سوق الغش في امتحانات الباكالوريا

في السنوات الأخيرة ، ظهر سوق ليس كباقي الأسواق التقليدية، سوق يضم تقنيين، موزعين، أساتذة، أشخاص مكلفين بالإملاء، وسطاء لبيع الأجهزة الإليكترونية الدقيقة، عمليات جراحية دقيقة حتى لا أقول أطباء، أباء وأولياء متواطؤون، والأدهى أن هذا السوق الغريب أصبح أكثر تنظيما سنة بعد سنة، إنه سوق الغش في امتحانات الباكالوريا، ومن خلال تجاريب السنوات الأخيرة، تأكد بالملموس بأن هذا السوق موجود ويتطور سنة بعد سنة، على المستوى التجهيزات الإليكترونية  ودقة استعمالاتها وعلى مستوى  تقنيات وكيفيات التدخلات التي تتم من طرف عناصر الخلايا النشيطة في هذا المجال، فعملية تسريب اختبارات الباكالوريا حسب مصادر مطلعة،  تتم  في وقت وجيز بين فئات واسعة من الطلبة من خلال التقاط صور لمحتوى الاختبار، وإرسالها إلى عناوين إليكترونية  تتم اعتمادا على أوامر برمجية مطورة يجري تثبيثها بشكل مسبق على الأجهزة المحمولة، فتوزع التمارين  بين أعضاء الخلية لتوفير الحلول في أسرع وقت ممكن : 10 دقائق تكفي أعضاء الخلية للإجابة على جميع أسئلة الاختبار، بعد ذلك يتم مشاركتها عبر مواقع التواصل الاجتماعية  أو إرسالها إلى الطلبة المستهدفين عبر الرسائل القصيرة من طرف أعضاء متخصصين في إرسال وإملاء المحتويات عبر ال "كيت"

وفي مقال نشرته جريدة الأخبال بتاريخ 5-5-2015 ، وانطلاقا من مصادر  وثيقة الاطلاع، أوضحت أن عددا من محلات تقوم بالدعم والتقوية، تتحول إلى ملتقيات للتعارف بين المترشحين وممثلي الخلايا المشرفة(سماسرة الغش) على توزيع ونشر إجابات الاختبارات.
بالإضافة لهذه الخلايا الحقيقية، توجد خلاليا أخرى في هذا السوق، ولكنها خلايا وهمية مختصة في خداع المترشحين حيث تتم عملية النصب بعد اتفاق المرشح مبدئيا مع خلية تدعي توفرها على طاقم من "الأساتذة"، ويتم ذلك مقابل  قدر مادي، وينطبق هذا الوضع على الحكمة التي تقول:" الطماع يأكله الكذاب".
وحسب شهادات بعض الأساتذة، تبدأ الإرهاصات الأولى لسخونة هذا السوق بداية شهر مارس حيث يقصد عدد من المرشحين محلات الدروس الخصوصية الليلية للبحث عن "منقد" يزودهم بالإجابات خلال يوم الامتحان.
سوق الغش هذا حسب جريدة الأخبار، يضم "شناقة"يوفرون إجابات للإمتحانات  بأثمنة  لا  تتجاوز 1000 درهم.
لا أريد أن أصدق بأن هناك بعض الأساتذة لهم علاقة بهذه الخلايا، بل هم أعضاء فيها حسب شهادات أساتذة اخرين، جاءت في مقال جريدة الأخبار ليوم 5-5-2015 . لأن الأستاذ من المفروض أن يكون محصنا بما فيه الكفاية من هذه التصرفات المناقضة لوجوده المهني، وإذا افترضنا أن هذه المصيبة موجودة، فهذا يعني أن هؤلاء المشاركون في هذه الجريمة يعانون من مرض الفصام أي يحتاجون إلى العلاج، نظرا لوضعيتهم غير الطبيعية.
تروج داخل هذا السوق، عروض لأجهزة جد متطورة، فهناك ساعات يدوية متطورة، وسماعات أذن ذكية، وأدوات تقنية حديثة صارت تستخدم من طرف شريحة واسعة من المترشحين  للقيام بعملية الغش.
لهذا السوق مزودون يزداد نشاطهم مع بداية العد العكسي لموعد إجراء امتحانات الباكالوريا، فحسب شهادة مورجي ال"كيت" للأخبار، أن فئة من المزودين يتوصلون بكميات مهمة من سماعات الأذن الدقيقة المعروفة اختصارا ب"العدسة"مع اقتراب موعد الامتحانات، كما أن أجهزة "الكيت" تصل إلى الأسواق المغربية عن طريق مزودين صينيين حيث يصل ثمن الجهاز الواحد بين 1500إلى 2000 درهم مع العلم أن طابع السرية يميز عملية ترويج هذه الأجهزة، كما تنشط التجارة الإليكترونية في هذا التسويق  عبر عدة مواقع إليكترونية.
وحسب مقال جريدة الأخبار بتاريخ 5-5-2015 فال"كيت" عبارة عن سماعات أذن لاسلكية رقيقة، يتم طمرها بشكل مسبق داخل الأذن بطريقة مخفية يصعب كشفها من طرف المراقبين. السماعات تتصل مباشرة بالهاتف المحمول عبر ال"بلوثوت"، إزالتها من الأذن تتم بالجدب بواسطة قطعة مغناطيسية خاصة.
يتوفر سوق الغش أيضا على بعض أقلام الحبرتتيح للمستعملين إمكانية التحكم في خصائص أجهزة ال"كيت"من خلال أزرار خاصة بخفض أو الزيادة في حجم الصوت، بالإضافة إلى أزرار التشغيل والإيقاف.
وذكر كاتب المقال بجريدة الأخبار ليوم 5-5-2015 ، بأن بعض الطلبة يلجؤون إلى تطوير جهاز ال"كيت" بشكل يدوي عبر إزالة السلك البلاستيكي الملفوف حول الألياف الداخلية لسماعات الأذن، وتمريرها من الأذنين نحو الهاتف النقال بشكل يجعلها مخفية "نسبيا" عن أعين المراقبين.
الساعات اليدوية المتطورة والتي تتصدرها "الأبيود نانو" أو "النانو" اختصارا، تستعمل بدرورها في عملية الغش، والطريقة المعتمدة تكمن في إيهام  المراقب بأن الساعة تقليدية، وتعمل فقط بواسطة العقارب، إلا أن "النانو"، توفر تيكنولوجيا متطورة تعمل باللمس وتمكن من تخزين الصور والمعطيات بطرقة سلسة.
"النانو" متاحة بشكل وفير بالأسواق المغربية وتروج بأسعار تفضيلية تتراوح بين 500و 1400 درهم، قدراتها التخزينية عالية، إذ يمكنها تخزين أزيد من 15 ألف صورة. وتمكن الغشاشين من التوصل بالإجابات داخل مراكز الامتحان. بحيث تكمن الحيلة على أساس "دس" الهاتف المحمول بين الجوارب، وربط الساعة  اليدوية بالهاتف عبر "البلوثوت"ومنه التوصل بأجوبة الامتحان من خلال صور ومعطيات.
من رواد هذا السوق هناك أشخاص لا أصدق أن يكونون أطباء نظرا لقسم أبو قراط الذي يكبل عنقهم، يجرون عمليات جراحية لزرع السماعة الرقيقة المعروفة اختصارا ب"العدسة" داخل الأذن وذلك لتفاذي إمكانية كشفها بواسطة القطع المغناطيسية.
والمؤسف له أن هناك بعض زبناء هذا السوق يبحثون عن هذه الخدمة وهم مسؤولون على تربية وتعليم الأبناء، بحثا عن نقط غير مشروعة، وهذا أمر شديد الخطورة لأن الأسرة مؤسسة تربوي بامتياز يعول عليها في محاربة الغش في الامتحانات.
من خلال ما تم التطرق إليه، يجدر بنا طرح الأسئلة التالية تاركين شرف الإجابة عليها لصناع القرار:
•    هل الإجراءات التي تتم لتمرير امتحانات الباكالوريا لا زالت ملائمة؟
•    هل نوعية الأسئلة المطروحة في مواضيع امتحانات الباكالورية لا زالت ملائمة؟
•    هل المعدلات المرتفعة المطلوبة لولوج مؤسسات الاستقطاب المحدود لا زالت بدون بديل؟
هذه ثلاث أسئلة حارقة من بين أخرى، تسدعي الوقوف عندها ومحاولة البحث عن البدائل التي تحد من الدوافع المساهمة في إنعاش سوق الغش في امتحانات الباكالوريا، لأن هذا السوق أصبح ظاهرة متفشية تؤثر سلبا على مصداقية شهادة الباكالوريا، والتي كانت لها بالأمس القريب  قيمة معتبرة.
 لدينا نصوص قانونية وتشريعية  زجرية لعملية الغش لا بد من التذكير بها:
•    الظهير رقم  1.58.060 الصادر في ذي الحجة 1377 (25 يونيو 1958) بشأن زجر الخداع في الامتحانات و المباريات العمومية)؛
•    المذكرة رقم 99/3 سنة 1988 ، و التي لم تخرج مضامينها عن روح مضامين الظهير الشريف رقم 1.58.060.
•    و في سنة 1989 صدرت المذكرة الوزارية رقم 116 و التي تضمنت إلى جانب الاجراءات التأديبية إجراءات وقائية، نذكر منها :
-    توعية المسؤولين على مراكز الامتحانات و الأساتذة المكلفين بالحراسة بمسؤولياتهم في هذا المجال.
-    التأكد من هوية المترشحين.
-    تجريد المترشحين من كل ما لديهم من وثائق و كتب و دفاتر و غيرها من مراجع قبل الشروع في أداء الامتحان.

-    تنبيه المترشحين إلى ما يعرضون أنفسهم له من عقوبة في حالة الغش في الامتحان، و ذلك بإبلاغهم بالاجرءات التأديبية الواردة في المذكرة.
-    تضمنت المذكرة رقم 3/99 ، إضافة إلى ما ورد بالمذكرات السابقة، تنبيهات لتجنب الوقوع في وضعيات ملتبسة لممارسة الغش، و منها :

-    يمنع منعا كليا الاستعانة بوثائق غير تلك المنصوص عليها في ورقة الموضوع.
-    يمنع منعا كليا إدخال الهاتف النقال إلى قاعة الامتحان.

-    يمنع منعا كليا مغادرة قاعة الامتحان قبل انصرام نصف المدة المخصصة للاختبار؛
•    مقرر رقم 45 لكاتبة الدولة لدى وزير التربية الوطنية بتاريخ 5 أبريل 2011 بشأن دفتر مساطر تنظيم امتحانات نيل شهادة البكالوريا ص21 و 22.


-    في سنة 2012 صدر عن وزير التربية الوطنية القرار الوزاري رقم 2111.12. و الذي يمنع على المترشحات و المترشحين، و بشكل قطعي، إحضار الهاتف المحمول أو الحاسوب المحمول بكل أشكاله أو اللوحة الالكترونية و كل ما يرتبط بها من معدات، أو أية وسيلة أخرى قد تستعمل في عملية الغش سواء داخل فضاء مركز الامتحان أو قاعات إجراء الاختبارات. و ذلك سعيا من الوزارة للحد من استعمال الوسائل الحديثة للاتصال في عملية الغش في الامتحانات.


هذه الإجراءات القانونية، تستدعي أولا التحسيس بها في صفوف كل من له علاقة بامتحانات الباكالوريا، بل في صفوف عامة المواطنين لتكوين رأي عام له وعي بخطورة العمليةومساهم في محاربة الظاهرة.
كما تستدعي التفعيل الفوري وعدم التسامح مع الغشاشين.
بالنسبة للمراقبين داخل الأقسام التي تجرى فيها الامتحانات، فيكفي تشغيل ال"بلوثوث" والبحث عن الهواتف المفتوحة لملاحظة أسماء الهواتف  المشبوهة، فهي عملية بسيطة.
 

مصطفى رابي
مفتش في التوجيه
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-