تجارة الكلام : بين التهريب والتدريب !

لكي لا نتهم بالانطباعية - رغم أن الانطباعية مدرسة عريقة في الفن التشكيلي، فمن منا لم يقف مشدوها أمام لوحات الرسام الفرنسي بول سيزان؟ - إليكم لائحة بالمراجع التي اعتمدت كخلفية أكاديمية لهذه المقالة ومصدر أفكارها الأساسية :
- l'esprit sociologique, B. Lahire
- Psychologie de l'orientation, M. Huteau, J. Guichard
- l'acteur et le système, M. Crozier

لندخل مباشرة في موضوعنا : ظاهرة ما يعرف الآن بمدربي أو خبراء أو معالجي أو مبرمجي...التنمية البشرية.
قبل ذلك، لنرجع قليلا إلى الوراء لرصد بعض الأشكال القديمة لهذه الظاهرة، مثلا :
- في المكتبات، كتب من نوع كيف تتعلم الانجليزية بدون معلم، كيف تتعلم الكراتيه من دون مدرب، كيف تصبح مليونيرا، كيف...
- فن الحلقة والحكواتي الذي يأخذ بعقول الحاضرين ويفعل بها ما يشاء، فتارة يتقمص دور العالم أو الفقيه أو المؤرخ، وتارة أخرى دور الطبيب أو الحكيم الخبير في الحياة أو المعالج الروحاني...ليبتز بعد ذلك أموال المتجمهرين حوله وبرضاهم !
سأعطي الآن حكم قيمة على محترفي هذه المهنة، واستسمح إن كانت التعابير قاسية لأنها الحقيقة المرة التي لا مناص من ذكرها :
هم ببساطة طفيليات وطفيليون على ميدان العلوم الإنسانية يقتاتون من موائدها ويبيعون أبحاث واكتشافات الآخرين من العاملين في هذا المجال.
بهذا الحكم والتعريف معا فنحن نستثني الخبراء الحقيقيين من أمثال علماء التربية وعلماء النفس...

ولنبدأ الآن بوصف متقمصي هذه الأدوار التنكرية :
وأنت في صالة العرض، يظهر أمامك شخص أنيق جدا، بمحفظة أنيقة جدا، بحاسوب وتكنولوجيا متطورة جدا، بابتسامة عريضة جدا، بحركات مصطنعة ومدروسة جدا، يقول كلاما جميلا جدا جمعه من أفواه شيوخه وتجاربهم المملة جدا، حاصل على شواهد كثيرة جدا، وفي فنون الحرب على درجات عديدة جدا، ليقنعك بشئ واحد ووحيد جدا: أنت فاشل جدا وأنت فقط من يتحمل مسؤولية فشلك! نقطة ورجوع لا إلى السطر بل إليه ليعلمك التقنيات والاستراتيجيات والخطاطات...والخزعبلات لضبط الوقت والتخطيط وتطوير الذكاء المالي ومحاربة القلق والتوتر والنجاح على جميع المستويات...والثمن بالطبع باهض جدا !
لكن...الواقع لا يرتفع وتغيير الحال من المحال!
لماذا؟ الجواب في المراجع السالفة الذكر، وللاختصار وتعميم الفائدة، نقول:
1- تنطلق جل هذه التقنيات من الرؤية الإنتاجية المفرطة للعمل والعامل والتي يطلق عليها المشتغلون بنظرية التدبير le having وتتماشى مع الرأسمالية المتوحشة الأمريكية خلافا للنموذج الدنمركي الذي يتأسس على الوجود الإنساني. le being
2- الهدف من التنمية البشرية هو تصحيح الاعطاب أو الخسائر التي تعترض المتسابقين نحو التفوق في منظومة اقتصاد السوق التي لا تنام أبداl'argent ne dort jamais
3- تروج هذه الدروس النظرية لوهم الفعالية l'illusion de la performance  في مجتمع متخلف ونسق يحد كثيرا من حرية الفاعل الاجتماعي في التغيير كما هو لسان حالنا.
4- الهدف العام الغير المعلن عنه هو التأقلم مع النظام السياسي والاقتصادي وليس تغييرهما
Sujet  passif vs sujet actif
5- لا تراعي هذه المقاربة التقنية المراحل الانتقالية النفسية والمهنية التي يمر منها الأفراد les transitions personnelles et professionnelles.
6- تضخم التنمية البشرية دور الفرد في التغيير الذاتي لكنها بالمقابل تصمت عن العوامل البنيوية الأخرى كالاقتصاد والسياسة والدين والثقافة...
7- بعبارة أخرى، نحن أمام عملية تهريب واسعة النطاق للمفاهيم الرأسمالية والوصفات الإنتاجية من بيئة إلى بيئة أخرى مغايرة تماما، من نسق الكوكاكولا والهمبركر إلى نسق الطاجين والكسكس، وبطبيعة الحال فلا يمكن استيعابها إلا بالتدريب.

ولتقريب الصورة أكثر وما دمنا نتحدث عن التدريب، لدي سؤال بسيط جدا:
- هل يستطيع المنتخب المغربي لكرة القدم حاليا الفوز بكاس العالم مع المدرب الألماني المشهور يواخيم لوف؟
- نفس السؤال لكن بطريقة أخرى، هل مشكل كرة القدم المغربية في المدرب أم في أشياء أخرى نعرفها جميعا ولا داعي لذكرها؟

محمد ازرور
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-