محمد المعاشي: "ورش إصلاح أنظمة التقاعد يعتبر من التحديات الكبرى المعروضة على أنظار اللجنة الوطنية للحوار الإجتماعي"

ذ.المعاشي محمد
باحث في قانون الشغل وخبير في الميدان النقابي والعلاقات المهنية
في حوار صحفي مع جريدة "المنعطف"

يرى الأستاذ محمد المعاشي الباحث في قانون الشغل والخبير في الميدان النقابي والعلاقات المهنية، أن لجوء الحكومة إلى طاولة الحوار جاء نتيجة للحركات الاحتجاجية التي عرفتها الساحة الوطنية من احتجاجات، وزاد المتحدث أن الحكومة هي التي ساهمت في إبراز الحركات الاحتجاجية والرفع من درجة الاحتقان الاجتماعي، الذي يرجع بالأساس إلى تراجعها عن الحوار الاجتماعي الوطني والقطاعي ومأسسته والذي كان متنفسا حقيقيا للسلم الاجتماعي داخل البلاد، وأشار محمد المعاشي إلى أن إختيار الحكومة لهذا الوقت، راجع بالأساس لاقتراب إنهاء مهامها، مشيرا في نفس الوقت ذاته إلى إقتراب الانتخابات التشريعية مؤكدا بأنه لن يكون في صالح الحكومة استمرار تأزم الوضع الاجتماعي.
وأكد بأن أوراش إصلاح أنظمة التقاعد يعتبر من التحديات الكبرى المعروضة على أنظار اللجنة الوطنية للحوار الاجتماعي، بعد أن كانت الحكومة ترغب في تمرير مشروع إصلاح أنظمة التقاعد في غياب المقاربة التشاركية مع النقابات.
حاورته: بشرى العطوشي
 

•    إلى أي حد في نطركم تحلت الحكومة بحسن نية في دعوتها للفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين للعودة الى طاولة الحوار الاجتماعي؟
إن عودة الحكومة إلى طاولة الحوار الاجتماعي يوم 13 أبريل 2016 مع المركزيات النقابية الاكثر تمثيلية كفرقاء اجتماعيين هو عين العقل، باعتبار أن الحوار الاجتماعي آلية أساسية في تطوير علاقات التعاون بين الحكومة وشركائها الاقتصاديين والاجتماعيين، وقد جاء دستور 2011 في فصله 13 لإشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها، نظرا للدور الحيوي الذي يشكله الحوار الاجتماعي في ترسيخ البناء الديمقراطي وانعاش التنمية الاقتصادية وتوطيد الاستقرار الاجتماعي.
أما عن ما مدى حسن نية الحكومة لدعوة الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين إلى طاولة الحوار؟ فهذا يتوقف في نظري على طرح السؤال التالي: هو لماذا اختارت الحكومة هذا الوقت بالضبط للعودة للحوار الاجتماعي؟
إن الرجوع لطاولة الحوار لم يأتي من فراغ، بل جاء نتيجة للحركات الاحتجاجبة التي عرفتها الساحة الوطنية مؤخرا من ثورة الشموع بطنجة الى خروج الاف طلبة الطب ومسيرات واحتجاحات الأساتذة المتدربون على الصعيد الوطني واعتصامات واضراب عن الطعام، وكذا الاضرابات الوطنية والقطاعية والوقفات الاحتجاجية التي خاضتها الحركة النقابية، كل هذا زاد من درجة الاحتقان الاجتماعي.
إن الشهور الأخيرة شهدت تناميا ملحوظا لأشكال وصيغ متعددة للاحتجاج، لكن، ردة فعل الحكومة بمواجهة السلوك الاحتجاجي بالمنع و العنف ضد المحتجين، زاد في الطين بلة، حيث لجأ المحتجون الى ابتكار أشكال تصعيدية جديدة داخل الحركات الاحتجاجية، فالحركة النقابية من جهة، رفعت من وتيرة نضالاتها المستمرة والمتواصلة بعد تنفيذها لسلسلة من المعارك، وتعليق مؤخرا لمسيرة وطنية كانت ستنطلق من الدار البيضاء صوب الرباط، ومن جهة أخرى، برز المجتمع المدني كفاعل أساسي في الحركات الاحتجاجية وكقوة مجتمعية مستقلة عن النقابات وعن الاحزاب السياسية وحتى عن الدولة.
ويمكن القول ان الحكومة هي التي ساهمت في ابراز هذه الحركات الاحتجاجية والرفع من درجة الاحتقان الاجتماعي، الذي يرجع بالأساس الى تراجعها عن الحوار الاجتماعي الوطني والقطاعي ومأسسته والذي كان متنفسا حقيقيا للسلم الاجتماعي داخل البلاد، وعدم تلبية المطالب الآنية، في الوقت الذي اختارت الحكومة أسهل الطرق في علاج الأزمة هي لجوئها المباشر الى جيوب الفقراء ومتوسطي الدخل، أمام ما وقع من الزيادات في المواد الضرورية والمحروقات والرفع من أسعار الماء والكهرباء لتفطية العجز الذي يعرفه هذا القطاع على حساب المستهلك، كما عملت على تجميد أجور وتعويضات الموظفين والمستخدمين والأجراء، وضعف فرض الشغل بعد أن وصلت البطالة سنة 2015 الى 1.148.000 عاطل، مما أدى إلى ارتفاع معدل الفقر المدقع، وتوسيع الفوارق الاجتماعية، وضعف الحماية الاجتماعية، كما ذهبت أيضا الحكومة إلى اتخاذ قرارات فردية دون الرجوع إلى طاولة الحوار مع الفرقاء الاجتماعيين، كتمديد التقاعد للأساتذة دون سابق إنذار، وإجهازها عن الحقوق والمكتسبات، ومحاربة الحريات النقابية، وارتفاع تجاوزات وانتهاكات حقوق الأجراء داخل المؤسسات والمقاولات واللائحة طويلة.
ومع تراكم الملفات المطلبية لدى المركزيات النقابية دون تسويتها من جهة، وعدم تطبيق احكام التشريع الاجتماعي الذي أصبح مجرد حبر على ورق من جهة أخرى، ساهما في العزوف النقابي.
وفي الأخير يمكن القول أن إنتشار تنسيقيات كحركات احتجاجية مستقلة عن النقابات والأحزاب السياسية وعن الدولة، وتوقيف الحوار الاجتماعي الوطني والقطاعي مع المركزيات النقابية، وما انعكس عنهما من الرفع في وتيرة الاحتجاجات والزيادة في درجة الاحتقان الاجتماعي، لم يبقى أمام الحكومة أي خيار إلا الرجوع الى جدة الصواب، ألا وهو الجلوس الى طاولة الحوار مع الفرقاء الاجتماعين والاقتصاديين كمحاورين أساسيين.
كما أن اختيار الحكومة لهذا الوقت، راجع في نظري بالاساس لإقتراب إنهاء مهامها، حيث لم يبقى إلا شهور معدودة، وهذا يعني إقتراب الانتخابات التشريعية والتي لا تكون لصالح الحكومة إذا استمر الوضع الاجتماعي على حاله، إذاً كل ما قد سيسفر من نتائج ايجابية عن هذا الحوار، سيؤدي من جهة الى المساهمة في الاستقرار الاجتماعي، ومن جهة أخرى إلى تحسين وتطوير النسيج الاقتصادي والاجتماعي.

•    هل منهجية  الإشتغال التي حددت للحوار قادرة على الخروج بنتائج ملموسة؟

أولا نسجل على أنه لأول مرة يتم الاتفاق على منهجية الإشتغال موحدة بين الحكومة والفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين، والعمل في إطار لجنة واحدة مشتركة مكونة من ممثلي الأطراف الثلاث تشتغل وفق جدولة زمنية محددة، وذلك في أفق إعداد مشروع اتفاق يعرض على أنظار اللجنة الوطنية للحوار الاجتماعي في اجل أقصاه نهاية أبريل 2016،
كما أن توافق الحكومة والفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين على تشكيل لجنة مشتركة لدراسة مطالب النقابات وتقديم مقتراحات ملموسة بشأنها، من جهة، واستعداد الحكومة للتجاوب مع مطالب النقابات التي تهم الفئات الهشة من المجتمع، بعد أن استبعد رئيس الحكومة في بداية اللقاء الذي جمعه بالنقابات، المطالب التي تمس التوازن المالي للدولة من جهة أخرى، سيؤدي لا محالة الى اخراج الحوار الاجتماعي ببعض النتائج.
وقد تكون هناك نتائج ملموسة، لكن، لايتأتى ذلك إلا في حالة تنازلات نقابية لصالح الحكومة والفرقاء الاقتصاديين، حيث هذا الأخير جاء بمطالب خاصة تصب كلها قي صالح المشغلين أكثر ما هو لصالح الأجراء، وجدول العمل يتضمن نقطة التشريع الاجتماعي الذي يندرج فيه دراسة مشروع القانون التنظيمي للإضراب وتعديل مدونة الشغل وقانون النقابات المهنية، أما الحكومة من جهتها فهي متمسكة بتمرير مشروعها المتعلق باصلاح نظام التقاعد الذي لقي رفضا كبيرا من طرف النقابات والفئات المستهدفة.
 وفي الأخير، لا بد من الاشارة على أن تحقيق نتائج ايجابية وملموسة، سينعكس بصورة ايجابية من شأنه أن ينصف الطبقة العاملة التي ستحتفل يوم فاتح ماي، وهذا سيؤدي لا محالة الى تحقيق سلم اجتماعي داخل البلاد، وكل تملص في الموضوع أو مجرد محاولة الحكومة امتصاص سخط  المحتجين، سيفضي الى الرفع من درجة الاحتقان الاجتماعي والسخط الشعبي وعودة الحركات الاحتجاجية.

•    يعتبر ملف إصلاح أنظمة التقاعد أكثر الملفات حساسية هل تستطيع حكومة بنكيران جلب توافق حوله؟

إن ورش اصلاح أنظمة التقاعد يعتبر من التحديات الكبرى المعروضة على أنظار اللجنة الوطنية للحوار الاجتماعي، بعد أن كانت الحكومة ترغب في تمرير مشروع إصلاح أنظمة التقاعد في غياب المقاربة التشاركية مع النقابات، حيث سبق أن عرض رئيس الحكومة في فاتح غشت 2014 المشروع على أنظار المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لإبداء رأيه في الموضوع، من هنا بدأت شررة الإضرابات والاحتجاجات والوقفات من طرف الحركة النقابية، واخر محاولة قامت بها الحكومة هو يوم 30 مارس 2016 بعد أن كانت تود تمرير المشروع أمام أنظار اللجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية يمجلس المستشارين الذي تصدى لهذا المشروع ممثلي النقابات في الرلمان وكذا ممثلي الأحزاب السياسية المعارضة في البرلمان، وفي نفس اليوم خاضت المركزيات النقابية بقيادتها وقفة احتجاجية أمام البرلمان منددة بهذا المشروع، تحت شعار "الحركة النقابية ترفض تمرير المشروع الحكومي المشؤوم للتقاعد".
إذاً يبقى التوافق حول المشروع صعب التحقيق، لكن، قد يتم التوافق حوله إذا توفرت حسن نية جميع الأطراف واستحضار قاعدة "وين وين"، مما يتطلب تنازلات فيما بين جميع الاطراف، شريطة المحافظة على المكاسب ودون تحميل الموظفين تبعات الأزمة.
وقد كنا دائما نؤكد في كتاباتنا على ضرورة المقاربة التشاركية مع النقابات في إصلاح أنطمة التقاعد، حيث نشرت عدة مقالات سبق وأن خصصتم حيزا كبيرا على أعمدة الجريدة، في موضوع:
•    أي إصلاح لأنظمة التقاعد في غياب المقاربة التشاركية مع النقابات؟
•    متى كان نظام التقاعد التكميلي بديلا لنظام التقاعد الأساسي؟
•     نظام التقاعد الأساسي في القطاع الخاص:  بين محدودية الحماية وضرورة التعديل
•    الموقف الاستشاري للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بشأن إصلاح أنظمة التقاعد: جسر تلاقي وتقاطع بين إكراهات الحكومة وانتظارات النقابات.

•    تطرقتم في كتاباتكم السابقة لضرورة مراجعة مدونة الشغل في نظركم ما هي الصعوبات التي تعترض تطبيق مدونة الشغل؟

سبق وأن تناولت في مقالاتي السابقة لموضوع "هل ستفتح الحكومة ورش إصلاح عيوب مدونة الشغل"، وهذا الموضوع جاء بمناسبة مرور عشر سنوات على تطبيق مدونة الشغل، حيث ركزت في هذا الموضوع على إبراز الصعوبات والاكراهات التي تعترض تطبيق مدونة الشغل بعد عقد من الزمن، وما تفرضه من مراجعة أحكام المدونة، وأن المقترحات في شأن تعديل المدونة، يتطلب عقد ندوة وطنية تنصب حول تقييم السنوات العشر لدخول مدونة الشغل حيز التنفيذ، من أجل الوقوف بالدرس والتحليل على تقط القوة والضعف الذي تعاني منها المدونة ومدى الاكراهات والصعوبات التي تعترضها والتي تحول دون تطبيقها على أحسن وجه، وما تتطلبه المرحلة من اعمال يمبدأ ملائمة مدونة الشغل مع الدستور والمواثيق الدولية والالتزام بالتطبيق الفعلي.
إن الصعوبات التي تعترض تطبيق المدونة تكمن من الدرجة الأولى في قلة موارد البشرية لأجهزة المراقبة، حيث تضطلع هذه الأخيرة بدور هام في السهر على تطبيق الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالشغل والمعمول بها في المقاولات والمؤسسات التابعة للدولة والجماعات المحلية، خاصة بعد أن تم توسيع اختصاصتها في ظل مدونة الشغل (المواد 530 حتى 585).
وقد سبق وأن أكدت اتفاقية 30 أبريل 2003 الموقع بين الحكومة والفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين، على الدور الذي يلعبه هذا الجهاز والذي لن بتأتى إلا بمد  هذا الجهاز بالإمكانيات المادية والبشرية اللازمة.
وغياب أجهزة المراقبة للقيام بدورها المسند إليها قانونيا، أدى إلى تغييب تطبيق أحكام قانون الشغل في عديد من المقاولات والمؤسسات من جهة، ومن جهة أخرى الاجهاز عن حقوق الأجراء كحلقة ضعيفة داخل المقاولات الانتاجية، حتى أصبحت هذه المقاولات والمؤسسات تتهرب من صياغة الأنظمة الداخلية الملزمة واتفاقيات الشغل الجماعية، ويغيب فيها مؤسسة مندوب الأجراء ولجان المقاولة والصحة والسلامة، كما ينعدم داخلها تواجد المصالح الطبية المستقلة للشغل، والمس بالحريات النقابية، وعدم التصريح بالأجراء في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وعدم إطلاع المصلحة المكلفة بالتشغيل على اللائحة الإسمية للأجراء الجدد الذي يتم تشغيلهم في اجل ثمانية أيام واللائحة طويلة.
فضلا عن هذه الصعوبات التي تعترضها، هناك معيقات برزت بشدة في بعض مقتضيات المدونة التي ينعدم فيها التجانس والملائمة، مما يتطلب مراجعتها وتعديلها، وقد إقترحت بعض التعديلات في الموضوع نظراً لتجربتي المتواضعة لأكثر من ريع قرن من الممارسة والاحتكاك المباشر مع إدارة المقاولة أو الأجراء كمسؤول نقابي أو كمندوب الأجراء، وكذا تتبعي لمطالب النقابات العمالية أو من خلال الاستشارات القانونية التي أتوصل بها من حين لأخر قصد إبداء الرأي حولها، حيث وقفت على مجموعة من المعيقات التي تؤدي إلى صعوبة تطبيق بعض بنود مدونة الشغل، والتي في اعتقادي تتطلب ضرورة تعديل بنودها، وسأورد لكم بعض المقترحات في الموضوع وهي:
•    تقوية الإجراءات الزجرية في حالة انتهاك قوانين الشغل؛
•    رفع كل التباس حول التعويضات في حالة الفصل التعسفي (المواد 70.82.59.52.41) ؛
•    إجراء تعديل على المادة 62 من المدونة؛
•    سن مقتضيات جديدة تلزم المشغل الحضور أمام مفتش الشغل؛
•    سـن مقتضيات قانونية حول معاقبة المشغل في حالة ارتكابه للخطأ الجسيم (المادة 40)؛
•    تقوية الحماية القانونية المتعلقة بالحريات النقابية والممثلين النقابيين ومندوبي الأجراء؛
•    اخراج الى حيز الوجود المراسيم التطبيقية والقوانبن المتبقية؛
•    إحـداث محاكم اجتماعية متخصصة؛
•    إعـادة مراجعة تشكيلة اللجنة الاقليمة والوطنية للبحث والمصالحة المواد 557 إلى 566؛
•    التصديق على الاتفاقيات الدولية خاصة منها الاتفاقية رقم 87؛
•    إلغاء أو تعديل الفصل 288 من القانون الجنائي.
وهي بعض المقترحات التي نراها في اعتقادنا ضرورية لأخذها بعين الاعتبار في مراجعة وتعديل المدونة المعروض على أنظار اللجنة الوطنية للحوار الاجتماعي.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-