القول الفصل في الفصل بين التوظيف و التكوين

الادريسي عبد الكريم
أستاذ التعليم الابتدائي

إصلاح المراكز الجهوية سبيل لإصلاح المنظومة التربوية
لقد اتفق أكثر الناس تفاؤلا على أن منظومتنا التربوية و التعليمية تعيش وسط دوامة عنيفة من المشاكل و التعثرات، جعلتها تتخبط في ظلام دامس بحثا عن عصى سحرية تنير لها مسالك الاصلاح و دروب الرقي و الريادة. و إن أقرب الأوصاف التي تلخص حالة تعليمنا ، ما أطلقه قيصر  الروس على الامبراطورية العثمانية إبان تدهور أوضاعها الداخلية، حيث وصفها بالرجل المريض. و لكن، إن كان مرض منظومتنا التربوية من المسلمات، فهل استطعنا وضع الأصبع على موضع الداء؟ و ما وقع العلاجات و الأدوية التي وُصفت لها من قبل أطباء الغرب التربويين بأثمان باهظة؟
كل هذه الأسئلة و غيرها، تقودنا إلى الخروج بخلاصة مفادها أن سقم المنظومة التربوية بالمغرب لا يزال قائما، فقد سُلطت عليها أمراض عضوية و فيروسات أهلكتها و أهلكت معها المجتمع المغربي.
و بالرجوع الى بعض الادوية التي وصفت لعلاج جسد المنظومة، نقف وقفة تأمل و حياد و موضوعية، مع قرار فصل التكوين عن التوظيف، بعيدا عن الذاتية و الحسابات السياسية المقيتة، التي أهلكت بدورها هذا القطاع الحيوي.
فعلا، لقد أثار قرار تعديل المرسوم المتعلق بالنظام الأساسي الخاص بموظفي التربية الوطنية، موجة غضب عارمة في صفوف الطلبة المتدربين، معتبرين ذلك إجحافا في حقهم. فمن موقعهم أنا متضامن معهم لتحقيق كل مطالبهم المشروعة، لكن دعونا نتحدث عن مرامي هذا الإصلاح المشؤوم – حسب حد قول الطلبة المتدربين – . إنه إصلاح يروم إلى تأهيل الطلبة المتدربين في مجال التربية، ما سيمكنهم من القيام بمهام التدريس على أحسن وجه، و قد جاء هذا القرار نتيجة للضعف الملموس الذي تعيشه المراكز الجهوية. فمن منطلق التجربة الشخصية كأستاذ متدرب داخل مركز تكوين المعلمين و المعلمات، أشهد أننا تلقينا تكوينا عقيما لا يتناسب مع الواقع التربوي. ليس هذا رجما و لا ضربا في كفاءة الأساتذة المكونين، بل العيب في الإطار الموجه للتكوين و في حمولة المادة المدرسة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم نتلقى تكوينا كافيا في كيفية التعامل مع الأقسام المشتركة التي كانت يومها في انتظارنا لا محالة، فقد اقتصرنا على تعريف الظاهرة و أخذنا نقطا متعلقة بها تكاد تعد برؤوس الأصابيع، في جو من التفاؤل و الايجابية، ظنا منا أن تدبير القسم المشترك سهل المنال، و أن الزاد المعرفي الذي تلقيناه قد يفي بالغرض... لكن شتان شتان بين الواقع و النظري، خصوصا إن كان الجانب النظري فقيرا في التكوين.
فخلاصة قولنا أن جانبا مما تعانيه المدرسة المغربية اليوم يعزى إلى ولادة المراكز الجهوية القيصرية لأساتذة غير مؤهلين تربويا و بيداغوجيا و ديداكتيكيا...
أما الشق المعرفي في التكوين، فهو حديث ذو شجون... ،و أخص بالذكر هنا " تكوين أساتذة التعليم الابتدائي"، فلا يعقل أن يغوص الطالب الاستاذ في ما هو تربوي و ديداكتيكي و هو في أمس الحاجة لإرساء المعارف التي سيدرسها بعد انتهاء مدة التكوين. فالطالب الأستاذ ذو التوجه العلمي منذ اسلاك التعليم الثانوي سيجد صعوبة في النقل الديداكتيكي  للمعارف، كما أن جل الطلبة الأساتذة الأدبيين يعانون الأمرين في تدريس الرياضيات  و أحيانا اللغة الفرنسية، فالملاحظ أن الأساتذة اليوم يدرسون تبعا لما تم تخزينه في ذاكرتهم مذ كانوا تلاميذ في الصف الذي يشرفون على تدريسه الان، مع تحضير قبلي يصاحب ذلك. لدى، فمن المفروض على الوزارة الوصية الإسراع على تفعيل ما جاء ضمن التدابير ذات الأولية و المتعلقة بعدد سنوات التكوين، ليخصص عام لإرساء المعارف من ألفها إلى يائها، و عام أخر يكون تطبيقي محض.
إذن، فمن منظوري الشخصي، أحبذ فكرة جعل المراكز الجهوية للتربية و التكوين بمثابة معمل لتأهيل الأساتذة عبر مراحل مندمجة، و متسلسلة، لكسب رهان التحدي  الذي أشهرنا اليه مرارا و تكرارا بنادق الترميم و أسلحة الإصلاح، لكن دون جدوى.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-