التعليم مقابل الأداء، لن يكون شعارا ترفعه فقط المدارس الخصوصية التي يملكها رئيس الحكومة المنتهية ولايته السيد عبد الاله بنكيران، بل ستمتد هذه التجربة إلى المدارس المغربية العمومية، في مشروع لتوأمة جديدة لاقتباس الفكر الليبرالي المتوحش، الذي مهد المجلس الأعلى للتربية والتكوين لتنزيله على منظومتنا التربوية، وقتل ما تبقى من المكتسبات الأساسية للمواطن المغربي وخصوصا المنتمي للطبقة المتوسطة، الذي سيجد نفسه يعيش في دولة لا تحمل من مقومات الدولة إلا الاسم، لكونها ماضية في تقزيم دورها، والتخلي عن التزاماتها.
الغريب في الأمر، أن حزب عبد الإله بنكيران، لم يتطرق ويدرج التخلي التدريجي عن مجانية التعليم في برنامجه الانتخابي، الذي فاز فيه بأكبر عدد من المقاعد، وبالتالي هناك أمران لا ثالث لها، إما أنه يعطي وعودا لا يلتزم بها، أو إما أنها مجرد إملاءات من جهة معينة، لا يريد الكشف عنها، وقد تدخل في باب فقه العفاريت والتماسيح.
هذا المشروع يجعل من المواطنين مؤمنين بوجود مخطط ونهج متسلسل ومدروس الخطوات للقضاء على مكتسباتهم التي هي ثمرة واجباتهم الضريبية التي يدفعونها وليست صدقة من الدولة، فبعد الرفع التدريجي عن مجانية الصحة و صندوق دعم المواد الأساسية والمحروقات، وإنهاء التوظيف في قطاع الشغل، جاء دور التعليم، ليعقبه في الأجل القريب رفع الدعم عن أنابيب غاز البوتان، ومن يدري ما ينتظر المواطنين في المستقبل من مفاجآت لن تكون سارة على ما يبدو.
قد يتساءل المرء، عن المبررات التي تجعل من مجلس استشاري كالمجلس الأعلى للتربية والتكوين، الذي من المفروض في أعضائه تحليهم بصفات المعرفة والحكمة والرزانة وبعد النظر، أن يوافقوا على مثل هذه الخطوة ، علما أن المؤشرات الاقتصادية تفيد بأن بنية الاقتصاد المغربي جد هشة، ودخل أغلب الأسر المغربية جد متواضع، ونسب الأمية جد مرتفعة، وضعف جودة التعليم، وارتفاع نسب الهدر المدرسي، فضلا على أن الطبقات الغنية والميسورة من النادر جدا تدريس أبنائها في المدرسة العمومية.
أما مبرر تسطير إجراء وقف مجانية التعليم لتوفير الموارد المالية والمادية لتحسين جودة التعليم، فهو مبرر غير مقنع بتاتا، لكون مجموعة من المخططات الإصلاحية التي وضعتها الدولة ومن أبرزها البرنامج ألاستعجالي لإصلاح التعليم الذي سخرت فيه أموال طائلة، كان مصيره الفشل الذريع، ونهب وتبذير أمواله، وبالتالي فضمانات توفير السيولة المالية لتحسين جودة التعليم تبقى جد ضعيفة، لكون أزمة التعليم هيكلية.
في السياق ذاته، لا نفهم لماذا لا يتواصل رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين السيد عمر عزيمان وباقي أعضائه مع الرأي العام والإعلام الوطني، علما أنهم يتقاضون أجورا وتعويضات مهمة من دافعي الضرائب، وبالتالي فمن واجبهم فتح نقاشات وتوضيح أفكارهم وخططهم لإقناع المواطنين، وهنا مرة أخرى تطرح إشكالية عميقة حول الفرق الشاسع بين هيئة منتخبة وأخرى معينة.
مرة أخرى، ستكون الطبقة المتوسطة وخصوصا منها شريحة الموظفين هي الخاسر الأكبر، لأن الموظف حسب رؤية الحكومة الذي يتقاضى 5000 درهم، يصنف ضمن الطبقة المتوسطة التي تستوجب أن يدفع لتدريس أبنائه في هذا الإطار، قياسا على الإجراء، الذي يتم من خلاله حرمان أبناء تلك الشريحة من الاستفادة من منحة الجامعة بدعوى أنهم غير مصنفين ضمن الفئات المعوزة والمحتاجة، وهو إجحاف إذا ما أخذنا بعين الاعتبار غلاء المعيشة وتراجع القدرة الشرائية لهذه الفئة في السنوات الأخيرة.
من جهة أخرى، هل ستتعامل السلطات العليا بالبلاد مع هذا المشروع كما في باقي المشاريع السابقة، بصمتها كعلامة على موافقتها على هذه السياسة، التي قد تثير سخطا عارما وتهدد بالسلم الاجتماعي، وهنا قد يفهم من السياق الزمني لهذه الخطوة، في عز أيام تشكيل الحكومة، إرسال عبد الإله بنكيران إشارة إلى كونه مازال ورقة مهمة في المشهد السياسي المغربي، والدولة في حاجة ملحة لخدماته التي يبقى هو القادر وحده على تمرير ملفاتها الصعبة، بالاستعانة بأسطول كتائبه الالكترونية والإعلامية الفيسبوكية لتبرير ما لا يبرر، وإلباسها لباسا دينيا من خلال فتاوي ذراعه الدعوي الوحدة والإصلاح.