مدرسة الهشاشة و اقتصاد الهشاشة - بيداغوجيا الفقراء-

الحسن اللحية

لم يناقش المغاربة الميثاق الوطني للتربية والتكوين بما يكفي حتى يتملكوا تصورا ما لمعنى المدرسة الوطنية الجديدة الواردة فيه. ولم يتوقفوا عند مضمون ما جاء فيه بخصوص علاقة المدرسة بالمحيط وربطها به ثقافيا واقتصاديا. لم يناقشوه بناء على مرجعيات في الدولة والاجتماع والسياسة والاقتصاد؛ ولذلك وجدوا أنفسهم أمام انحسار في الفهم عبر عن نفسه بالأجرأة دون كيف.
لقد كانوا تحت الاستعجال وهم يحضرون للميثاق، كانوا تحت الاستعجال وهم يعيشون فترات الانتقال السياسي ولم يتملكهم الوعي البعدي بماهيته. لم يناقشوا خلفيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين نفسه ليتملكوا ماهية مدرستهم الوطنية الجديدة مما جعلهم يسقطون في خطاب الأجرأة التقني والتقنوي الذي ساد منذ سنة 2000 إلى اليوم، حيث أفضى المسار إلى اختزال التعليم في التعليم النافع. أي مدرسة يريد الميثاق؟ أي مواطن تعده؟ أي مدرس وأي تكوين تدعو إليه؟ لماذا غمرت المفاهيم الاقتصادية الميثاق الوطني للتربية والتكوين؟ ...إلخ.
إن أسئلة مثل هذه الأسئلة ظلت مغيبة في خطاب الفاعلين بعامة رغم التحولات الكبرى التي يعرفها العالم اقتصاديا، وحيث سترمي بظلالها على الأنظمة التعليمية. ولكي تتضح لنا الصورة جيدا نعالج مآل التعليم العالي في العالم كما يلي:
o منذ 1995 بدأ التفكير في خوصصة التعليم الجامعي ليدخل المنافسة وقانون العرض والطلب: عرض معارف وأبحاث، وذلك عن طريق الاتفاقيات العامة للتجارة والخدمات ومنظمة التجارة العالمية فيما بعد.
o تحتم الاتفاقات شواهد خاصة بالمنتجات لحمايتها مثلما يجب أن يحمي الأستاذ ما توصل إليه من نتائج ليسوقها.
o من أجل أن يتم التسويق وجبت مطابقته مع النظام التعليمي الأوربي أي إعادة هيكلته ما بين 3 إلى5 سنوات وإدخال نظام الدين وتوحيد معايير الجودة و وضع مقررات مشتركة للدراسات والتكوين والبحث بين التخصصات.
لهذا الإصلاح خلفيات وعواقب منها عوض أربع سنوات أصبحنا أمام سلكين من ثلاث سنوات وسنتين للماستر مع إدخال آلية لانتقاء نخبة جامعية لا تتعدى 20 بالمائة من مجموع الطلبة؛ وذلك ما يعني أن البقية ستغادر الجامعة بعد قضائها بها مدة ثلاث سنوات عوض أربع سنوات كما كان عليه الحال في السابق.
ثم إن نظام الدراسة سيعرف تغييرات بإدخال الأقراص المدمجة والتعليم الرقمي و التكنولوجيات الأخرى والعمل بالجودة على غرار المقاولة.
وما يشد الانتباه هو التنصيص على ثقافة الامتياز والتفوق و العبقرية سواء في التعليم العالي أو في الأسلاك الأخرى من التعليم، هذه الفئة التي ستستفيد من الدعم والعناية والرعاية والتي ستصبح نخبة التسيير والتدبير والبحث العلمي حينما تجد من يتكفل بها كالشركات والمقاولات.
ثم إن الإصلاحات الجارية تنص على وضع مجزوءات مشتركة بين جميع التخصصات لا الانطلاق من الأساس المعرفي والعلمي للتخصص حتى يتسنى تسويق منتوج موحد للشركات الراعية للإصلاح مثل طومسن أو سيمنس أو غيرها من الشركات المؤثرة. والنجاح يتم وفق نظام الدين لأنه من غير المعقول أن يتم الرسوب في مجزوءة واحدة. هنا يتم أخذ الوقت بعين الاعتبار لأن الزمن كما تفهمه المقاولة هو زمن الإنتاج، الزمن الذي يدر الأرباح وكل تكرار للطالب هو خسارة مادية بالأساس.
إن الأمر يتعلق بتنافس يفرض السرعة والنجاعة لتلبية الطلبات و الأسواق بالبضاعة وتلك هي الصورة التي سيكون عليها طالب الغد، طالب بمعرفة سطحية لأنه أصبح رهينة المعرفة النفعية.
إذن سيصبح البون واسعا والفرق بينا بين أغلبية تتوفر على ديبلومات بدون قيمة ونخبة بدبلومات محترمة تلج عالم البحث والمشاركة في المعرفة. وبذلك تتحول الشهادة الجامعية إلى شهادة ثانوية.
وأما الأساتذة فسيخضعون في بحثهم العلمي لمنطق الضغط الممارس من قبل المقاولات (شركاء المدرسة، المحيط الاقتصادي الذي انفتحت عليه المدرسة)، وبالتالي تصبح خاضعة لقانون الملكية الفكرية، أي لقانون التبضيع والتسويق والتجارة.
هكذا أصبحت ماهية التعليم النافع تمتح من تصور فلسفي في النفعية، من فلسفة في البراغماتية.
نشير إلى ان النزعة النفعية أسسها الفيلسوف الإنجليزي جريمي بنتهام Jeremy Bentham قي القرن الثامن عشر. لا تبحث النزعة النفعية في إصدار أحكام كما هي ولكن وفق النتائج. كما تختار الفعل تبعا للنتائج وتحيل على بعض النظريات القائلة بالفعل العادل مثل نظريات جريمي بنتهام و جون ستوارت ميل وهنري سيدويك. والفعل العادل يكون في وضعية معطاة، بمعنى الفعل الذي يجب اختياره، وعدالة فعل لا يحكم عليها إلا بالنتائج. فكلما كانت النتائج نافعة وجب تحبيذ الوسائل من أجل تلك غاية.
النفعية مذهب أخلاقي يفترض في المعنى السلوكي فرضية تقوم على كل ماهو نافع وجميل، وأن النفعية يمكن تحديدها عقلانيا، أي أن النفعية نزعة أخلاقية تتكون من قواعد سلوكية تحولت إلى نمط تقويمي للأشياء من جهة الاقتصاد. وان الحكم على السلوك الفردي والاجتماعي يتأتى من خلال المنفعة الاجتماعية، وفي غالب الأحوال على كل فرد أن يفكر في الفرد الواحد، أي في ما ينفعه هو.
وفي التعليم تعني النفعية المهارة والإتقان والمعارف النافعة النفع المباشر؛ لذلك تعطي المدرسة الجديدة الأهمية للكفايات العرضانية عوض الكفايات التخصصية؛ أي الكفايات القابلة للتعبئة والتحريك والاستثمار المباشر في الحياة اليومية عملا بمبدأ المردودية الاقتصادية والبحث المستمر عن التنظيم الجديد للمدرسة. لذلك ترى OCDE أن المدرسة النافعة هي المدرسة التي تعيش على إيقاع حركية التكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال كأداة للتعليم والتعلم فيما يخص الكفايات الأساسية .
1. المدرسة ورهانات النزعة النفعية
يدور نقاش عالمي، في السنوات الأخيرة حول مصير المدرسة، وهو نقاش لا يخفي إرادات الهيمنة والتسلط والصراعات غير المتكافئة والمقاومات الفردية والجماعية، الواعية والتلقائية، حينما يعبر عن نفسه بمظاهرات مناهضة للعولمة بالعموم أو مناهضة للإصلاحات التي تعرفها الأنظمة التربوية التي تصب في إحدى وجوهها في سياق إيجاد معنى للمدرسة؛ أو بتعبير أدق كلما طرحت القضايا الاجتماعية والاقتصادية ومستقبل الشباب والتنمية الشاملة إلا وطرحت معها المدرسة للنقاش العمومي: ما هو دور المدرسة اليوم وغدا؟
إن الصراع حول إيجاد معنى للمدرسة يتخذ، ضمن هذا الحوار والصراع، عناوين متنوعة ومختلفة لا تخلو من إغراءات ومكر وخداع وبلاغة وجاذبية مثل السؤال الاستنكاري التالي: لماذا تصلح المدرسة اليوم؟ ، وهو سؤال يطرحه البعض لتقبل النزعة النفعية المتزايدة في التعليم والتربية التي تختزل في المعارف النفعية: ماذا نفعل بهذه المعارف التي تقدمها المدرسة؟ لماذا ندرس أفلاطون وأرسطو؟ لماذا ندرس التاريخ كتاريخ للماضي؟...، وهناك عناوين أخرى أكثر جاذبية من تلك التي تظهر علامات المكر مثل: ما معنى التعلم في مجتمع المعرفة ؟. وهناك شعارات أخرى توقعية تستند إلى مقررات المنظمات العالمية واللوبيات الاقتصادية مثل التربية في القرن XXI أو مدرسة الغد أو التعليم للجميع أو سبل مدرسة المستقبل ... كما ترفعها المنظمات الدولية ومنها OCDE على وجه الخصوص التي أصدرت عدة تقارير واضحة ومباشرة مثل التقرير المعنون بالتكنولوجيات الجديدة في المدرسة وتعلم التغيير وغيرها من التقارير والمؤلفات المؤلفات...
إن المتأمل والمتتبع لهذه الدعوات- والأوامر أحيانا- سيجدها تراهن على تنمية أشكال جديدة للتعليم تطال طرق التدريس والتكوين والمضامين والتقويم ومضاعفة التعليم الممنوح على الإنترنت حتى ترتبط المدرسة بواقعها الخارجي. ولم تغفل OCDE وضع سيناريوهات، حددتها في ست سيناريوهات، للمرور إلى مدرسة الغد، للمرور إلى مدرسة تنمي الكفايات الأساسية (علما أن مفهوم الكفايات الأساسية أصبح رائجا في مقررات اللجنة الأوربية وتقرير المجلس الأعلى للمملكة المغربية الصادر سنة 2008...) من أجل استعمال التكنولوجيات الجديدة؛ أو بتعبير آخر إن التحكم في الرقمي سيسهل الولوج للتعلم مدى الحياة، وعاملا للإدماج الاجتماعي والاقتصادي.
إذن، رغم المجاز والاستعارة البراقة التي تأخذها العناوين الجديدة للإصلاح تظل هذه العناوين مليئة بهذيان النفعية ولغة الاقتصاد مثل المردودية والنجاعة والإنتاجية وقيم السوق وثقافة المقاولة.
إن هذا التصور الذي يريد أن يجعل التربية اقتصادا والتعليم سوقا لم يتبلور بما فيه الكفاية في المغرب وإن كان العمل من أجله مفتوحا على كل ما يعجل بمجيئه مثل تعميم الإعلاميات وتعدد شركات الهاتف والولوج إلى الانترنت وربطها بالمؤسسات التعليمية، وإعفاء التعليم الخاص من الضرائب وتعدد انواع الشهادات العليا والأنظمة التعليمية وخلق الجسور والمسالك والإجازات المهنية، وفتح الجامعة أمام المقاولات والشركات...إلخ.
هكذا سنصبح أما تصورات جديدة آتية ومدعومة من طرف المنظمات الكبرى تستحضر ثقافة المقاولة والاقتصاد الافتراضي والتربية العابرة للأوطان تتجسد في ثلاث محاور هي :
o ملاءمة المدرسة مع منتظرات السوق.
o استعمال التعليم لتحفيز الأسواق.
o تحول المعارف والتربية إلى سوق جديد.
2. التعليم واقتصاد الهشاشة
ستنوب المنظمات الدولية بأقنعة متعددة عن مسؤولي السياسة في البلدان المتخلفة لتهيئ الأجواء لظهور النزعة النفعية؛ وذلك بالتركيز على جعل وظيفة النظام التربوي في التعليم الأساسي (9 سنوات) هي محاربة الأمية أو الهدر المدرسي. وما عداه سيدخل مزاد التحرير والتنافسية.
تزامن التفكير في اقتصاد الهشاشة والتحولات التي أصابت مفهوم الشغل ذاته في الدول المتقدمة وظهور أنماط جديدة لم يعهدها التصور الكلاسيكي للعمل او الشغل او منصب الشغل، وسيثير قضايا لا حصر لها تهم اللامساواة وتكافؤ الفرص وماهية المرونة في سوق الشغل والتشغيل والتعاقد والضمانات. كما سيطرح اقتصاد الهشاشة مفاهيم مركزية تهم التكوين والتأهيل وغياب الاعتراف...إلخ.
إن اقتصاد الهشاشة هو اقتصاد atypique لا يتناسب مع المفهوم الاقتصادي الكلاسيكي للعامل والأجير؛ ولذلك ينشغل منظروه ب l’insertion باستراتيجيات متعددة. إنه اقتصاد المرونة والتكيف. يجب على الفرد أن يعيش الشغل بدون ضمانة ولا تعاقد، على الفرد أن يجد الفرصة ليندمج في النسيج الاقتصادي والاجتماعي؛ ولذلك عليه إن كان من المتمدرسين ان يطلب من المدرسة معرفة على المقاس، معرفة ومهارة تمكنه من إيجاد تلك الفرصة النادرة.
لا يتعلق الأمر في اقتصاد الهشاشة بأن تكون المدرسة مدرسة العلم والمعرفة والتنشئة الاجتماعية وتكوين المواطن. ستكون وظيفتها هي مهر المتعلم بما يخدمه في الآن، في الحياة اليومية، في وضعيات الحياة اليومية؛ ولذلك عليه ألا يشحن ذهنه بتاريخ الرياضيات ومشاكلها الإبستيمولوجية أو صراع الإيديولوجيات أو الفن ...إلخ، إن ما هو في حاجة إليه هو أن يعد ويقرأ ليجد موقعا في النسيج الاجتماعي. فالتعلم حسب هذا التصور يكون خارج المدرسة وبعد التمدرس الإلزامي لأن التعلم أصبح تعلما مدى الحياة، من المهد إلى اللحد. وتلك هي إيديولوجيا الليبرالية الجديدة الكاسحة.
ففي مجال التمدرس سيكون التفكير في اقتصاد الهشاشة حاضرا بقوة في مخرجات النظام التربوي الأساسي (9سنوات من التعليم الأساسي)؛ حيث سينصب التفكير تربويا وبيداغوجيا و وظيفيا على إمكانات إدماج المتعلم منذ السنة التاسعة في نشاط ما. وتلك هي استراتيجية بيداغوجيا الإدماج في البلدان الفقيرة.
ستتوجه إلينا "بيداغوجيا" (الإدماج) كبيداغوجيا للفقراء، حيث يرى اغزافيي رويجرس أن المقاربة بالكفايات المبنية على تنمية الكفايات المستعرضة في المدرسة تتوجه إلى تلاميذ ليست لهم مشاكل مع المكتسبات الأساس. وهذه المقاربة غنية وطموحة تحتاج إلى مدرسين مكونين تكوينا جيدا. كما تتطلب تجهيزات وشروط مناسبة؛ ولذلك فإن هذه المقاربة تصلح للدول الغنية. في حين أن الدول الفقيرة لا يمكن أن تنجح فيها هذه المقاربة إلا إذا اقتصرت على تنمية الكفايات الأساس أو كما تسمى اليوم "بيداغوجيا" الإدماج التي تمكن التلميذ من الاندماج في النسيج السوسيو-اقتصادي، وحيث لا يحصل ذلك إلا بتدخل من منظمات دولية مثل Unesco, Unicef, Oif وغيرها من المنظمات الدولية غير الحكومية ONG. والغاية هي الرفع من مستوى القراءة في هذه الدول .
ستكون المقاربة بالكفايات الأساس هي إجابة على مشاكل الأمية الوظيفية " ويضيف، في مؤلف آخر، قائلا :" بعد أن طورت هذه المقاربة تحت اسم بيداغوجيا الإدماج تمت أجراتها في عدد من البلدان الأوربية والإفريقية، ابتداء من سنوات 1990، وأساسا في مناهج التعليم الابتدائي والإعدادي، وكذا في التعليم التقني والمهني (...) تحاول بيداغوجيا الإدماج باستنادها إلى مبدأ إدماج المكتسبات خصوصا من خلال الاستثمار المنتظم لوضعيات الإدماج، أن تقدم حلا إجرائيا لمشاكل الفعالية في الأنظمة التربوية، ولمشكل الأمية الوظيفية المتلازم معها. وتقدم أيضا بعض عناصر حل مشاكل الإنصاف في هذه الأنظمة؛ وذلك ما دام أن الاشتغال على الوضعيات المركبة يعود بالنفع على جميع التلاميذ، وبنفع أكبر على أولئك الذين يشكون من ضعف كبير".
يرى في كتابه بيداغوجيا الإدماج، الكفايات وإدماج المكتسبات في التعليم ، أن هناك هوة سحيقة بين ما تقدمه المدرسة من معارف لحظية والوضعيات التي كان من الأجدر بها أن تهيء التلاميذ لمواجهتها. لقد ألف التلاميذ منذ صغرهم التعامل مع المعارف مجزأة مما ينعكس على نمط تفكيرهم الضيق في الوضعيات البسيطة وقد تم رصد ذلك من خلال أبحاث كثيرة بينت مشكل الأمية الوظيفية؛ بمعنى أن هناك أشخاصا اكتسبوا معارف في المدرسة الابتدائية وليسوا قادرين على استعمال معارفهم في الحياة اليومية. والمطلوب حسب اغزافيي هو:
- قراءة نص، وفهم المعنى؛
- القيام بعملية الجمع؛
- حفظ قواعد رياضة مع انعدام القدرة على استعمالها .
ما هذه الكفايات الأساس التي لا تصلح إلا للدول الفقيرة وجوبا؟ يجيب غزافيي رويجرس قائلا هي أن يستطيع طفل ذي الثماني سنوات إنتاج نص مكتوب من ثلاث جمل في وضعية تواصلية دالة أو حل وضعية مشكلة تستدعي العمليات الأربع الأساسية حول الأعداد من 0 إلى 1000 . فهذه الكفايات تسمى كفايات أساس لأنه على التلميذ أن يتحكم فيها قبل المرور إلى المستوى الموالي .
إن هذه الأمية الوظيفية ، لا تنحصر حسب اغزافيي، في فئة محدودة وإنما تهم معظم التلاميذ، وخاصة التركيز على البون الحاصل بين المكتسبات المدرسية والوضعيات التي يواجهونها .
وفي معرض حديثه عن الكفايات الأساس يرى أن ضرورتها تتمثل في وجوب التحكم فيها من طرف التلميذ حسب نسبية السياق ولحظة التكوين مثل القدرة على تركيب قطعة غيار في معمل أو كتابة رد عن رسالة .
وحاول تحديد مفهومها المعرفي بقوله أن الكفاية الأساس هي الكفاية الأساسية أو الكفاية ذات الأهمية أو الكفاية الدنيا أو قاعدة الكفاية أو الكفاية القاعدة ، حيث أن جميع هذه التسميات تبتغي شيئا واحدا هو الأسس أو الأساسات، أي ما يجب الانتباه إليه أكثر من غيره. ولأن الرهان دقيق ومحدد بالنسبة لهذه البيداغوجية المتمثل في القراءة والكتابة والحساب، وبالتالي محو الأمية الوظيفية أو إعداد التلاميذ لمواجهة (وضعيات الحياة) فإنه ليس من اللازم، حسب اغزافيي، استهداف خمس أو ست كفايات أساسية في السنة أو التخصص، فمثل هذا العدد أو غيره يجعل بيداغوجيا الإدماج تتيه في التفاصيل وتفقد روح إدماجها الذي هو ضروري وأساسي لكل تعلم وظيفي ، بل الأصح هو أنها ستفقد روحها التقويمية التي تشكل ماهيتما الحقيقية. يقدم لنا مثالا عن الكفاية الأساس الواجب تحصيلها في الابتدائي كالآتي:
- التواصل الشفهي عبر رسالة نافعة بشكل مفهوم في وضعية من الحياة اليومية؛
- حل مشكل رياضي دال باستعمال العمليات الأساسية .
نلاحظ أن رهان هذه البيداعوجيا يتمثل فيما يلي:
1. المقاربة بالكفايات الأساس هي إجابة على مشاكل الأمية الوظيفية؛
2. اقتصار هذه المقاربة على مناهج التعليم الابتدائي والإعدادي والتعليم التقني والمهني؛
3. حصر عدد الكفايات في إثنين مثلا لأن رهان بيداغوجيا الإدماج رهان تقويمي؛
4. ربط المعرفة المدرسية بالحياة اليومية ككتابة رسالة أو رد على مكالمة هاتفية لزبون أو تركيب قطعة غيار...إلخ، فلا مجال للمعرفة كمعرفة مما يجعل المعرفة المدرسية أو وظيفة المدرسة هي استنساخ المحيط في الدرس، أو هي صدى لما يحيط بها، بل إن المدرسة هي الاستنساخ الممكن لوضعيات الحياة (الطبيعية) على قوله؛
لقد استشعر هو نفسه هذا الأمر حينما رأى بأن هناك معارف لامحيد عنها في المدرسة أو في غيرها، وهي معارف ترتبط بالحاجة إلى تنمية مهارات عامة أو تنمية القدرات .
5. تهيئ التلميذ لمواجهة وضعيات الحياة يعني أن وضعيات الحياة قارة وساكنة ومتكررة وأن الكفايات الأساس هي السبيل الوحيد لمواجهتها، أو بتعبير أدق أن الكفايات الأساس هي مفتاح لحل وضعيات الحياة؛
6. إن فكرة الكفايات الأساس التي يريد اغزافيي تثبيتها كمكتسبات أساس قابلة للتعبئة في وضعية بشكل فعلي هي رهان هام بالنسبة للدول الفقيرة، حيث يتمثل ذلك في إعطاء التلاميذ الحد الأدنى من المهارات الأساس الإجرائية في الوضعيات اليومية، وهي الحظ الوحيد المقدم لهم ليعترف بهم في المجتمع والقدرة على إيجاد مكان لهم وبعض الكرامة ؛
7. نستخلص من النقطة الأخيرة أن رهان بيداغوجيا الإدماج سياسي واضح، فيترآى لنا أن هذه البيداغوجيا التي تشتغل في البلدان الفقيرة تطرح نفسها كحل للتفاوت الطبقي وكحظ وحيد للاعتراف بالتلميذ- المواطن في المجتمع وكسبيل وحيد للكرامة. وهي بذلك تنوب عن الأنظمة السياسية والأحزاب السياسية والمجتمعات المدنية والمؤسسات الوطنية لهذه البلدان، بل تتغافل كل هؤلاء إن لم تتهم كل هؤلاء ضمنا أو علنا لتطرح نفسها بديلا عنهم في معركة المواطنة والكرامة والاندماج الاجتماعي الوطني...إلخ.
3. بيداغوجيا بخبراء
من اللافت للانتباه أن كثيرا من الدول تلجأ في إصلاحها لأنظمتها التربوية أو في مجال تربوي معين لخبراء أجانب.
وجب أن نميز هنا بين مستويات الخبرة؛ بحيث نجد الخبرة لدى مؤسسات كبرى كالبنك الدولي أو اليونسكو أوالإيسيسكو والأوسيدي مثلا، وخبرة المنظمات المدنية، والخبرة النابعة عن المعرفة العلمية والأكاديمية، وخبرة مكاتب الدراسات...إلخ.
إن ما نحن في حاجة إليه كبلد يستقطب الخبراء الدوليين- إن على سبيل الموضة أو على سبيل الاحتقار للكفايات الوطنية أو تنفيذا لتوجهات وتوجيهات- هو أن يكون الخبير المستقطب راكم موارد نادرة غنية و كثيرة كالمعارف والتجربة والكفايات وأخلاق المهنة ورأسمال من العلاقات ضمن شبكة علمية وسياسية-إدارية . فهل كل خبير نستقطبه تتوفر فيه هذه الصفات؟
يقول بيرنو بأن الخبير المؤهل والمجرب يفهم الوضعية المعقدة بسرعة كبيرة فيعمل على إعادة تشكيل جزء من تاريخها ووضع اليد على الرهانات وعلاقات القوى ومناطق الظل- وهو ما يخشاه أو يتمناه محاوره أو من وظفه- وتعرية ما نريد إخفاءه أو ما لا نريد قوله له وللناس؛ أي أنه يضع الميكانيزمات المحافظة الحقيقية أمام الأنظار. فإذا ما فكك شفرة الانتظارات المتناقضة سيكون قد نجح في مهمته؛ أي أنه عزز وقوى الذكاء الجماعي وتجاوز موضة التركيب وإعادة الصياغة ...ليجعل النظام التربوي أو بالأحرى المدرسة مدرسة معلمة .
إن خبيرا مثل هذا الخبير ليس له الحق في الخطأ لأنه يوجد في وضعية الطبيب الجراح القادر على التشخيص الصحيح أولا قبل أن يتخذ أي خطوة في العلاج كيفما كانت هذه الخطوة.
يختلف هذا الخبير عن كل خبير يمتلك وصفة سحرية صالحة لكل بلد بلد وفي كل الظروف. فمثل هذا الخبير ينقلب من طبيب إلى دجال، من عالم راكم المعرفة والتجربة الأكادميتين إلى ساحر.
ليست للخبير الشرعي أهداف خاصة به لأنه يشتغل بأهداف من انتدبه ولهذا تأخذ الخبرة معنى المساعدة الخالصة. لكن علينا أن نحتاط من هذا الحياد لأن للخبير كباقي الناس قيم وإيديولوجيا ورهانات...إلخ. ولأنه كذلك يسعى ليقدم لمنتدبه أهدافا واضحة متناسقة: يطالب بتعاريف، بمعايير، بعتبات قابلة للقياس، بمعلومات، بملفات...إلخ، ولا يكشف عن أهدافه الخاصة. كما لا يمكنه أن يقوم بعمله إلا بالإحالة على أهداف من انتدبه.
ما يميز الخبير هو اتصافه بقلة الصبر؛ فهو يسارع للمشاركة بنشاط في العمل، وفي التحرير، والمراقبة: يسأل و يصوغ ويعمل على المصادقة على صياغة الأهداف. إن وقت الخبير يقاس بخطوات النمل، لكل شيء ثمن، ولكل شيء مخطط صنع هناك في مختبره.
إن ما يغفله الخبير- لأنه لا يتمتع بثقافة سوسيولوجية وسوسيو-ثقافية وأنتربولوجية وتاريخية- أن أهداف نظام معين كالتنظيم المقاولاتي أو التنظيم المدرسي هي بناءات اجتماعية.
يجب أن يعلم الخبير أن الهدف وسيلة يتبناها الفاعلون للدفاع عن قيمهم ومصالحهم. وفي وسط هذا الرهان يتحول الخبير بدوره إلى أداة. والحال لا وجود لخبير- إلا إذا كان كلبيا(سينيكيا)- يمكنه الاعتراف بسهولة بمشاركته في لعبة حيث الأوراق مكشوفة كلها فوق الطاولة، ولأنه ليس مغفلا فإنه يلعب ما يسميه بيرنو كوميديا عقلانية التنظيم.
على الخبير أن يسأل نفسه ونحن علينا أن نطرح عليه السؤال التالي كذلك: إلى أي جانب تنحازون يا معشر الخبراء؟
يبدو الجواب سهلا سياسيا بردهم علينا قائلين: "لا ننحاز لأي جانب، نحن علماء ننحاز للحقيقة والموضوعية والصرامة العلمية". لكن:
من يقرر في خبرة ما؟ من يدون الانتداب؟ من يختار الخبراء؟ ومن يقدم إليهم المعلومات؟ من يؤدي لهم واجبهم المادي؟ ومن يتكفل بمصاريفهم؟ من يراقبهم وهم في الميدان؟ ومن يشرف على الخبراء في النظام؟ من يتلقى التقارير؟ ومن ينشرها؟...إلخ.
سيكون الجواب هو نفسه إنه المسؤول عن كذا وكذا هو من يقوم بذلك؛ غير أن بعضهم سيجيب بكل بساطة بأنه يعمل لدى منتدبه.
سيكون من الصعب أن يكون الخبير منصفا في خدمته لجميع الفاعلين في التنظيم، وخاصة إذا كان قريبا من رأس الهرم، لأنه سينجر مع استراتيجية المسيرين أو المسؤولين.
لا يمكن لأي خبير أن ينخرط في العمل انخراطا كليا حتى ولو كان في وضعية خارجية إذا لم ينخرط في التوجهات الإيديولوجية للاصلاح لأن الخبرة- كما يقول أستولفي- محدودة بالبعد التقني والإجرائي. لا وجود لخبير يقول لنا ما إذا كان من المستحب حذف دينامية الجماعات مثلا أو من المستحب التدريس بنمط ديمقراطي أو سلطوي أو تدريس قيم معينة لأنه ببساطة لا وجود للخبرة في مجال القيم والمقاييس الاجتماعية التي يطلبها نظام تربوي معين أو يطالب بها مجتمع معين .
هناك من الخبراء في التربية والتعليم من يرفض الكفايات العرضانية بدعوى أنها غير قابلة للقياس ولأنها ليست تعلمات دقيقة أو أساسية. والحال أن كثيرا من الأقطاب الملتزمين بقضايا التربية عالميا يبينون أهمية الكفايات العرضانية وقالبليتها للتقويم التربوي... وأهميتها في عالم دائم التحول، وبلغة أخرى تبدو أهميتها في انفتاح المدرسة على المحيط. غير أن ما يهم الخبير هو كل ما يقبل القياس: إنه البعد التقنوي الخالص المتمثل في لغة الحساب والإحصاء، وبلغة أخرى إنه يتحدث عن أدوات جيدة للقياس وشبكات للملاحظة والتمييز أو الترقيم ... كصاحب معمل.
لكي يستمر الخبير كصديق منتقد عليه أن يكون مسموعا، أي محترما ومقدرا وليس صاحب مصداقية علمية فقط. إنه الاضطلاع بمهمة الاستماع لما لا نرغب في سماعه؛ ولهذا ينبغي أن تكون مهمة الخبير واضحة وشفافة بالنسبة للأطر والمكونين والباحثين والمدرسين والآباء وربما التلاميذ كذلك: إنه الإشراف المتفاوض عليه.
إن التفاوض حول إصلاح ما، كما يقول فليب بيرنو، أو أي مشروع آخر للتجديد عليه أن يرافق السيرورة كلها، حيث القرارات تمس التعديلات لا المشروع الأولي أو الأساسي، وهو في حالة المغرب الميثاق والوطني للتربية والتكوين والكتاب الأبيض. كما لا ينبغي النظر إلى التعديل الذي يقوم به الخبير على أنه مسألة تقنية خالصة؛ إذ أن كل تدخل يعتبر تقنيا قد يمس التوافقات السياسية (التعاقد حول الميثاق الوطني للتربية والتكوين).
لنترك الحديث عن الخبراء أصحاب المأكولات الجاهزة والبناءات المفككة والوصفات السحرية والعقاقير المسمومة. ولنتساءل هل يمكن تكوين مدرس لتدريس معرفة مدرسية بالحصر قد يسميها البعض أساسية كحال الخبراء الرافضين للكفايات العرضانية ؟ هل يمكن تكوين مدرس محايد لمدرسة محايدة، حيث سيدرس معرفة أو تعلمات مدرسية محايدة قابلة للتقويم العلمي المحايد: وهم الموضوعية... كما يدعي هؤلاء الخبراء ؟ ... وقائمة الأسئلة في هذا الباب لا تنتهي لأنه ببساطة يجهل الخبراء إبستمولوجيا العلوم وفلسفات العلوم "الحقة" والإنسانية. وههنا مكمن جهلهم.
لا يمكن أن نكون مدرسين دون القيام باختيارات إيديولوجية حتى ولو ادعينا النزعة العلموية والموضوعية المطلقة: هناك دائما إديولوجيا، إيديولوجيا تلقائية كالفلسفة التلقائية للعلماء. فحسب المجتمع والكائن الإنساني الذي ندافع عنه لا يمكننا ادعاء نفس غايات المدرسة بالنسبة للجميع؛ ولهذا لا يمكننا أن نحدد بنفس الشكل دور المدرسين والمعرفة المدرسية، وبالتالي هل ننمي كفايات عرضانية تتطلبها الحياة الاجتماعية بكثافتها أم نقتصر في التعلم على التصورات التي تحصر التعلم فيما يقدمه المدرس من معارف مدرسية محددة سلفا.
بإمكاننا تكوين كيميائيين ومحاسبين وإعلاميين حسب ما ترغب فيه المقاولات، وبإمكاننا القول بكلبية بأن الكيميائي الجيد هو الكيميائي الجيد، هو من يستطيع صناعة الأدوية أو المخذرات. والمحاسب الجيد هو من يبيض الأموال المتسخة أو ينمي موارد التنظيم الإنساني، والإعلامي الجيد هو من يخدم المافيا أو العدالة بنجاعة. ونفس الشيء فيما يخص المدرسين: هل نرغب في مدرسة تنمي الاستقلالية أو الامتثالية، الانفتاح على العالم أو النزعة القومية، التسامح أو الحقد على ثقافة الآخرين، لذة الأخطار الفكرية أو البحث عن اليقينيات، روح البحث أو الدوغمائية، معنى التعاون أو معنى التنافس، التضامن أو الفردانية...؟، وبالتالي هل يتعلق الأمر بمدرسين نخبويين أم بمدرسين طيعين...؟
ترتبط جودة التكوين بجودة تصوره؛ ولذلك ورغم شيوع الحديث اليوم عن المهنية في العالم فإن جميع الدول ليست مستعدة لتكوين مدرسين متأملين ونقديين، مثقفين وصناعا، مهنيين وإنسانيين.
إن ما يحدث في الميدان يعود للصراع السياسي والوسائل الاقتصادية المتوفرة. وحتى ولو كنا في الطريق نحو مجتمع كوني مهيمن عليه من قبل بعض القوى ستظل غايات التربية مسألة وطنية. بإمكان الأفكار أن تنتقل عبر الحدود لكن يجب أن تتحدد غايات التربية هنا في فضاءاتنا العمومية رغم ما تطرحه مشكلة ديمقراطية المشاركة من مشاكل حتى لا تظل التربية تعيد إنتاج التفاوتات وامتثالية الجماهير أمام الفكر المهيمن.
لا بد أن نعي بأننا نوجد أمام تناقضات تهيكل مستقبلنا من قبيل ما يلي:
1. المواطنة الكونية والهوية المحلية؛
2. العولمة الاقتصادية و الانغلاق السياسي؛
3. الحرية واللامساواة؛
4. التكنولوجيا والنزعة الإنسانية؛
5. العقلانية و التعصب؛
6. النزعة الفردانية وثقافة الحشود؛
7. الديمقراطية و التوتاليتارية.
إن هذه التناقضات تفرض تصورا جديدا لتكوين المدرسين حتى ننمي مواطنة متكيفة مع العالم المعاصر. ومن أجل ذلك يقترح علينا فليب بيرنو مدرسا ذي الوظائف التالية :
1. شخص ذو مصداقية؛
2. وسيط بينثقافي ؛
3. منشط لمجموعة تربوية؛
4. ضامن للقانون؛
5. منظم حياة ديمقراطية؛
6. معد ثقافي؛
7. مثقف.
ومن جهة المعارف والكفايات التي يجب أن يتوفر عليها يقترح علينا فليب بيرنو الكفايات التالية:
1. منظم لبيداغوجية بنائية؛
2. ضامن لمعنى المعارف؛
3. مبدع لوضعية تعلمية؛
4. مدبر للتنوع؛
5. معدل للسيرورات ومسارات التكوين .
يستحيل إذن تكوين مدرسين بتصور تقني خالص لأنه ببساطة لا وجود لهذا التصور، وبالتالي فإن المدرسين في حاجة، في ظل مجتمع يتحول، إلى القدرة على التجديد والتفاوض وممارسة التأمل وتعديل الممارسة. ولن يتم ذلك إلا بتأمل التجربة وتكوين معرفة جديدة والورطة النقدية لأن المجتمع في حاجة إلى مدرسين منخرطين في النقاش السياسي حول التربية على مستوى المؤسسات والجماعات المحلية والمناطق والوطن كله، وليس على مستوى الرهانات النقابوية وحدها. يجب، إذن، توريط المدرسين في مناقشة الغايات والبرامج والمناهج وبرامج المؤسسات المدرسية ودمقرطتها ودمقرطة ثقافتها وتدبير النظام التربوي...إلخ.
قلنا إن تكوين المدرسين يرتبط بالرؤية للمدرسة التي تستهدف دمقرطة الولوج للمعارف وتنمية استقلالية الذوات ونقديتها وكفاياتها وقدرتها على الدفاع عن الرأي. ولن يتم ذلك إلا بالمرور بالاعتراف بالاستقلالية والمسؤوليات المهنية للمدرسين فرديا وجماعيا.
وفيما يلي بعض المعايير المقترحة من قبل بيرنو لتكوين المدرسين من مستوى عال:
1. النقل الديداكتيكي المؤسس على تحليل الممارسات وتحولاتها؛
2. مرجع للكفايات يحدد المعارف والقدرات المكتسبة قبليا؛
3. مخطط للتكوين منظم حول الكفايات؛
4. التعلم بالمشاكل: الطريقة الإكلينيكية؛
5. تمفصل حقيقي بين النظري والتطبيقي؛
6. تنظيم مجزوءاتي فارقي؛
7. تقويم تكويني مؤسس على تحليل العمل؛
8. أوقات وعدة للإدماج وتعبئة المكتسبات؛
9. شراكة متفاوض بشأنها مع المهنيين؛
10. تقطيع للمعارف يسمح بتعبئتها في العمل .
4. زبناء بيداغوجيا الإدماج
نخلص مما تقدم أن بيداغوجيا الإدماج ليست بيداغوجيا في الفلسفة النفعية او في البراغماتية، وليست بيداغوجيا حتى من جهة الأسس الفلسفية والديداكتيكية والفكرية لأنها استراتيجية في محاربة الأمية الوظيفية وهو ما يجعلنا نتوقف عند أساسها الاستراتيجي هل هي بيداغوجيا في الإدماج أم استراتيجية لمحاربة الفقر؟
أولا: Intégration , Intégrer
يعني المفهوم إعادة ترتيب وإعادة التجديد و تنظيم العلاقات والسيرورات والروابط بدينامية واستحضار الهويات الاجتماعية والوطنية.
إن الإدماج هنا هو أحد وجوه وظائف النظام الاجتماعي ، ويهم المجتمع ككل. يجد هذا الفعل قوته في الحقل السوسيولوجي والمجتمع عامة.
إن الإدماج هنا يستحضر بعدا اجتماعيا قويا بشمولية حيث يجمع الفرد بالجماعة والجماعة بالفرد فيعد في النهاية خطابا في التنشئة الاجتماعية والتماسك الاجتماعي والمواطنة والمدنية.
لايمكن أن نتصور الإدماج بدون تصور ما للمجتمع والهوية الاجتماعية والوطنية؛ ولذلك فإن المدرسة في هذه الحالة ستكون كباقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية تقوم بوظائف متعددة منها وظيفة الإدماج الاجتماعي المبني على الحاضر والمستقبل والمأمول. ومن هنا تكون المدرسة في قلب الصراع من اجل مجتمع ما بوعي وإرادة لأن ما يهم هو المجتمع المأمول المراد تساهم فيه المدرسة كمؤسسة للتنشئة الاجتماعية .
إن هذا الجانب هو الغائب في بيداغوجيا الإدماج لأنها لا تهتم بالمدرسة كمؤسسة للتنشئة الاجتماعية و إنما كمدرسة لمحاربة الفقر ضمن استراتيجية اقتصادية للهشاشة. فهي لا تغير البنيات والذهنيات ولا تعد المرء للتغيير ولا تعد به، وإنما تعد الفرد كفرد ليحصل على قدر من المعارف والمهارات تجعله مقبولا و وظيفيا في محيطه.
ثانيا : Insérer ,Insertion
يعني المفهوم أدخل وأدرج ووضع الشيء بين الأشياء. إن إدخال الشيء بين الأشياء وإعطائه وضعا أو وظيفة لا يجعل الشيء يتغير .
سيكون الإدخال هنا فعلا ميكانيكيا ووضع الشيء نفسه ميكانيكيا لأن الإدراج والإدخال لا يغير هوية الوضع والحقل والفرد .
يجد الإدراج والإدخال مفهومه الفعلي في الخطاب الاقتصادي حصرا منذ السبعينيات من القرن العشرين . فتارة يسم نفسه بمحاربة الفقر وطورا بالتهميش و أخرى بالهشاشة وسوق الشغل و مرة أخرى بمحاربة التبعية.
إن الأمر يهم تكوين الفرد ومستوى سوق الشغل لإيجاد مكان و الحصول على وضع والقيام بدور ما حتى لا يسقط الفرد في التهميش والعزلة. والغاية منه هي أن يجد الفرد مكانا ويتخذ وضعا عبر استدماج قيم ومقاييس وقواعد. الفرد المهمش وصاحب الوضع الهش هو الذي ليس له أي شيء مضمون، يعيش على الصدفة والمياومة وعدم الاستقرار.
إن غياب الضمانة والأساس والبحث عن الوضعية المقبولة بالنسبة للفرد هي ما يسعى إليه اقتصاد محاربة الهشاشة، وهو ان يدرج الفرد في نسيج، في علاقات، في وضعية، في انتاجية معينة. إنه اقتصاد سد الرمق، اقتصاد الجوع والفقر؛ ذلك الاقتصاد الذي يتقنع باسم الاقتصاد الاجتماعي أو التنمية البشرية.
إن إدماج أو إدخال أو إدراج الفرد في النسيج الاجتماعي يتوجه للفرد كفرد، الفرد بتاريخه وتكوينه وتعليمه دون أن يكون منتميا لأي مجموعة اجتماعية. فما يهم هنا هو أن يشارك المرء في قواعد ومقاييس وأنشطة منتجة. إنه خطاب في الفردانية المفردنة للفرد. ولكن هل يمكن أن يتم إدخال الفرد في النسيج الاقتصادي أو أي نسيج آخر بدون وجه اجتماعي؟ هل الإدراج والإدخال والوضع يكون جزئيا أم كليا؟ إن بيداغوجيا الهشاشة والقضاء على الأمية الوظيفية لا تتوجه لحاملي الشهادات العليا. كما أنها ليست بيداغوجيا تحررية ولا تحريرية، فهي لا يهمها تغيير العلاقات والرؤى والتمثلات وبناء الذات لأنها ببساطة استراتيجية لاحتواء الأفراد حسب معارفهم في سياق أو بنية قائمة. ولهذا تتماشى أهداف مكتب بيف في التربية مع كثير من المنطمات الدولية ، وتلح تصوراته البيداغوجية، ممثلة بيداغوجيا في الإدماج - الأداة النظرية والعملية لبعض المنظمات الدولية - على القراءة والكتابة والحساب، وهي الكفايات الأساس في بيداغوجيا الإدماج.
فهي تنآى بنفسها عن طرح ما المقصود بالقراءة والكتابة والحساب؟ وما حدود القراءة، مثلا، في السنة الأولى أو السادسة من التعليم الابتدائي أو ما حدودها في السنة التاسعة من التعليم الإعدادي التانوي؟ وتتغافل عنوة أن تحديد الكفايات الأساس- القراءة والكتابة والحساب- يتطلب نقاشا سياسيا جوهريا بالنسبة لكل دولة على حدة ما دام هذا التصور يخلط بين محاربة الأمية الأبجدية والتعليم النظامي.
لنفترض جدلا أن أي دولة انخرطت في هذا التوجه -تنمية الكفايات الأساس- المتمثل في القراءة والكتابة والحساب، فما هو مستوى التمكن المنتظر الذي يجب أن يكون عليه كل تلميذ في كل مستوى دراسي على حدة بعيدا عن رؤية بيداغوجيا الإدماج التي تحصره في الحد الأدنى؟ ألا يهم هذا النقاش مصير كل دولة دولة بدل إفراغه من مضمونه السياسي والاقتصادي والثقافي ... وحصره في تصور تقويمي صوري، بل الاكتفاء بحدود مطاطية تخلط بين محو الأمية والتعليم النظامي، بين الاختيارات الوطنية واختيارات المنظمات الدولية، اختيارات فوق دولتية عابرة للأوطان والقارات، الخلط بين الأساسي لكل دولة دولة وبين الأساسي القابل للتعميم والتنميط والتقويم...؟
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-