التربية على التسامح ومحاربة العنف

علي بلجراف
(على هامش الدورة التكوينية لمنشطي وتلاميذ الأندية الحقوقية بالمؤسسات التعليمية بالناظور).
                                       
1 . الرؤية الاستراتيجية 2015/2030 ومسألة التربية على التسامح ومحاربة العنف بالوسط المدرسي :
   من المعلوم أن التربية على القيم وعلى المواطنة وحقوق الإنسان ومن ثمة على التسامح ومحاربة العنف بالوسط المدرسي وهو موضوع هذه الدورة التكوينية التي تنظمها "المؤسسة الدولية للتدريب والتنمية" بشراكة مع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ممثلة في الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الشرق والمديرية الإقليمية بالناظور بالفضاء الجمعوي بمدينة أزغنغان من 08 إلى 10 أبريل 2016 لفائدة منشطات ومنشطي الأندية التربوية الحقوقية وتلميذات وتلاميذ بعض المؤسسات التعليمية بالإقليم، هذه التربية ،باتت اليوم عملا مندمجا في صميم أدوار الحياة المدرسية في ظل التدابير ذات الأولوية المعتبرة كخطوة أولية ضرورية على طريق تنزيل مخططات ومشاريع الرؤية الاستراتيجية الوطنية لإصلاح التربية والتكوين ببلادنا الممتدة من 2015 إلى 2030. ويكفي أن نشير في هذا الصدد إلى المشروع رقم 18 بعنوان: "تعزيز قيم المواطنة والديموقراطية والمساواة بين الجنسين في المنظومة التربوية" والذي هو عبارة عن ترجمة وتجسيد للمادتين 101 و 66 من مواد الرؤية الاستراتيجية إلى جانب المشروع رقم 5 بعنوان: "ضمان تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة أو في وضعيات خاصة" والذي يحيل بدوره على الرؤية الاستراتيجية كمرجعية أساسية وبصفة خاصة في موادها 12 و13 و14 و04 .
2 . التربية على حقوق الانسان عموما بالمغرب
   الواقع أن المغرب راكم تجربة لا بأس بها في مجال التربية على حقوق الانسان عموما بالتعليم المدرسي وربما كان البلد المتميز في محيطه الجغرافي الإفريقي على الخصوص الذي عمل على إدماج التربية على حقوق الإنسان والمواطن في المناهج الدراسية لبعض المواد الحاملة كالفلسفة واللغة العربية والتربية الإسلامية والاجتماعيات والفرنسية من خلال مفاهيم حقوقية مركزية كالحرية والكرامة والمساواة والتسامح والحق والعدالة والديموقراطية ... وذلك منذ التجربة الأولى لحكومة التناوب المعروفة.
   وإذا كانت هذه الدورة التكوينية حول التربية على التسامح ومحاربة العنف بالوسط المدرسي تلتقي وتتقاطع مع أهداف وأدوار الحياة المدرسية مما من شأنه أن يساهم في إعطاء نفس جديد وخلق دينامية جديدة في الأنشطة المندمجة للحياة المدرسية بالمؤسسات التعليمية، فإن الرهان هو تعزيز وترسيخ ثقافة الحق والقانون ومحاربة العنف بجميع صوره وأشكاله في الوسط المدرسي وفي المجتمع ككل. ذلك لأن التأسيس للعيش المشترك أو العيش معا vivre ensemble والتأسيس لتحصين المجتمع ضد العنف والسلوك غير المدني يمر بالضرورة عبر تحصين وتمنيع المدرسة. من هنا يأتي الرهان على المدرسة وعلى الأندية التربوية لترسيخ ثقافة التسامح ونبذ العنف في المدرسة وفي المجتمع. فما معنى التربية على التسامح وعلى العيش المشترك في العالم الآن ؟
   إذا تأملنا بعمق لفظ الآن "Maintenant" نجد أنه لا يعني فقط اللحظة الراهنة بل يعني اللفظ في تركيبته باللغة الفرنسية "main و tenant أي "يد حاملة" أو tenant en main أي حمل شيء ما في اليد. ما هو هذا الشيء المحمول في اليد والذي يحيل عليه تركيب لفظ " Maintenant"؟
   يرى الفيلسوف الفرنسي المعاصر "ميشيل سير" أن الإنسان الآن ،في ظل التطور التكنلوجي الإعلاميائي، أمسى يحمل في يده العالم عبر الهاتف المحمول. بعبارة أخرى أصبح العالم اليوم، بما تتيحه أدوات الاتصال والتواصل والمعرفة الجديدة ومختلف الشبكات الاجتماعية الموجودة ،في متناول كل الناس تقريبا. وقد أدى هذا كله إلى تغير كثير من المفاهيم . فالذاكرة تقلصت وتخارجت (أي أصبحت خارجة عن الجسد) تدريجيا مع التحولات التي حدثت في تاريخ الإنسان من المرحلة الشفوية إلى ظهور الكتابة إلى ظهور الطباعة إلى الذاكرة الآلية (carte memoire). كما أن مفهوم العنوان Adresse تحول من المكان الأوقليدي (نسبة إلى العالم الرياضي اليوناني القديم أوقليدس) إلى العنوان Email الافتراضي حيث أصبح العنوان المكاني الذي يحيل على الحي والشارع ورقم المنزل لا يصلح إلا لتلقي منشورات الإشهار والدعاية الانتخابية التي يكون مآلها معروفا لدى الجميع. أما المسائل المهمة والجوهرية والحميمية أيضا، أو الذاكرة ذات القيمة باختصار، فتحولت إلى العنوان الجديد.
   غير أن التغير طال أيضا مفهوما أساسيا هو مفهوم المواطنة حيث أصبحنا نعيش مواطنة كونية إلى جانب المواطنة الوطنية . تعني المواطنة الكونية من ضمن ما تعنيه أن ثمة حقوقا و واجبات متقاسمة بين البشر على مستوى كوكب الأرض. يعني هذا إذن أن ثمة مشتركا كونيا إلى جانب المشترك الوطني. فالحق في العيش في بيئة سليمة والواجب إزاء البيئة يتجاوز الوطني والمحلي إلى ما هو كوني والمؤتمر الدولي المقبل حول التغيرات المناخية ببلادنا يدل على هذا دلالة واضحة.
   نستنتج من هذا كله قيمة وأهمية موضوع هذه الدورة التكوينية حول التربية على التسامح ومحاربة العنف. فالعيش المشترك أو العيش معا هو ضرورة وليس اختيارا ليس فقط وطنيا بل وكونيا أيضا لأن التعدد والاختلاف هو واقع وحقيقة كونية. ومما يكسب أسباب النجاح لهذه الدورة أنها ستقارب مفهوم التسامح في أبعاده وجوانبه المختلفة: مفهوميا ودلاليا أولا ثم من حيث هو ثقافة في علاقته بظاهرة العنف وفي تعالقه بمختلف الأنشطة المندمجة للحياة المدرسية المعرفية والثقافية والاجتماعية والفنية والرياضية.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-