كلمة السيد رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بمناسبة الدورة العاشرة للمجلس

باسم الله الرحمان الرحيم

حضرات السيدات والسادة أعضاء المجلس،
    يسعدني أن أرحب بكم اليوم بالمقر الجديد للمجلس، معبرا لكم عن بالغ سروري بتمكن مؤسستنا، بعد انتظار طال أمده، من التوفر على مقر في مستوى المهام المنوطة بها، تجتمع فيه مقومات الوظيفية والجمالية والمواصفات العصرية؛ مقر يشكل معلمة متميزة تعكس الأهمية التي يستحقها التعليم، كفيلة بأن تتيح لنا الاشتغال في ظروف مريحة، أكثر ملاءمة و نجاعة، وأكثر اقتصادا وأكثر صيانة للبيئة.

    بهذه المناسبة، من الطبيعي  أن أستحضر بمشاعر التأثر من كان وراء هذا المشروع، ورحل عنا قبل اكتماله؛ يتعلق الأمر طبعا بالفقيد المرحوم السيد عبد العزيز مزيان بلفقيه، الرئيس المنتدب السابق للمجلس الأعلى للتعليم؛ رجل الدولة الوازن، الذي خدم بلاده بحكمة قل نظيرها، وبتفان نموذجي يحتدى به.
    وانتهز هذه الفرصة لإخباركم بإطلاق اسم هذا الرجل الفذ على هذه القاعة  التي تحتضن لقاءنا اليوم، وذلك إحياء لذكراه، واعترافا وتنويها بجهوده من أجل إصلاح التعليم.
ولا يفوتني أن أتوجه بالشكر والامتنان لأكاديمية المملكة المغربية في شخص الأمين السر الدائم الأستاذ عبد الجليل الحجمري على حسن الاستقبال وكرم الضيافة لجميع أعضاء المجلس ولدوراته المتعددة، خلال مدة أشغال بناء هذا المقر، الذي نتواجد به اليوم.

حضرات السيدات والسادة الأعضاء ؛

     منذ أن أضحيتم أعضاء بالمجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، عقدنا عشر دورات، علاوة على دورة  افتتاحية و أخرى استثنائية، وعشنا محطات قوية،  ولحظات وازنة، توجت أعمالنا بإنجازات سيكون لها  بالتأكيد وقع ملموس في تاريخ المنظومة التربوية الوطنية.
    واليوم، ونحن على مشارف نهاية النصف الأول من الولاية الأولى للمجلس، فإننا نتهيأ لمحطة أخرى لا تقل قوة عن سابقاتها، اعتبارا لما يتضمنه جدول أعمال هذه الدورة من قضايا ومشاريع ذات أهمية نوعية سنتداول فيها، بنفس الحرية التي دأبنا عليها، مع الاحترام التام لمختلف وجهات النظر، في خدمة دائمة لإصلاح منظومتنا التربوية، ولما هو في صالح الأجيال الصاعدة، ولما يسهم في تحقيق أهداف التنمية البشرية والمستدامة لبلادنا، بكافة أبعادهما السياسية والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية والبيئية.
    في هذا الصدد، نحن مدعوون لتدارس مشروع رأي المجلس في موضوع  القانون-الإطار لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، الذي أحيل على مجلسنا من قبل رئيس الحكومة في نهاية يوليوز الماضي. وهو المشروع الذي أوكلتم مهمة إعداده للجنة مؤقتة، وانتدبتم لرئاستها الأستاذ عبد الحميد عقار، حيث اشتغلت عليه بشكل معمق ودؤوب على مدى شهري شتنبر وأكتوبر، وأنتجت مشروعا  تم تدارسه من قبل مكتب المجلس، وستتداول فيه جمعيتنا العامة خلال هذه الدورة، من أجل المصادقة عليه.
    ولقد سبق لي أن أكدت على الأهمية الحاسمة لهذا الموضوع خلال الدورة الاستثنائية الأخيرة، وأستسمحكم للتذكير بأن الأمر يتعلق بتتويج لمسار كانت المبادرة فيه للمجلس في السنة الأولى من إحداثه، ترتب عنها، وبتوجيهات ملكية سامية، إعداد الحكومة لمشروع قانون - إطار تمت إحالته على المجلس قصد إبداء الرأي فيه.
    بهذه المناسبة، من حقنا تهنئة أنفسنا على ما أنجزناه في كل مرحلة من مراحل هذه السيرورة المشمولة دوما بالعناية الملكية السامية. ومن حقنا أيضا الاعتزاز بكوننا تمكنا من تحديد المبادئ الناظمة، ورسم التوجهات والخيارات الكبرى للرؤية الاستراتيجية 2015-2030، على نحو يجعل الإصلاح التربوي في منأى عن الإكراهات والظرفيات المتغيرة، من خلال تحصينه بقانون-إطار، يكون ثمرة مشاركة الجميع، ملزما للجميع، وكفيلا بضمان إستمراريته واستدامته، بوصفهما لازمتين ضروريتين لنجاح كل إصلاح تربوي جوهري وشامل.
    من ناحية أخرى، تتذكرون أن اللجنة الدائمة للمناهج والبرامج والتكوينات والوسائط التعليمية أخذت على عاتقها، في إطار برنامج عمل المجلس لسنتي 2016-2017، الاشتغال على موضوع التربية على القيم في المدرسة المغربية، علاوة على مواضيع أخرى، وذلك في إطار تعميق وإغناء رافعات التغيير المتضمنة في الرؤية الاستراتيجية. ولقد أفضى اشتغال اللجنة الدائمة إلى إعداد مشروع تقرير تم تدارسه من قبل مكتب المجلس. ومن ثم، فجمعيتنا العامة مدعوة اليوم لإبداء رأيها في هذا المشروع بهدف اعتماده.
     وكما تعلمون، فإن الرؤية الاستراتيجية للإصلاح تؤكد بقوة على دور المدرسة في بناء مجتمع ديمقراطي متوازن، قائم على المواطنة والمساواة ، وتجعل من التربية على القيم، في شتى أبعادها، إحدى المهام الرئيسية للمدرسة.
غير خاف عنكم أيضا، أن الرؤية تؤكد أنه رغم الجهود المبذولة في هذا الشأن، منذ اعتماد البرنامج الوطني للتربية على المواطنة وحقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، وترسيخ قيم التسامح والسلم والتضامن؛ فإن العديد من السلوكات اللامدنية، ماتزال منتشرة من قبيل عدم احترام السلط المؤسساتية، والإخلال بواجب الانضباط ، والإضرار بالملك العمومي وبالبيئة، مع  استمرار التحرش والعنف حتى داخل فضاءات مؤسسات التربية والتكوين وفي محيطها القريب؛
في ارتباط بذلك، تدركون جميعا أن بلادنا منخرطة بحزم في مسار ترسيخ الديمقراطية، وبناء دولة القانون واحترام حقوق الإنسان. وإذا كنا قد أحرزنا تقدما هاما على المستوى المؤسساتي والمعياري في هذا المجال، فإنه يتعين علينا اليوم مضاعفة جهودنا الرامية إلى تعزيز الثقافة الديمقراطية، مما يعني ترسيخ القيم المرتبطة بها، ولاسيما منها الحرية، والكرامة، والمساواة، والتضامن، واحترام الآخر، والحق في الاختلاف وفضائل المسؤولية والحوار، والتشاور، والمشاركة،  والتعبئة المواطنة وإسهام المجتمع المدني، من أجل العمل الجماعي الهادف إلى  ترسيخ  مغرب المواطنة والديمقراطية و العدالة، والتقدم .
 وفي هذا الميدان يكون دور المدرسة حاسما باتفاق الجميع. وهو ما يؤكد وجاهة الاختيار الذي قام به المجلس، بإدراج مسألة التربية على القيم في برنامج عمله لسنتي 2016-2017، كما أنه الاعتبار الذي يستدعي منا توجيه شكر خاص للجنة الدائمة التي كرست شهورا للاشتغال على هذا المشروع  وإنضاجه، مما يتيح لنا اليوم التداول في مضامينه وتوصياته.



أما بالنسبة  لمشروع التقرير المتعلق بالتربية غير النظامية ومحاربة الأمية، الذي انكبت على إعداده مشكورة  اللجنة الدائمة للخدمات الاجتماعية والثقافية وانفتاح مؤسسات التربية والتكوين على محيطها، والذي كان مبرمجا ضمن جدول أعمال هذه الدورة، فقد تبين من خلال تدارسه وتحليله في اجتماعات مكتب المجلس أنه ما يزال في حاجة إلى المزيد من البحث والتعميق، وتقرر بالتالي، بتنسيق مع اللجنة المعنية، مواصلة الجهود بغية عرضه على أنظار  الجمعية العامة في الدورة المقبلة بحول الله. 

هذه المشاريع وغيرها، تندرج ضمن برنامج عمل المجلس الممتد على سنتي 2016 و2017. غير أن مقتضيات التدبير المالي والمحاسباتي تستلزم  نهج برمجة مالية سنوية؛ مما يجعلنا مدعوين للتداول في مشروع ميزانية المجلس برسم سنة 2017 واعتمادها، خلال أشغال هذه الدورة.
حضرات السيدات والسادة الأعضاء؛
تعلمون جميعا أن نهج سياسات عمومية، ووضع برامج عمل ومخططات وتدابير دقيقة وناجعة لتطبيق الإصلاح التربوي تعد لازمة لإنجاح هذا الورش المصيري وتحقيق أهدافه.  وتعلمون كذلك أن هذه المهمة موكولة  للقطاعات الوزارية المكلفة بالتربية والتكوين والتعليم العالي والبحث العلمي .
وقد شرعت هذه القطاعات، في تحديد سبل تطبيق الرؤية الاستراتيجية، كما وضعت برامج عمل لتفعيلها.
لهذا السبب سنستهل أشغال دورتنا هذه  بعرضين لكل من السيد رشيد بن المختار وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، والسيدة جميلة المصلي الوزيرة بالنيابة للتعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، يقدمان من خلالهما  أهم الأعمال والبرامج والمخططات التي يجري القيام بها، وتلك المبرمجة بهذين القطاعين، المندرجة في إطار التطبيق التدريجي للرؤية الاستراتيجية للإصلاح.
وقبل أن أعطي الكلمة للسيد الوزير والسيدة الوزيرة، أود أن أوجه لهما  شكرا خاصا على الاستجابة الفورية لهذا الطلب. كما أود في الختام أن أتقاسم معكم متمنياتي الصادقة بأن نسهم، بتفاعل الأفكار وتبادل الآراء و بالاجتهاد الجماعي، في إضافة لبنات أخرى، من خلال أعمال هذه الدورة، لجهودنا المتضافرة الهادفة إلى بناء مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء.


والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
تربية بريس
تربية بريس
تعليقات