هل يسير التعليم العمومي في المغرب نحو إلغاء المجانية؟

هل يسير التعليم العمومي في المغرب نحو إلغاء المجانية؟ سؤال بات يتكرر  في الآونة الأخيرة، بشكل مكثف، على لسان العديد من المهتمين بشؤون التربية والتعليم، استنادا إلى بعض الإرهاصات التي تنذر بهذا المصير الذي يتهدد تنشئة الأجيال الصاعدة.

ومما زاد  من إمكانية أن يتحول هذا التساؤل إلى فعل ملموس على أرض الواقع، ماشهدته الدورة العاشرة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، التي انعقدت مؤخرا في مدينة الرباط، من تداول في الموضوع، خلال مناقشة مضامين مشروع رأي المجلس في القانون الإطار لمنظومة التعليم والتربية.

فقد كان واضحا من خلال تدخل الكاتب والباحث الأكاديمي،عبد الحميد عقار، الذي يرأس إحدى اللجان،داخل المجلس المذكور، أن هناك توجها يرمي إلى مواجهة أزمة تمويل قطاع التعليم العمومي في المغرب من خلال فرض رسوم مالية على أباء وأولياء أمور تلاميذ المدارس في مختلف المستويات الدراسية.

ورغم أن  أصحاب الاقتراح حاولوا تبرير هذا التوجه بكونه يهدف إلى مواجهة الخصاص المسجل في تمويل التعليم العمومي، فإن هناك بعض الأصوات لممثلي المركزيات النقابية، وحسب بعض التسريبات، تصدت من داخل المجلس الذي يرأسه عمر عزيمان،لهذه الفكرة، لكونها سوف تفضي بالتالي إلى إلقاء مزيد من الأعباء على أكتاف الأسر  الفقيرة، ذات الدخل المحدود، التي لاتسعفها إمكانياتها المادية في تحمل مصاريف إضافية.

معارضو هذا الاقتراح، قرأوا في مشروع فرض رسوم مالية جديدةعلى أباء وأولياء أمور التلاميذ عند تسجيل الدخول الدراسي، مرحلة سوف تؤدي تدريجيا إلى إلغاء مجانية التعليم العمومي، الذي تلجأ إليه العائلات لتعليم أبنائها لعدم قدرتها على أداء تكاليف التعليم الخاص.

وحتى عندما أوضح أصحاب الاقتراح أن العائلات المعوزة ستكون في حالة إعفاء من أداء هذه الرسوم المالية، فإن نفس الأصوات المعارضة، انبرت للتأكيد على أنه من الصعوبة بمكان، اعتماد أو تفعيل المعايير  المرتبطة بتحديد هذه الفئات الاجتماعية، التي قد يحرم أبناؤها من مواصلة التعليم بسبب فرض هذا الشرط المادي.

رشيد بلمختار، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، وبدل أن يكون تدخله مقنعا أمام أعضاء المجلس الأعلى للتربية والتعليم، أو يأتي بأفكار جديدة لمعالجة الوضع ، اكتفى بتحميل المسؤولية لكل من عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، ومحمد بوسعيد وزير المالية، متذرعا بكونه سبق له أن نبههما محذرا إياهما من هذا الوضع، في ضوء ميزانية لم تعد قادرة على تحمل المزيد لتلبية حاجيات القطاع.

ولعله من غريب الصدف أن يتزامن تفكير المجلس الأعلى للتربية والتعليم في فرض رسوم مالية جديدة عند كل دخول مدرسي، مع مقال ليومية “لوموند” الفرنسية، تضمن مجموعة من المعطيات والأرقام، التي تصب في منحى تقلص وجود التعليم العمومي في المغرب لصالح التعليم الخاص.

ومن الأرقام الورادة في مقال الصحيفة الباريسية، أن أكثر من 200 مدرسة عمومية، أغلقت أبوابها منذ سنة 2008،  بينها 135 ابتدائية في الحواضر  والمدن المغربية الكبيرة، وضمنها الدار البيضاء والرباط.

وإزاء هذا الإغلاق،وبعد عملية المغادرة الطوعية الأخيرة لأكثر من سبعين ألف أستاذ للتعليم العمومي، شهدت المدارس المتبقية ازدحاما بلغ أشده في الموسم الدراسي الحالي بلغ السبعين تلميذا في القسم الواحد، وهو الأمر الذي أدى إلى توظيف أساتذة جدد بواسطة العقدة.

أما قطاع التعليم الخاص في المغرب، تضيف “لوموند”  فقد  تنامي في السنوات الأخيرة، والدليل على ذلك، أن  أرقاما رسمية   تفيد  أن حجم التعليم الابتدائي الخاص في مجمل القطاع انتقل من 4 في المائة في 1999 إلى 15في المائة سنة 2015.
واستنتج الباحث  الفرنسي سيلفين أوبري الذي كان قد ساهم في دراسة أنجزت سنة 2014 حول خوصصة التعليم في المغرب، أن ما بين 70 و80 في المائة من التلاميذ في كبرى الحواضر يتلقون تعليمهم في مدارس خاصة، لوحظ أن انتشارها في تزايد، بعد الإقبال عليها من طرف الأسر، رغم ارتفاع تكلفتها المادية.
ويعود سر انتعاش التعليم الخاص إلى تدهور مستوى التعليم العمومي، بشهادة المسؤولين أنفسهم، نظرا لما يشهده من ظواهر  تمس بجوهر  وقيمة التربية والتعليم  والتكوين.

 عن موقع مشاهد 24
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-