العنف المدرسي: ثور هائج لا زال متراجعا إلى الوراء

لطالما تجنبت التعليق على فيديو التلاميذ المراهقين في مواقع التواصل، الذين تكالبوا على إهانة أستاذ يبدو في أواخر سنوات مساره المهني، كما يبدو أنه لم يخض قط تجربة مصارعة أو شجار في سابق أيامه، من خلال ردود أفعاله الارتكاسية السلبية، وتجمده في مكانه، حتى أنه جبن على التحرك في اتجاه الباب ولم يتجرأ حتى على الاستنجاد بزميل، بل سمعنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنه رفض حتى رفع شكاية في الموضوع. لكني في الأخير وجدتني استقريت على تنفيس الاحتقان النفسي الذي سببه لي ذاك المنظر المقرف والمقزز والمثير للغثيان من خلال هذه المساهمة التحليلية المتواضعة. وأكيد أن الذين مسحوا الفيديو بصريا بروية وتأمل وإمعان، لاحظوا بما لا يدع مجالا للشك أن المعتدين اصطفوا في طابور واحد، كل من موقعه تعنيفا للأستاذ، إن لم يكن بالفعل فبالتفرج والضحك والتهكم وأكثرها شناعة بالتصوير من موقع مميز رصد كل كبيرة وصغيرة في هذه المجزرة التربوية بامتياز.

لعل ما يخالج الفؤاد من أحاسيس موجعة، ويعتصر النفس من ألم، لكفيل بأن تنفلق له المرارة من الغيظ وينجلط لها الدماغ إحباطا وانهيارا نظرا لما آل إليه الواقع، من فرط فداحة ما وصلت إليه العلاقة بين التلميذ والأستاذ. والمفجع أن الحادثة وقعت في ربع، اشتهر سكانه بالطيبوبة والشهامة والمحافظة على البقية الباقية من القيم التي ربما انقرضت في مناطق أخرى من المغرب، بسبب احتكاكها جغرافيا بتيارات جعلتها في مرمى مدفعيات المدنية المتوحشة. من سنسائل حتى نجد تفسيرا شافيا لما يقع؟ أمنظومة القيم؟ والتي أفرزت فيروسا، لا يبقي ولا يذر: اسمه العنف، أصاب المدرسة العمومية في مقتل، وقبلها تفشى في المجتمع، حتى اضحيت تحسم بأن المغربي أصبح أحوج للأمن منه للخبز. . ولا أريد في هذه العجالة أن أنخرط مع التيار الهادر الذي أفرزته الواقعة لأنهال بسياط مدميه على ظهور الجناة. ولكن سأحاول مقاربة الموضوع مقاربة موضوعية شمولية تتراءى من خلالها تفسيرات أظنها منطقية وعلمية.

لا شك أن الهوامش المتناسلة التي تمنطق المدن المليونية من فرط الزحف القروي المتسارع، كما في القرى والمداشر، وأيضا في البلديات الصغيرة، وأيضا في المدن بأشكالها المختلفة التي غالبا ما تكون عبارة عن دواوير كبيرة، بشوارع مزفتة، كثيرة الحفر، وتارة تجد كل شيء مزفتا ماعدا الطرقات. تتناثر هنا وهناك مدارس عمومية، لاحتواء الكم الهائل من الأطفال البالغين سن التمدرس، لا سيما وأن في هذه البؤر الهشة والمدن الشبيهة بالمدن، لازالت موضة المدارس الخصوصية في مهدها، ولازالت تنافس المدارس العمومية على استحياء. فبالعين المجردة، كما بإجراء بحث استقصائي بسيط: تتضح الحالة المزرية والأوضاع الاجتماعية الكارثية والاحتقان المنذر بانفجار وشيك الذي تعيشه قاطنة هذه الفضاءات. والتي تحيلنا على العلاقة الطردية بين الفقر والعنف كنتاج طبيعي لانهيار منظومة القيم في المجتمع ككل وأوتوماتيكيا داخل المؤسسة التربوية إلى درجة أنه يخيل إليك أن المدرسة تأتي بمخرجات تماما عكسية، لما تدعيه بين طيات مناهجها وتسوقه عبر شعارتاها وأبواقها التي بحت كذبا وبهتانا، لنقل عكس ما عليه واقع المدرسة اليوم. واستنفدت جميع محاقنها لنفخ أوداج الإصلاحات المتلاحقة بالبوتكس اللغوي والوعود المنمقة والزخرف من القول والزور. والحقيقة أن كل المؤشرات لن تخطئ الطريق إلى مصير مجهول في ظل التحولات التي تتسارع بجنون داخل مجتمع يستدمج الغث والسمين وقابل لاحتواء كل شيء دون حسيب ولا رقيب.

وإذا كانت منظمة الأمم المتحدة تعرف الفقر المدقع بعدم تناسب حاجيات الأسرة مع احتياجات أفرادها، من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وخدمات، فكل هذه العناصر غير متوفرة يعتريها قصور وخصاص، فلا التغذية متوازنة وصحية، ولا مصادر المياه مأمونة، ولا الملبس مناسب، ولا المسكن لائق، ولا الخدمات متوفرة، على الأقل في حدها الأدنى. أما إذا تطرقنا للحديث عن أسلوب الحياة ونمط الإنفاق والاستهلاك، وأشكال الوعي الثقافي، والانفتاح على العالم والأسفار والترفيه ...فسيكون ضربا من الخيال وإغراقا في الطوباوية. . إن التصنيف في خانة الفقر المدقع هو أقل ما يمكن أن يكون إذا كان الدخل الأسري بالكاد يجري لاهثا وراء الحاجيات المطردة والأعداد المتزايدة لأفراد الأسرة، بما أن البطالة المستشرية في هذه الأوساط، كما لا يخفى على أهل الاختصاص عامل فارق في ازدياد النمو الديموغرافي.

إن مسحا سريعا للوائح المتمدرسين يكشف أن وضعية رب الأسرة المهنية لا تكاد تتجاوز بطالة مقنعة إن لم تكن عطالة كلية، وهي عبارة عن حرف وممارسات ترقيعية معيشية، تتأرجح بين المياومة والاستخدام والحراسة والتجارة في الأسواق القروية وكثير من العائلات تسترزق بطرق لا شرعية ولا مشروعة، ليفرز هذا السخام يتما أكيدا يعاني منه الابن. إن لم يكن يتما بيولوجيا في حالة وفاة أحد الوالدين، فهو يتم اجتماعي في حالة غياب الأب، لسبب من الأسباب، أو يتم اقتصادي إذا كان الأب عاطلا او معطلا و لا يتطلب الامر كثيرا من الفطنة و الذكاء ليستنتج ملامح الطفل المنبعث من هذا الركام الهائل: تفكك أسري صارخ، جفاف عاطفي، فقر فكري وانحباس في الأفق. إن الدراسات أثبتت بما يدع مجالا للشك أن نمو القشرة الدماغية : (écorce cérébrale) المسؤولة عن المهارات الفكرية والكلام والإدراك الحسي والتخزين: تكون أقل نموا عند هؤلاء الفئات، كما أن الضغط النفسي الذي يعاش في هذه الأوساط من قبل نمط والدي صارم ومتسلط، ينتج تواصلا عبارة عن أوامر ونواه وتحقير وتخجيل، بنوعية خطاب مميزة: نوعية يسمها التكرار والقمع والصفع اللفظي، اتجاه مخاطب يتسم بالخنوع والانحنائية، تماما كما خلصت إليه دراسات علم الاجتماع الذي ينتهي إلى أن اللغة تنأى بفقرها عن التفكير النظري المجرد، وهي خالية من السببية ومن المصادر والصفات وأدوات الوصل ناهيك على أنها تؤمن بالعنف الجسدي كوسيلة فعالة في كبح جماح الآخر كيفما كان.

وتحضرني هنا عبارة رائجة مترسخة مضحكة /مبكية في ثقافة هذه الفئات أستدل بها على ما أقول، و سيبتسم بقراءتها كثير من رجالات الميدان: (اذبح وانا أسلخ) حتى أن سقف العقاب البدني الذي يكال للطفل عال للغاية. كأن الأب أو الأم تصارع في حلبة خصما غاية في الشراسة. إنهم يمارسون عنفا يسبب انحباسا نفسيا لسنوات ضوئية النتيجة: تلميذ صعب المراس، قليل الامتثال والانضباط، بقابلية للتمدرس متدنية ومنسوب عنف عال للغاية. ولعل هناك عوامل تزيد من تفاقم الوضع وتجعل من انخراط مؤسسة الأسرة في مشروع تدريس الأبناء انخراطا لا واعيا، انطلاقا من تمثلاتها السلبية اتجاه التعليم واتجاه مستقبل يوجد في خانة المجهول يكسلها عن الاستثمار فيه على حساب قوتها اليومي، الذي بالكاد يسد الرمق ويقيم الأود، لا سيما وأن كلفة التمدرس ولو في المدرسة العمومية تثقل كاهل هذه الشريحة، لأن مصاريف الموسم الدراسي تشكل فقط حلقة من حلقات النزيف المادي الذي يفرضه تعاقب المناسبات والمواسم طيلة السنة. وبانعدام الضمانات الأكيدة من جدوى الدراسة يفقد رب الأسرة القدرة والحافزية علي تحمل العناء وبذل مجهود مادي إضافي للاستثمار في الدراسة.

لهذا يكون التركيز فقط على الخبز وما عداه نوع من الترف، ولو ان عددا كبيرا من الآباء تلمس لديهم رغبة دفينة ومضمرة وطموح مكبوت في تحقيق أنفسهم من خلال أبنائهم، نظرا لإدراكهم قيمة العلم ومذلة الجهل بعد فوات الأوان. وسيطول مسلسل القهر عند التعرض لنوعية الإعلام الذي يوجه سهامه لهم بكل قسوة، يكون الأمر طبيعيا عندما تجرب كل الاختيارات لوفرة العرض نتيجة الثورة الرقمية المتوحشة، ولكن الذي لا يفهم هو الإمعان في استهلاك إعلام هابط يروج لقيم دنيئة وواقع هلامي ليس بينه وبين واقعنا غير الخير والإحسان، بدعوى الترويح والهروب الى الأمام من المعيش المر، لكن النتيجة: إصابة في مقتل وانتكاسة في الفطرة البشرية. فهو يمارس نوعا من المسخ لهوية المتلقي وينأى به عن قيمه ودينه وكينونته وثقافته ويجعل منه كائنا فسيفسائيا مسيخا، بخليط وأمشاج من العادات والسلوكيات هيئة وملبسا ومنطقا ومعتقدا، مؤديا هذا المتلقي ضريبة باهضه مقابل استهلاك خرد إعلامية رخيصة، يرقص من خلالها أباطرة الإعلام على جراحات هؤلاء المغلوبين والمعترين ويوهمونهم باسترواح العطر من الورود البلاستيكية. ناهيك على الإقبال الشره على المواقع الإباحية التي تدغدغ أجهزتهم التناسلية بتسليع الجسم وإباحته خارج كل السياقات، مغتصبة قيم العفاف والفضيلة ومنعطفة بمفهوم الجنس عن مصارفه الطبيعية السويه ومقاصده الإنسانية النبيلة، نكوصا بهم مزيدا في مستنقع النتانة والرذيلة. ويؤدي فاتورتها بدون شك الأبناء المتأثرين حتما بهذه المسوخ عاجلا وآجلا.

بل حتى الثورة التكنولوجية العارمة التي اجتاحت العالم كان النصيب منها سقط المتاع. فالفجوة الرقمية التي تقاس بامتلاك الأجهزة الذكية والتي تخول لأصحابها الإبحار طولا وعرضا وعمقا، عبر العالم وسبر أغواره ومكنوناته مقابل شخصية أوسع افقا وأرحب مداركا، ستتفاقم صعودا لتجعل الفجوة تزيد اتساعا بين هذه الفئة والفئة الأكثر حظا. ولا يكاد الطفل يلتقط أنفاسه من هول قساوة مؤسستي الأسرة و الإعلام حتى يتلقفه حقل ألغام الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود: إنه الشارع ،فضاء مؤثر بامتياز و مهرب لا محيد عنه و ملاذ حتمي في ظل غياب البديل لك ان تتخيل الكم الهائل من العنف الذي يستشربه طفل هذه المناطق منذ نعومة أظافره، ولو استبدل الشارع بملاعب قرب أو دور شباب أو مكتبات او نواد رياضية أو قاعات سنيمائية أو مقاهي إنترنيت مهيكلة ومراقبة أو حتى فضاءات لعب من دون تجهيزات .في غياب كل هذا، يصبح الشارع صفيحا ساخنا وبالوعة تلتهم كل من زلت قدمه، بحكم أنه يعد مرتعا خصبا تتقاطع فيه كل أشكال القيم صالحها وطالحها، غثها و سمينها لتصبح بالتأكيد مجاورته مجازفة غير محسوبة العواقب، تفرخ في الغالب كل الأمراض الاجتماعية وكل الموبقات التي يمكن أن تخطر على بال. فيكون الطفل عندئذ قد تشرب جميع المعاني السلبية للحياة واستقحمتها مشاعره وتحكمت في أفكاره وانطباعاته حول العالم، في سن حرجة أي السنوات الخمس الأولى التي تتشكل فيها شخصيته كما لا يخفى على أهل الاختصاص، مما يزج به في زنزانة استسلام لا شعوري للواقع المرير بكل تلاوين العنف المعروفة وغير المعروفة.

في هذ المسار المليء بالمطبات، المحفوف بالمخاطر والمنعرجات، نحو المدرسة يخطئ الطريق مرة أخرى مع محطة غاية في الأهمية استتمام الرتوشات الأخيرة تشكيلا لمعالم تلميذ مؤهل نفسيا وعاطفيا ومعرفيا للتمدرس، ألا وهي التعليم الأولي الذي أعتبره سرا هائلا من أسرار انطلاقة جيدة نحو مسار تعليمي جيد إن لم أقل ممتاز. إنها محطة إعدادية بامتياز يتم خلالها إذابة كثير من الجليد بين الطفل والمدرسة إنها تحسيس واستئناس بالفضاء التعليمي، احتكاك وتفاعل بجماعة الأقران: حيث يكتسب مكانته السوسيومترية ويسهم في نمو ذكائه العاطفي ويكتسب الكفايات الاستراتيجية الأولى للتموقع في الزمان والمكان. إنه بشكل من الأشكال نوع من المغادرة الطوعية لفضاء الأسرة نحو جو من الحرية الشخصية، انفكاكا من أسرها. ليحلق كالطير بمفرده في الفضاء الخارجي لأول مرة في حياته. يكفي أن نثمن الدور الذي تلعبه الوضعيات التعليمية الأولى التي تعرض عليه، وينخرط في معالجتها، في خلق الدافعية: الشرط الأهم من بين شروط التعلم فبدون تعليم أولي يفقد نهج السيرة لمترشح المدرسة كثيرا من المحفزات. وهو أصلا مثقل بقائمة من الأمراض تتراوح بين القلق والاكتئاب والتوتر والارتباك والوسواس القهري والتأتأة وإدمان الخجل والانطواء وصولا الى أمراض نفس جسدية كالتبول والتبرز اللاإرادي ومتلازمة الاجترار، الى أن تصل أحيان حد الفصام وأعراض أخرى نعاينها ربما تكون غير مصنفة...

إن الوصول الى محطة النهاية سيفضي الى مدرسة بنيت على جرف هار، تهدد بالانتحار في كل حين من فرط تآكلها و أعطابها الكثيرة القاتلة في كل شيء: في بنيتها، في هيكلتها، في منهاجها، في تدبيرها الورقي المقيت الممل والمليء بالكذب والتزوير والبهتان والتمثيل، في قدرة فاعليها و شركائها على البذل والعطاء والإبداع، في قدرتهم على التكيف مع الحدود و الإطلاقيات، في الوعي بأن إيقاع الممارسة يستدعي نفسا متجددا يتماهى مع سرعة التغيير و التطور .وخاصة في قدرتهم على تغيير نظرتهم للمهنة بمقاربتها مقاربة رسالية إنتاجية، عوض مقاربتها مقاربة خبزيه تكسبيه، بوعي حقيقي لخطورة و صعوبة وقدسية المهمة. فكيف يستقيم لمدرسة غير مؤهلة أن تحتوي مشروع تلميذ بهذه الندوب والكدمات، وتتوفق في بنائه مواطنا صالحا قادرا على الإنتاج والعطاء.

ألا يحق لنا أن نتساءل هل نحن مؤهلون لاحتضان وافد جديد بمواصفات خاصة؟ هل لنا من الكفايات الأساسية ما يمكن من استدراك التأخر؟ هل يكفي تكويننا الأساس الذي تلقيناه في غفلة من الزمن والذي بقي جامدا لعقود على الإحاطة بكل المشاكل التي يحل بها هذا البريء متأبطا إياها؟ عوض الاندماج تلقائيا في سيرورة التعلم كما يحصل مع أقرانه المترفين في المغرب الآخر، أنقدم له وصفة تربوية تليق بمستواه النفسي والمعرفي؟ ألا نسهم في تأجيج إعاقته النفسية بمزيد من الضغط والتشنيج؟ ألا نتفنن في التنكيل به وكيله أشد أنواع العقاب إسوة بوالديه وبإلحاح منهم؟ ألا نكرس أسلوب التواصل العمودي المستبد؟ ألا نلقنه بطرق تغيب العقل والفكر النقدي؟ ألا نذكي فيه ثقافة الاستقبال والانصياع؟ ثم هل نستغل بعض المنافد التي يمكن من خلالها التنفس من جو نظيف نوفره له من خلال قتل تأثيرات البيئة السلبية فيه؟ هل نفعل شيئا إيجابيا اتجاهه يتذكرنا به غير العقاب البدني والنفسي؟ بهكذا مصير يبقى الطفل المنبعث من هذه العوالم مشروع تلميذ /مجرم يتأبط كراسة بمثابة جواز سفر لولوج باحة المؤسسات ليعيث فيها فسادا، تمردا على الواقع وعلى نفسه وعلى جميع المرتفقين. تلميذ غالبا ما يكون في وضعية الطائرة (mode avion) لفرط انسلاخه عن الواقع وتعاطيه للسيكوطروبات الرخيصة الي غزت البلاد في غفلة من الجميع وبمباركة من المستفيدين من صناعة الأمزجة المغتنين. الحال أن العلاقة بين الفقر والعنف علاقة واضحة وشرعية موثقة بعقد لا غبار عليه.

فلا يستقيم في الأذهان شيء إذا كان النهار يحتاج الى دليل، فالعلاقة تبادلية بمفعول ارتجاعي. لقد هرمنا من اجترار نفس الأسطوانة: إن سؤال السلم التربوي كمصطلح وليد وغريب بدأ يفرض نفسه بإلحاح منقطع النظير لا شك ان معضلة العنف التي اجتاحت مؤسساتنا وقبل ذلك مجتمعاتنا وزاد من الإحساس بها التقاسمات ومواقع التواصل تختبئ وراءها مشاكل بنيوية هائلة مرتبطة بتوزيع الثروات، بالعدالة الاجتماعية، بتكافؤ الفرص، بالتبعية، بمرهونية الاقتصاد في يد الامبريالية المتوحشة، بالإملاءات الخارجية، بالاستعمار الفكري والاقتصادي الجاثم على الصدور، الذي خرج من الباب ودخل من النافدة من خلال الطغمة الفرنكوفونية المتنفذة، والتي تسعى الى تكريس الأمر الواقع و الدفع بعجلة التعليم الى إنتاج وإعادة إنتاج نفس النخب ونفس الطبقات...إن الإصلاح الذي يتوق إليه الجميع رهين في الاستثمار في العنصر البشري باعتباره رأسمال حقيقي، يرد الاعتبار للإنسان الفقير وباعتباره مواطنا لا رقما، باحترام كرامة وجوده، بتأهيل المحيط الذي يعيش فيه، باعتماد مقاربات مندمجة تحد من فداحة الهوة بينه و بين المترفين. آنذاك سنتيح لمؤسسة الأسرة فرصة التفكير في استثمار مضمون لأبنائها في مدرسة عمومية، مؤهلة لاحتضان تلميذ مؤهل دون ندوب ودون كدمات ودون علامات في وجهه من واقع مرير يجعل منه ثورا هائجا داخل حرم المؤسسة التربوية يصدم الأقران والأطر والأساتذة وكل من يقف في الطريق.

عبد الكريم دودوش
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-