"الخواسر" أو حين ينقلب السحر على الساحر

عادل فتحي

أطلت علينا القناة الثانية في شهر رمضان لهذه السنة بسلسلة قصيرة تحمل عنوان "ألخواسر". نحن هنا لسنا بصدد تقييم المنتوج من الناحية الفنية لعدم الاختصاص لكن الهدف هو إظهار ما يعتري السلسلة, باعتبار أن لها هدفا مضمرا, من أخطاء علمية ومنهجية ستكون لا محالة سببا في عدم تحقيق ما يصبو له منتجها أو بالأحرى ممولها. القاعدة الاولى التي نريد من القارئ أن يجعلها صوب عينيه و هو يقرأ مقالنا كي لا يسيئ فهمنا هي أنه من حق أي إنسان أن يدافع عن اللغة التي يرى أنها تنطبق و شخصيته وتعبر أفضل من غيرها عن أفكاره و مشاعره. و القاعدة الثانية و الأخيرة هي أنه لا فرق عندنا بين لهجة و لغة إلا في التسمية, فبإمكان أي لهجة أن تصبح لغة في أي وقت إن كان بجانبها إرادة و قوة سياسية ولنا في اللغة الفرنسية و الألمانية خير دليل.  القراءة الاولى لعنوان السلسلة تظهر أن المصطلح مأخوذ من الدارجة المغربية بينما الوزن (فواعل) فهو من أوزان اللغة العربية مثل الكواسر أو الطوارق ... لقد انطلقنا من هذه الملاحظة باعتبار غاية السلسلة ليست بريئة وهذا حسب العديد من المتتبعين و المختصين في المجال اللغوي. فالصراع بين الداعين لاعتماد الدارجة في التعليم و المتشبثين بالفصحى لا يخفى على أحد كما لا تخفى تداعياته السياسية أيضا. فهي حرب إذا و كل الوسائل فيها مباحة من أجل ربح المعركة. لكن من الغباء أن يستعمل أحد الطرفين سلاحا يمكن أن ينقلب ضده. لعبة "الخواسر" جد بسيطة لطالما  لعبناها ولا يزال العديد من الاطفال يقومون بها لكن عن حسن نية. أما استنبات هذه اللعبة و عرضها على الشاشة أمام ملايين المشاهدين فهو لعب للكبار. فالذي لم ينتبه له أصحاب السلسلة هو أنهم بتقليدهم للغة العربية قد أهانوا الدارجة التي هم بصدد الدفاع عنها. فهم يروجون عن جهل بأنه ليس للدارجة أوزان و ليس لها قواعد و أنه إذا "اقترضنا"   قواعد العربية الفصحى ستصبح الدارجة المغربية لغة تضاهي لغة الضاد, حماسة يتخللها غباء و جهل لغوي. ما خفي عن من يقف وراء فكرة البرنامج أن الدارجة المغربية و اللغة العربية يشكلان نظامين مختلفين و لا يتشابهان إلا في المعجم لكون المتحدث واحد.  فلهجة اللبناني أو المصري من حيث المعجم تشبه أيضا العربية لكن المغربي لا يستطيع بلهجته التواصل مع المصري أو اللبناني. ما خفي عن من يقف وراء الفكرة أن للدارجة قواعد و أن  لها أوزانا و قد ناقش في هذا الباب العديد من الباحثين الأجانب منهم و المغاربيين أطروحات قد تم نشرها. إن الدارجة المغربية كلهجة ليس لها أي صلة من ناحية البنية اللغوية باللغة العربية, فجذوع أفعالها جد مختلفة و بنية أسمائها مختلفة أيضا. ونحن إلى حدود هذه السطور لا نناقش إلا اللغة العربية الحديثة،لغة الاخبار، أما إن تكلمنا عن الفصحى، فصحى القرآن و فصحى المعلقات و فصحى شعر الصعاليك فسنبين أن الانسان العربي المعاصر يعجز حتى عن فهم المعنى. إن سلسلة "الخواسر" في نظرنا لن تستطيع الدفاع عن الدارجة المغربية بهذه الطريقة اللاعلمية، و إن مشروع النهوظ بهذه اللهجة يحتاج لأكاديميين مختصين وليس لسياسيين و أشباه المثقفين.
تربية بريس
تربية بريس
تعليقات