التربية الأخلاقية

بوشيبة محمد الطيب*

على نحو مضطرد ، يجابه الملايين في شتى أنحاء العالم، عدد من المعضلات والقضايا المتعلق بالأخلاق والقيم الحساسة . ذلك لأن تقدم وسائل الاتصال والقدرة على الحركة بين مواطني العام ، قد أديا إلى تزايد احتكاك الشعوب بعضها بالبعض الآخر ، والتعرف على الحضارات أخرى ، والإلمام بما يجري في العالم والإلمام بما يجري في العالم من أحداث . وليست القضايا التي تعاني منها البشرية إلا انعكاسات لمثل هذه الاتصالات والاحتكاكات . وكثيرون هم الأفراد الذين يقعون فريس للإضطرابات النفسية ، بسبب تعرضهم لأنماط العقاد المختلفة .

أما مشاهد الحروب والموت والدمار ، والأفراح التي يعيشها الآخرون ، والأتراح التي تلم بهم ، فإنها تنتقل على التوالي إلى منازل الملايين من البشر من سكان الكرة الأرضية . وخلاصة القول إنه في ضوء المكتشفات العلمية الحديثة وتنوع الحضارات وتضاربها لم يعد من السهل على الإنسان أن يسلم دون نقاش أو جدال مع بمجموعة واحدة من القيم الموجودة مهما كانت .

بالإضافة إلى ما مر ، فإن وضع العالم ومشكلاته المعقدة ، تقودان إلى كثير من المعضلات المتعلقة بالأخلاق القيمة ، فهل يلزمنا مثلا أن نحد من التنمية الإقتصادية على حساب دخولنا الخاصة ، في سبيل إيلاء البيئة من حولنا عناية أكثر. والعمل على توفير احتمالات أكثر لحياة أشد بساطة وأنماط من الحياة أشد إيمانا بالمساواة بين الناس ؟ وهل نستطيع أن نصمد أمام تجربة من هذا النوع لفترة طويلة من الزمن ؟ وهل يجب على حكومة الولايات المتحدة الأمريكية أن تتخلى عن حصتها من الثروات العالمية في سبيل بناء عالم تتوفر فيه العدالة للجميع ؟ وماذا يجب أن نفعل بملايين الأطفال الذين لا يحصلون على الغذاء الجيد الكافي للمحافظة على البقاء وتوفير صحة أفضل؟ وهل يجب على الأفراد أن يقلصوا من ممتلكاتهم الخاصة في سبيل مساعدة الآخرين ؟ وهل يجب أن تحظى الجماعات التي سبق أن خضعت لنوع من أنواع التمييز العنصري ، بنوع من جديد من المعاملة المتميزة ، التي تعوضهم عما فات من خلال خطط عمل فعالة ؟ ومن الملاحظ أم المسائل المختلفة ، ذات الارتباط بقضايا العدالة والمساواة ، والفروق العنصرية ، والصراع من أجل الحصول على الحقوق ، وغيرها ، تزداد تعقيدا يوما بعد يوم ، مما يزيد من صعوبة الوصول إلى حلول حاسمة حتى لقد غدت الأوضاع الخاطئة نفسها من الأمور الأشد ألفة لدى الملايين من سكان العالم .

إن بعض الأنشطة والخطط التربوي الراهنة التي صممت أصلا بهدف معالجة بعض القضايا المرتبطة بالقيم والأخلاق. لا تفترض بشكل مسبق وجود  إجابات ( صحيحة ) للأسئلة المطروحة على بساط البحث . وجل ما تفعله هو مساعدة التلاميذ على اكتساب مهارات تمكنهم من الوصول إلى أحكام أكثر ( صحة ) في هذا المجال. ما الدروس المهتمة بتعليم القيم ونشرها بين التلاميذ ، فإنها تكسبهم المهارات التي تساعدهم بدورها في فرز القيم التي يؤمنون بها وتصنيفها والانتقاء من بينها واختبار مدى صحة الأعمال التي يقومون بها ، وتناسقها وتناغمها مع تلك القيم. ولا شك في أن ترسيخ القيم الأخلاقية والتوعية بها يحتاج إلى مداولات صريحة  يسودها الانفتاح والفكر الثاقب القادر على النقد، والأساليب العقلانية، وحرية الاختيار ، والإنصاف في الحكم على الأشياء.... والقدرة على الإبتكار ، والإيمان بالمساواة ، ويؤكد المربون والمهتمون بتعليم القيم والتوعية بها ، على ضرورة مساعدة الناس على تنمية إحساسهم بالقيم التي يؤمنون بها وتعريفهم بالمهارات التي تمكنهم من توضيح تلك القيم للآخرين . أساتذة " الأخلاق " فإنهم يقترحون العمل على الإفادة من بعض شواهد المعضلات لتمكين التلاميذ من استخدام مراحل أعلى من تحكيم العقل في معالجتهم للقضايا الخلقية . كما أنهم يقترحون أيضا أسلوب المداولات والمناقشات وغيره من الأساليب الناجحة في تدريب التلاميذ على استطلاع قضايا العدالة والمجتمع العادل. وذلك أيضا في سبيل إيصالهم إلى مستويات أعلى من التحكم الخلقي . وإنني أعتقد بأهمية الإفادة من موضوع المأزق والمعضلات وغيره . يصلح لمساعدة التلاميذ في تعليم الطرائق الصالحة لتوضيح القيم وتفسيرها والتوعية بها، وينمي رأيهم على التدليل والمناقشة الأخلاقية في عالم مضطرب كعالمنا .

إن محاولة تعريف التلاميذ ببعض النماذج والعينات الإنسانية التي تمثل قيما معينة ، يعجب بها هؤلاء التلاميذ ويحترمونها ، وتعتبر أسلوبا من أساليب التربية الخلقية ، لا يقل في قيمته وفعاليته عن الأساليب الأخرى . غير أن العثور على نماذج إنسانية يرضى عنها التلاميذ ويعجبون ، يزداد صعوبة يوما بعد يوما ، فوسائل الإعلام تميل إلى عرض بعض النماذج السلبية ، وهكذا ، فإن التلاميذ قلما يسمعون بأسماء الملايين من الأبطال الذين تتغنى بشهرتهم الركبان ، لأنهم يعملون بصمت وبأمانة وحماس وحب ، ويتصفون بكرم الأخلاق والتضحية ولا يضنون بمد يد العون للآخرين . ولذا فإنه يلاحظ من الأحاديث غير الرسمية مع التلاميذ ، أن هؤلاء يواجهون صعوبة كبيرة في تذكر بعض الأسماء التي يعجبون بأصحابها وينظرون إلى حملتها وكأنهم مثل عليا ، ويودون أن يقتفوا آثارهم ويحاكوهم في حياتهم .

لذلك كله أعتقد بأن على المدارس أن تعرف طلابها بتشكيلة واسعة من النماذج الإنسانية، بأفراد يستطيعون بطريقة أ, بأخر أن يعرضوا أسمى ما تمتلكه الإنسانية من ضروب الفكر وأنماط السلوك ، ولا ضير في أن تتضمن هذه التشكيلة بعض العمال العاديين والعلماء والأطباء والمحسنين والسياسيين وغيرهم من الأفراد الذين قاموا بأعمال تضفي عليهم الشجاعة ، أناس استطاعوا في بعض الأحيان رغم الظروف الصعبة وعدم تكافؤ الفرص ، أن يحققوا بعض الإنجازات العظيمة أثناء فترات حياتهم ، وليس بالضرورة أن تقتصر هذه النماذج البشرية على ذوي الشهرة الواسعة ، بل يمكن أن تتضمن أناسا عاديين ساهموا في خدمة المجتمع وتقديم العون للآخرين ، والحقيقة أنه ليس من الصعب العثور عليهم في كل مدينة وقرية في البلاد ، فهم يتواجدون في الحقيقة في كل مكان ويعملون في كل حرفة ، فنجدهم بين الفلاحين البسطاء والموظفين العاديين والطلبة والباحثين وغيرهم .

إن هؤلاء الناس هو الذين يعنون بالقضايا الإنسانية العامة . إنهم الشرفاء الذين يتحلون بالصفات الجميلة التي تصوغ أروع ما في روح الإنسان من معان . 

*أستاذ ثانوي تأهيلي من الدرجة الأولى
خبير في مجال التربية

فاعل جمعوي وحقوقي
منسق تربوي بسجون جهة طنجة - تطوان 2015
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-