اللقاءات التشاورية حول المدرسة المغربية 2014

بقلم الأستاذ : هشام فتال
 
     لقد جاءت اللقاءات التشاورية حول المدرسة المغربية بهدف تحديد تشخيص دقيق لواقع التعليم ببلادنا، من الإيجابيات إلى السلبيات، ومن النجاحات إلى الإخفاقات، ومن نقاط القوة إلى نقاط الضعف، مع تقديم اقتراحات عملية لتجاوز ثغرات المنظومة التعليمية المغربية.
    وبالفعل، فقد تم إصدار تقرير حول أهم الخلاصات التي توصلت إليها مختلف اللقاءات التشاورية، والتي بحق تعد مهمة إذ أنها وقفت على الداء بدقة ووصفت له الدواء المناسب، إلا أن التساؤل المطروح هو حول مدى جدية الوزارة في العمل على الاستفادة منها وأخذها أرضية واقعية للإصلاح، لا أن تبقى حبرا على ورق كما تعودنا على ذلك في السابق.
    لقد جالت اللقاءات التشاورية حول المدرسة المغربية في مختلف المحاور الأساسية التي تشكل هيكل وأساس المنظومة التعليمية، انطلاقا من السياسة التعليمية، ومرورا بكل من وظيفة المدرسة المغربية، المنهاج، منظومة التقويم والامتحانات، الحياة المدرسية، الإعلام والتوجيه، التكوين المهني، التعليم الأولي، العرض المدرسي، الدعم الاجتماعي، التعليم الخصوصي، التربية غير النظامية، المسار المهني وتدبير الموارد البشرية، التكوين الأساسي والمستمر، انتهاء بمحور حكامة منظومة التربية والتكوين.
    فبالنسبة لمحور الانطلاق المتعلق بالسياسة التعليمية ببلادنا، فقد أكدت كل الأراء على التخبط الكبير الذي عرفته هذه السياسة منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا، خاصة القصور الكبير وعدم وضوح الغايات الكبرى والمبادئ الموجهة للتربية والتكوين، وغياب رؤية واضحة للمشروع التربوي المنشود وتذبذب في الاختيارات الكبرى، وقد جاءت اقتراحات الإصلاح متمحورة بالأساس حول ضرورة إبعاد المدرسة المغربية عن المزايدات السياسية والنقابية، مع تحديد تصور عام وأهداف كبرى للإصلاح على المدى القريب والبعيد، مع وضع سياسة تربوية واضحة المعالم باعتماد المرجعيات الأساسية المتمثلة في مبادئ وقيم التراث الإسلامي ودستور 2011 والخطب الملكية ثم الميثاق الوطني للتربية والتكوين.
    وبتناول محور المنهاج بالفحص والتدقيق، تم تسجيل التعثر الحاصل والنتائج غير المرضية بالنسبة للبرامج والكتب المدرسية والتي تطغى عليها النظرة الكمية والربحية الاقتصادية على حساب الجودة والفعالية، وتركيز المضامين على المعارف دون الاهتمام بالكفايات واستراتيجيات التعلم وحاجيات المتعلم المعرفية والنفسية والحسحركية، وعدم ارتباطها بالحياة اليومية وغياب وطيفيتها، لذا جاءت اقتراحات الإصلاح متمحورة حول مراجعة المنهاج والبرامج وملاءمتها لمتطلبات المحيط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمتعلم وللمؤسسات التعليمية، مع التركيز على الكفايات الأساس والكفايات المستعرضة، مع تقليص عدد المواد والكتب دون إهمال المناهج الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة وإدماج الموارد الرقمية والمعلوماتية بالمنهاج، إضافة إلى ضرورة تجاوز التخبط والتسرع في تنزيل واستعمال المقاربات البيداغوجية المعتمدة في المنظومة التعليمية، وذلك بالعمل على توحيدها واختيار الأنسب منها انطلاقا من دراسات ميدانية مع الاستفادة ما أمكن من التجارب الناجحة والرائدة على الصعيد الدولي شريطة مناسبتها لواقع وحال وسياق ومقومات منظومتنا التعليمية، وجعلها متسلسلة ومتناسقة وضامنة للتكامل بين المستويات الثلاثة (الإبتدائي، التأهيلي الإعدادي والتأهيلي الثانوي).
    كما شكل محور الحياة المدرسية واحدا من بين أهم المحاور المتناولة بالفحص والتدقيق والتشاور، حيث شكلت نقاط تدبير الزمن المدرسي والإيقاعات المدرسية والعطل المدرسية والعنف والصحة المدرسيتين أهم ما تم تسليط الضوء عليه، حيث تم تسجيل غياب الانطلاق من احتياجات الأطفال الاجتماعية والصحية والنفسية في تدبير الزمن المدرسي والعطل المدرسية، ومدى ثقل عدد ساعات التعلم والتعليم على كل من المدرس والمتعلم وعدم مراعاة خصوصيات الوسط المدرسي والجغرافي والمناخي في تدبير الزمن المدرسي، مما دفع بالأغلبية المتشاورة إلى إصدار توصيات تحث على ضرورة اعتماد المعايير السابقة الذكر المغيبة في هندسة الإيقاعات المدرسية، مع ضرورة تقليص كل من الغلاف الزمني المدرسي خصوصا بالإبتدائي من ثلاثين ساعة إلى أربع وعشرين ساعة أسبوعيا، وعدد أيام الدراسة إلى خمسة أيام في الأسبوع مع جعل يومي السبت والأحد عطلة أسبوعية، مع اقتراح العودة إلى نظام ثلاث دورات عوض دورتين المعمول بهما حاليا، وتحديد جدول العطل السنوية بتجاوز التجزيء الكبير للسنة الدراسية، وذلك باعتماد عطلتين من خمسة عشر يوما إضافة إلى الأعياد الدينية والوطنية مع تخصيص الأعياد الدينية بالمدد الكافية.
    كما ثمنت اللقاءات التشاورية إدماج قطاعي التربية الوطنية والتكوين المهني في قطاع واحد، لتلازمهما وتكاملهما وما يمكنه أن يفرز من نتائج حميدة على القطاعات الاقتصادية ببلادنا وتوفير لمناصب للشغل، إضافة إلى تركيزها على ضرورة توسيع وتجويد العرض المدرسي و وتوفير مستلزماته للوصول إلى الأهداف المرجوة.
    كما لم يتم إغفال التطرق لمحور الموارد البشرية من المشاورات لما له من أهمية أساسية في الإصلاح، وذلك بالدعوة إلى تدعيم وتحسين وضعية العاملين بالقطاع ماديا واجتماعيا من خلال إعطاء أهمية كبرى للتكوين الأساس والتكوين المستمر وتجويدهما، مع إعادة الاعتبار لنساء ورجال التعليم من خلال تحسين ظروف العمل والرفع من الأجور وتحسين الخدمات الاجتماعية، وتحفيزهم من خلال إحداث درجة جديدة وتعويضات عن المناطق القروية، وإعادة النظر في شروط وآليات الترقي وإصلاح الحركات الانتقالية التعليمية، إضافة إلى إصدار نظام أساسي جديد يتوافق ومعطيات المرحلة الحالية، ويحفظ حقوق وحوافز العاملين بالقطاع.
    كانت هذه أهم المحاور والنتائج التي تم التطرق إليها خلال مشاورات إصلاح المدرسة المغربية، والتي تميزت بالدقة والتصويب لأهم مواصفات القطاع السلبية مع إعطاء توصيات قيمة في المجال آملين أن تأخذ على محمل من الجد من طرف الوزارة الوصية بهدف النهوض والدفع بالقطاع نحو المنظور المأمول والمنتظر من قطاع لطالما عانى ويعاني من التخبط وتقهقر جودته ونتائجه.
- المرجع : التقرير الوطني حول خلاصات اللقاءات التشاورية حول المدرسة المغربية 2014.


بقلم الأستاذ : هشام فتال
باحث ومهتم بالقضايا التربوية.
Hicham_jorf@hotmail.com
تربية بريس
تربية بريس
تعليقات