رشيد نيني
أُسدل الستار على مسرحية لا نعلم من هو مخرجها، نعلم فقط كيف وزعت الأدوار داخلها في مشاهد القبح بشتى أبعاده السياسية والنقابية، وتختزل حالة من البؤس الفكري الرهيب الذي أصبح يطبع نخبة كنا نعتقد إلى زمن غير بعيد بامتلاكها للوعي وللفكر، بل كنا نعدها منتجة لهما.
يتعلق الأمر بمسرحية تأسيس نقابة جديدة للتعليم العالي تابعة لحزب العدالة والتنمية، تحت مبررات الاستبداد والاستفراد والاستئساد التي يقول أصحاب النقابة الجديدة إن كيلهم طفح بها. حادث يضاف إلى حوادث الانشقاق التي عرفها المشهد النقابي بالمغرب لعقود طويلة، والتي لقطاعات التعليم النصيب الأوفر منها، ويكفي أن نقول إن عدد نقابات التعليم المدرسي وصل إلى ثلاث وخمسين نقابة، وفي الوقت الذي ظل فيه قطاع التعليم العالي، لأزيد من نصف قرن، محافظا على وحدته النقابية، فإن التاريخ سيسجل للحزب الحاكم قصب السبق في خلق الشرخ في هذا القطاع، إذ في الوقت الذي ينتظر فيه المغاربة من هذا الحزب الإسلامي جدا أن يكون مجمعا للشتات، ها هو يخلق التفرقة والانشقاق.
في تاريخ النقابة الوطنية للتعليم العالي تواجدت قوى سياسية اختلفت مع الاتحاد الاشتراكي وغيره جملة وتفصيلا، بل كان الخلاف يصل في بعض المواقع والمجالات إلى حد العنف المتبادل، ورغم ذلك لم تفكر ولم تتجرأ هذه القوى المتصارعة على تسوية اختلافاتها بتمزيق جسم النقابة وضرب الوحدة، السؤال هنا من أين لحركة التصحيح بهذه الجرأة الزائدة عن حدها؟ أليس الأمر يتجاوز التهور؟ هل اللحظة لتسوية الخلافات التنظيمية أم للتكتل والتوحد لمجابهة تحديات التعليم عموما والجامعة خصوصا؟ ألم يكن من الأولى تكثيف الجهود وتظافر الإمكانات التي يستقوي بها المنتسبون للعدالة والتنمية وتكريسها لإبداء الرأي ضمن القرارات الاستراتيجية التي ستهم التعليم العالي ضمن مراجعة قانونه المحال على المجلس الأعلى للتربية والتكوين؟ أم أنهم فوضوا الأمر لإخوانهم وأخواتهم المتواجدين بشتى الألوان داخل مجلس عزيمان في إطار توزيع الأدوار، رغم حالة الشرود التي يعيشها العديد من هؤلاء الإخوة والأخوات؟
ثم هل الحزب مخير في هذا الانشقاق أم هو مسير؟ ألا تملك أحزاب كالأصالة والمعاصرة والاشتراكي الموحد قاعدة في التعليم العالي، فلماذا لم تفكر في الانشقاق مع أن ما يفرقها عن حزب لشكر أكثر مما يجمعها؟
إن اللحظة السياسية التي اختار فيها «المصححون» إعلان تأسيس نقابة للتعليم العالي لا يمكن إطلاقا اعتبارها عادية. أولا باستحضار اقتراب موعد انتخاب اللجان الثنائية، فإن الأمر عند أصحابنا «المصححين» يجلي حال الهوس الذي يلبس «البيجيديين» بالمناصب وتقلد المسؤوليات، وإلا كان عليهم عدم القدوم أصلا للمؤتمر 10 للنقابة الوطنية للتعليم العالي، المنعقد في 2013، ما دام جدول أعماله لم ينص إطلاقا على المطلب الذي كانوا يزايدون به وهو ضرورة تغيير بنود القانون الاساسي. وكل الحاضرين في هذا المؤتمر شاهدوا بعيونهم هؤلاء «المصححين» يصوتون بالتصفيق على التقريرين الأدبي والمالي، لأنهم كانوا يستندون على ما وعدوا به في صفقة تخلى عنها رفاق لشكر في ما بعد.
فضمن الحديث عن الهوس بتقلد المناصب الذي يسكن «البيجيديين» يجدر هنا استعراض تجارب إخوان بنكيران في العمل النقابي، لنتبين نوعية «تناقابيت» التي يمارسها هؤلاء، ولنستنتج مستقبل هذه النقابة الجديدة، ولنعد في الذاكرة إلى زمن استيلائهم على نقابة الدكتور الخطيب بعد وفاته، بقرار من حركة التوحيد والإصلاح بعد القيام بنفس «الغزوة» في الحزب بالطبع.
ونعتبر تسليط الضوء على تجاربهم في هذا الشأن مفيدة جدا، تذكيرا للساهين وتنبيها للغافلين والمغفلين معا، فما قام به يتيم وعصبته أو عصابته، لا فرق، في حق شيخ في سن والده، هو الحاج المعطي وأتباعه، ينبغي أن يدرس في كبريات الجامعات، عن معنى الانتهازية والوصولية وانعدام الأخلاق، ونحن نعرف جيدا ما نقصده بانعدام الأخلاق، لأن ما قام به يتيم وأتباعه في حق هذا الرجل الذي كان يقود الجناح النقابي لنقابة الخطيب، مباشرة بعد وفاة هذا الأخير، لا يدعو للفخر، حيث تم المساس بأتباعه في رزق أولادهم وسمعتهم، بل وتم المساس بشرفهم. وسنقدم في ما بعد شهادات حية لبعض ضحايا يتيم في النقابة التي استولى عليها.
فهذا الزعيم النقابي الذي لا يشق له غبار، تفرض علينا حالته أن نتساءل كم مرة دخل مقر النقابة منذ أن اعتلى كرسي نائب رئيس مجلس النواب، ليباشر قضايا المأجورين والمظلومين من العمال المقهورين والاستماع إلى مطالبهم بتحسين أوضاعهم التي ازدادت تأزما بفعل إجراءات حكومة أخيه بنكيران؟
ألم يعد يتذكر أنه نقابي إلا حينما تعلن نقابات أخرى عن إضراب، ويطل علينا من حسابه الفيسبوكي مؤصلا لفتواه حول الأجر مقابل العمل وأن هذه الاضرابات سياسوية؟
ألم يعد يتذكر أنه مسؤول عن نقابة فقط عندما تصله أنباء أن أحد القطاعات التابعة لنقابته ضاقت من حال الجمود التي قررها بنكيران لكل هيئاته الحليفة؟ أين سي يتيم من شعار النقابة «الحقوق بالعدالة والواجبات بالأمانة»؟ أين هي الأمانة في تحمل المسؤوليات حين يراكم هو مناصب شتى وكل واحدة تقتضي تفرغا كليا وجهدا خارقا لإتقانها، فهو عضو بالمكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح وعضو الأمانة العامة للحزب ونائب برلماني على دائرة بالدار البيضاء بعد فقدانه لمصداقيته في بني ملال، ونائب رئيس مجلس النواب وعضو بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين.. قد يقول المدافعون إن للرجل نوابا ينوبون عنه في سد الفراغ، نقول لهم كلامكم صواب يشوبه النقص الكبير.
فأحد نوابه يشغل منصب كاتب عام لنقابة الجماعات المحلية، لا أثر له منذ أن أصبح عضوا بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وللإشارة فإن هذه التمثيلية لا يمنحها الأستاذ يتيم إلا لمن ينال رضاه من الطيعين الذين يبلون البلاء الحسن في «الراس الصغير». نائب آخر له يشغل كاتبا عاما لنقابتهم في التعليم، عضو بمجلس المستشارين. وكل الذين يعرفون قطاع التعليم يعرفون أن الرجل ليس بينه وبين النقابة إلا الخير والإحسان تنظيميا وتفاوضيا، فهو يعترف لمقربيه بأنه لا يرتاح في «الكومبلي والكرافاط»، لأنه ببساطة «ديال الجلابة» لكونه أستاذا للتربية الإسلامية، والنقابة فرضت عليه فرضا، ولولا فضل يتيم عليه بعد الاستيلاء على النقابة بجيش حركة التوحيد والإصلاح، لما كان الرجل كاتبا عاما وهو الذي جرب وصفة الترشيح لانتخابات اللجان الثنائية سنة 2003 ولم ينل تزكية على رأس اللائحة، فكيف بمن لم يقنع جهته أن يقنع باقي الجهات ويصبح كاتبا وطنيا؟
حديثنا عن نقابة العدالة والتنمية في التعليم بالتزامن مع تأسيس نقابة لنفس الحزب بالتعليم العالي، حديث ضروري لمن أراد أن يعتبر. لن نتكلم عن أسلوب السخرة الذي اكتسبت به هذه النقابة إشعاعها، حيث كان همها هو تمكين نساء ورجال التعليم من الوثائق الإدارية التي تتحمل الإدارة مسؤولية تبليغها للمعنيين. وما على الواحد منا إلا زيارة فضاء الاستقبال بمديرية الموارد البشرية لوزارة التربية الوطنية ليرى وفود هذه النقابة التي لا تنقطع كل الأسبوع. بل يوجد بين أعضاء المكتب الوطني الذي كان يأتي لهذه المصلحة باكرا دون فطور متأبطا «طيرموسات» القهوة والحليب الذي تزخر به منطقة الشاوية وأنواع من الحلويات وتقاسم الفطور مع الموظفين من باب الكرم «زعما».
وفي واقعة أخرى حينما تريد الوزارة ترويج خبر كانت تكلف به أحد الذين أفرغتهم داخل النقابة، خالد في مكاتبها و«مسطي على الفيسبوك» للترويج لأستاذه يتيم وزعيمه بنكيران. أسئلة كثيرة طرحها نساء ورجال التعليم حول تغيير إطار الرجل وترقيته، فيحسب للرجل أنه استبدل المقهى بمقر النقابة، حيث يمارس مسؤولياته النقابية طول اليوم في أحد مقاهي الرباط، بها يستقبل الملفات والتنسيقيات، وأحيانا على انفراد ومرات بحضور «الأخت» التي ما إن تتوصل بدعوة حضور اجتماعات الترقية حتى تذيع الخبر فرحا وتسابقا على كل المواقع التربوية بنشر نسخة من الدعوة.
لكن النشاط النقابي بالمقهى كان يتم كذلك بحضور الإخوان ومنهم نقابي «ثقيل» داخل النقابة، تخصص في ملفات الإعفاء من التدريس بشرط أن تكون مصابا بالصمم وتغيير الإطار من معلم إلى ملحق الاقتصاد والإدارة. الرجل ومن ثقل وزنه خصصت له الوزارة موظفا وضعته رهن إشارته في مركزه الذي يعنى بالبحث حول المدرسة، وإذا اطلعت على الملف القانوني لهذا المركز لحسبته حالة مدنية من فرط القرابات التي تجمع مؤسسيه. فزوجته متفرغة فيه، وزوجة صديقة المتفرغ هي أيضا متفرغة فيه، وهكذا تنتهي سلسلة العائلة السعيدة بالتفرغات النقابية ورهن الإشارة باسم النقابة طبعا.
وهنا نسأل ما السر في دعم الوزارة لهذه «المودة» الخاصة بمراكز البحث، وما السر في السخاء بتبديد الموارد البشرية التي تقول الوزارة إنها تحارب الشبح منها. ولا ندري ما هي الوصفة التي مكنت النقابي «الثقيل» من عدم استيفاء ست سنوات من العمل الفعلي حتى تفرغ نقابيا وأسس مركزا بموظف أجره من المال العام، لا يتجاوز مستواه الباكالوريا، ورغم ذلك فإن أصحابنا يصرون على أنه يبحث في المدرسة.
نتساءل هنا ، كذلك كيف يوفق النقابي «الثقيل» بين المسؤوليات النقابية والحزبية الوطنية والإقليمية والعضوية في المجلس البلدي، خصوصا وأن صاحبنا لفرط ثقافته مكلف باللجنة الثقافية، التي تكلف بها من طرف مستشاري حزب يذمه بنكيران ليل نهار، «فهم تسطا».
مظهر آخر من مظاهر التردي الأخلاقي وعدم التبني الصادق لشعار النقابة المشار إليه سابقا، هو استغلال التفرغ النقابي لقضاء الأغراض الخاصة. فمن أصحابنا من كان يدير مدرسة في قلب العاصمة وهو متفرغ، وقيادي آخر بعد أن استفاد من تفرغ هو وزوجته بالرباط، أيام الكاتب العام السابق للنقابة، قادمين من منطقة تعد من أصعب المناطق جغرافيا، فطن لنعمة التفرغ وقرر مؤخرا متابعة ماستر بفاس والولوج إلى سلك الدكتوراه. وهي الشهادة التي لإخوان يتيم صولات وجولات، وما الوزير الشوباني «مول رايبي» إلا غيض من فيض.
لكن قبل أن نحط بفاس العالمة لا بد أن نقف في مكناس وأن نسأل عن حال النقابة هناك. الأمر لا يشذ عن القاعدة العامة، القيادة شغلت بالحصول على الدكتوراه وأعمال أخرى تدر الخير العميم وانتهزت فرصة تولي العدالة والتنمية مسؤولية قطاع التعليم العالي لتحصل على منصب بكلية لم يكتب له الدوام. أما في فاس فلك أن تبحث عن النقابة داخل ملاعب كرة السلة التي يجود وقت التفرغ لممارستها وإتقان تحكيم مبارياتها. خيط واحد ناظم بين الحالات التي ذكرنا هو أن الواحد منهم حينما يكون معنيا هو أو زوجته بمطلب يعمل على تأسيس تنسيقية، والملفات الإدارية شاهدة على ما نقول.
السؤال الآن هل هذا هو النموذج الذي تريد تقديمه نقابة العدالة والتنمية بالتعليم العالي، علما أن هذا الحزب له نقابة خاصة بموظفي التعليم العالي كاتبها الوطني يعمل بجامعة بفاس ولا أثر لها في الساحة النقابية، والسؤال هل هي صدفة فقط أن تكون جامعة فاس، والتي اشتغل فيها الحسن الداودي لسنوات، هي التي تقود الانشقاق اليوم.
هل كان الداودي وهو يعقد صفقة مع التيار الاتحادي، ليمرر له خمس شراكات مع القطاع الخاص، هل كان فعلا لا يعلم بما كان إخوانه وزملاؤه في فاس ينوون القيام به؟
هل حقا كان لا يعلم بأمر الانشقاق كما روج لذلك؟
ما وقع في قطاع التعليم العالي يختصر كل الحكاية، حكاية مشهد سياسي ونقابي فيه من اللؤم و«التنوعير» والضرب تحت الحزام ما يجعلنا متأكدين من أن التعليم ضاع يوم ضاعت نخبته.
أُسدل الستار على مسرحية لا نعلم من هو مخرجها، نعلم فقط كيف وزعت الأدوار داخلها في مشاهد القبح بشتى أبعاده السياسية والنقابية، وتختزل حالة من البؤس الفكري الرهيب الذي أصبح يطبع نخبة كنا نعتقد إلى زمن غير بعيد بامتلاكها للوعي وللفكر، بل كنا نعدها منتجة لهما.
يتعلق الأمر بمسرحية تأسيس نقابة جديدة للتعليم العالي تابعة لحزب العدالة والتنمية، تحت مبررات الاستبداد والاستفراد والاستئساد التي يقول أصحاب النقابة الجديدة إن كيلهم طفح بها. حادث يضاف إلى حوادث الانشقاق التي عرفها المشهد النقابي بالمغرب لعقود طويلة، والتي لقطاعات التعليم النصيب الأوفر منها، ويكفي أن نقول إن عدد نقابات التعليم المدرسي وصل إلى ثلاث وخمسين نقابة، وفي الوقت الذي ظل فيه قطاع التعليم العالي، لأزيد من نصف قرن، محافظا على وحدته النقابية، فإن التاريخ سيسجل للحزب الحاكم قصب السبق في خلق الشرخ في هذا القطاع، إذ في الوقت الذي ينتظر فيه المغاربة من هذا الحزب الإسلامي جدا أن يكون مجمعا للشتات، ها هو يخلق التفرقة والانشقاق.
في تاريخ النقابة الوطنية للتعليم العالي تواجدت قوى سياسية اختلفت مع الاتحاد الاشتراكي وغيره جملة وتفصيلا، بل كان الخلاف يصل في بعض المواقع والمجالات إلى حد العنف المتبادل، ورغم ذلك لم تفكر ولم تتجرأ هذه القوى المتصارعة على تسوية اختلافاتها بتمزيق جسم النقابة وضرب الوحدة، السؤال هنا من أين لحركة التصحيح بهذه الجرأة الزائدة عن حدها؟ أليس الأمر يتجاوز التهور؟ هل اللحظة لتسوية الخلافات التنظيمية أم للتكتل والتوحد لمجابهة تحديات التعليم عموما والجامعة خصوصا؟ ألم يكن من الأولى تكثيف الجهود وتظافر الإمكانات التي يستقوي بها المنتسبون للعدالة والتنمية وتكريسها لإبداء الرأي ضمن القرارات الاستراتيجية التي ستهم التعليم العالي ضمن مراجعة قانونه المحال على المجلس الأعلى للتربية والتكوين؟ أم أنهم فوضوا الأمر لإخوانهم وأخواتهم المتواجدين بشتى الألوان داخل مجلس عزيمان في إطار توزيع الأدوار، رغم حالة الشرود التي يعيشها العديد من هؤلاء الإخوة والأخوات؟
ثم هل الحزب مخير في هذا الانشقاق أم هو مسير؟ ألا تملك أحزاب كالأصالة والمعاصرة والاشتراكي الموحد قاعدة في التعليم العالي، فلماذا لم تفكر في الانشقاق مع أن ما يفرقها عن حزب لشكر أكثر مما يجمعها؟
إن اللحظة السياسية التي اختار فيها «المصححون» إعلان تأسيس نقابة للتعليم العالي لا يمكن إطلاقا اعتبارها عادية. أولا باستحضار اقتراب موعد انتخاب اللجان الثنائية، فإن الأمر عند أصحابنا «المصححين» يجلي حال الهوس الذي يلبس «البيجيديين» بالمناصب وتقلد المسؤوليات، وإلا كان عليهم عدم القدوم أصلا للمؤتمر 10 للنقابة الوطنية للتعليم العالي، المنعقد في 2013، ما دام جدول أعماله لم ينص إطلاقا على المطلب الذي كانوا يزايدون به وهو ضرورة تغيير بنود القانون الاساسي. وكل الحاضرين في هذا المؤتمر شاهدوا بعيونهم هؤلاء «المصححين» يصوتون بالتصفيق على التقريرين الأدبي والمالي، لأنهم كانوا يستندون على ما وعدوا به في صفقة تخلى عنها رفاق لشكر في ما بعد.
فضمن الحديث عن الهوس بتقلد المناصب الذي يسكن «البيجيديين» يجدر هنا استعراض تجارب إخوان بنكيران في العمل النقابي، لنتبين نوعية «تناقابيت» التي يمارسها هؤلاء، ولنستنتج مستقبل هذه النقابة الجديدة، ولنعد في الذاكرة إلى زمن استيلائهم على نقابة الدكتور الخطيب بعد وفاته، بقرار من حركة التوحيد والإصلاح بعد القيام بنفس «الغزوة» في الحزب بالطبع.
ونعتبر تسليط الضوء على تجاربهم في هذا الشأن مفيدة جدا، تذكيرا للساهين وتنبيها للغافلين والمغفلين معا، فما قام به يتيم وعصبته أو عصابته، لا فرق، في حق شيخ في سن والده، هو الحاج المعطي وأتباعه، ينبغي أن يدرس في كبريات الجامعات، عن معنى الانتهازية والوصولية وانعدام الأخلاق، ونحن نعرف جيدا ما نقصده بانعدام الأخلاق، لأن ما قام به يتيم وأتباعه في حق هذا الرجل الذي كان يقود الجناح النقابي لنقابة الخطيب، مباشرة بعد وفاة هذا الأخير، لا يدعو للفخر، حيث تم المساس بأتباعه في رزق أولادهم وسمعتهم، بل وتم المساس بشرفهم. وسنقدم في ما بعد شهادات حية لبعض ضحايا يتيم في النقابة التي استولى عليها.
فهذا الزعيم النقابي الذي لا يشق له غبار، تفرض علينا حالته أن نتساءل كم مرة دخل مقر النقابة منذ أن اعتلى كرسي نائب رئيس مجلس النواب، ليباشر قضايا المأجورين والمظلومين من العمال المقهورين والاستماع إلى مطالبهم بتحسين أوضاعهم التي ازدادت تأزما بفعل إجراءات حكومة أخيه بنكيران؟
ألم يعد يتذكر أنه نقابي إلا حينما تعلن نقابات أخرى عن إضراب، ويطل علينا من حسابه الفيسبوكي مؤصلا لفتواه حول الأجر مقابل العمل وأن هذه الاضرابات سياسوية؟
ألم يعد يتذكر أنه مسؤول عن نقابة فقط عندما تصله أنباء أن أحد القطاعات التابعة لنقابته ضاقت من حال الجمود التي قررها بنكيران لكل هيئاته الحليفة؟ أين سي يتيم من شعار النقابة «الحقوق بالعدالة والواجبات بالأمانة»؟ أين هي الأمانة في تحمل المسؤوليات حين يراكم هو مناصب شتى وكل واحدة تقتضي تفرغا كليا وجهدا خارقا لإتقانها، فهو عضو بالمكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح وعضو الأمانة العامة للحزب ونائب برلماني على دائرة بالدار البيضاء بعد فقدانه لمصداقيته في بني ملال، ونائب رئيس مجلس النواب وعضو بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين.. قد يقول المدافعون إن للرجل نوابا ينوبون عنه في سد الفراغ، نقول لهم كلامكم صواب يشوبه النقص الكبير.
فأحد نوابه يشغل منصب كاتب عام لنقابة الجماعات المحلية، لا أثر له منذ أن أصبح عضوا بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وللإشارة فإن هذه التمثيلية لا يمنحها الأستاذ يتيم إلا لمن ينال رضاه من الطيعين الذين يبلون البلاء الحسن في «الراس الصغير». نائب آخر له يشغل كاتبا عاما لنقابتهم في التعليم، عضو بمجلس المستشارين. وكل الذين يعرفون قطاع التعليم يعرفون أن الرجل ليس بينه وبين النقابة إلا الخير والإحسان تنظيميا وتفاوضيا، فهو يعترف لمقربيه بأنه لا يرتاح في «الكومبلي والكرافاط»، لأنه ببساطة «ديال الجلابة» لكونه أستاذا للتربية الإسلامية، والنقابة فرضت عليه فرضا، ولولا فضل يتيم عليه بعد الاستيلاء على النقابة بجيش حركة التوحيد والإصلاح، لما كان الرجل كاتبا عاما وهو الذي جرب وصفة الترشيح لانتخابات اللجان الثنائية سنة 2003 ولم ينل تزكية على رأس اللائحة، فكيف بمن لم يقنع جهته أن يقنع باقي الجهات ويصبح كاتبا وطنيا؟
حديثنا عن نقابة العدالة والتنمية في التعليم بالتزامن مع تأسيس نقابة لنفس الحزب بالتعليم العالي، حديث ضروري لمن أراد أن يعتبر. لن نتكلم عن أسلوب السخرة الذي اكتسبت به هذه النقابة إشعاعها، حيث كان همها هو تمكين نساء ورجال التعليم من الوثائق الإدارية التي تتحمل الإدارة مسؤولية تبليغها للمعنيين. وما على الواحد منا إلا زيارة فضاء الاستقبال بمديرية الموارد البشرية لوزارة التربية الوطنية ليرى وفود هذه النقابة التي لا تنقطع كل الأسبوع. بل يوجد بين أعضاء المكتب الوطني الذي كان يأتي لهذه المصلحة باكرا دون فطور متأبطا «طيرموسات» القهوة والحليب الذي تزخر به منطقة الشاوية وأنواع من الحلويات وتقاسم الفطور مع الموظفين من باب الكرم «زعما».
وفي واقعة أخرى حينما تريد الوزارة ترويج خبر كانت تكلف به أحد الذين أفرغتهم داخل النقابة، خالد في مكاتبها و«مسطي على الفيسبوك» للترويج لأستاذه يتيم وزعيمه بنكيران. أسئلة كثيرة طرحها نساء ورجال التعليم حول تغيير إطار الرجل وترقيته، فيحسب للرجل أنه استبدل المقهى بمقر النقابة، حيث يمارس مسؤولياته النقابية طول اليوم في أحد مقاهي الرباط، بها يستقبل الملفات والتنسيقيات، وأحيانا على انفراد ومرات بحضور «الأخت» التي ما إن تتوصل بدعوة حضور اجتماعات الترقية حتى تذيع الخبر فرحا وتسابقا على كل المواقع التربوية بنشر نسخة من الدعوة.
لكن النشاط النقابي بالمقهى كان يتم كذلك بحضور الإخوان ومنهم نقابي «ثقيل» داخل النقابة، تخصص في ملفات الإعفاء من التدريس بشرط أن تكون مصابا بالصمم وتغيير الإطار من معلم إلى ملحق الاقتصاد والإدارة. الرجل ومن ثقل وزنه خصصت له الوزارة موظفا وضعته رهن إشارته في مركزه الذي يعنى بالبحث حول المدرسة، وإذا اطلعت على الملف القانوني لهذا المركز لحسبته حالة مدنية من فرط القرابات التي تجمع مؤسسيه. فزوجته متفرغة فيه، وزوجة صديقة المتفرغ هي أيضا متفرغة فيه، وهكذا تنتهي سلسلة العائلة السعيدة بالتفرغات النقابية ورهن الإشارة باسم النقابة طبعا.
وهنا نسأل ما السر في دعم الوزارة لهذه «المودة» الخاصة بمراكز البحث، وما السر في السخاء بتبديد الموارد البشرية التي تقول الوزارة إنها تحارب الشبح منها. ولا ندري ما هي الوصفة التي مكنت النقابي «الثقيل» من عدم استيفاء ست سنوات من العمل الفعلي حتى تفرغ نقابيا وأسس مركزا بموظف أجره من المال العام، لا يتجاوز مستواه الباكالوريا، ورغم ذلك فإن أصحابنا يصرون على أنه يبحث في المدرسة.
نتساءل هنا ، كذلك كيف يوفق النقابي «الثقيل» بين المسؤوليات النقابية والحزبية الوطنية والإقليمية والعضوية في المجلس البلدي، خصوصا وأن صاحبنا لفرط ثقافته مكلف باللجنة الثقافية، التي تكلف بها من طرف مستشاري حزب يذمه بنكيران ليل نهار، «فهم تسطا».
مظهر آخر من مظاهر التردي الأخلاقي وعدم التبني الصادق لشعار النقابة المشار إليه سابقا، هو استغلال التفرغ النقابي لقضاء الأغراض الخاصة. فمن أصحابنا من كان يدير مدرسة في قلب العاصمة وهو متفرغ، وقيادي آخر بعد أن استفاد من تفرغ هو وزوجته بالرباط، أيام الكاتب العام السابق للنقابة، قادمين من منطقة تعد من أصعب المناطق جغرافيا، فطن لنعمة التفرغ وقرر مؤخرا متابعة ماستر بفاس والولوج إلى سلك الدكتوراه. وهي الشهادة التي لإخوان يتيم صولات وجولات، وما الوزير الشوباني «مول رايبي» إلا غيض من فيض.
لكن قبل أن نحط بفاس العالمة لا بد أن نقف في مكناس وأن نسأل عن حال النقابة هناك. الأمر لا يشذ عن القاعدة العامة، القيادة شغلت بالحصول على الدكتوراه وأعمال أخرى تدر الخير العميم وانتهزت فرصة تولي العدالة والتنمية مسؤولية قطاع التعليم العالي لتحصل على منصب بكلية لم يكتب له الدوام. أما في فاس فلك أن تبحث عن النقابة داخل ملاعب كرة السلة التي يجود وقت التفرغ لممارستها وإتقان تحكيم مبارياتها. خيط واحد ناظم بين الحالات التي ذكرنا هو أن الواحد منهم حينما يكون معنيا هو أو زوجته بمطلب يعمل على تأسيس تنسيقية، والملفات الإدارية شاهدة على ما نقول.
السؤال الآن هل هذا هو النموذج الذي تريد تقديمه نقابة العدالة والتنمية بالتعليم العالي، علما أن هذا الحزب له نقابة خاصة بموظفي التعليم العالي كاتبها الوطني يعمل بجامعة بفاس ولا أثر لها في الساحة النقابية، والسؤال هل هي صدفة فقط أن تكون جامعة فاس، والتي اشتغل فيها الحسن الداودي لسنوات، هي التي تقود الانشقاق اليوم.
هل كان الداودي وهو يعقد صفقة مع التيار الاتحادي، ليمرر له خمس شراكات مع القطاع الخاص، هل كان فعلا لا يعلم بما كان إخوانه وزملاؤه في فاس ينوون القيام به؟
هل حقا كان لا يعلم بأمر الانشقاق كما روج لذلك؟
ما وقع في قطاع التعليم العالي يختصر كل الحكاية، حكاية مشهد سياسي ونقابي فيه من اللؤم و«التنوعير» والضرب تحت الحزام ما يجعلنا متأكدين من أن التعليم ضاع يوم ضاعت نخبته.