بقلم: نهاري مبارك(*)
مقدمة:
من المعلوم أنه، تم الإعلان رسميا عن اعتماد المعدل الناتج عن معدلي الامتحان الموحد الجهوي والامتحان الموحد الوطني، في عملية الانتقاء الأولي للالتحاق بالمؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود، وليس معدل الحصول على شهادة البكالوريا، الذي يساهم فيه معدل المراقبة المستمرة بوزن يعادل الربع، ما يعني بوضوح عدم اعتداد المراقبة المستمرة في حساب معدل التباري لولوج المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود.
وكل مترشح تم انتقاؤه بناء على نتائجه في الامتحان الموحد الجهوي والامتحان الموحد الوطني، يلتحق بالمؤسسة العليا التي تم قبوله بها، باستثناء الموسم الجامعي 2016/2017، حيث سيخضع المترشحون الذين يتم انتقاؤهم لمباراة تنظمها المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود. وسيتم، بحلول الموسم الجامعي 2017/2018 إلغاء المباراة، والإبقاء فقط على المعدل الناتج عن نقط الامتحان الموحد الجهوي والامتحان الموحد الوطني لولوج المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود.
فما هي انعكاسات هذا التدبير على تلاميذ السنة الثانية من سلك البكالوريا؟ وكيف يجب أن يراه أمهاتهم وآباؤهم وأولياء أمورهم؟ وما هي القيمة الحقيقة عموما لمعدل المراقبة المستمرة ضمن معدل الحصول على شهادة الباكالوريا؟ وما هو دور المراقبة المستمرة في العملية التربوية والتعليمية؟
سنحاول مناولة هذه الأسئلة التي تؤطر إشكالية إلغاء معدل المراقبة المستمرة من احتساب معدل الانتقاء الأولي لولوج المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود، وذلك من خلال الفقرات التالية:
1. عدم اعتماد معدل المراقبة المستمرة ضمن معدل الانتقاء الأولي للالتحاق بالمؤسسات ذات الاستقطاب المحدود إجراء منطقي ومنصف:
توصي جميع التشريعات والنصوص التنظيمية والفلسفة التربوية والمرتكزات الأساسية التي تنهض عليها منظومة التربية والتكوين، بضرورة تحقيق مقاصد وأغراض مبادئ العدالة والاستحقاق والمساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المتعلمين، لذا يأتي هذا التدبير لإرساء هذه المبادئ المنصفة لجميع التلاميذ، وضمان حقوق الجميع على قدم من المساواة، وإيقاف التأثيرات السلبية للنقط المرتفعة التي تمنحها مؤسسات التعليم الخصوصي لتلامذتها، والتي لطالما شكلت عامل فوارق شاسعة بين تلاميذ التعليم العمومي وتلاميذ التعليم الخصوصي، والتي شكلت كذلك مواضيع كثيرة للجدل والانتقاد والمناقشة في عدة منابر رسمية وإعلامية. وقد تمت المطالبة بحذف نقط المراقبة المستمرة من معدلات الانتقاء الأولي لولوج جميع الدراسات والتكوينات، فهاهو المطلب يتحقق. والآن لم تبق لدى تلاميذ التعليم العمومي ذريعة التحجج بفارق النقط الشاسع وهيمنة تلاميذ التعليم الخصوصي على أغلب المقاعد المتوفرة بالمؤسسات ذات الاستقطاب المحدود.
2. انعكاسات عدم اعتماد معدل المراقبة المستمرة ضمن معدل الانتقاء الأولي للالتحاق بالمؤسسات ذات الاستقطاب المحدود على التلاميذ:
جل التلاميذ، إن لم نقل كلهم، يبذلون مجهودات جبارة للحصول على نقطة مقبولة، إن لم نقل، جيدة في اختبارات فروض المراقبة المستمرة التي يجريها الأستاذ بشكل منتظم لمراقبة مثابرة التلاميذ ومواظبتهم ومدى استيعابهم للدروس المنجزة. فيتهيأ التلاميذ، كل وفق ظروفه وقدراته ومؤهلاته واستعداداته وقابليته وإقباله على الدراسة والتعلم. فمن التلاميذ من يستعد بجد وجدية ومسؤولية واعيا بدور المراقبة المستمرة كتقييم تكويني يساهم في صقل معارفه وتقويتها وتعزيز رصيده المعرفي، ومنهم من يستخف بالعملية كاستخفافه بالدراسة والتعلم، فلا يهتم ولا يستعد بما فيه الكفاية، فيلتجئ للغش ويستفز زملاءه ويحدث ضجيجا في القسم، وقد يتحول هذا الفعل إلى مشاداة كلامية مع الأستاذ، ونزاعات وعنف.
وكيف ما كان الحال، يحصل كل تلميذ على نقطة المراقبة المستمرة، التي يمنحها المدرس إياه. هذه النقطة الممزوجة غالبا بعمل التلميذ وحضوره وعاطفة المدرس وعلاقته بهذا التلميذ، غالبا ما تكون مقبولة إلى حد ما، فتتجاوز المعدل أحيانا بكثير وقد تكون جد مرتفعة، ما يجعل التلميذ يعقد عليها آمالا عريضة للحصول على شهادة البكالوريا، وربما تشكل العنصر الأقوى في قبوله بمؤسسة عليا ذات الاستقطاب المحدود.
أما الآن، وبعدما تقرر عدم احتساب معدل المراقبة المستمرة ضمن معدل الانتقاء الأولي، فإن بعض التلاميذ قد تصيبهم خيمة أمل وصدمة نفسية وإحباط، خصوصا المنضبطين منهم والجادين والذين يصرف عليهم أولياء أمورهم أموالا طائلة للحصول على هذه النقطة المرتفعة والمؤهلة، إلى حد ما، للقبول في عملية الانتقاء الأولي وحجز مقعد في التكوينات المتميزة، وبالتالي ضمان مستقبل مؤكد إن سارت الدراسة والتكوين على ما يرام.
لذا، فنقطة المراقبة المستمرة، ومنذ انطلاق الموسم الجامعي 2016/2017، لن تنفع في الانتقاء الأولي ولن تفيد في شيء، وقد تشكل عامل غرور لدى التلاميذ الذين لم يستوعبوا حيثيات التدبير الجديد، الأمر الذي يتطلب تنظيم حصص وحلقات توعية مكثفة، ليستمر التلميذ في العمل والجد والاستعداد الجيد لفروض المراقبة المستمرة، لتكون محطات للتكوين والتمكن من مختلف وحدات المقرر الدراسي للاستعداد المستمر والمتواصل للامتحان الوطني وضمان الحصول على شهادة البكالوريا.
ومن ناحية أخرى قد يدفع هذا التدبير إلى استخفاف التلاميذ بالمراقبة المستمرة وإهمالها، وتلك الطامة الكبرى والآفة الجارفة التي قد تعصف بجميع التلاميذ المتهاونين منهم والجادين، خصوصا مع عدم فعالية الإجراءات التأديبية التربوية وعدم نجاعتها.
3. كيف يرى أمهات وآباء وأولياء التلاميذ نقطة المراقبة المستمرة:
ولحصول التلاميذ، خصوصا منهم المنتمين للمدرسة العمومية، على نقط جيدة في المراقبة المستمرة، يلتجئ كل إلى وسيلته الخاصة، حيث تغزو ظاهرة الدروس الخصوصية جميع الأوساط الأسرية، فيتكلفون أموالا طائلة يصرفونها كنفقات زائدة على أبنائهم للاستفادة من حصص الدروس الخصوصية المؤداة. فمنهم، وباتفاق مع أبنائهم، من يتصلون بالأساتذة المشرفين على تدريس أبنائهم، ويحددون المبلغ المالي وعدد الحصص، وبالمقابل، هناك أساتذة يتفهمون، ينساقون وراء العاطفة، فلا يتوانون في رفع نقطة المراقبة المستمرة، والأمهات والآباء يعرفون هذا حق المعرفة، فلا يقبلون على الأستاذ الصارم وغير المتعاطف. هؤلاء يلتجئون إلى قنوات أخرى وأساليب تمكنهم من الحصول على نقط مقبولة تساهم في رفع المعدل العام للحصول على شهادة البكالوريا ولم لا ، انتزاع مقعد في مؤسسة ذات الاستقطاب المحدود.
والآن وبعد تطبيق تدبير حذف معدل المراقبة المستمرة من معدل الانتقاء الأولي لولوج المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود، على الأمهات والآباء ألا يغتروا بمعدلات الفروض المحروسة خلال السنة الثانية من سلك البكالوريا، وألا ينفقوا أموالا مقابل رفع معدل المراقبة المستمرة، اللهم إلا إذا كانت الدروس الخصوصية من أجل التحصيل الجيد ورفع الرصيد المعرفي لأبنائهم وتأهيلهم للحصول نتائج جيدة في الامتحان الموحد الوطني وبالتالي الحصول على شهادة البكالوريا بنقطة متميزة تضمن ولوج المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود عن جذارة واستحقاق.
4. القيمة الحقيقية لمعدل المراقبة المستمرة ضمن معدل الحصول على شهادة البكالوريا:
بناء على ما أسلف، فمعدل المراقبة المستمرة غالبا ما يكون مرتفعا نسبيا، فتكون قيمته النسبية غالبا ما تفوق قيمة كل من معدل الامتحان الموحد الجهوي، ومعدل الامتحان الموحد الوطني، ما يمكن من الاستنتاج أن معدلات الانتقاء الأولي قد تنخفض بشكل ملفت مستقبلا، اللهم إلا إذا أدرك التلاميذ بعمق مقاصد تدبير معدل الامتحان الموحد الجهوي ومعدل الامتحان الموحد الوطني واعتماد المعدل الناتج عنهما كمعدل للمشاركة في عملية الانتقاء الأولي لولوج المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود، وذلك بالمواظبة والسلوك والمثابرة ورفع مستويات التحصيل الدراسي.
5. دور المراقبة المستمرة في العملية التربوية والتعليمية:
كان من الممكن حذف المراقبة المستمرة بالمرة خلال السنة الثانية من سلك البكالوريا، والقطع مع كل تبعاتها، من ضياع حصص دراسية كاملة، وتعويضها بحصص الدعم والمراجعة والتثبيت، واجتناب كل أنواع العنف والغش والمشاداة، التي تحدث خلال حصص الفروض المحروسة، ما يشكل أسباب الفتنة وسيادة العلاقات السيئة بين التلاميذ والمدرسين، خصوصا مع غياب آليات ناجعة للتأديب التربوي. إلا أن الجهات المسؤولة، استحضرت، وبروح المسؤولية، المصلحة العامة ومصلحة التلميذ، لحثه على المواظبة والمثابرة والانضباط، ووقوفه بشكل مستمر ومتواصل على تقييم رصيده المعرفي، والتعرف على مردوديته المدرسية، وليستعد خلال السنة الدراسية بشكل ممنهج ومضبوط، لمواجهة اختبارات الامتحان الموحد الوطني، واجتيازها دون حواجز تقف أمام حصوله على شهادة البكالوريا، وربما حجز مقعد بإحدى المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود.
خاتمة:
إن تدبير حذف معدل المراقبة المستمرة من معدل الانتقاء الأولي لولوج المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود، والاحتفاظ بمعدل الامتحان الموحد الجهوي، ومعدل الامتحان الموحد الوطني، يهدف بشكل جلي إلى تحقيق مبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين جميع تلاميذ السنة الثانية من سلك البكالوريا، كانوا يتابعون دراستهم بالتعليم الخصوصي أو بالتعليم العمومي، وتمكين الجميع على قدم من المساواة، من ولوج المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود.
ومن ناحية أخرى فالإبقاء على المراقبة المستمرة خلال السنة الثانية من سلك البكالوريا، يهدف إلى الحفاظ على مصلحة التلميذ، وذلك بتمكينه من معرفة مستواه التحصيلي، وتقوية رصيده المعرفي بالتدريج، واستعداده الآني لاجتيازه مختلف المباريات، وكذا اختبارات الامتحان الموحد الوطني بارتياح من أجل الرفع من مردوديته المدرسية، وحصوله على شهادة البكالوريا وتمكينه، دون مركب نقص، من ولوج المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود، في حالة حصوله على معدلات مؤهلة في الامتحان الموحد الجهوي والامتحان الموحد الوطني.
وقبل الختم وجب التنبيه إلى أن معدل المراقبة المستمرة يجب ألا يشكل عامل غرور لدى التلاميذ وأولياء أمورهم، فقيمته وإن ارتفعت، قد تسهم في الحصول على شهادة البكالوريا، ولكن لن تنفع ولن تحتسب في ولوج التلاميذ المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود.
(*) مهتم بالقضايا التربوية والاجتماعية.
مقدمة:
من المعلوم أنه، تم الإعلان رسميا عن اعتماد المعدل الناتج عن معدلي الامتحان الموحد الجهوي والامتحان الموحد الوطني، في عملية الانتقاء الأولي للالتحاق بالمؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود، وليس معدل الحصول على شهادة البكالوريا، الذي يساهم فيه معدل المراقبة المستمرة بوزن يعادل الربع، ما يعني بوضوح عدم اعتداد المراقبة المستمرة في حساب معدل التباري لولوج المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود.
وكل مترشح تم انتقاؤه بناء على نتائجه في الامتحان الموحد الجهوي والامتحان الموحد الوطني، يلتحق بالمؤسسة العليا التي تم قبوله بها، باستثناء الموسم الجامعي 2016/2017، حيث سيخضع المترشحون الذين يتم انتقاؤهم لمباراة تنظمها المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود. وسيتم، بحلول الموسم الجامعي 2017/2018 إلغاء المباراة، والإبقاء فقط على المعدل الناتج عن نقط الامتحان الموحد الجهوي والامتحان الموحد الوطني لولوج المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود.
فما هي انعكاسات هذا التدبير على تلاميذ السنة الثانية من سلك البكالوريا؟ وكيف يجب أن يراه أمهاتهم وآباؤهم وأولياء أمورهم؟ وما هي القيمة الحقيقة عموما لمعدل المراقبة المستمرة ضمن معدل الحصول على شهادة الباكالوريا؟ وما هو دور المراقبة المستمرة في العملية التربوية والتعليمية؟
سنحاول مناولة هذه الأسئلة التي تؤطر إشكالية إلغاء معدل المراقبة المستمرة من احتساب معدل الانتقاء الأولي لولوج المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود، وذلك من خلال الفقرات التالية:
1. عدم اعتماد معدل المراقبة المستمرة ضمن معدل الانتقاء الأولي للالتحاق بالمؤسسات ذات الاستقطاب المحدود إجراء منطقي ومنصف:
توصي جميع التشريعات والنصوص التنظيمية والفلسفة التربوية والمرتكزات الأساسية التي تنهض عليها منظومة التربية والتكوين، بضرورة تحقيق مقاصد وأغراض مبادئ العدالة والاستحقاق والمساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المتعلمين، لذا يأتي هذا التدبير لإرساء هذه المبادئ المنصفة لجميع التلاميذ، وضمان حقوق الجميع على قدم من المساواة، وإيقاف التأثيرات السلبية للنقط المرتفعة التي تمنحها مؤسسات التعليم الخصوصي لتلامذتها، والتي لطالما شكلت عامل فوارق شاسعة بين تلاميذ التعليم العمومي وتلاميذ التعليم الخصوصي، والتي شكلت كذلك مواضيع كثيرة للجدل والانتقاد والمناقشة في عدة منابر رسمية وإعلامية. وقد تمت المطالبة بحذف نقط المراقبة المستمرة من معدلات الانتقاء الأولي لولوج جميع الدراسات والتكوينات، فهاهو المطلب يتحقق. والآن لم تبق لدى تلاميذ التعليم العمومي ذريعة التحجج بفارق النقط الشاسع وهيمنة تلاميذ التعليم الخصوصي على أغلب المقاعد المتوفرة بالمؤسسات ذات الاستقطاب المحدود.
2. انعكاسات عدم اعتماد معدل المراقبة المستمرة ضمن معدل الانتقاء الأولي للالتحاق بالمؤسسات ذات الاستقطاب المحدود على التلاميذ:
جل التلاميذ، إن لم نقل كلهم، يبذلون مجهودات جبارة للحصول على نقطة مقبولة، إن لم نقل، جيدة في اختبارات فروض المراقبة المستمرة التي يجريها الأستاذ بشكل منتظم لمراقبة مثابرة التلاميذ ومواظبتهم ومدى استيعابهم للدروس المنجزة. فيتهيأ التلاميذ، كل وفق ظروفه وقدراته ومؤهلاته واستعداداته وقابليته وإقباله على الدراسة والتعلم. فمن التلاميذ من يستعد بجد وجدية ومسؤولية واعيا بدور المراقبة المستمرة كتقييم تكويني يساهم في صقل معارفه وتقويتها وتعزيز رصيده المعرفي، ومنهم من يستخف بالعملية كاستخفافه بالدراسة والتعلم، فلا يهتم ولا يستعد بما فيه الكفاية، فيلتجئ للغش ويستفز زملاءه ويحدث ضجيجا في القسم، وقد يتحول هذا الفعل إلى مشاداة كلامية مع الأستاذ، ونزاعات وعنف.
وكيف ما كان الحال، يحصل كل تلميذ على نقطة المراقبة المستمرة، التي يمنحها المدرس إياه. هذه النقطة الممزوجة غالبا بعمل التلميذ وحضوره وعاطفة المدرس وعلاقته بهذا التلميذ، غالبا ما تكون مقبولة إلى حد ما، فتتجاوز المعدل أحيانا بكثير وقد تكون جد مرتفعة، ما يجعل التلميذ يعقد عليها آمالا عريضة للحصول على شهادة البكالوريا، وربما تشكل العنصر الأقوى في قبوله بمؤسسة عليا ذات الاستقطاب المحدود.
أما الآن، وبعدما تقرر عدم احتساب معدل المراقبة المستمرة ضمن معدل الانتقاء الأولي، فإن بعض التلاميذ قد تصيبهم خيمة أمل وصدمة نفسية وإحباط، خصوصا المنضبطين منهم والجادين والذين يصرف عليهم أولياء أمورهم أموالا طائلة للحصول على هذه النقطة المرتفعة والمؤهلة، إلى حد ما، للقبول في عملية الانتقاء الأولي وحجز مقعد في التكوينات المتميزة، وبالتالي ضمان مستقبل مؤكد إن سارت الدراسة والتكوين على ما يرام.
لذا، فنقطة المراقبة المستمرة، ومنذ انطلاق الموسم الجامعي 2016/2017، لن تنفع في الانتقاء الأولي ولن تفيد في شيء، وقد تشكل عامل غرور لدى التلاميذ الذين لم يستوعبوا حيثيات التدبير الجديد، الأمر الذي يتطلب تنظيم حصص وحلقات توعية مكثفة، ليستمر التلميذ في العمل والجد والاستعداد الجيد لفروض المراقبة المستمرة، لتكون محطات للتكوين والتمكن من مختلف وحدات المقرر الدراسي للاستعداد المستمر والمتواصل للامتحان الوطني وضمان الحصول على شهادة البكالوريا.
ومن ناحية أخرى قد يدفع هذا التدبير إلى استخفاف التلاميذ بالمراقبة المستمرة وإهمالها، وتلك الطامة الكبرى والآفة الجارفة التي قد تعصف بجميع التلاميذ المتهاونين منهم والجادين، خصوصا مع عدم فعالية الإجراءات التأديبية التربوية وعدم نجاعتها.
3. كيف يرى أمهات وآباء وأولياء التلاميذ نقطة المراقبة المستمرة:
ولحصول التلاميذ، خصوصا منهم المنتمين للمدرسة العمومية، على نقط جيدة في المراقبة المستمرة، يلتجئ كل إلى وسيلته الخاصة، حيث تغزو ظاهرة الدروس الخصوصية جميع الأوساط الأسرية، فيتكلفون أموالا طائلة يصرفونها كنفقات زائدة على أبنائهم للاستفادة من حصص الدروس الخصوصية المؤداة. فمنهم، وباتفاق مع أبنائهم، من يتصلون بالأساتذة المشرفين على تدريس أبنائهم، ويحددون المبلغ المالي وعدد الحصص، وبالمقابل، هناك أساتذة يتفهمون، ينساقون وراء العاطفة، فلا يتوانون في رفع نقطة المراقبة المستمرة، والأمهات والآباء يعرفون هذا حق المعرفة، فلا يقبلون على الأستاذ الصارم وغير المتعاطف. هؤلاء يلتجئون إلى قنوات أخرى وأساليب تمكنهم من الحصول على نقط مقبولة تساهم في رفع المعدل العام للحصول على شهادة البكالوريا ولم لا ، انتزاع مقعد في مؤسسة ذات الاستقطاب المحدود.
والآن وبعد تطبيق تدبير حذف معدل المراقبة المستمرة من معدل الانتقاء الأولي لولوج المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود، على الأمهات والآباء ألا يغتروا بمعدلات الفروض المحروسة خلال السنة الثانية من سلك البكالوريا، وألا ينفقوا أموالا مقابل رفع معدل المراقبة المستمرة، اللهم إلا إذا كانت الدروس الخصوصية من أجل التحصيل الجيد ورفع الرصيد المعرفي لأبنائهم وتأهيلهم للحصول نتائج جيدة في الامتحان الموحد الوطني وبالتالي الحصول على شهادة البكالوريا بنقطة متميزة تضمن ولوج المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود عن جذارة واستحقاق.
4. القيمة الحقيقية لمعدل المراقبة المستمرة ضمن معدل الحصول على شهادة البكالوريا:
بناء على ما أسلف، فمعدل المراقبة المستمرة غالبا ما يكون مرتفعا نسبيا، فتكون قيمته النسبية غالبا ما تفوق قيمة كل من معدل الامتحان الموحد الجهوي، ومعدل الامتحان الموحد الوطني، ما يمكن من الاستنتاج أن معدلات الانتقاء الأولي قد تنخفض بشكل ملفت مستقبلا، اللهم إلا إذا أدرك التلاميذ بعمق مقاصد تدبير معدل الامتحان الموحد الجهوي ومعدل الامتحان الموحد الوطني واعتماد المعدل الناتج عنهما كمعدل للمشاركة في عملية الانتقاء الأولي لولوج المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود، وذلك بالمواظبة والسلوك والمثابرة ورفع مستويات التحصيل الدراسي.
5. دور المراقبة المستمرة في العملية التربوية والتعليمية:
كان من الممكن حذف المراقبة المستمرة بالمرة خلال السنة الثانية من سلك البكالوريا، والقطع مع كل تبعاتها، من ضياع حصص دراسية كاملة، وتعويضها بحصص الدعم والمراجعة والتثبيت، واجتناب كل أنواع العنف والغش والمشاداة، التي تحدث خلال حصص الفروض المحروسة، ما يشكل أسباب الفتنة وسيادة العلاقات السيئة بين التلاميذ والمدرسين، خصوصا مع غياب آليات ناجعة للتأديب التربوي. إلا أن الجهات المسؤولة، استحضرت، وبروح المسؤولية، المصلحة العامة ومصلحة التلميذ، لحثه على المواظبة والمثابرة والانضباط، ووقوفه بشكل مستمر ومتواصل على تقييم رصيده المعرفي، والتعرف على مردوديته المدرسية، وليستعد خلال السنة الدراسية بشكل ممنهج ومضبوط، لمواجهة اختبارات الامتحان الموحد الوطني، واجتيازها دون حواجز تقف أمام حصوله على شهادة البكالوريا، وربما حجز مقعد بإحدى المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود.
خاتمة:
إن تدبير حذف معدل المراقبة المستمرة من معدل الانتقاء الأولي لولوج المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود، والاحتفاظ بمعدل الامتحان الموحد الجهوي، ومعدل الامتحان الموحد الوطني، يهدف بشكل جلي إلى تحقيق مبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين جميع تلاميذ السنة الثانية من سلك البكالوريا، كانوا يتابعون دراستهم بالتعليم الخصوصي أو بالتعليم العمومي، وتمكين الجميع على قدم من المساواة، من ولوج المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود.
ومن ناحية أخرى فالإبقاء على المراقبة المستمرة خلال السنة الثانية من سلك البكالوريا، يهدف إلى الحفاظ على مصلحة التلميذ، وذلك بتمكينه من معرفة مستواه التحصيلي، وتقوية رصيده المعرفي بالتدريج، واستعداده الآني لاجتيازه مختلف المباريات، وكذا اختبارات الامتحان الموحد الوطني بارتياح من أجل الرفع من مردوديته المدرسية، وحصوله على شهادة البكالوريا وتمكينه، دون مركب نقص، من ولوج المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود، في حالة حصوله على معدلات مؤهلة في الامتحان الموحد الجهوي والامتحان الموحد الوطني.
وقبل الختم وجب التنبيه إلى أن معدل المراقبة المستمرة يجب ألا يشكل عامل غرور لدى التلاميذ وأولياء أمورهم، فقيمته وإن ارتفعت، قد تسهم في الحصول على شهادة البكالوريا، ولكن لن تنفع ولن تحتسب في ولوج التلاميذ المؤسسات العليا ذات الاستقطاب المحدود.
(*) مهتم بالقضايا التربوية والاجتماعية.