محمد بوبكري
تؤكد أغلب الدراسات أن للعقل البشري منذ الطفولة قابلية للتكيٌّف مع مختلف الأوضاع والتعوٌّد على التنميط، فينجم عن ذلك تشبُّع الناس، وبشكل تلقائي، بثقافة المجتمع، وينعكس ذلك على حياتهم وأدائهم السياسي والمهني ... والأفكار العميقة والمفيدة تمتلكها فئة قليلة من رواد الفكر والإبداع والفعل، أما أغلبية الناس فتتحرك وتعمل وفق ما اعتادت على تكراره وتشبَّعت به... فما الحياة الإنسانية في الأغلب الأعم إلا مجموعة من العادات الفكرية والسلوكية التي ينساب منها التفكير والسلوك تلقائيًّا. إنها مؤطَّرة بالحس العام المشترك الذي لا يعدو مجرد تفكير عامِّي هو عبارة عن تصورات مُقَيِّدَة لعقل الإنسان. وهذا ما يشكل معضلة كبرى للأفراد والمجتمعات، عندما يتعلق الأمر بضرورة إحداث أي إصلاح أو تغيير نوعيين، لاسيما على صعيدي التربية والسياسة، حيث يٓنتج عن التنميط الثقافي للجماعات والأفراد اعتقاد مطلق لديهم بصواب ما يحملونه من تصورات عامِّية وخرافات، فيشعرون بالاكتفاء الذاتي، وعدم الحاجة إلى الإبداع مع أن اليقين المطلق يغتال الحقيقة التي تموت عندما تتحول إلى عقيدة ثابتة وتأخذ صيغة نظام ثقافي يتم توارثه. يقتضي ذلك التخلص من سذاجة أوهام امتلاك الحقيقة المطلقة التي تجمِّد الفكر والوجدان والحياة، وتقاوم التجديد والتطور...
وقد حققت البلدان الديمقراطية تقدمها بنجاحها في الانتقال من طور إخضاع الفرد إلى إقناعه، ومن سيادة المطلق إلى اعتماد النسبية في كل شيء لأن الحياة تقوم على هذه الأخيرة وليس على الإطلاق، إذ يمكن للإنسان أن يتطور باستمرار دون بلوغ الكمال الذي، هو حُلم مُحَفِّز للإنسان، لا يمكن تحقيقه بشكل كامل لأن في تحقُّقه توقُّف لدورة الحياة نفسها.
لذلك لابد من استفزاز العقل المَصُوغِ تلقائيا من قِبَلِ الثقافة العامِّية للمجتمع، وليس باعتماد التجربة والفحص والتحقُق، والذي يرفض النقد والتفكير والوقوف أمام نفسه... فالعقل لا يكون عقلا إلا إذا تحوَّل إلى قوة نقدية...
فيما يخض وضعنا التربوي، يلزم توفير الشروط التدريسية الملائمة لاستفزاز عقل التلميذ واستنفاره ليخرج من سجن الانتظام التلقائي في الثقافة التقليدية السائدة، وذلك بالتخلص من أنماط التفكير التعليمي الجامد الذي يُنَمِّط عقول التلاميذ ويفرض عليهم نظاما متحجرا يٌجَمِّد فيهم القدرة على التفكير واكتشاف مختلف الآراء والتصورات التقليدية التي يؤدي استمرارها لدى الإنسان إلى عدم التعلُّم والجمود...
ولتنشئة التلميذ على الشك والتفكير والنقد، يجب بناء منهاج دراسي يُمَكِّن من تطوير وضعيات وسيرورات ديداكتيكية تؤزم ما يحمله من تصورات خاطئة، فيبدأ في طرح أسئلة عليها وعلى ذاته، ويكتشف أخطاءه وعوائقه الداخلية التي تُطوِّقِ فكره وتحُول دون انخراطه في التفكير والتعلٌّم وبناء معارفه... فتنهار تلك التصورات الخاطئة، وينتقل إلى عملية بناء معارف جديدة إذا ما توفرت له شروط ذلك...
ورغم التغيير الظاهري الذي عرفته تدريسيات المدرسة المغربية في مختلف المواد الدراسية، فالأغلبية الساحقة من تلك التدريسيات تظل تقليدية، حيث ما نزال نلاحظ وجود مدرِّس يتحدث وتلاميذ ينصتون أو تائهون، ما يجعل أغلبهم ينسحبون من الدرس رغم وجودهم في القاعة، إذ يضعهم الملل وغياب التحفيز على التفاعل في حالة حضور جسدي وغياب فكري ووجداني. التدريس تفاعل حي، والتلميذ لا يتعلم بهذه الطريقة السلبية، بل من خلال الدخول في حوار مع فرد آخر أو مع مادة يفكِّكها أو يبنيها، وكذا عبر انخراط جسده وعقله في تعلُّمه. فالجسد مكمِّل للعقل، ومُوقِظ لفعاليات المتعلِّم وقدراته. في هذا الصدد، يرى "وايتهيد Whitehead" أنَّ هناك تأثيرا متبادلا بين النشاط الذهني والنشاط الجسدي الخلاّب، كما أن لليدين في هذا التأثير المتبادل أهمية خاصة، وعدم استعمال اليد في العمل هو من أسباب فشل النشاط الذهني للإنسان...
ورغم افتقار مدرستنا لمنهاج دراسي ورواج الحديث مؤخرا عن الرغبة في تطويره، يجب عدم الاقتصار مستقبلا على استعمال الكتب المدرسية وحدها، وذلك لتجنب فصل المدرسة عن الواقع، لأن المعرفة المرتبطة بالواقع والتجربة هي أساس الحياة الذهنية. يتعيَّن السعي لتحفيز المتعلِّم على الانخراط في العملية التعلُّمية بفكره وحواسه، بحيث يرى التلاميذ الظواهر والحوادث ويتفاعلون معها بشكل مباشر، لأن الكتب المدرسية تقدم لهم معلومات مأخوذة من أفكار مستقاة من تجارب آخرين ولا تنير لهم سبُل الوصول إلى تلك الخلاصات. ويشكل هذا التباعد بين عالم الكتب المدرسية والواقع سببا في غياب التعلٌّم، وخوف التلاميذ أمام الواقع، وعدم قدرتهم على مواجهته بعد حصولهم على شهاداتهم. وما داموا لا يتعلمون ذلك في المدرسة، فهذا العجز مما يجب انتظاره.
تبعا لذلك، يلزم أن يقوم التعليم على الملاحظة المباشرة، فهو لا يتم بحقن التلاميذ بالمعلومات وإجبارهم على حفظها وتطبيقها آليا، بل باكتساب المتعلم خبرة شخصية وقدرة على التساؤل والتفكير والممارسة والإنتاج، ما يؤهله مستقبلا لتطوير مشروع فردي مثير لاهتمامه بشكل مستمر...
بتأمل ما يجري عندنا، نجد أن أغلب تلاميذنا وأفراد مجتمعنا ينجرفون مع التيار الثقافي العام السائد في مجتمعنا، رغم ما تلقوه أو يتلقوه من تعليم. وهذا ما يتطلب من نظام التعليم العمل على زلزلة التصورات الجامدة للتلاميذ لكي لا نظل نجتر هذه التصورات الجامدة ونعيش أوضاعا متحجرة، ونبقى مأخوذين بتلقائية الغرائز. يجب التفكير في منظومة تربوية تمكن تلاميذنا من الانفتاح واكتساب أساليب ومناهج تفكير تمكنهم من القدرة على بناء معارفهم الخاصة...
ولأنَّ مدرستنا لا تمتلك مشروعا تربويا يُكوِّن التلميذ على إنتاج المعرفة وبناء ذاته وقيِّمِه، فإنه لن يستطيع الاشتغال مستقبلا بما تلقاه من معلومات، بالتالي فهو يخرج من المدرسة كما دخل إليها لأن الطريقة التي تلقى بها معارفه تقتلها رغم حيويتها. وهذا أيضا ما جعل الغالبية العظمى من خريجيها عاجزة عن الإنتاج في المدرسة وفي ما بعدها...
إذا كانت ثقافة المجتمع التي يتشبَّع بها التلميذ هي ما يكمن وراء الانغلاق وغياب العقل والإبداع والتغيير، فالاستبداد يشكل عاملا لهذا الانغلاق. وباجتماع الاثنين يسير نظام التعليم وكل المؤسسات التربوية في اتجاه تقييد عقل الفرد والمجتمع وانغلاقهما... فحيث يسود الاستبداد ويخيم على تكوين المواطن خلال مسيرته، تساير الاتجاهات النفسية والقيمية السلطة بصورها الوالدية والمؤسسية، وما إلى ذلك؛ إذ لا يتطلع الفرد إلا إلى توجهات تلك السلطة إرضاءً لها، وإيثاراً للسلامة... (حامد عمار، 2000). وهذا ينسحب – للأسف – على واقع التعليم عندنا؛ فالسلطة تسيطر على التعليم ليس لمعالجة المشكلات وإيجاد الحلول لها، وإنما لكي يُشكل هذا التعليم أفراداً سلبيين. ومن ثمة، فالأفراد الذين يتعلمون على هذا النحو وفي ظله، لن يعرفوا طريقاً للإبداع والابتكار واتخاذ التفكير النقدي منهجاً وطريقة... ومن المفارقات الكبرى التي تبدو اليوم واضحة للعيان أن المسؤولين على التعليم في بلادنا يسعون بكل الأساليب إلى التخلص من المدرسة العمومية. فما يهمُّهم الآن هو تقليص الإنفاق عليها، وعدم إصلاحها بيداغوجيا... لينحدر مستواها لإكراه المواطنين على ترحيل أبنائهم إلى التعليم الخصوصي الذي يرغبون في تقويته... إن هؤلاء المسؤلين لا يدركون ما يمكن أن يترتب عن ذلك من مشكلات اجتماعية وسياسية... أضف إلى ذلك أنه لن يكون في إمكانهم مستقبلا التحكم في التعليم الخصوصي لاعتبارات عديدة ستكشفها الأيام. فقد تستثمر فيه قوى أجنبية بمفردها، أو بشراكة مع مغاربة، ما قد يؤثر في توجهات التعليم في بلادنا، حيث ستتعدد المنظومات التربوية، فتفلت المدرسة من السلطة ومن المجتمع... وتفيدنا دروس التاريخ أن تعدُّد المنظومات التربوية يمكن أن يساهم في تفتيت الوحدة الوطنية، ولذلك فالبلدان المتقدمة ذاتها ترفض هذا التعدد، حيث تضع منظومة تربوية واحدة يتم التنويع بداخلها ليحصل التعدد في ظل الوحدة...
تؤكد أغلب الدراسات أن للعقل البشري منذ الطفولة قابلية للتكيٌّف مع مختلف الأوضاع والتعوٌّد على التنميط، فينجم عن ذلك تشبُّع الناس، وبشكل تلقائي، بثقافة المجتمع، وينعكس ذلك على حياتهم وأدائهم السياسي والمهني ... والأفكار العميقة والمفيدة تمتلكها فئة قليلة من رواد الفكر والإبداع والفعل، أما أغلبية الناس فتتحرك وتعمل وفق ما اعتادت على تكراره وتشبَّعت به... فما الحياة الإنسانية في الأغلب الأعم إلا مجموعة من العادات الفكرية والسلوكية التي ينساب منها التفكير والسلوك تلقائيًّا. إنها مؤطَّرة بالحس العام المشترك الذي لا يعدو مجرد تفكير عامِّي هو عبارة عن تصورات مُقَيِّدَة لعقل الإنسان. وهذا ما يشكل معضلة كبرى للأفراد والمجتمعات، عندما يتعلق الأمر بضرورة إحداث أي إصلاح أو تغيير نوعيين، لاسيما على صعيدي التربية والسياسة، حيث يٓنتج عن التنميط الثقافي للجماعات والأفراد اعتقاد مطلق لديهم بصواب ما يحملونه من تصورات عامِّية وخرافات، فيشعرون بالاكتفاء الذاتي، وعدم الحاجة إلى الإبداع مع أن اليقين المطلق يغتال الحقيقة التي تموت عندما تتحول إلى عقيدة ثابتة وتأخذ صيغة نظام ثقافي يتم توارثه. يقتضي ذلك التخلص من سذاجة أوهام امتلاك الحقيقة المطلقة التي تجمِّد الفكر والوجدان والحياة، وتقاوم التجديد والتطور...
وقد حققت البلدان الديمقراطية تقدمها بنجاحها في الانتقال من طور إخضاع الفرد إلى إقناعه، ومن سيادة المطلق إلى اعتماد النسبية في كل شيء لأن الحياة تقوم على هذه الأخيرة وليس على الإطلاق، إذ يمكن للإنسان أن يتطور باستمرار دون بلوغ الكمال الذي، هو حُلم مُحَفِّز للإنسان، لا يمكن تحقيقه بشكل كامل لأن في تحقُّقه توقُّف لدورة الحياة نفسها.
لذلك لابد من استفزاز العقل المَصُوغِ تلقائيا من قِبَلِ الثقافة العامِّية للمجتمع، وليس باعتماد التجربة والفحص والتحقُق، والذي يرفض النقد والتفكير والوقوف أمام نفسه... فالعقل لا يكون عقلا إلا إذا تحوَّل إلى قوة نقدية...
فيما يخض وضعنا التربوي، يلزم توفير الشروط التدريسية الملائمة لاستفزاز عقل التلميذ واستنفاره ليخرج من سجن الانتظام التلقائي في الثقافة التقليدية السائدة، وذلك بالتخلص من أنماط التفكير التعليمي الجامد الذي يُنَمِّط عقول التلاميذ ويفرض عليهم نظاما متحجرا يٌجَمِّد فيهم القدرة على التفكير واكتشاف مختلف الآراء والتصورات التقليدية التي يؤدي استمرارها لدى الإنسان إلى عدم التعلُّم والجمود...
ولتنشئة التلميذ على الشك والتفكير والنقد، يجب بناء منهاج دراسي يُمَكِّن من تطوير وضعيات وسيرورات ديداكتيكية تؤزم ما يحمله من تصورات خاطئة، فيبدأ في طرح أسئلة عليها وعلى ذاته، ويكتشف أخطاءه وعوائقه الداخلية التي تُطوِّقِ فكره وتحُول دون انخراطه في التفكير والتعلٌّم وبناء معارفه... فتنهار تلك التصورات الخاطئة، وينتقل إلى عملية بناء معارف جديدة إذا ما توفرت له شروط ذلك...
ورغم التغيير الظاهري الذي عرفته تدريسيات المدرسة المغربية في مختلف المواد الدراسية، فالأغلبية الساحقة من تلك التدريسيات تظل تقليدية، حيث ما نزال نلاحظ وجود مدرِّس يتحدث وتلاميذ ينصتون أو تائهون، ما يجعل أغلبهم ينسحبون من الدرس رغم وجودهم في القاعة، إذ يضعهم الملل وغياب التحفيز على التفاعل في حالة حضور جسدي وغياب فكري ووجداني. التدريس تفاعل حي، والتلميذ لا يتعلم بهذه الطريقة السلبية، بل من خلال الدخول في حوار مع فرد آخر أو مع مادة يفكِّكها أو يبنيها، وكذا عبر انخراط جسده وعقله في تعلُّمه. فالجسد مكمِّل للعقل، ومُوقِظ لفعاليات المتعلِّم وقدراته. في هذا الصدد، يرى "وايتهيد Whitehead" أنَّ هناك تأثيرا متبادلا بين النشاط الذهني والنشاط الجسدي الخلاّب، كما أن لليدين في هذا التأثير المتبادل أهمية خاصة، وعدم استعمال اليد في العمل هو من أسباب فشل النشاط الذهني للإنسان...
ورغم افتقار مدرستنا لمنهاج دراسي ورواج الحديث مؤخرا عن الرغبة في تطويره، يجب عدم الاقتصار مستقبلا على استعمال الكتب المدرسية وحدها، وذلك لتجنب فصل المدرسة عن الواقع، لأن المعرفة المرتبطة بالواقع والتجربة هي أساس الحياة الذهنية. يتعيَّن السعي لتحفيز المتعلِّم على الانخراط في العملية التعلُّمية بفكره وحواسه، بحيث يرى التلاميذ الظواهر والحوادث ويتفاعلون معها بشكل مباشر، لأن الكتب المدرسية تقدم لهم معلومات مأخوذة من أفكار مستقاة من تجارب آخرين ولا تنير لهم سبُل الوصول إلى تلك الخلاصات. ويشكل هذا التباعد بين عالم الكتب المدرسية والواقع سببا في غياب التعلٌّم، وخوف التلاميذ أمام الواقع، وعدم قدرتهم على مواجهته بعد حصولهم على شهاداتهم. وما داموا لا يتعلمون ذلك في المدرسة، فهذا العجز مما يجب انتظاره.
تبعا لذلك، يلزم أن يقوم التعليم على الملاحظة المباشرة، فهو لا يتم بحقن التلاميذ بالمعلومات وإجبارهم على حفظها وتطبيقها آليا، بل باكتساب المتعلم خبرة شخصية وقدرة على التساؤل والتفكير والممارسة والإنتاج، ما يؤهله مستقبلا لتطوير مشروع فردي مثير لاهتمامه بشكل مستمر...
بتأمل ما يجري عندنا، نجد أن أغلب تلاميذنا وأفراد مجتمعنا ينجرفون مع التيار الثقافي العام السائد في مجتمعنا، رغم ما تلقوه أو يتلقوه من تعليم. وهذا ما يتطلب من نظام التعليم العمل على زلزلة التصورات الجامدة للتلاميذ لكي لا نظل نجتر هذه التصورات الجامدة ونعيش أوضاعا متحجرة، ونبقى مأخوذين بتلقائية الغرائز. يجب التفكير في منظومة تربوية تمكن تلاميذنا من الانفتاح واكتساب أساليب ومناهج تفكير تمكنهم من القدرة على بناء معارفهم الخاصة...
ولأنَّ مدرستنا لا تمتلك مشروعا تربويا يُكوِّن التلميذ على إنتاج المعرفة وبناء ذاته وقيِّمِه، فإنه لن يستطيع الاشتغال مستقبلا بما تلقاه من معلومات، بالتالي فهو يخرج من المدرسة كما دخل إليها لأن الطريقة التي تلقى بها معارفه تقتلها رغم حيويتها. وهذا أيضا ما جعل الغالبية العظمى من خريجيها عاجزة عن الإنتاج في المدرسة وفي ما بعدها...
إذا كانت ثقافة المجتمع التي يتشبَّع بها التلميذ هي ما يكمن وراء الانغلاق وغياب العقل والإبداع والتغيير، فالاستبداد يشكل عاملا لهذا الانغلاق. وباجتماع الاثنين يسير نظام التعليم وكل المؤسسات التربوية في اتجاه تقييد عقل الفرد والمجتمع وانغلاقهما... فحيث يسود الاستبداد ويخيم على تكوين المواطن خلال مسيرته، تساير الاتجاهات النفسية والقيمية السلطة بصورها الوالدية والمؤسسية، وما إلى ذلك؛ إذ لا يتطلع الفرد إلا إلى توجهات تلك السلطة إرضاءً لها، وإيثاراً للسلامة... (حامد عمار، 2000). وهذا ينسحب – للأسف – على واقع التعليم عندنا؛ فالسلطة تسيطر على التعليم ليس لمعالجة المشكلات وإيجاد الحلول لها، وإنما لكي يُشكل هذا التعليم أفراداً سلبيين. ومن ثمة، فالأفراد الذين يتعلمون على هذا النحو وفي ظله، لن يعرفوا طريقاً للإبداع والابتكار واتخاذ التفكير النقدي منهجاً وطريقة... ومن المفارقات الكبرى التي تبدو اليوم واضحة للعيان أن المسؤولين على التعليم في بلادنا يسعون بكل الأساليب إلى التخلص من المدرسة العمومية. فما يهمُّهم الآن هو تقليص الإنفاق عليها، وعدم إصلاحها بيداغوجيا... لينحدر مستواها لإكراه المواطنين على ترحيل أبنائهم إلى التعليم الخصوصي الذي يرغبون في تقويته... إن هؤلاء المسؤلين لا يدركون ما يمكن أن يترتب عن ذلك من مشكلات اجتماعية وسياسية... أضف إلى ذلك أنه لن يكون في إمكانهم مستقبلا التحكم في التعليم الخصوصي لاعتبارات عديدة ستكشفها الأيام. فقد تستثمر فيه قوى أجنبية بمفردها، أو بشراكة مع مغاربة، ما قد يؤثر في توجهات التعليم في بلادنا، حيث ستتعدد المنظومات التربوية، فتفلت المدرسة من السلطة ومن المجتمع... وتفيدنا دروس التاريخ أن تعدُّد المنظومات التربوية يمكن أن يساهم في تفتيت الوحدة الوطنية، ولذلك فالبلدان المتقدمة ذاتها ترفض هذا التعدد، حيث تضع منظومة تربوية واحدة يتم التنويع بداخلها ليحصل التعدد في ظل الوحدة...