وزارة التربية الوطنية تضع هندسة لتكوين المدرسين خارج توصيات مجلس التعليم

سيتم الإعلان في غضون هذا الأسبوع عن مباراة لولوج سلك التدريس في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وهي المباراة الرابعة في إطار ما بات يعرف بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، إذ سيتم ضخ قرابة 8 آلاف من المُدرسات والمدرسين الجدد في قطاع يعاني من خصاص مهول، ناتج عن ارتفاع عدد المدرسات والمدرسين الذين ستتم إحالتهم للتقاعد.
بالموازاة مع هذا الإعلان، شرعت وزارة التربية الوطنية في تنزيل خطتها الإصلاحية، وهي 23 إجراء موزعا على 9 محاور، حيث تعقد لقاءات مركزية وجهوية ومحلية مكثفة لمناقشة متطلبات كل تدبير على حدة، ومن ضمن هذه التدابير، تدبير يحمل الرقم 16 خاص بمراجعة التكوين الأساس للمدرسين.
ففي الوقت الذي كاد فيه الوزير السابق يلغي تجربة هذه المراكز من أساسها، لكونها ثمرة من ثمار البرنامج الاستعجالي، بسبب «الحساسية الكبيرة» التي كانت لهذا الوزير تجاه كل ما له علاقة بهذا البرنامج، وهي «الحساسية» التي جرت عليه غضب الملك في خطاب 2013، وبالتالي عجلت بخروجه من القطاع، وإرجاع تقنوقراط إلى الوزارة بعد ثلاث عشرة سنة كاملة، فإن الوزير الحالي حرص منذ مجيئه على تعزيز دور المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، إذ حرص على توسيع عرض التكوين في الإدارة التربوية، بالرغم من المشكلات القانونية والاجتماعية التي يعانيها خريجو هذا السلك هذه السنة، ثم تعزيز سلك تكوين المدرسين بكونه سيكون موضوع تدبير مستقل، ضمن رؤيته الإصلاحية، يحمل «التدبير رقم 16».
إعادة النظر في تكوين المدرسين
اتجهت أغلب الآراء التي تم التعبير عنها في إطار المشاورات الموسعة التي نظمتها وزارة التربية الوطنية وكذا المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، للمطالبة بمراجعة نظام التكوين الأساس للمدرسين، بسبب الاختلالات الكثيرة التي شابت التجارب السابقة والتي ما تزال أيضا في تجربة هذه المراكز، بسبب عدم وضوح تصور الوزارة بخصوص سياسة التكوين، فضلا عن كثرة المتدخلين المركزيين في سير هذه المراكز؛ ففضلا عن استمرار تدبير امتحانات الولوج من طرف المركز الوطني للامتحانات، بخلاف ما كان عليه في تجارب التكوين في المؤسسات التكوينية السابقة، ونقصد المدرسة العليا للأساتذة والمراكز التربوية الجهوية ومراكز تكوين المعلمين، نجد أيضا خلطا كبيرا، يكاد يكون مقصودا من طرف الجهاز الوزاري المركزي المسؤول عن هذه المراكز، بين التربوي والإداري، حيث ما زال المدبرون المركزيون يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة في شؤون تدبيرية يومية، فضلا عن الشؤون التربوية، في هذه المراكز، في احتقار تام للاستقلالية التي ينبغي أن يحظى بها مديرو هذه المراكز، والذين يفترض أنه تم تعيينهم بمراسيم موقعة من رئيس الحكومة، بناء على مشاريع تربوية وتدبيرية.
ففي الوقت الذي انتظر فيه المهتمون بشأن التربية والتكوين أن تتيح الوزارة لمديري هذه المراكز كل الإمكانات لتنفيذ المشاريع التربوية والتبيرية التي على ضوئها وقع رئيس الحكومة على مراسيم تعيينهم، ماتزال هذه المراكز تخضع لتدبير فردي، حيث المزاجية والتردد، والاعتماد على أشخاص معينين، أثبتوا فشلا ذريعا في إصلاح منظومة تكوين الأطر منذ سنوات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وذلك في احتقار أيضا للكفاءات الكثيرة التي تزخر بها هذه المراكز، حيث مئات الدكاترة الباحثين وعشرات الأساتذة المبرزين، فضلا عن مئات الأساتذة من مختلف الفئات والذين راكموا تجارب علمية وميدانية زاخرة.
ضدا على كل هذا، ما تزال الوزارة مصرة على التعامل مع مراكز تكوين الأطر التربوية، وخاصة المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بصفتها ملاحق لا علاقة لها بصفتها الجهوية التي ينص عليها مرسوم إحداثها، ففي الوقت الذي ينتظر المهتمون بالشأن التربوي تعزيز البعد الجهوي لهذه المراكز، وفق التصور الجديد للجهوية الذي دعا إليه الملك محمد السادس مرارا، وأيضا بصفتها كمؤسسة للتعليم العالي غير تابعة للجامعة، والتي تحكمها مواد واضحة في قانون 001 المنظم للتعليم العالي، وقد تعززت هذه الوضعية في رأي المجلس الأعلى، عندما استغرب إسقاط صفة التعليم العالي عن مؤسسات تكوين الأطر التربوية، سيما وأن مرسوم إحداثها يؤكد على كونها مؤسسات لتكوين الأطر العليا، إذن ضدا على كل هذا، ماتزال وزارة التربية الوطنية تضع مستقبل تكوين الأطر في يد «مدير مكلف»، والذي يصر على هندسة مستقبل مراكز التكوين وفق رؤية لا يعرف أسرارها إلا هو، مستعينا ببعض «الخدام» لتطبيق رؤية تناقض كلها ما جاء به مرسوم إحداث هذه المؤسسات وكذا رأي المجلس الأعلى.
إذ بدل أن يعزز «المدير المكلف» توجه المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي القاضي بتعزيز استقلالية مؤسسات التربية والتكوين، فإنه مصر على مركزة القرار والتدبير الإداريين والبيداغوجيين، بل ومصر، من خلال بعض المقربين منه، على تغليط الرأي العام التربوي، بالحديث عن كون العاملين بالمراكز الجهوية يستهدفون الالتحاق بالجامعة، وهو رأي مغلوط ومغلط أيضا، لأن المطلب الرئيسي لكل العاملين بهذه المراكز، هو الحرص على الاستقلالية الإدارية والتربوية، مستندين لتجارب مؤسسات للتكوين تابعة لقطاعات أخرى، كالداخلية والقضاء والسياحة والفلاحة، حيث تنفذ مؤسسات التكوين سياسة الوزارة في قطاع تكوين الأطر، ولكنها تتمتع باستقلالية إدارية ومالية وتربوية.
إصلاح بطعم الإفساد
توصلت الجريدة بخمسة عشر بيانا موقعا من طرف مختلف العاملين بالمراكز الجهوية على الصعيد الوطني، أجمعت كلها على تشخيص الوضعية المأساوية للمراكز التربوية الحالية، ومنها تسجيلها استمرار الوحدة المركزية في خرقها السافر لمرسوم إحداث وتنظيم المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين (مرسوم رقم 2.11.672 بتاريخ 23 دجنبر 2011) وللقانون 01.00 المنظم للتعليم العالي في شقه المتعلق بمؤسسات تكوين الأطر غير التابعة للجامعة واستمرارها في اعتماد نفس الأساليب والأدوات التي أدت إلى الإخفاقات التي تعرفها المنظومة التربوية وهو ما يتجلى في عمل الوحدة المركزية أولا على إفراغ مراكز تكوين الأساتذة من كل صلاحياتها البيداغوجية بسطوها على صلاحيات مجالس هذه المؤسسات وثانيا حلولها كبنية إدارية تمارس المهام البيداغوجية محل البنيات ذات الاختصاص المشكلة من الأساتذة بالمراكز في خرق واضح للمادتين 18 و35 من مرسوم إحداث المراكز وخلافا لما هو متعارف عليه في كل الأنظمة التربوية الوطنية والدولية.
العاملون بالمراكز احتجوا أيضا في بياناتهم على خرق الوحدة المركزية للقانون 01.00 خاصة المادة 35 منه وللمواد 18 و35 من مرسوم إحداث المراكز، وذلك من خلال خلقها لبنية «مجلس التنسيق الإداري» أسندت له المهام الموكولة لمجالس المراكز وتنصيبه مفوضا عنها، بدل تفعيل مضامين المادة 2 من مرسوم إحداث المراكز الجهوية لمهن لتربية والتكوين، ثم إملاؤها لرزنامة التكوين مع بداية كل موسم تكويني في خرق للقانون وفي استصغار تام لكل الإمكانات التدبيرية والكفاءات البشرية التي تزخر بها المراكز وفي ضرب سافر لما راكمته مؤسسات تكوين الأساتذة ببلادنا. فضلا عن إشرافها المباشر والكلي على مسلك الإدارة التربوية تتبعا وتقييما ومباراة في شقيها التنظيمي والبيداغوجي.
البيانات نفسها أكدت على فشل الوحدة المركزية وقسم استراتيجيات التكوين في بلورة رؤية ترفع من نسبة الإشراك والتعبئة داخل المراكز خدمة للتحدي الذي تواجهه المنظومة. وهو ما يتجلى في إقصاء الهياكل القانونية للمراكز في اقتراح مشاريع الإصلاح وتبني الوحدة المركزية لخيار الانفراد باتخاذ القرارات أو الإيهام بالتشارك عبر لجان وهمية، بعيدا عن تطبيق مبدأ التدبير التشاركي كآلية دستورية لتدبير كل قضايا الشأن العام، وكذا الانفراد بصياغة إجراءات التدبير 16 من رؤية الوزارة حول إصلاح منظومة التربية والتكوين بالاقتصار على لقاء آخر لحظة ضمن ما سمي بالأقطاب لمناقشة التدبير دون تمكين مجالس المراكز من إبداء رأيها وفق ما ينص عليه مرسوم الإحداث وفي تناقض مع توجه الوزارة في الانفتاح على كل مكونات الحقل التربوي، ثم نهج أسلوب الارتجال في تدبير القضايا التي تهم التكوين من خلال استدعاء «ممثلي المراكز» في آخر لحظة ودون اطلاعهم على جداول أعمال اللقاءات. وأخيرا التكتم في التهييء لإرساء نظام التكوين في ثلاث سنوات داخل المراكز والاقتصار على العمل بفريق تختاره الوحدة المركزية على مقاسها.

عن موقع فلاش بريس
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-