الأستاذ المتعاقد وقصر نظر وزارة التربية الوطنية

أصدرت وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني مراسلة أسمتها مذكرة في شأن تنظيم تكوين الأساتذة الموظفين بموجب عقود خلال الموسم الدراسي 2017/2016 تحت رقم 008/17 بتاريخ 20 يناير 2017 .

رغم أنها لا تتوفر على مقومات المذكرة الإدارية سواء من حيث الشكل أو البنية الهيكلية أو المضمون فإن الظرفية الزمنية والاستعجالية التي أرغمت الوزارة على إصدارها تدفعنا إلى تحليلها قصد مساعدة من يهمه أمر المتعلمين ومن أوكلت لهم الدولة المغربية مسؤولية مستقبلها على نزع نظارات ردود الأفعال والتحامل على بعض عناصر المنظومة التربوية،

من حيث الشكل

قسمت المذكرة إلى 5 فقرات غير متجانسة لا من حيث الحجم ولا من حيث البناء، وهي: 

ديباجة، مبادئ عامة، صيغ التكوين والتقويم، تنظيم التكوين وآليات التأطير والتنسيق والتتبع والمواكبة الميدانية، وخاتمة،

لن نتطرق لهذا الجانب، الهام، من شروط المذكرة الإدارية لكون وزارة التربية الوطنية لن تلتفت له رغم أهميته، كما عودتنا على ذلك، ونظرا لضيق مساحة المقالة التحليلية.

من حيث البنية

¬ اعتمدت المذكرة في ديباجتها مقررين مشتركين بين وزير التربية الوطنية و وزير الاقتصاد و المالية؛ رقم 7259 بتاريخ 7/10/2016 و رقم 7975 بتاريخ 1/11/2016، غير منشورين لا بالجريدة الرسمية و لا بموقع الوزارة، و بذلك تكون المذكرة مبنية على مراجع غير متوفرة، و يصعب على المطلوب فيهم العمل على تطبيقها و تنفيذ بنودها تعرف مضمونهما؛

¬ أقحمت فقرة أسمتها مبادئ عامة، وهي عبارة عن كلام فضفاض لم يشر لأي مبدإ من المبادئ التي يجب أن تؤطر موضوع المذكرة؛

¬ اعتمدت 3 صيغ للتكوين، التكوين الميداني، التكوين عن بعد، التكوين الحضوري (النظري بمراكز التكوين)، ولم تلتفت لمتطلبات التكوين عن بعد خاصة وأن المناطق الجغرافية التي تنتظر المتعاقدين غير مغطاة بشبكة الاتصال والتواصل الحديثة ... وركزت على تقويم المصوغات المقررة في التكوين النظري، ولأن كاتب المذكرة لا علاقة له بالميدان التربوي اعتبر النظري هو الأساس " يحتفظ التكوين الحضوري بدور أساسي في توجيه وصقل مهارات وقدرات المستفيدين "؛

¬ لم تحترم منهجية محددة في بناء فقراتها فمرة تبدأ بتشكيلة اللجن ويليها المهام ومرة أخرى تبدأ بمهام اللجن وتليها التشكيلة؛

¬ لم تحترم التراتبية الإدارية بين المطلوب فيهم التنفيذ حيث تبدأ مرة بمدير المؤسسة واعتبار المفتش تابع لمؤسسته الابتدائية أو الثانوية، وتذكر الأستاذ قبل الأستاذ المصاحب؛

¬ فصلت كثيرا في التكوين النظري (الحضوري) والتكوين عن بعد ومرت مر الحاقد على التكوين الميداني، لتعود في خاتمتها لتشير إلى أن التكوين سيعتمد على " دليل تكوين الأساتذة الموظفين بموجب عقود "؛

¬ استعملت علامات الترقيم بعشوائية مما أفقد أغلب الفقرات المغزى الحقيقي منها، بل أعطى عكس ما يمكن أن تهدف إليه، كمثال تشكيل لجنة التأطير المحلي، التي أصبحت تحتمل عدة تفسيرات؛

¬ استعملت مصطلحات وأسماء إطارات أو مهام غير موجودة في الساحة التربوية مثل " المفتشون الإقليميون " و " الموظفون بموجب عقود " وهي إطارات أو مهام غير موجودة في أي نص قانوني يهم التربية والتكوين؛

¬ اعتمدت الأستاذ المصاحب في كل الأسلاك، مما يعني أن الوزارة لم تستفذ مما نبهت له فيما يخص الأستاذ المصاحب في الابتدائي، وتعتبر أن كل الكتابات وكل النقاشات حول عدم إمكانية اشتغال الأستاذ(ة) المصاحب(ة) في الابتدائي مجرد مزايدات؛

على مستوى المضمون

لا يتسع المقام للحديث عن كل هفوات وأخطاء المذكرة لذا سأقتصر على فقرة صغيرة هي " لجنة التأطير المحلية "، نظرا لأن كل اللجن ستقتصر مهامها على التخطيط في غياب الفاعلين الأساسيين وهم المفتش ومدير المؤسسة والأستاذ، فالمنفذون الثلاثة هم بيت القصيد في هذه المذكرة، ولسوء حظ المنظومة التربوية وبالتالي مستقبل المغرب أن من يخطط على المستوى المركزي يعيش علاقة انفصام، ويكتفي بالحلول الترقيعية التي لا تستحضر فقه المآلات، ومن أجل تحليل الفقرة لابد من نقلها كما هي دون زيادة أو نقصان:

لجنة التأطير المحلية = تتشكل لجنة التأطير المحلية من السيد(ة) مدير(ة) المؤسسة رئيسا(ة) والسيدات والسادة المفتشين التربويين والأساتذة المصاحبين والمكونين، في حالة وجودهم، أعضاء.

ويعهد إليها القيام بمهام التأطير والمصاحبة والمواكبة والتتبع على مستوى المؤسسات التعليمية وإنجاز تقارير دورية حول المعنيين وسير التكوين بمؤسسات التدريب.

من خلال النص يمكن طرح التساؤلات التالية:

+ هل يمكن أن تتكون لجنة من عضو واحد؟ فالنص يقول { السيد(ة) مدير(ة) المؤسسة رئيسا(ة)} أما السيدات والسادة المفتشين التربويين والأساتذة المصاحبين والمكونين فهم أعضاء في حالة وجودهم حيث وضع كاتب النص شرط الوجود لتصبح لهم عضوية في اللجنة " في حالة وجودهم " أما حالة عدم الوجود فالسيد المدير يعتبر لجنة لوحده، وهذه صيغة جديدة لم يعرفها المجال القانوني ولا المجال التدبيري الإداري من قبل، و هنا يمكن تلقين كاتب المذكرة أهمية علامات الترقيم؛

+ كيف تكتسب العضوية هل بواسطة تكليف مكتوب؟ أو بواسطة تعيين؟ أو بانتقاء شفوي؟؛

+ من يكلف أو ينتقي أعضاء هذه اللجنة؟ السيد مدير المؤسسة بصفته رئيس اللجنة ؟؛

+ أين دور التراتبية الإدارية في تكوين اللجنة بالنسبة لكاتب المذكرة؟؛

+ هل لكل مؤسسة مفتشون تابعون لها أم للمفتش عدد من المؤسسات تابعة له؛

+ هل يمكن للمفتش أن يكون عضوا في 20 أو 30 لجنة محلية بحكم أن أغلب المفتشين يؤطرون أساتذة أزيد من 30 مؤسسة في سلك الابتدائي؟، وماذا عن التخصصات، في الثانوي، التي لا توجد ببعض المديريات؟؛

+ هل مطلوب من مدير مؤسسة تخصص لغة من اللغات أت يكون ويؤطر أستاذ(ة) تخصص علوم؟

+ تشير إلى "إنجاز تقارير دورية حول المعنيين وسير التكوين بمؤسسات التدريب" هل المذكرة تعتبر المتعاقدين(ات) متدربين بالمعنى القانوني أو مسؤولين على تكوين وتأطير المتعلمين، وبالتالي يتحملون مسؤولية نتائج متعلميهم؟

هذا جزء من التساؤلات التي يجب على وزارة التربية الوطنية الإجابة عنها، ونترك العديد من التساؤلات إلى وقت لاحق.

على سبيل الختم

من خلال مذكرات الأساتذة المتدربين والأساتذة المتعاقدين يمكن استنتاج أن وزارة التربية تساهم بشكل جلي في خلق العديد من التوترات بين المكونات الأساسية للمنظومة التربوية، وبالتالي تأزيم الوضع الذي لا يحتاج لأي طعنة تعمق الجرح الغائر، فتركيزها وهاجسها هو إصدار مذكرات وتعليمات وبذلك رمي المشكل للمديريات الجهوية والإقليمية وباقي المنفذين (بمراسلة المرؤوسين تعتبر نفسها قامت بالواجب) ولا تهتم بالنتائج الكارثية،

لكن ما يحير المهتم والمتتبع هو هل هذه الاختلالات والأزمات نتجت بحسن نية أو بسوئها؟ لكن مستقبل الوطن لن يغفر لمن أوصل المنظومة التربوية المغربية للحضيض ولازال يمعن في ذلك - بسبب تمثلات حول المكونين الفعليين للمنظومة مهما كانت النية.

عبد الرزاق بن شريج
مفتش تربوي
تربية بريس
تربية بريس
تعليقات