منار اسليمي...لهذه الأسباب يستوجب إعفاء بنكيران للوزير بلمختار

عبد الرحيم المنار اسليمي

تابعت التوصيف الذي قدمه السيد عبد الإله بنكيران في افتتاح المجلس الحكومي يوم الخميس 11 يونيو الجاري لحادث تسريب مواضيع امتحانات الباكالوريا، ولاحظت بأنه "عوم" المسؤولية ووزعها على أطراف متعددة غير واضحة، مستعملا في ذلك مصطلحات تحيل ضمنيا على وجود "مؤامرة".

وتابعت جواب وزير التربية الوطنية أمام مجلس المستشارين يوم الثلاثاء الماضي الذي قدم فيه مقاربة، من زاوية التكنوقراطي، تتضمن مسببات عامة يٌحمل فيها المسؤولية للتكنولوجيا ويحول القضية الى مجتمعية وقيمية يتحمل فيها الآباء ورجال السياسة المسؤولية ،ويقر في نفس الوقت بعدم قدرته على تحديد الجهة المسؤولة داخل وزارته عن حادث التسريب، لكن المثير في توصيف رئيس الحكومة وتعميم المسؤولية الذي اختاره وزير التربية الوطنية، يتمثل في غياب مؤشرات دالة على كون رئيس الحكومة يُحَمل مسؤولية خطأ التسريب لوزير التربية الوطنية كما جرت العادة في حالات وزراء سابقين طلب إعفاءهم، فلحد الآن لا يوجد ما يفيد تطبيق مسطرة طلب الإعفاء رغم أن الخطأ كبير، وكان من شأنه أن يدفع التلاميذ نحو الشارع.

وبغياب مؤشرات دالة على تقدم رئيس الحكومة بطلب إعفاء وزير التربية الوطنية يبرز خلل سياسي كبير يظهر في التمييز الذي قد يحصل بين الوزير الحزبي والوزير التكنوقراطي، فالسيد رئيس الحكومة قد لا يكون انتبه الى أن وزير التربية الوطنية تكنوقراطي غيرمحسوب على الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة، وفي حالة عدم محاسبته بالإعفاء على خطأ كبير مس امتحانات الباكالوريا سيكون قد اتجه إلى تكريس ممارسة سياسية غير دستورية تقر بمسؤولية الوزراء الحزبيين مقابل عدم مسؤولية الوزراء التكنوقراط داخل نفس الحكومة ، بل إن الأمر قد يوحي بوجود حكومتين غير متساويتين يقود عملهما رئيس حكومة واحد.

أضف الى ذلك، أنه يكرس عدم المساواة بين الوزراء ويضعف الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة بتحميل الوزراء المنتمين لها للأخطاء دون التكنوقراط، مع أن تسرب الباكالوريا أخطر من حيث أثره مقارنة بباقي الحوادث الوزارية السابقة، لأن له بعد نفسي واجتماعي كبير داخليا ويفوق حادث "الملعب" و"الخطبة" من حيث سقف الإساءة لصورة المغرب في الخارج.

وبذلك، فإن السيد رئيس الحكومة يرتكب خطأ سياسيا واجتماعيا كبيرا في حالة عدم مبادرته لتطبيق المسطرة الدستورية، لأنه يتوفر على مجموعة أسباب مشروعة توجب عليه طلب إعفاء وزير التربية الوطنية منها:

أولا، حجم الخطر الذي كان من الممكن أن يقع لو امتنع التلاميذ عن إكمال الامتحانات وتحولوا الى حركة احتجاجية في الشارع،

ثانيا، سبب دستوري، فتسرب امتحانات الباكالوريا يمس بنوعين من المبادئ الدستورية: المساواة وتكافؤ الفرص،

ثالثا، رد فعل المجتمع، إذ يبدو أن رئيس الحكومة تعامل بشكل عادي مع الحركات الاحتجاجية المحدودة للتلاميذ والآباء والامهات ولم يقرأ جيدا دلالتها المرتبطة برمزية الباكالوريا في المخيال الاجتماعي لدى العائلات المغربية، فرغم أن الباكالوريا انقطعت صلتها بعالم الشغل منذ ثمانينيات القرن الماضي ولكنها تحمل في ذاكرة العائلات المغربية ، الشعبية منها خصوصا ، نهاية مرحلة بتكلفتها المالية والشروع في مرحلة جديدة من مسار حياة التلاميذ، فالباكالوريا لازالت تقوم بوظيفة إنتاج الأمل الاجتماعي داخل الدولة،

رابعا، صورة الباكالوريا المغربية في المعاهد الدولية، فحدث التسريب الذي راج دوليا سيقود العديد من المعاهد والجامعات الدولية الى الانتباه، وقد يدفع بعض التلاميذ النجباءثمن هذا التسريب في المباريات الانتقائية التي تنظمها هذه المعاهد، لذلك فحدث طلبالإعفاء الوزير المشرف على القطاع من شأنه آن يعيد بناء صورة الباكالوريا في الخارج لأنه في هذه الحالة ستغطي المسؤولية والمحاسبة على التسريب،

وخارج سلوك المجتمع في تعامله مع حدث التسريب، لوحظ غياب كلي للبرلمان، إذ لم يوظف مجلس النواب آلية لجنة تقصي الحقائق وانتظار إخباره بصفة رسمية من طرف رئيس الحكومة بانطلاق المسطرة القضائية، فالمعلومات الموجودة بانطلاق التحقيقات يحتاج معها مجلس النواب إلى معرفة درجة خطأ الوزارة في تدبير الامتحانات، فهذا النوع من اللجن ليس غريبا على البرلمان، إذ سبق لمجلس النواب تشكيل لجنة تقصي حقائق في حادث تسريب امتحان الباكالوريا لسنة 1979،

ويبدو رئيس الحكومة اليوم أمام امتحان سياسي رباعي ،يتمثل الأول في إثبات وترسيم قاعدة المساواة في طلب إعفاء الوزراء التكنوقراط مثل الحزبيين، والثاني في تكريس ممارسة دستورية تقوم على الاستمرار في محاسبة الوزراء بترتيب طلب الإعفاء لكل وزير ارتكب خطأ في إشرافه على القطاع، والثالث بإبراز القدرة على استيعاب الصدمات النفسية والاجتماعية للتلاميذ والعائلات بتطبيق المسطرة الدستورية، والرابع بإنقاذ ما تبقى من التعليم قبل موت الباكالوريا ،فالباكالوريا رأسمال وطني رمزي مرتبط ببناء الدولة التعليمية إضافة الى المرحومة “الشهادة الابتدائية “، فكلاهما ارتبط في مخيال المغاربة في مشهد تضامني انتظاري لتجمعات التلاميذ والآباء والأمهات أمام المدارس والثانويات تترقب حارس المدرسة او الثانوية ليرفع "السبورة السوداء " المكتوب عليها أسماء الناجحين بطبشورة بيضاء ،إنها سبورة الأمل التي يجب على رئيس الحكومة إنقاذها ، فحدث التسريب يجعل رئيس الحكومة ملزم بأحد الخيارين: إما الاستمرار في ترتيب مسطرة طلب الإعفاء على قدم المساواة بين التكنوقراطي والحزبي لكل وزير يتحمل مسؤولية قطاع وقعت فيه أخطاء مرفقية أو شخصية ،أو أن يفتح المجال من جديد لعودة ظاهرة "لاأحد مسؤول ولا أحد يحاسب "ولن يكون بإمكانه طلب إقالة أي وزير مجددا مهما كان حجم الأزمة التي يحدثها تدبير قطاع وزاري معين في المستقبل ،فتسريب الباكالوريا أكبر خطورة من قضية "الملعب "أو "خطبة "الوزيرين السابقين ،وكان من الممكن أن تُخرج التلاميذ إلى الشارع ، لكن التلاميذ والآباء والأمهات أظهروا جميعا مسؤولية كبيرة في الحفاظ على سير الامتحانات رغم الضرر، وعلى الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها.

 
*أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، اكدال، الرباط
هسبريس
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-