من يطلع على أوضاع البلد هذه الأيام يخيل إليه أنه في 2011 وأن الربيع "رشقت ليه" كما يقول رئيس الحكومة وعاد. الإضرابات والاحتجاجات تخنق شوارع ومدن المملكة.الجديد في 2015 هو نزول المركزيات النقابية بنفسها للشارع للاحتجاج، بعدما كانت الاحتجاجات في 2011 فئوية فقط، عندما انفجرت ظاهرة التنسيقيات كبديل عن النقابات التي طلقت النضال طلاقا بائنا.
طبعا لا حاجة هنا للتذكير بأن هذه "الصحوة النقابية" في هذا الوقت بالذات سياسية أكثر منها نقابية، كما أن صوم نقابة "يتيم" عن النضال و اكتشاف أن الإضراب "أبغض الحلال" فجأة هو قرار سياسي أيضا أكثر منه نقابي.و لا احتاج هنا كذلك للتذكير بأن أكبر خدمة يسديها هؤلاء النقابيون للشغيلة هي عقد مؤتمرات استثنائية في أقرب الآجال ومنح أنفسهم رخصا طويلة الأمد عن النضال لأن جلهم تجاوز سن التقاعد الذي يناضلون ضد رفعه، وهو مبرر كاف في اعتقادي لثني الآلاف عن الاستجابة لنداء هذه النقابات.فكم هو بئيس مشاهدة زعيم نقابي يغمى عليه خلال مسيرة الدار البيضاء الأخيرة بسبب السن.
من بين القوانين التنظيمية التي لم تفهم لحد الساعة أسباب تأجيل إخراجها هناك القانونين الخاصين بالإضراب و النقابات.الولاية تشارف على الانتهاء و لا قانون إضراب أو نقابات بعد. طبعا، النقابات لا تستعجل إخراج هذين القانونين إن لم تكن تعمل بشتى الوسائل لعرقلتهما أصلا، لأنه سيفقد الزعماء النقابيين عدد من الامتيازات، ومنها شهادة الإقامة الدائمة على رأس هذه الهيئات التي يتمتع بها بعضهم.
الغريب هو خضوع بنكيران لـ"الفيتو" الذي وضعته نقابة واحدة فقط على تعديل قانون انتخابات المأجورين، وبالتالي المفارقة الغريبة هي أن القطاع الخاص، غير المهيكل، والذي يعرف انتهاكات صارخة لحقوق العمال، الذين يسهل توجيههم من طرف المشغل،هو الذي يتحكم في نسبة التمثيلية وليس القطاع العام، أي القطاع المهيكل، الذي يضمن على الأقل الحد الأدنى لشروط الممارسة النقابية.فلو عدل هذا القانون بما ينسجم وروح دستور 2011 لمحيت بعض النقابات، التي تدعي اليوم زورا تمثيل الشغيلة، من الخريطة.
المناسبة شرط كما يقول الفقهاء، ومناسبة هذا المقال هي الإضراب العام الذي دعت له أربع نقابات اليوم الخميس 10 دجنبر،وهي بذلك مناسبة لأهمس في أذن رئيس الحكومة و أذكره بأن الدولة بادرت في 2011 إلى الزيادة في الأجور لتخفيف الاحتقان والضغط اللذان ولدهما غلاء الأسعار و تجميد الأجور لعقود، مما أثر سلبا على التوازن الاجتماعي. زيادة 600 درهم كاملة و خالية من الضرائب لم يكن يوما ضمن برنامج حكومة عباس الفاسي و لم يكن كذلك مطلبا نقابيا، بل هو إجراء استباقي قامت به الدولة في فترة حرجة ساهم كثيرا في رسم خريطة طريق "الإصلاح في ظل الاستقرار".
تابعنا عبر بعض وسائل الإعلام –حتى تلك المعروفة بعدائها للحكومة- الجلد الذي تعرضت له النقابات بسبب "ضعف" الاستجابة لمسيرة الدار البيضاء، وهو مؤشر في اعتقادي لم يعد له مبرر، فإذا كنا بالفعل جادين في مسألة الدمقرطة، يتوجب علينا تغيير النظرة للاحتجاج وللإضراب، فلا يعقل أن نستمر في اعتماد عدد المضربين و المحتجين كمؤشر للاستجابة للمطالب النقابية من عدمه، في الوقت الذي نتحدث فيه عن تفسير جديد للإضراب يقطع مع توقيف الإنتاج ومبدأ "الأجر يساوي العمل".النقاش اليوم يجب أن ينصب على المطالب، والمطالب التي تحتج بسببها النقابات اليوم مطالب مشروعة، مما يفرض على الحكومة التحرك قبل فوات الأوان في إطار المفاوضة الجماعية بين الدولة و النقابات و الباطرونا، و ليس الحوار الاجتماعي، الذي يحيل فقط على المشاورة و يفتقد لأي التزام.
نوايا بنيكران حسنة، لا شك في ذلك، والاهتمام يجب أن ينصب على الفئات الأكثر هشاشة التي ظلت منذ الاستقلال خارج حسابات الحكومات والنقابات على حد سواء. لكن ليسمح لي بنكيران أن أقول له أن نظرته للزيادة في أجور الموظفين نظرة تقليدانية، فدعم الطبقة الوسطى اليوم أصبح ضرورة ملحة، لما تعلبه هذه الفئة من أدوار مهمة في المجتمع، ومنها المساهمة في دوران عجلة الاقتصاد وخلق فرص شغل جديدة. الزيادة في أجور الموظفين يمكن تشبيهها بالإعفاءات الضريبية التي تتلقاها المقاولات والشركات من أجل مساهمتها في التشغيل.
أما عن إصلاح التقاعد، فحتى لو سلمنا بأن الصندوق عرف اختلالات في التدبير و ليس اختلاسات، وهل تنفك هذه عن تلك؟ فلا يمكن تحميل المنخرطين هذه الأخطاء، بل على الدولة البحث عن بدائل أخرى. نعم إصلاح صندوق التقاعد يجب أن يتم "الآن.. هنا"، لكن بنكيران يريد من الشغيلة أن تبتلع الدواء الذي يقترحه للإصلاح دفعة واحدة وبدون ماء، وهو أمر لا شك صعب.
عبد اللطيف الحاميل - لكم.كوم
طبعا لا حاجة هنا للتذكير بأن هذه "الصحوة النقابية" في هذا الوقت بالذات سياسية أكثر منها نقابية، كما أن صوم نقابة "يتيم" عن النضال و اكتشاف أن الإضراب "أبغض الحلال" فجأة هو قرار سياسي أيضا أكثر منه نقابي.و لا احتاج هنا كذلك للتذكير بأن أكبر خدمة يسديها هؤلاء النقابيون للشغيلة هي عقد مؤتمرات استثنائية في أقرب الآجال ومنح أنفسهم رخصا طويلة الأمد عن النضال لأن جلهم تجاوز سن التقاعد الذي يناضلون ضد رفعه، وهو مبرر كاف في اعتقادي لثني الآلاف عن الاستجابة لنداء هذه النقابات.فكم هو بئيس مشاهدة زعيم نقابي يغمى عليه خلال مسيرة الدار البيضاء الأخيرة بسبب السن.
من بين القوانين التنظيمية التي لم تفهم لحد الساعة أسباب تأجيل إخراجها هناك القانونين الخاصين بالإضراب و النقابات.الولاية تشارف على الانتهاء و لا قانون إضراب أو نقابات بعد. طبعا، النقابات لا تستعجل إخراج هذين القانونين إن لم تكن تعمل بشتى الوسائل لعرقلتهما أصلا، لأنه سيفقد الزعماء النقابيين عدد من الامتيازات، ومنها شهادة الإقامة الدائمة على رأس هذه الهيئات التي يتمتع بها بعضهم.
الغريب هو خضوع بنكيران لـ"الفيتو" الذي وضعته نقابة واحدة فقط على تعديل قانون انتخابات المأجورين، وبالتالي المفارقة الغريبة هي أن القطاع الخاص، غير المهيكل، والذي يعرف انتهاكات صارخة لحقوق العمال، الذين يسهل توجيههم من طرف المشغل،هو الذي يتحكم في نسبة التمثيلية وليس القطاع العام، أي القطاع المهيكل، الذي يضمن على الأقل الحد الأدنى لشروط الممارسة النقابية.فلو عدل هذا القانون بما ينسجم وروح دستور 2011 لمحيت بعض النقابات، التي تدعي اليوم زورا تمثيل الشغيلة، من الخريطة.
المناسبة شرط كما يقول الفقهاء، ومناسبة هذا المقال هي الإضراب العام الذي دعت له أربع نقابات اليوم الخميس 10 دجنبر،وهي بذلك مناسبة لأهمس في أذن رئيس الحكومة و أذكره بأن الدولة بادرت في 2011 إلى الزيادة في الأجور لتخفيف الاحتقان والضغط اللذان ولدهما غلاء الأسعار و تجميد الأجور لعقود، مما أثر سلبا على التوازن الاجتماعي. زيادة 600 درهم كاملة و خالية من الضرائب لم يكن يوما ضمن برنامج حكومة عباس الفاسي و لم يكن كذلك مطلبا نقابيا، بل هو إجراء استباقي قامت به الدولة في فترة حرجة ساهم كثيرا في رسم خريطة طريق "الإصلاح في ظل الاستقرار".
تابعنا عبر بعض وسائل الإعلام –حتى تلك المعروفة بعدائها للحكومة- الجلد الذي تعرضت له النقابات بسبب "ضعف" الاستجابة لمسيرة الدار البيضاء، وهو مؤشر في اعتقادي لم يعد له مبرر، فإذا كنا بالفعل جادين في مسألة الدمقرطة، يتوجب علينا تغيير النظرة للاحتجاج وللإضراب، فلا يعقل أن نستمر في اعتماد عدد المضربين و المحتجين كمؤشر للاستجابة للمطالب النقابية من عدمه، في الوقت الذي نتحدث فيه عن تفسير جديد للإضراب يقطع مع توقيف الإنتاج ومبدأ "الأجر يساوي العمل".النقاش اليوم يجب أن ينصب على المطالب، والمطالب التي تحتج بسببها النقابات اليوم مطالب مشروعة، مما يفرض على الحكومة التحرك قبل فوات الأوان في إطار المفاوضة الجماعية بين الدولة و النقابات و الباطرونا، و ليس الحوار الاجتماعي، الذي يحيل فقط على المشاورة و يفتقد لأي التزام.
نوايا بنيكران حسنة، لا شك في ذلك، والاهتمام يجب أن ينصب على الفئات الأكثر هشاشة التي ظلت منذ الاستقلال خارج حسابات الحكومات والنقابات على حد سواء. لكن ليسمح لي بنكيران أن أقول له أن نظرته للزيادة في أجور الموظفين نظرة تقليدانية، فدعم الطبقة الوسطى اليوم أصبح ضرورة ملحة، لما تعلبه هذه الفئة من أدوار مهمة في المجتمع، ومنها المساهمة في دوران عجلة الاقتصاد وخلق فرص شغل جديدة. الزيادة في أجور الموظفين يمكن تشبيهها بالإعفاءات الضريبية التي تتلقاها المقاولات والشركات من أجل مساهمتها في التشغيل.
أما عن إصلاح التقاعد، فحتى لو سلمنا بأن الصندوق عرف اختلالات في التدبير و ليس اختلاسات، وهل تنفك هذه عن تلك؟ فلا يمكن تحميل المنخرطين هذه الأخطاء، بل على الدولة البحث عن بدائل أخرى. نعم إصلاح صندوق التقاعد يجب أن يتم "الآن.. هنا"، لكن بنكيران يريد من الشغيلة أن تبتلع الدواء الذي يقترحه للإصلاح دفعة واحدة وبدون ماء، وهو أمر لا شك صعب.
عبد اللطيف الحاميل - لكم.كوم