المردودية المدرسية أساس تقييم العمل التربوي

بقلم: نهاري امبارك(*)

مقدمة:
إن أي عمل لا يجري تقييمه لا يمكن تقويمه، والعمل التربوي لا يستثنى من هذه القاعدة. ففي نظامنا التربوي والتكويني يشرف المدرس على العملية التربوية خلال جميع مراحلها، منذ التحضير والتلقين إلى تقييم النتائج واتخاذ القرارات الإدارية والتربوية، بناء على نتائج مدرسية يحصل عليها التلاميذ.
ويكون المدرس خلال هذه المراحل صانع النتائج، من معد للدروس وملقن ومنظم للاختبارات، إلى مانح للنقط، حيث تتسم هذه المراحل بلبس وغموض، وخلال مسار دراسي طويل، يمتد على عدة سنوات. فمن نوع وطريقة التقييم التربوي وكيفية وضع الاختبارات ومضامينها، إلى كيفية تصحيح منتجات التلاميذ ومنح النقط ودرجات الاستحقاق، إلى اتخاذ القرارات الإدارية والتربوية. وتمر الأعوام، وتتراكم السنون، وينال المدرس ترقيات آلية بناء على أقدمية محددة عبر جداول تقنية ونقط استدلالية تعتبر نقط تفتيش وزيارات محدودة، وتقصي الكفاءات المعرفية، والخبرة الفعلية، والمردودية المدرسية المسجلة من خلال النتائج المحصل عليها من طرف التلاميذ، فما هي المردودية المدرسية؟ وما هو العمل التربوي؟ وكيف يجري تقييم إنتاجات التلاميذ؟ وكيف يتم تقييم العمل التربوي للمدرس؟ وما هي الوسائل الأنجع لتقييم منتجات التلاميذ؟ وما هي الوسائل الأنجع لتقييم مردودية المدرس؟
سنحاول تحليل هذه الإشكالية المركبة انطلاقا من بنود التشريعات المدرسية، وموقع المدرس ضمن منظومة التربية والتكوين، وواقع العمل التربوي، ومساطر الترقية المعمول بها، وذلك من خلال الفقرات التالية:
1.    المردودية المدرسية:
فمنذ أن تطأ قدما الطفل المدرسة وأولياء أمره يتساءلون حول ما تعلمه من قراءة وكتابة وحساب، ومنهم من يقف على ذلك بالمعاينة، أو بزيارة المدرسة، أو من خلال بيانات النتائج، التي ترد على محل سكناهم، فقد يلاحظون تقدما أو استقرارا أو تقهقرا أو تحسنا وتطورا، وذلك من خلال نقط مجردة مصحوبة ببعض الملاحظات العامة، لكن يجهلون مستوى التحصيل الدراسي الحقيقي لأبنائهم، رغم ما قد يقفون عليه بأنفسهم، حيث يستحيل عليهم موقعة تحصيل أبنائهم ضمن مجموعة الفصل ومجموعة المدرسة لنفس المستوى الدراسي.
فتتوالى هذه الوضعية وتستمر سنوات، والأمهات والآباء يصرفون أموالا ويعانون نفسيا، ويعيشون حالة الرسوب وتكرار نفس الفصل الدراسي، وحالة الانقطاع ومغادرة الدراسة، وحالة الفصل والتشطيب من سجلات المؤسسة التعليمية، كما يلمسون اجتماعيا نجاحا وحصول تلاميذ على شواهد ودبلومات، يكثر الحديث حول قيمتها، ومجالاتها والإمكانات التي تتيحها، ومدى الاندماج في الحياة العملية....لتطالعنا، بشكل رسمي، أرقام وإحصاءات صادمة عن المردودية المدرسية الداخلية والخارجية، كما يعاينها الأمهات والآباء والأطر الإدارية والتربوية والقائمون على الشأن التربوي، ويقدم كل من موقعه تفسيرات وتبريرات تتباين الأحكام حولها، من راض ومقتنع إلى مندد وشاجب...فتستقر على أن المدرسة تمر بأزمة حقيقية.
انطلاقا من هذه الوضعية، تعالت الأصوات صارخة مطالبة بإصلاحات جذرية، فتمت الدعوة إلى تنظيم مشاورات موسعة عبر المجتمع بأسره، هيئات ومؤسسات، للإعداد لإصلاح شمولي ومتين، يضمن عروضا مدرسية واعدة، ومردودية مدرسية كمية ونوعية، تمكن جميع مرتادي المدرسة، ودون هدر مدرسي، من تحصيل دراسي جيد وإدماج في الحياة العملية، بشواهد ودبلومات وتأهيل مهني حقيقي.  

2.    العمل التربوي:
وبعد تخطيط لعمل تربوي معين، ورسم إستراتيجية الإنجاز، وتحديد أهداف قابلة للتنفيذ، وجرد موضوعي لنقاط الضعف ونقاط القوة، والصعوبات الممكن أن تعترض خطوات الإنجاز، يعمل المدرس(ة) على تحضير الوسائل الكفيلة ببلوغ الأهداف المسطرة، فيباشر العملية التربوية، من تلقين محتويات الوحدات والدروس المقررة، إلى تدبير شؤون القسم من تأطير وتربية وتعليم، إلى تنظيم أنشطة موازية، إلى تقييم مستوى التحصيل الدراسي عند التلاميذ، بناء على اختبارات تندرج ضمن تقييم تربوي، يختلف صيغة ومضمونا وأهدافا، حسب مختلف مراحل السنة الدراسية، ومراحل إنجاز المقررات الدراسية، فعموما، من تقييم تشخيصي إلى تقييم تكويني إلى تقييم إجمالي، تتوج هذه الاختبارات بمنح التلاميذ نقطا تنتج عنها قرارات تربوية وإدارية، من انتقال إلى المستوى الموالي أو تكرار القسم أو فصل عن الدراسة.
وقد أجمع المتتبعون للعمل التربوي أن النقط الممنوحة إلى التلاميذ لا تعتبر معيارا لإصدار أحكام موضوعية حول المردودية المدرسية للتلاميذ ومستوى التحصيل الدراسي لديهم، متحججين بعدم قدرة نسب عالية من التلاميذ على القراءة والكتابة خلال سلك التعليم الابتدائي، وبنسب أقل خلال سلك التعليم الثانوي الإعدادي...لتتسرب الشكوك حول واقع العمل التربوي، وتنهال أسئلة حول واقع المنظومة التربوية، من قبيل: ما مصداقية النتائج التي يحصل عليها التلاميذ؟ وما مصداقية عمليات التقييم التربوي خلال أسلاك التعليم الابتدائي والثانوي؟
3.    تقييم إنتاجات التلاميذ عبر الأسلاك الدراسية:
من المعلوم أن المدرسين يشرفون على تنظيم اختبارات المراقبة المستمرة طيلة الأسلاك الدراسية المقررة، وعلى امتداد عدة سنوات مدرسية، وفي جميع المستويات الدراسية، حيث يعدون أسئلة تشكل اختبارات أو امتحانات، يطرحونها على التلاميذ الذين ينجزونها حسب قدراتهم الفكرية والمعرفية،  ويقوم المدرسون بتقييم هذه الإنتاجات بمنح التلاميذ نقطا قد تصحب بملاحظات.
كما يتم تنظيم امتحانات موحدة محلية أو إقليمية أو جهوية أو وطنية، تضاف نقطها بنسب مئوية محددة إلى نقط المراقبة المستمرة لحساب معدل سنوي عام، يتقرر على أساسه حصول التلميذ إما على الشهادة الابتدائية أو على شهادة الدروس الإعدادية أو على شهادة البكالوريا، فينتقل التلاميذ على أساسها إلى المستوى الموالي.
والمتتبع لنسب النجاح يلاحظ تقهقرا تدريجيا منذ سلك التعليم الابتدائي مرورا بمستوى السنة الثالثة ثانوي إعدادي، إلى غاية السنة الثانية من سلك البكالوريا، كما يلاحظ ارتفاعا ملحوظا وبشكل متدرج لنسب الهدر المدرسي، ما يسمح بطرح مجموعة من الأسئلة من قبيل: ما مصداقية النتائج المدرسية المسجلة بمختلف المستويات الدراسية؟ وما مصداقية عمليات التقييم التربوي خصوصا منها المعتمدة على المراقبة المستمرة؟
وللإجابة على السؤالين أعلاه، يتم تسجيل من خلال مختلف الدراسات المنجزة في مجال التقييم التربوي، أن الطرائق التي تدبر بها عمليات التقويم والمراقبة التربوية ما تزال بعيدة عن بلوغ مواصفات الجودة التربوية المطلوبة، حيث يعزى ذلك إلى نقص التكوين الأساسي والمستمر للفعاليات البيداغوجية المختلفة، بخصوص أدبيات التقييم التربوي وآلياته، إذ تفتقر الأسئلة الاختبارية المقترحة إلى أغلب المواصفات المطلوب توفرها فيها، كما يتم تسجيل ارتجالا جليا في تنفيذ إجراءات التقييم التربوي والمراقبة المستمرة، بسبب عدم وضوح الرؤيا والتصور لدى المدرسين الذين يركزون على الجوانب الشكلية دون الاهتمام بالجوانب الجوهرية، وبذلك يحصلون على نتائج لا تترجم واقع التحصيل الدراسي، ما يكرس الانخفاض التدريجي للمكتسبات المعرفية عند التلاميذ، وما يؤدي إلى التسرب التدريجي عبر السنوات، فإلى الهدر المدرسي.
4.    تقييم عمل المدرس:
ومن أجل الوقوف على الأداء المهني للمدرس، فقد أوكلت مهام تقييم عمله إلى الجهات المسئولة، كل من موقعه، بالتركيز على مجموعة من المعايير، تتجلى في:  المردودية، إنجاز الأعمال المرتبطة بمهنة التدريس، السلوك المهني، القدرة على التنظيم، البحث والابتكار، واعتمادا على مؤشرات، واستئناسـا بعناصـر قياس هذه المؤشرات، فيتم إنجاز تقرير، وتمنح عن كل مؤشر نقطة تحدد مستوى الأداء.
إلا أنه يلاحظ، ضمن معيار المردودية المهنية للمدرس أن المؤشرات المحددة لمستوى التلاميذ، وتقييم مردوديتهم المدرسية، واستثمار نتائج التقييم غير ناجعة ولا تتسم بالموضوعية اللازمة، حيث مكونات هذه المؤشرات تنجم عن المدرس نفسه، الذي يعتبر في ذات الآن قائما على العملية التربوية وعلى تقييم المردودية المدرسية لتلاميذ الأقسام المسندة إليه، من إعداد الاختبارات والإشراف على تمريرها وتصحيح الإنتاجات، ما يؤدي، عموما، إلى تقييم مبتور وغير موضوعي للأداء المعرفي للتلاميذ، وكذا للأداء المهني للمدرس، خصوصا مع انتشار عدة ظواهر وعلى رأسها ظاهرة الساعات الإضافية المؤداة، وما يمكن أن ينجم عنه عدة اختلالات على صعيد إنجاز مختلف مكونات العملية التربوية، وما قد تنجم عنه استحقاقات غير مستحقة.
5.    المردودية المدرسية والترقية:
كل الفرقاء والفاعلين التربويين والقائمين على الشأن التربوي والتكويني ينتظرون مردودية مدرسية كمية ونوعية، داخلية وخارجية، من رفع عدد التلاميذ الناجحين في جميع المستويات، وتجويد مكتسباتهم المعرفية، وإدماجهم في الحياة العملية، مؤهلين وقادرين على الإنتاج ومساهمين في رقي المجتمع. وكل مدرس(ة)، على غرار جميع الموظفين، ينتظر ترقية في الرتبة والدرجة، ويأمل تحسين وضعيته المادية والمعنوية، ويتوق إلى الأفضل، انطلاقا من كده اليومي، وجده المتواصل.
إن القيام بالواجب أمر بديهي، والترقية حق مشروع، والموظف مطالب بتحقيق دوما مردودية أفضل. وفي اعتقادنا أن المردودية المهنية للمدرس تستشف من خلال المردودية المدرسية للتلاميذ والنتائج التي يحققونها نهاية كل سنة أو سلك تعليمي. هذه النتائج الناجمة عن عمليات التقييم التربوي والامتحانات، منها تقييم داخلي وتقييم خارجي، يتجليان على التوالي، في اختبارات المراقبة المستمرة والامتحانات الإشهادية، حيث ترتكز المراقبة المستمرة، عموما، على التقييم التكويني، المتجلى في تنظيم المدرس، لفائدة تلامذة القسم، فروضا محروسة، وواجبات منزلية وبحوثا ومشاركة في بلورة الدروس، كما ترتكز الامتحانات الإشهادية على تقييم إجمالي، ينظم غالبا آخر سلك دراسي، ويشمل إلى حد ما، دروس المقرر السنوي للسنة النهائية لسلك معين.  
6.    خلاصات ومقترحات:
حيث اختبارات التقييم الداخلي لا تتوفر فيها المواصفات المطلوبة، وحيث ازدواجية أدوار المدرس كمشرف، في ذات الآن، على عملية تلقين التعلمات، وتقييم المردودية المدرسية لتلاميذ الأقسام المسندة إليه، فإن تقييم العمل التربوي للمدرس، في شق إجراء المردودية المهنية لا يتسم بالموضوعية المطلوبة، ولا يمكن من وضع الأصبع على نقاط القوة ونقاط الضعف الحقيقة، بخصوص التحصيل الدراسي عند التلاميذ، وعليه بات، في اعتقادنا، من الضروري ربط تقييم عمل المدرس بالمردودية المدرسية الكمية والنوعية للتلاميذ، وذلك باعتماد تقييم خارجي للتحصيل الدراسي عند التلاميذ آخر كل سنة دراسية، يتم تنظيمه في شكل تقييم إجمالي، يشمل جميع الدروس المقررة للمستوى الدراسي المعني.
وحتى تتسم اختبارات التقييم الخارجي بالموضوعية والفعالية والنجاعة المطلوبة، وتصون حقوق جميع الأطراف، وتضمن مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، فإنه يجب أن تنظم على شاكلة الامتحانات الإشهادية، تسهر عليها لجن محايدة، منذ التنظيم إلى الإعلان عن النتائج النهائية وتقييمها. فيتم تحديد عدد التلاميذ الحاصلين على المعدل في جميع المواد المقررة، واحتساب النسب المئوية المرتبطة بكل عدد، وترتيب الأقسام في كل مادة، وكل مستوى دراسي، وتمنح نقطة تقديرية تتناسب طرديا والنسب المئوية للتلاميذ الحاصلين على المعدل، حيث كلما ارتفعت نسبة التلاميذ الحاصلين على المعدل في المادة المعنية، كلما ارتفعت النقطة المخولة إلى المدرس والعكس بالعكس.
وحتى تحظى اختبارات التقييم الخارجي بالأهمية المطلوبة سواء من لدن المدرس(ة) أو من لدن التلاميذ، فإنه يتم اعتماد النتائج المدرسية المترتبة عنها، في اتخاذ قرارات النجاح عموما، وقرارات التوجيه بأقسام التوجيه المحددة.
أما نتائج التقييم الداخلي المتمثل في إجراءات التقييم التربوي التي يشرف عليها المدرس، فيتم اعتمادها من طرف المدرس، وذلك في ضبط القسم، والتحكم في العمليات التربوية، واتخاذ قرار مشاركة التلميذ(ة) من عدمها في الامتحانات الإشهادية.
خاتمة:
حيث من واجب الموظف القيام بالمهام المنوطة به، ومن حقه الترقي في سلالم الوظيفة العمومية، فإن من حق الجهات المسئولة مطالبته بالرفع المتواصل للمردودية المهنية وتحقيق أفضل النتائج، استثمارا للجهود والطاقات المادية والمعنوية المبذولة والموارد البشرية المرصودة، وتجنبا لكل إفلاس قد يعصف بها، فإن مؤسسات التربية والتكوين لا تستثنى من هذه القواعد، وعليه فالمدرس مطالب بإنتاج متواصل وتحقيق مردودية مهنية تتمثل في الرفع المستمر من النتائج المدرسية للتلاميذ كما ونوعا.
ولتقييم العمل التربوي للمدرس فإن ربطه بالمردودية المدرسية للتلاميذ يعتبر، في اعتقادنا، إجراء إداريا وتربويا موضوعيا وفعالا.
وإذا كان من المسلم به، أن المدرس لا يشكل الشرط الوحيد لإنجاح العملية التربوية، فإنه يعتبر العنصر الأساسي في العمل التربوي في ظل وضعية البنية التحتية للمؤسسات التعليمية، والتجهيزات والوسائل البيداغوجية، والفضاءات التربوية، والأطر المساعدة، وأدوار أمهات وآباء وأولياء التلاميذ....وأن أهم معيار ضمن معايير تقييم أداء المدرس يبقى المردودية، لاعتبارها جوهر العملية التربوية، المتمثلة في رفع التحصيل الدراسي عند التلاميذ، وتسليحهم بالمعرفة، وإعدادهم للحياة المهنية والاجتماعية، وأن انتظار توفير جميع الشروط مجتمعة قد يعمق أزمة منظومة التربية والتكوين، لذا وللحد من الهدر والضياع، لا بد من إرساء تدابير أولية ناجعة من قبيل التركيز على تقييم عمل المدرس وربط مردوديته المهنية بالمردودية المدرسية للتلاميذ، باعتماد إجراء التقييم الخارجي لمكتسبات التلاميذ، واعتماد التقييم الداخلي في ضبط العملية التربوية وتأهيل التلاميذ لاجتياز اختبارات التقييم الخارجي والامتحانات الإشهادية.


(*) مفتش التوجيه التربوي، مكناس.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-