طريق العلم .. فرصة الفتاة القروية لتحقيق حياة أفضل والمساهمة في مسار التنمية

تربية بريس - و.م.ع

نحو إحدى الإعداديات التأهيلية بمنطقة سيدي يحيى زعير، تتجه زهرة يوميا عبر الطريق غير المعبدة، منتبهة للسيارات المسرعة، رفقة زميلات لها يشاركنها طريق المدرسة، هدفهن الأساس تحقيق التحصيل العلمي الذي يمكنهن من متابعة الدراسة الثانوية ومن ثم ولوج إحدى مؤسسات التعليم العالي.

زهرة، البالغة من العمر 14 سنة، تتابع دراستها بالقسم الإعدادي الأول، إلى جانب زميلات لها يسلكن الطريق ذاته يوميا على الأقدام، إلا في حال توقف إحدى السيارات أو الحافلات لتمكينهن من بلوغ المؤسسة التعليمية في أقرب وقت.

وتضيف الفتاة، وهي واسطة العقد ضمن أسرة تضم خمسة أطفال، تخلى أكبرهم عن متابعة الدراسة لامتهان إحدى الحرف، "أرغب في متابعة دراستي لأتمكن من تحقيق طموحي في الحصول على وظيفة، فالمستوى الدراسي مهم جدا لتحقيق ما أريده في الحياة"، تقول زهرة وهي ترافق زميلاتها إلى خارج المؤسسة التعليمية بعد انقضاء يوم الدراسة، لتشق طريقها عبر الحقول نحو منزل الأسرة. أربعون دقيقة تمضي قبل بلوغ المنزل، ومثيلتها في الصباح ذهابا نحو المدرسة، غير أن رغبتها في الاستفادة من فرصة التمدرس وعزيمتها لتحقيق مبتغاها تدفعها للمضي قدما.

في هذا السياق، يذكر السيد عبد الحق الحياني، مدير الاستراتيجية والإحصاء والتخطيط بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، بالمجهود الهام والنتائج التي تم تحقيقها خلال السنوات الدراسية الأخيرة، فالأرقام المسجلة تبين مستوى الإنجازات المحققة خصوصا على المستوى الكمي سواء بالوسط الحضري أو بالوسط القروي، مسجلا، في الوقت نفسه، أن نسب التمدرس المسجلة بالبوادي، وخصوصا في صفوف الإناث، لا تزال لم ترق إلى بلوغ الأهداف والمستويات التي يطمح إليها المغرب، وذلك على الرغم من كون الميثاق الوطني للتربية والتكوين ركز على مبدأ تعميم التعليم وإلزاميته في صفوف جميع الأطفال البالغ سنهم بين 6 و15 سنة.

ويوضح السيد الحياني، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن نسب التمدرس في صفوف الفتيات بالعالم القروي خلال الموسم الدراسي 2013-2014، بلغت بالنسبة للفئة العمرية من 6 إلى 11 سنة نسبة 100 بالمائة، و61,5 بالمائة بالنسبة للفئة العمرية من 12 إلى 14 سنة، فيما تبقى الوضعية جد مقلقة بالنسبة للفئة العمرية من 15 إلى 17 سنة حيث بلغت فقط 21,9 بالمائة.

على خلاف نسبة كبيرة من الفتيات المتمدرسات بالعالم القروي، تحظى زهرة بفرصة العيش في وسط شبه قروي، وهي الفرصة التي تفتقدها العديد من الفتيات اللائي يعشن في وسط قروي صرف، إذ تضطر العديدات منهن، وعند الانتقال من السلك الابتدائي إلى الإعدادي، إلى التخلي عن حقيبة المدرسة واستبدالها بحزمة حطب تقي أسرتها برد الشتاء، أو قنينات الماء الصالح للشرب التي تجلبها من إحدى نقط الماء المجاورة.

على امتداد الطريق غير المعبدة نحو الدوار، تسابق الفتيات الخطو لبلوغ المؤسسة التعليمية قبل إغلاق بوابتها. تقول زهرة وهي تحمل مقررا مدرسيا تراجع بعض دروسه "نجد بعض الصعوبة في الوصول يوميا في الوقت المناسب، خاصة في فترة تهاطل الأمطار، إذ يكون من الصعب المرور ببعض المسالك الموحلة، وبالتالي نضطر للبحث عن وسيلة نقل تمكننا من الوصول بسرعة".

يعتبر المسؤول بوزارة التربية الوطنية أن وضعية تمدرس الفتيات ما تزال تعرف العديد من المشاكل والصعوبات خصوصا بالمناطق النائية والوسط القروي، وهو ما أكدته العديد من الدراسات والتقييمات المنجزة حول المنظومة التعليمية، سواء من طرف المصالح الداخلية للوزارة أو من طرف جهات خارجية وطنية أو دولية، مرجعا أهم الأسباب إلى ظاهرة الفقر التي تتفاقم حدتها بالوسط القروي، ما يحول في غالب الأحيان دون ولوج الفتاة القروية إلى المدرسة، وانتشار الأمية فضلا عن الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تتعرض لها الفتيات والأسر، وما ينتج عن ذلك من انتشار لظاهرة الانقطاع عن الدراسة، إلى جانب مستوى التعلمات، حيث يمكن الوقوف في هذا الإطار عند ظاهرة التكرار وتأثيرها السلبي على نفسية التلاميذ وخصوصا التلميذات، فضلا عن بعد المدرسة عن الدواوير وغياب وسائل التنقل مع ما يترتب عن ذلك من عدم توفر للمسالك الطرقية ونقص في التزود بالماء والكهرباء بالمؤسسات التعليمية وغياب للمرافق الصحية التي تعتبر من المسائل الضرورية للفتاة بالنظر إلى طبيعتها الفيزيولوجية، بالإضافة إلى قسوة الظروف الطبيعية في بعض المناطق.

وبغية تحسين نسب تمدرس الفتاة بالعالم القروي ومحاربة الهدر المدرسي، يؤكد السيد الحياني أن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني تبذل جهودا كثيفة من أجل تشجيع تمدرس الفتاة والاحتفاظ بها في المنظومة التربوية خصوصا، وذلك عبر اتخاذ عدة تدابير منها العمل على تغطية الوسط القروي والوسط شبه الحضري بالمؤسسات التعليمية وتأهيلها لتستجيب لخصوصيات الإناث، حيث وصل العدد الإجمالي للمؤسسات التعليمية في الموسم الدراسي الحالي 10667 مؤسسة (54 بالمائة منها في العالم القروي)، كما يتم تحسين مستوى الخدمات الصحية حيث تعمل الوزارة سنويا، في إطار تأهيل المؤسسات التعليمية، على ربط هذه الأخيرة بشبكتي الكهرباء والماء الصالح للشرب وإحداث المرافق الصحية والعناية بالنظافة، كما تعمل على توفير النقل المدرسي (89 ألف و216 مستفيد منهم 45 بالمائة من الإناث) والداخليات (712 وحدة) ودور الطالبة للإيواء وإحداث المدارس الجماعاتية (93 وحدة على المستوى الوطني) والدعم المادي للأسر الفقيرة في إطار برنامج "تيسير" (812 ألف مستفيد ومستفيدة) ومبادرة "مليون محفظة"(ثلاثة ملايين و914 ألف و949 مستفيد، منهم 46 بالمائة من الإناث).
تربية بريس
تربية بريس
تعليقات