العنف والتربية على القيم الفنية والجمالية

  « أن يكون الإنسان واعيا بقيمة القيم فإن ذلك قيمة في حد ذاتها »
(المهدي المنجرة ) 

أصبح العنف وتوجيه الأذى للآخر سمة من سمات اليومي الذي نعيشه، يتخذ أشكالا عدة كالسب والقذف والضرر الجسمي وأحيانا إلحاق خسائر مادية كبرى بالناس. لم يعد بإمكان الفرد ارتياد الفضاءات العامة بدون توقع مشاكل، أو التجوال في أماكن فارغة طلبا للتريض أو حتى المشي وممارسة حق التأمل والاستمتاع الإنساني. العنف أصبح يمارسه الأفراد وتنخرط فيه الجماعة، والأخبار اليومية تمطرنا كل وقت وحين بوابل من قصاصات الإجرام والعنف، وأمام استفحال هذه الظاهرة والتي تحتاج تفكيكا وقراءة من وجهات نظر مختلفة ومقاربات متعددة، نطل من زاوية المدرسة وأدوارها التربوية ومشروعها القيمي بتعدد أبعاده؛ الأخلاقية، الدينية، الجمالية، الذوقية…ماذا يا ترى تقدم هذه المؤسسة لمرتاديها، هل استسلمت هذه المؤسسة لواقع مر؟ أم سكن القيمون عليها إلى موقف اليأس والعدمية؟

المدرسة اليوم لم تستطع ملاحقة التغيرات التي تكرس لها وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري، بل  في كثير من الأحيان لم تفهم أو لم يرد لها أن تفهم أهمية التنشئة القيمية والاخلاقية ، الشيء الذي جعلنا نفقد الثقة في خطابها، والذي أصبح في أولوياته يركز على إنتاج الإنسان الروبوط بالتركيز على المعرفي والمهاراتي، ونسيان الأخلاقي والقيمي الجمالي.


القيم الجمالية لم تجد لها مكانا في مدرستنا ـ الإجهاز على شعب الفنون وحصصها بالمدرسة وإزالتها ـ وكأن مواطن الغد لا حق له في شيء إسمه الذوق الجمالي، وبالتالي فالمدرسة هي الأخرى أصبحت تكرس عنفا آخر في حق الإنسان، ولعله من الواضح لكل إنسان أننا أصبحنا اليوم نفقد حس الجمال، ولو أنه كان موجودا في ثقافتنا، في حياتنا اليومية في الشارع في المدرسة في كل المرافق العمومية، « إن الجمال  هو الإطار الذي تتكون فيه أية حضارة ، وينبغي أن نلاحظه في أنفسنا كما ينبغي أن نتمثله في شوارعنا وبيوتنا ومقاهينا،…إن الجمال هو وجه الوطن في العالم، فلنحفظ وجهنا لكي نحفظ كرامتنا، ونفرض احترامنا على جيراننا الذين ندين لهم بالاحترام نفسه » .


 بمعنى آخر فترسيخ قيم الجمال والذوق من بين مقومات التحضر، والتي يمكنها أن تشكل وعيا جماعيا ذو حساسية قادرة على التمييز بين الخير الجميل والقبيح المستهجن.


إن موضوعا من هذا القبيل ينبغي، أن يفتح نقاشا مجتمعيا قويا، فما هي أسباب وجود هوة عميقة بين ماهو منصوص عليه نظريا ـ الميثاق الوطني للتربية والتكوين، المناهج الدراسية… ـ  وبين ما  يقع؟

تخلي المؤسسة التربوية عن دورها  القيمي والأخلاقي سيؤدي لا محالة إلى مزيد من الانفجار والتشظي. 


نحن في حاجة إلى قيم تعيد للإنسان إنسانيته وتحفط كرامته، قد يرى البعض أن زاوية الحل الثقافي الفني كقيمة  لحل الكثير من أزمات العنف المجتمعي زاوية ضيقة، ولا تشكل إلا حيزا بسيطا من تشكيل شخصية المواطن، ومع ذلك فإن تنمية الأذواق وتربية الحساسية الجمالية مسالة يمكن أن تؤدي الكثير من الأدوار في تهذيب السلوك، واحترام الاخر واحترام المحيط الاجتماعي والمرفق العام، إن المجتمع الذي يبتعد عن الجمال ويتبنى القبح لايمكنه أن ينتج غيرالأسوأ، إن الجمال هو الإطار الذي تتكون فيه أية حضارة، وهو الوجه المشرق للمجتمع. وبالتالي فإن الأدوار المنوطة بالمدرسة هي التكوين على مستوى المعارف والمهارات من جهة ومن جهة أخرى تثبيت الإطار الثقافي والقيمي من أجل الحفاظ على توازن البناء الاجتماعي، وتحصين هويته والحيلولة دون ذوبانه في عولمة حقيقية أو افتراضية.  


إذا كان هذا الخطاب يركز على القيم الفنية والجمالية فإن أنساقا تربوية ونماذج كان لها وقع كبيرعلى تربية ناشئة المجتمعات المتقدمة، ركزت على هذا المجال الفني الثقافى بل اعتبرته روحا للتربية والتعليم، نموذج هيربرت ريد في "التربية عن طريق الفن" على سبيل المثال، لهذا فالتركيز على القيم الثقافية والفنية هو الذي يعطي للتربية وللمدرسة معنى.

------------------------------------------------
  1 ـ المهدي المنجرة من كتاب قيمة القيم، ص14
  2 ـ مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، ص 85

المصطفى المودني  
أستاذ مكون في ديدكتيك التربية الفنية


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-