اللغة الإنجليزية و آفاق البحث العلمي بالمغرب

لا يختلف المهتمون بشؤون البحث العلمي والعمل الأكاديمي حول أهمية استعمال اللغة الإنجليزية في التواصل مع العالم ونشر نتائج البحث العلمي في المجلات العلمية الدولية. وقد أصبح السياسيون كذلك واعين بهذه الأهمية لكن يبقى هذا الوعي لحد الآن متجسدا في خطابات ولم ينتقل بعد إلى التطبيق الفعلي والمؤسساتي. فأغلب المبادرات التي تعرفها الجامعات بشأن هذا الموضوع هي مبادرات شخصية من بعض المسئولين الذين أدركوا أهمية الموضوع، ولا تخضع لأي تخطيط منهجي وهادف يمر عبر مؤسسات وله ما يدعمه من حيث التمويل والتجهيز.
لكن هل فعلا تعتبر اللغة الإنجليزية لغة العلم والتواصل والنشر الأكاديمي؟  حسب بعض الإحصائيات المنشورة أخيرا فإن ثلثي الأبحاث التي كانت تنشر في المجلات العلمية المتخصصة إلى حدود الثمانينيات نُشرت باللغة الانجليزية، وقد عرف هذا الرقم ارتفاعا ملحوظا منذ التسعينيات حيث بلغ 85 في المائة. كما أن أغلب الدوريات العلمية تحولت إلى هذه اللغة مابين 1975 و 2000. هذا بالإضافة إلى أن أهم قواعد البيانات المرجعية مثل سكوبسScopus وشبكة العلم Web of Science- والباحث العلمي لغوغل Google Scholar والتي تساعد الباحثين على التعريف بأبحاثهم ونشرها على أوسع نطاق لا تقبل إلا نادرا منشورات بغير اللغة الإنجليزية. وبذلك أصبحت هذه اللغة شرطا من شروط التضمين في قواعد البيانات المرجعية وأصبح هذا التضمين دليلا على احترافية وجودة المجلة أو الدورية العلمية. وتُستعمل للتدليل على ذلك مؤشرات أهمها «عامل التأثير»Impact Factor الذي يقيّم المجلات والدوريات على أساس تواتر الاقتباس، أي أن المجلات التي يكثُر اقتباس المقالات التي تنشر بها هي المجلات الأهم. من هنا يتبين أن نشر أي بحث علمي في شكل مقال مكتوب باللغة الإنجليزية في مجلات متضمنة في قواعد البيانات المرجعية المذكورة آنفا والتي لها عامل تأثير عال هو الذي يضمن للباحث وللجامعة المكانة العالمية والتقويم الأفضل للمجهودات المبذولة في مجال البحث العلمي، وفرص التمويل والتعاون الدولي.
أما بالنسبة للتواصل باللغة الإنجليزية عبر العالم، فيكفي التذكير بأن عدد المتكلمين المحليين باللغة الإنجليزية لا يتعدى 280 مليون، في حين أن عدد المتكلمين بهذه اللغة من غير المحليين يفوق 1600 مليون. ما تؤشر عليه هذه الأرقام هو الانتشار الواسع للغة الإنجليزية كلغة للتواصل في العالم وكلغة تفتح أمام متكلمها أفاقا إيجابية في التعبير عن الذات والثقافة.
أدركَت كل دول العالم هذا التغير الذي حدث في العالم منذ ثمانينيات القرن الماضي وسَعَت إلى تشجيع البحث والنشر باللغة الإنجليزية، ولم تعد الولايات المتحدة وأوربا واليابان هي المسيطرة على إنتاج الصحف والمجلات العلمية، بل حققت دول أخرى نموا مدهشا في هذا المجال من بينها الصين، حيث تحولت العديد من المجلات العلمية كليا للإنجليزية، والهند والبرازيل وأوربا الشرقية وشمال إفريقيا وإيران وتركيا وكوريا الجنوبية. وقد واكب هذا التحول ارتفاعا في الإنفاق على البحث العلمي حيث مَثّل إنفاق الصين على البحث العلمي 13 في المائة من مجموع ما أنفقه العالم سنة 2009، والهند 2.5 في المائة والبرازيل 2 في المائة. وهذا يعني بمقارنة مع أرقام سابقة أن الإنفاق على البحث العلمي ارتفع بـ 76 في المائة في الصين و 34 في المائة في الهند و 74 في المائة في البرازيل.
يهدف سرد هذه الحقائق والأرقام إلى تقديم صورة واقعية عن الاستعمال الفعلي للغة الإنجليزية كلغة للبحث العلمي والنشر الأكاديمي ومساءلة واقع البحث العلمي في المغرب الذي، رغم بعض الإنجازات التي حققها بعض الباحثين المغاربة الذين فاقت مقالاتهم المنشورة في مجلات علمية متخصصة المائة مقال [مثال: حموتي بلخير من كلية العلوم بوجدة]، مازال لم يرْق إلى مستوى الخطاب السياسي العام المتعلق بهذا الموضوع. فالمغرب مازال متأخرا بالمقارنة مثلا مع مصر وتونس، حتى لا نقارن أنفسنا بالصين أو الهند. فمجموع ما يُنتَج في المغرب سنويا من مقالات متخصصة، حسب الإحصائيات التي تقدمها سكوبس، لم تتعد 1568 في 2007 مثلا، في حين أن في تونس الذي لا يتجاوز عدد سكانه 10 ملايين نشر الباحثون 2733 مقالا في السنة نفسها.
في الوقت الذي يتم التأكيد فيه على أهمية اللغة الإنجليزية والبحث العلمي وضرورة تطوير هذا الأخير ودعم هذا التوجه على الأقل سياسيا من طرف وزير التعليم العالي، نجد واقع الحال يعاكس هذا التوجه السياسي ونلاحظ سنة بعد أخرى تناقص الميزانية المخصصة للجامعات وغياب أي سياسة لغوية خاصة بتدريس اللغة الإنجليزية بالجامعة كلغة داعمة لمجهودات البحث العلمي التي يقوم بها الأساتذة الباحثون رغم قلة الإمكانيات المتوفرة. فالإنفاق على البحث العلمي يمثل أقل من 1 في المائة من الميزانية العامة للدولة بالمغرب وهذا يؤثر على تجهيز المختبرات وتوفير وسائل البحث. كما أن تدريس اللغة الإنجليزية ينحصر في مستوى الماستر والدكتوراه بكليات العلوم، الأمر الذي يشوش على الطالب الباحث خصوصا أن مستوى اللغة الإنجليزية جد متدني عند البعض نظرا للفارق الزمني بين الدراسة الثانوية والتعليم العالي في مراحله الأخيرة. كما أن غياب مختبرات اللغة بكليات العلوم والإمكانات والوسائل الأخرى المساعدة[ الوسائطية] تحُدّ من فعالية المجهودات المبذولة.
في الوقت الذي نسجل فيه هذه الصعوبات في الجامعة العمومية نشهد بالمقابل تطورا ملحوظا للتعليم الجامعي الخاص والذي لا شك أنه واع بأهمية اللغة الإنجليزية ويقوم بتدريسها بجميع المستويات. هذا التفاوت الاجتماعي على مستوى الفرص المقدمة للمغاربة تعيد إنتاج التراتبية الاجتماعية القائمة، حيث النخبة التي تتوفر على رأسمال اقتصادي واجتماعي هي الأكثر حظا لتعليم أبنائها في أحسن الجامعات وتوفير كل وسائل التحصيل العلمي الجيد لهم، في حين يتم توجيه معظم أبناء الطبقة المتوسطة[التي تتحدر تدريجيا نحو الفقر] والطبقة الفقيرة للتعليم العمومي بمشاكله المزمنة والمتعددة في جامعات خاضعة لتقلبات السياسة والميزانية والمزاج.

محمد مفضل
باحث تربوي
تربية بريس
تربية بريس
تعليقات