النقطة ليست معيارا للتوجيه

بقلم: نهاري امبارك

يعتبر التقييم التربوي أحد المكونات الأساسية لمنظومة التربية والتكوين، حيث بناء على وسائل وطرق في ظروف ما ولأغراض ما، تنتج عن عملية التقييم التربوي نقطة، يطول الحديث حولها ويتشعب، وتحيط بها أحكام وآراء مختلفة، فيقال حصل عليها التلميذ، ويقال منحت إليه.  وتعتمد النقطة في اتخاذ قرار الانتقال إلى مستوى دراسي موال، فيقال مكنت هذه النقطة التلميذ من النجاح، ويقال تم إنجاحه بغض النظر عما تعكسه. كما تعتمد النقطة لاتخاذ قرار توجيه تلميذ إلى تخصص دراسي أو مهني، لعدة اعتبارات، في ظل عدم توفر وسائل تدعمها. ويقال لتجاوز أي خلاف، تلبى رغبة  التلميذ، يضاف إليها رغبة أولياء أمره، لكن يتساءل المختصون، ما هي الرغبة؟ وهل الرغبة كافية لمنح تلميذ تخصصا دراسيا يرغب فيه وأولياء أمره؟ وهل كل ما يرغب فيه المرء يتحقق؟ وبالتركيز على الموضوع المطروح، هل النقطة تعتبر معيارا لتخويل التلميذ رغبته؟
وحيث الرغبة تبقى ميلا عفويا لا يتم تأكيده إلا إذا توفرت سمات محددة في التلميذ تتطابق وعوامل التخصص المرغوب فيه، ويتم نفيه في حالة عكس ذلك، وحيث النقطة مقدار مجرد، يتم الحصول عليها في ظروف ما، ألا تفرض وسائل قياس نفسها لدعم قرارات التوجيه المتخذة؟
ولطالما لم يتم ملامسة علمية وقياس موضوعي لرغبات التلميذ نحو تخصص دراسي أو مهني، فإن تخويله هذا التخصص يبقى مجازفة وتجاوزا قد يؤتي نتائج سلبية، حيث يتردد دوما أن الرغبة يجب أن تقرن بالتعبير الفعلي والتجاوب العملي مع المرغوب فيه تفاعلا وتعايشا وإنجازا.
وحيث شخصية الفرد السوي كل لا يتجزأ، فإن مختلف مناحيها تنسجم وتتكامل، ولا يمكن الفصل بين ما هو جسمي، عن ما هو عقلي، عن ما هو مزاجي، عن ما هو أخلاقي وعن ما هو بيئي، وعليه لا يمكن فصل ما هو معرفي عن ما هو نفسي وعاطفي وما هو حس-حركي، وكل فصل يعتبر اختزالا لشخص الفرد وتعسفا على وحدة شخصه، يؤدي إلى إلغاء سبل التعرف على جميع سماته على اختلاف أنواعها ومجالاتها، فينتج عنه عدم معرفة قدراته وخصوصياته الشخصية، ما يؤدي إلى قرارات مبتورة.
من هذه المنطلقات، فالنقطة قد تحدد القدرات المعرفية لدى التلميذ، ارتباطا بالمجال المعرفي، لكن المجالات الأخرى المتدخلة في تشكيل شخصية الفرد تبقى مجهولة، وعليه لا يمكن الحسم في توجيه تلميذ بناء على نقطة، كمقدار مجرد، حصل عليها في اختبارات معرفية، وفي ظروف ما.
وما يعزز قصور النقطة على اتخاذ قرارات التوجيه، مجموعة اختلالات جلية ومعيشة، تشوب مختلف العمليات التربوية وتتجلى في ما يلي:
•    بالنظر إلى واقع الامتحانات، فالتلاميذ يستعملون مختلف وسائل الغش للحصول على نقطة النجاح، أما وأن تعتمد هذه النقطة في قرارات التوجيه إلى تخصص ما، فإن هذه الوسائل تزيد تطورا وظاهرة الغش تزيد استفحالا؛
•    وبالنظر إلى ظاهرة العنف خلال الامتحانات، فإن الممتحنين لا يتوانون في الالتجاء، أكثر، إلى التهجم والتهديد واستعراض العضلات للنيل من المراقبين، من أجل رفع نقطتهم بطرق واهية؛
•    وبالنظر إلى عنصر التقصير في مهام المراقبة، كان كرها أو قصدا،  فإن الممتحنين يستغلون هذا الخلل في الغش للحصول على نقطة تؤهلهم لتخصص ما.
 كما أن اختلالات تطال توحيد العملية التربوية، وتؤدي حتما إلى المساس بمبدأ تكافؤ الفرص، تتجلى في:
•    الفوارق الشاسعة بين واقعي المدرستين العمومية والخصوصية وعلى جميع الأصعدة؛
•    الفوارق الشاسعة بين أعداد تلاميذ نفس المستوى الدراسي، ما يجعل العملية التربوية يسيرة أو عسيرة، حيث كلما كان عدد تلاميذ القسم قليلا، كانت العملية التربوية ميسرة وكان التحصيل متاحا؛
•    الفوارق الشاسعة بين المرافق والفضاءات التربوية والتجهيزات والوسائل التعليمية والمختبرات والمحارف بمختلف المؤسسات التعليمية.
وعليه، هذه الفوارق الناتجة عم مجموعة من العوامل والاختلالات قد تؤثر حتما في النقط المحصل عليها، فتطبعها نواقص على جميع المستويات، ما يفقدها المصداقية والموثوقية، وبالتالي لا تقيم القدرات المعرفية الحقيقية للتلميذ، ما ينتج عنه إخلال بمبدأ تكافؤ الفرص.
وهكذا، وبناء على ما أسلف، فإنه من الضروري، لتخويل التلاميذ تخصصات مطابقة لخصوصياتهم الشخصية، اعتماد وسائل قياس موازية لقياس الجوانب المعرفية، حتى يساير التلاميذ دراستهم أو تكوينهم بنجاح ودون تعثر الذي ينجم عنه هدر لطاقات مادية وبشرية.
بقلم: نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس.
تربية بريس
تربية بريس
تعليقات