا وهناك أم إنها مؤشرات على بداية الانهيار غير المعلن وعن انحطاط قيمنا التي تربينا عليها؟ هل نشوة الفرح والصراخ المواكبة لتصوير الفيديو وطرحه للفرجة والمشاهدة عمليات تنبيه أم هي صرخة موجعة في أحشائنا لم نستطع مقاومتها وطرحناها لنرى بشاعة الفعل المقترف في حق الذات المغربية وفي حق البلاد وفي حق الانسان، وأن ما أنجزناه بصيغة الجمع وما راكمناه لم يكن سوى خيبات أمل؟
كم هو مقرف حد القرف الممزوج باللعنات أن يافعا لم تردعه قيم ديننا الحنيف، ولم تردعه معارفنا الإنسانية في المدرسة، ولم تردعه أفعال الخير المقدمة له وتربى عليها أن يقف ويستخدم ما تبقى من العقل... كم هو مقرف أن نصل إلى أجيال من "الضباع" يكبر فيها الوحش المفترس يوما بعد يوم وشهيتها الأولى أن الافتراس دون رحمة...
وماذا بعد؟ بعد الاعتقال؟ وما العمل؟ بعد تجريب المقاربة القانونية في الزجر. هل يستعيد المشهد قليلا من إنسانيته في فيديو بنفس مذاق الاحتفال والاحتفاء، التلميذ الذي "شرمل" أستاذة بالدار البيضاء يخرج وزمرة من أصدقائه يحتفلون به على أنه بطل مغوار، على أنه أنجز المهمة وزار "المكان المقدس" وخرج مزهوا بنفسه يردد كم كنت قويا، كم كنت باسلا، وكم ازدانت مفاهيم الشجاعة والبسالة وزيارة السجن قوة وبأسا لآدمي مراهق وجد لذته ذات يوم أن يتغذى على الدم وهو يتدفق من وجنتي مربية وأستاذة جليلة عوض أن يكن لها مشاعر الود والحب والعرفان ويمطرها دما ودما وزهوا بالإنجاز...؟
مشهد الوحش المفترس:
يدفعنا الفيديو إلى مطارحة سؤال لماذا هذا "الآدمي" له هذه القدرة العجيبة على هذا الفعل الشنيع دون وازع أخلاقي أو ديني أو معرفي أو إدراك حسي؟ يقودنا السؤال إلى أن الوحش لا يولد وحشا بين عشية وضحاها، وهذا يدعو إلى نوعية الفكاهة والبرامج والمدرسة والأسرة... التي تروج لفعل العنف وتجعله فعلا بسيطا قابلا للنمو وأنه كلما تضخمت آناه كلما استطاع أن يجد له مكانا فسيحا بيننا.
كم يحترم المجتمع هذا الآدمي العنيف، بدون رحمة، القادر على سفك الدماء وتمريغ طفلة غضة بكل قواه وأن الرجولة المبحوث عنها داخل هذا المجتمع في قوة التدافع دون قوة المشاعر والأحاسيس... كم هو بائس هذا المفهوم لرجولة تأنف منها النفوس وتغذي كبرياء الذكر على أنه قادر على وضع ركبة واحدة ليشل حركتها وينال المراد... فقط مشهد وضع هذا الآدمي/الوحش ركبته بطريقة احترافية وقدرته على شل حركتها رغم مقاومتها أن ما قام به هو فعل رجولي...وبئس الرجولة.
مشهد الإنسان القابع فينا:
حينما نكتب بهذا الغضب المشفوع وهذا البركان القابع فينا، كان الرجاء ألا تتكرر هذه المآسي التي تسيء إلى إنسانيتنا وانتماءاتنا لهذا الوجود الإنساني الرحب على أننا بناة حضارة وقيم، بناة تاريخ من الأمجاد، وأننا نحترم أمهاتنا في عيون بناتنا وفي عيون تلميذات مغربيات شغوفات بالدرس والتحصيل. ما نبتغيه أن تكبر مشاعر التعاضد ومشاعر الحب للقيم الجميلة التي تربينا عليها وأحببنا فيها بنات الجيران... وكنا لهن سندا في الطريق وفي المدرسة وفي العمل وفي الحافلة...
حينما نكتب ونتأمل في المشهد برمته نحاصر هذا العنف... نحاصر هذه البشاعات. وعلى المثقفين المغاربة أن يقوموا هذا الاعوجاج وألا يلوذوا بالصمت... كم آلمتنا مشاهد هذه التلميذة التي لا نعرف لها اسما ولا مدينة ولا شارعا ولا منزلا، ولكنها مغربية علينا أن نفتخر كما كانت جريئة وهي تقاوم ببسالة الوحش الكاسر في الآخر...
بئس الكائن هذا. بئس اللحظة. بئس المصور والمشهد برمته. عمدتم إلى قتل كل شيء جميل فينا، انتبهوا.. انتبهوا.. والتقطوا الإشارات قبل فوات الأوان... والقادم أفظع أيها المغاربة.
تفيض عيوني دمعا.. تغالبني الدموع... ولا أستطيع أن أضع نهاية للمشاهد.. فللمشاهد بقية...
عن موقع هسبريس
إن كان للموت من خدش للحياة، فهذا هو الموت بعينه الذي نعيشه من خلال تلذذ المصور وهو يلتقط أنفاس تلميذة صارخة باكية مستعطفة، يمرغها أرضا وأرضا وسط الشارع وهي تصرخ نحيبا وما من مجيب.
هل من نخوة في هذه البلاد؟ هل وصلنا إلى هذه الدرجة من الانهيار وأصبحنا نكرر المآسي على أنها إنجازات عظيمة نتباهى بها؟
بعد فتاة الحافلة، يأتي الدور على فتاة/تلميذة الشارع، والقادم أسوأ. لم أستطع أن أكمل الفيديو لبشاعته، لوقاحته، ولقسوته، وأكملته مضضا. لهذه الأسر التي تلد "الوحوش" في أشكال أدمية؛ ماذا قدمنا للإنسانية لنقول لقد قتلنا الوحش فينا، لقد تغلبنا على الكبت فينا، على العنف فينا؟
تبا للكبت. تبا للعنف. تبا لكل متاجر في شعب حوّل بشرا إلى وحوش أدمية تتباهى بالألم والعجرفة تكبر فيها، تتباهى كم أصبح هذا الوحش ضاريا قادرا على الافتراس، كم تغولت فينا الصعلكة وحسبناها أخلاقا تستحق التصفيق.
بئس الكائن هذا. بئس اللحظة. بئس المصور والمشهد برمته. تقتلون كل شيء حيا فينا، كم تحبون التشفي صورا والقادم أفظع. أيها المغاربة انتبهوا، انتبهوا والتقطوا الإشارات قبل فوات الأوان.
مشهد الفرجة:
يحز في النفس أن المشاهد الأكثر دراماتيكية في مغربنا تصل بسرعة، تصلنا عبر وسائط التواصل الاجتماعي وتكون صادمة وتخلف وقع الصدمة والاهتزاز، تجعل النوم يجفو من عيوننا.
المشهد ذاته يتكرر في مشهد الفتاة بالحافلة بالدار البيضاء، أو في مشهد الفتاتين بأكادير وهما تتعرضان للرجم والصفع لأنها لبستا تنورتين قصيرتين، أو مشهد نساء الصويرة حيث عمد البعض إلى توثيق لحظة التدافع ونسي أنهن نساء مهملات ومهمشات وعمد إلى تقاسم الصور لحظة أنين الموت دون السؤال. فلهذا الكائن حرمته.
كم يحز في النفس وأنا أرى محفظة التلميذة هي الأخرى تنال حظا وافرا من الركل والتمريغ والصفع، كأنها إحالة إلى كتاب لم يعد يجدي وإلى مدرسة فقدت رونقها في محاربة عنف تتعدد مشاربه يضع. "المفترس" ركبته على عنقها في عملية احترافية كمحترفي المصارعة ورفاق جون سينا وهم يكيلون الضرب والرفس والزهو بالنفس...
كم هي مؤذية هذه المشاعر التي تعزز صور الانهيار فينا. كم هو محزن أن الفاعل يافع مراهق كل همه أن يفرغ شحنة من العنف والشهوة تحاصره ولا يعلم أن العالم بأسره ينظر كم انهارت مدرستنا وأسرتنا وشوارعنا. وكم يحز في النفس أننا لم نعد نستطيع أن نحافظ على إنسانيتنا أمام فداحة وهول المشهد وتتبعه حتى النفس الأخير.
مشهد الواقعة ومشهد السؤال:
يولد هذا الفيديو المقرف الكثير من المرارة والغضب وردود الفعل... ومعه تتوالد وتتناسل الأسئلة طازجة؛ هل هي حالات هنا وهناك أم إنها مؤشرات على بداية الانهيار غير المعلن وعن انحطاط قيمنا التي تربينا عليها؟ هل نشوة الفرح والصراخ المواكبة لتصوير الفيديو وطرحه للفرجة والمشاهدة عمليات تنبيه أم هي صرخة موجعة في أحشائنا لم نستطع مقاومتها وطرحناها لنرى بشاعة الفعل المقترف في حق الذات المغربية وفي حق البلاد وفي حق الانسان، وأن ما أنجزناه بصيغة الجمع وما راكمناه لم يكن سوى خيبات أمل؟
كم هو مقرف حد القرف الممزوج باللعنات أن يافعا لم تردعه قيم ديننا الحنيف، ولم تردعه معارفنا الإنسانية في المدرسة، ولم تردعه أفعال الخير المقدمة له وتربى عليها أن يقف ويستخدم ما تبقى من العقل... كم هو مقرف أن نصل إلى أجيال من "الضباع" يكبر فيها الوحش المفترس يوما بعد يوم وشهيتها الأولى أن الافتراس دون رحمة...
وماذا بعد؟ بعد الاعتقال؟ وما العمل؟ بعد تجريب المقاربة القانونية في الزجر. هل يستعيد المشهد قليلا من إنسانيته في فيديو بنفس مذاق الاحتفال والاحتفاء، التلميذ الذي "شرمل" أستاذة بالدار البيضاء يخرج وزمرة من أصدقائه يحتفلون به على أنه بطل مغوار، على أنه أنجز المهمة وزار "المكان المقدس" وخرج مزهوا بنفسه يردد كم كنت قويا، كم كنت باسلا، وكم ازدانت مفاهيم الشجاعة والبسالة وزيارة السجن قوة وبأسا لآدمي مراهق وجد لذته ذات يوم أن يتغذى على الدم وهو يتدفق من وجنتي مربية وأستاذة جليلة عوض أن يكن لها مشاعر الود والحب والعرفان ويمطرها دما ودما وزهوا بالإنجاز...؟
مشهد الوحش المفترس:
يدفعنا الفيديو إلى مطارحة سؤال لماذا هذا "الآدمي" له هذه القدرة العجيبة على هذا الفعل الشنيع دون وازع أخلاقي أو ديني أو معرفي أو إدراك حسي؟ يقودنا السؤال إلى أن الوحش لا يولد وحشا بين عشية وضحاها، وهذا يدعو إلى نوعية الفكاهة والبرامج والمدرسة والأسرة... التي تروج لفعل العنف وتجعله فعلا بسيطا قابلا للنمو وأنه كلما تضخمت آناه كلما استطاع أن يجد له مكانا فسيحا بيننا.
كم يحترم المجتمع هذا الآدمي العنيف، بدون رحمة، القادر على سفك الدماء وتمريغ طفلة غضة بكل قواه وأن الرجولة المبحوث عنها داخل هذا المجتمع في قوة التدافع دون قوة المشاعر والأحاسيس... كم هو بائس هذا المفهوم لرجولة تأنف منها النفوس وتغذي كبرياء الذكر على أنه قادر على وضع ركبة واحدة ليشل حركتها وينال المراد... فقط مشهد وضع هذا الآدمي/الوحش ركبته بطريقة احترافية وقدرته على شل حركتها رغم مقاومتها أن ما قام به هو فعل رجولي...وبئس الرجولة.
مشهد الإنسان القابع فينا:
حينما نكتب بهذا الغضب المشفوع وهذا البركان القابع فينا، كان الرجاء ألا تتكرر هذه المآسي التي تسيء إلى إنسانيتنا وانتماءاتنا لهذا الوجود الإنساني الرحب على أننا بناة حضارة وقيم، بناة تاريخ من الأمجاد، وأننا نحترم أمهاتنا في عيون بناتنا وفي عيون تلميذات مغربيات شغوفات بالدرس والتحصيل. ما نبتغيه أن تكبر مشاعر التعاضد ومشاعر الحب للقيم الجميلة التي تربينا عليها وأحببنا فيها بنات الجيران... وكنا لهن سندا في الطريق وفي المدرسة وفي العمل وفي الحافلة...
حينما نكتب ونتأمل في المشهد برمته نحاصر هذا العنف... نحاصر هذه البشاعات. وعلى المثقفين المغاربة أن يقوموا هذا الاعوجاج وألا يلوذوا بالصمت... كم آلمتنا مشاهد هذه التلميذة التي لا نعرف لها اسما ولا مدينة ولا شارعا ولا منزلا، ولكنها مغربية علينا أن نفتخر كما كانت جريئة وهي تقاوم ببسالة الوحش الكاسر في الآخر...
بئس الكائن هذا. بئس اللحظة. بئس المصور والمشهد برمته. عمدتم إلى قتل كل شيء جميل فينا، انتبهوا.. انتبهوا.. والتقطوا الإشارات قبل فوات الأوان... والقادم أفظع أيها المغاربة.
تفيض عيوني دمعا.. تغالبني الدموع... ولا أستطيع أن أضع نهاية للمشاهد.. فللمشاهد بقية...
عن موقع هسبريس