هل زوروا التاريخ

بقلم : خالد الزهاني

ان مفهوم التاريخ مفهوم غير محدد اختلف في تعريفه، بحيث كان المؤرخون العرب يعتمدون في تدوينه على الاسناد والتواتر نقلا عن فلان وعن فلان، الى ان جاء عالم الاجتماع العربي الحضرمي في القرن الرابع عشر الميلادي الثامن للهجري وارتقى به من جمع الوقائع وسرد ورواية الاخبار الى مستوى العلم الهادف الى فهم الاحداث واستشراف منحاها المستقبلي، وأحدث ثورة في مفهوم التاريخ باعتبار الانسان هو الذي يصنعه وانطلاقا من ذلك قام الغرب بصناعة تاريخ البشرية وغيروا منحاه بعد فهمهم لأهميته في السيطرة والتحكم في العالم، لقد ادركوا ذلك منذ ما يزيد عن سبعة قرون مع بداية ما سمي بالنهضة الايطالية في القرن الخامس عشر او الفرنسية في القرن السادس عشر.
 فالدارس للتاريخ والمتمعن فيه يجد ان علماؤهم وفلاسفتهم وقبلهم رجال الكنيسة فهموا الدرس مبكرا خصوصا مع سقوط الاندلس وانطفاء شعلة التوهج في كل من بغداد ودمشق وقرطبة مراكز العلم والادب والفن والعمارة، في فترة كانت تعيش فيها اوروبا عصرها الوسيط ما بين 476 و1453 ميلادية، لا بد ان يطرح سؤال مهم هو هل تقدم أوربا في جميع العلوم والآداب وفي فترة وجيزة عرفت بعصر النهضة امتداد للحضارة الاغريقية فعلا كما يدعون ام انه سرقة للإرث الاسلامي عموما والاندلسي خصوصا وترجمته وتزييف حقائقه واسناد أمهات العلوم الى غير أصحابها من خدام الكنسية وفنانيها ومبدعيها، والى أساطير اغريقية أصبحت فيما بعد حقائق ثابتة، فكيف وصلت اليهم هذه العلوم والمؤلفات؟ كتابة ام عن طريق الرواة؟، واين كانت محفوظة وباي لغة كتبت، واين هي تلك الكتب الاغريقية وكيف طبعت على الالواح ام على القماش ام على الجلد، علما ان اول من اكتشف فن الطباعة هم الصينيون وانتقلت الى العالم الاسلامي اثناء الحروب عند اسرهم لجنود صينيين، ثم طورت الالة الثابتة وتم تحسين جودتها، فحين لم تظهر بأوروبا الا في القرن الخامس عشر للميلادي مع الالماني غوتنبرغ وطابعته المتحركة. هل فعلا كانت هناك حضارة اغريقية غير فن العمارة الثابت والمتبقية اثاره واين هي كتابات طاليس وافلاطون وارسطو وفيتاغورس، هل هم أساطير أم علماء وجدوا حقا أم شخصيات مختلقة من طرف الكنيسة المسيحية لتبرهن امتداد العلم لهؤلاء وتنكره الى المسلمين فتعفى بذلك من الاعتراف بالإسلام في فترة كانت الحروب الدينية على اشدها في اروبا  العصر الوسيط بين البروتستانت الرافضين لهيمنة الكنيسة والبابا وخدامه اصحاب المذهب الكاثوليكي، وبين المسحيين والمسلمين فيما يسمى بالحروب الصليبية، وكيف اختفت الحضارة الاغريقية بشكل غامض وسريع، هل حقا حبك التاريخ في دهاليز الكنيسة المسيحية بروما وترجمت الكتب العربية والاسلامية التي صدرت وطبعت منها الآلاف خصوصا مع اختراع الة الطباعة، كيف توصلوا بعلوم الاغريق في فترة كانت جميع اللغات شفهية وكانت الرومانية واللاتينية هي الاصل لديهم كما هو الشأن للغة الفرنسية والتي لم تظهر بشكلها الحالي الا في القرن الخامس عشر وبداية السادس عشر ميلادي (كانت لغات متعددة كلها شفهية Patois, d’oc, d’oïl, dialectes  ) وهل حقا الاغريق الوثنيون عباد الاصنام والالهة كانت لهم القدرة على الخلق والابداع، وهل الانسان الاغريقي الوثني عابد الاصنام والتماثيل (المبدع في نحتها وزخرفتها) اذا اغلقت في وجهه السبل وعاش المشاكل والضياع سيتوجه الى الالهة ام الى العقل ليخترع وليبدع الحلول، ما دام لكل اله قوة ومجال اختصاص، وهل تسمح أثينا الهة الحرب والحكمة ان تصنع المركبات وتخترع الاسلحة وهي المتحكمة فيها، وهل يسمح زوس اله الالهة بأن يتمرد عليه بشري دون معاقبته، فالجواب يجده الدارس في جل الاساطير المنسوبة الى الاغريق، فأسطورة اكار ابن ديدال خير برهان على ذلك عندما ارادا ان يحلقا في السماء هروبا من معتقل مينوز بجناحين من ريش وشمع ومتحديا اله السماء فكانت عقوبته الموت والسقوط في البحر، وكذا نهاية حرب طروادة وسقوط المدينة المحصنة وكيف قامت الالهة بترجيح كفة الحرب لصالح طرف دون الاخر أو ارسال الامراض والطاعون للطرف الاخر، ان تأثير ألهة الأولمبيا الاثني عشر في حياة الاغريق وألهة الرومان في شعب روما فيما بعد لا يدع مجالا للعقل في التفكير والابداع ولا يدعم العلم بقدر ما يوجه منحى الحياة ويقيدها الى الانبطاح والتعلق والتوسل الى الاله، وحتى أساطير الإلياذة واوديسا لأومير التي تحكي عن حصار طروادة كانت عبارة عن شعر غنائي غير مكتوب قيل انه تواتر عن طريق الثقافة الشفهية من حضارة الى حضارة وهل يعقل ان يستمر هذا الثرات وينقل بسلاسة عبر عشرة قرون من الظلامية والموت الفكري في عصرهم الوسيط، فحين كانت الكنيسة تحجر على كل شيء وتغتال الافكار وتوجه البشر، واين هو موروث الحضارات الاخرى التي عرفتها البشرية؟، وحتى العلماء الذين لم يستطيع الغرب ان يغير كتبهم وبصماتهم العلمية غير أسمائهم فتحول ابن سينا الى avicenne كما غيره من العلماء والفلاسفة. ان النهضة التي عرفتها البشرية جمعاء هو نتاج سيرورة تاريخية لحضارات متعاقبة وممتدة وليس نتاج حضارة اغريقية مندثرة فقط، وانما هو انعطاف زماني ومكاني عرف في عهد الاسلام بتغليبه العقل وتكريمه للعلم والعلماء امتد لسنوات ليصل لأروبا عبر الاندلس، وتتنكر له الكنيسة ورجالاتها لتحتكر السلطة وتحافظ على امتيازاتها وتتقاسم منافعها الى عصرنا الحالي وما البذخ في نقوشها وبناياتها الا تزكية لهذا التوجه.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-