واقع النقل المدرسي بالمغرب : اختلالات بالجملة !

عصام لوريز
باحث تربوي،متدرب بمسلك الإدارة التربوية

تلميذة لقيت مصرعها على الفور فيما لقي تلميذ آخر حتفه اثناء نقل المصابين الى المستشفى ... تلميذ بترت يده وآخر فقد عينه وآخرون  في حالة حرجة بالإضافة إلى كسور وتشققات وجروح ورضوض، هي حصيلة ليست بالنهائية لحادثة سير مأساوية وقعت على مستوى الطريق الرابطة بين جماعة «ألنيف» وجماعة «فزو» بتنغير، بعد اصطدام قوي بين شاحنة تشتغل لصالح منجم بالمنطقة، كانت تنقل قرابة 50 تلميذا وتلميذة من القاطنين بالخيرية، وبين شاحنة أخرى وسيارة رباعية الدفع كانتا تسيران في اتجاه معاكس،اصطدام أدى الى تطاير التلاميذ في الهواء و تناثرهم على جنبات الطريق في مشهد أليم يسائل وعيا غائبا و ضميرا مغيبا.
وما الحدث إلا قشة من كومة ما تعانيه ربوع وأصقاع مغربنا الحبيب من اختلالات وعلات مزمنة بسبب تفاوتات سوسيواقتصادية و مجالية صارخة لا تلبث أن تتمظهر فقرا و تهميشا و حرمانا لتعكس مغربين بسرعتين تنمويتين متباعدتين، ظواهر تجعلنا نعاين تلميذا يلوح بيده لكل عابر سبيل يحمله القدر إلى الجزء المنسي من المغرب الذي يسكنه.
 بالمقابل ،و في أول رد فعل من مسؤول تربوي على مستوى الجهة، أعلن مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لدرعة-تافيلالت ، أن مصالح الأكاديمية وفور علمها بالحادث شكلت لجنة لليقظة لمواكبة وتتبع حالات التلاميذ المصابين الذين تم نقلهم للمستشفى الإقليمي  بالرشيدية لتلقي العلاجات اللازمة، مضيفا أن هذه الأكاديمية اتخذت جملة من الإجراءات همت بالخصوص توفير وجبات التغذية للمصابين خلال مدة إقامتهم بالمستشفى..و إنه كان من الأجدر أن تكون الجهات الوصية يقظة بمنظور استباقي لما قد يواجهه فلذات أكبادنا من أخطار محدقة بهم و هم يخوضون يوميا رحلات مكوكية على الأقدام من و إلى مدارسهم في غياب شبه تام لوسائل النقل العمومية و للطرقات المعبدة و للإمكانات المادية التي تبقى شبه معدومة.
هذا، فيما تؤكد وزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر من جهتها أن البرنامج الاستعجالي قد أولى أهمية خاصة للنقل المدرسي في سياق العمل على تجاوز المعيقات السوسيو اقتصادية والجغرافية التي تحول دون ولوج التعليم الإلزامي.
وهدفت أهم التدابير المسطرة في مشاريع الدعم الاجتماعي التي جاء بها البرنامج الاستعجالي بخصوص النقل المدرسي إلى ما يلي:
•    توفير النقل المدرسي بالوسط القروي لأزيد من 50000 تلميذ
 و تلميذة .
•    تعميم النقل المدرسي على صعيد كل ثانوية إعدادية جديدة وكل مدرسة ابتدائية جماعاتية بالوسط القروي وذلك بتوفير 653 حافلة و25112 دراجة في أفق سنة 2012؛
•    البحث عن صيغ أخرى للنقل المدرسي تتلاءم مع الخصوصيات الجغـرافية لبعض المناطق المعـزولة (دراجات هوائية وعربات وحافلات، ...)؛
•    استثمار مختلف إمكانات الشراكة من أجل توفير وتدبير وتمويل النقل المدرسي.
و ما النقل المدرسي إلا غيض من فيض ثلاثة وعشرين مشروعا، وأربعة محاور أساسية حملها المخطط الاستعجالي لإصلاح منظومة التربية والتكوين لم تعرف طريقها الى النجاح بشهادة وزير التربية الوطنية السابق السيد محمد الوفا برغم ما رصدت لها من إمكانيات جد مهمة انتهى أغلبها الى أرصدة شركات كبرى استكمالا لمسلسل الفساد و إهدار المال العام و الذي لم تعلن التحقيقات القائمة حلقاته الأخيرة بعد.
 أما برسم  الدخول المدرسي الحالي (2015- 2016) ، فقد خصصت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني مليارين و150 مليون درهم لتمويل البرامج المسطرة في إطار الدعم الاجتماعي للتلاميذ، وخاصة منهم المتحدرون من أوساط معوزة، سيخصص مبلغ 34 مليون درهم منها للنقل المدرسي ، من أجل تمكين 30451 تلميذا وتلميذة من الإستفادة من درجات هوائية للتنقل من وإلى المدرسة، فيما سيستفيد 92 ألف و 185 تلميذا وتلميذة من النقل المدرسي بواسطة الحافلات، ليبلغ بذلك العدد الإجمالي للمستفيدين من برنامج النقل المدرسي 122 الف و 636، من ضمنهم 44 بالمائة من الإناث،أرقام رنانة لن تسهم الا في التخفيف من هول الواقع  إن هي استثمرت بشكل صحيح ،في رهان صعب على الحد من نسب الهدر المدرسي المهولة خصوصا في صفوف الفتيات و اللاتي باتت أغلبهن يفضلن تكرار سنوات دراسية عدة بالمؤسسة المجاورة لمحل سكنهن عوضا عن النجاح و الإنتقال الى مؤسسات ثانوية اعدادية أو تأهيلية أبعد في ظل غياب نقل مدرسي آمن.
و بحكم احتكاكها بالواقع المحلي ،فإن جمعيات المجتمع المدني تكتسي دورا أساسيا في النهوض بالمجال الإجتماعي و الإقتصادي خصوصا في ظل انحسار و محدودية تأثير المبادرات الرسمية و القطاعية المنتهجة من طرف الدولة، و في هذا الصدد تأسس بالمغرب  نسيج جمعوي يهم مجال النقل المدرسي على نحو ملفت على امتداد السنوات الماضية و قد استفاد بشكل كبير من مختلف أشكال الدعم الرسمي و غير الرسمي ناهيك عن تسخير الإمكانيات الذاتية البسيطة في تعبير عن استمرار آليات التضامن الاجتماعي العضوي المغربي إلا أنه بات يعاني جملة من المشاكل أبرزها سوء التسيير و التدبير و صعوبة مساطر الاقتناء و الجمركة إضافة إلى صعوبات التمويل و عدم مرونة المساطر الادارية و القوانين و إكراهات تقنية و موضوعية أخرى تحد من مدى فاعليته في التخفيف من وطأة الوضع القائم و مساهمته في إقرار عدالة تعليمية قويمة.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-