حفار: لن يكتب لمنظومتنا الإصلاح الفعلي إلا بموار دبشرية منخرطة بحس وطني

يتحدث أحمد حفار، النائب الإقليمي لوزارة التربية الوطنية بالخميسات في هذا الحوار عن تصوره للإصلاح التربوي بالنظر لمشواره المهني كمدرس، قبل ولوج مركز التوجيه والتخطيط التربوي. وبالنظر لما أنجزه من بحوث تناولت قضايا في صلب المجال التربوي. حينما اشتغل بالمصالح المركزية لوزارة التربية الوطنية منذ سنة 1995، وبمديرية التقويم وتنظيم الحياة المدرسية والتكوينات المشتركة بين الأكاديميات، وبالمفتشية العامة للشؤون الإدارية والمالية، قبل أن يتم تعيينه نائبا لوزارة التربية الوطنية في أبريل 2010 بسيدي قاسم.

حاوره-  بنعيادة الحسن

- بعد نهاية مشوار عملكم  بمصالح الوزارة تم تعيينكم بسيدي قاسم  ثم بعد ذلك إقليم الخميسات أريد منكم تقريبنا من التجربتين أوجه الاختلاف، التطابق، الإكراهات...؟
     تجربتي بإقليم سيدي قاسم مختلفة نسبيا عن تلك التي أعيشها حاليا بإقليم الخميسات لسببين اثنين على الأقل. فمن جهة هناك خصوصيات من الناحية السياسية والتركيبة الاجتماعية والتنوع الثقافي لكل إقليم، وهذه عناصر مؤثرة بشكل كبير على أداء وتعامل كل مسؤول مع الفرقاء والمتدخلين في المنظومة التربوية، ومن جهة ثانية، راكمت مهارات على مستوى تناول القضايا والمشاكل التي تواجهني لتدبير الشأن التربوي بالإقليم. فخلافا لإقليم سيدي قاسم، يلاحظ أن النخب السياسية والمجتمع المدني بإقليم الخميسات مهتمون نسبيا أكثر بالشأن التربوي، ويتجلى ذلك من خلال مساهمة وانخراط العديد من المجالس المنتخبة في تطوير وارتقاء المنظومة التربوية، وكذا وجود عدد مهم من الجمعيات المهتمة بمجال التربية غير النظامية ومحاربة الأمية وتنشيط الحياة المدرسية بالمؤسسات التعليمية. اهتمام محفز ومشجع لكنه يتطلب جهدا كبيرا لتفادي بعض الأخطاء والسقوط في فخ المزايدات السياسية والانتخابوية أحيانا، لكوني حريص من موقع المسؤولية على أن أكون محايدا وملكا للجميع دون تمييز، وبما يروم تطوير المنظومة التربوية والارتقاء بها.
مقابل ذلك اعترضتني بإقليم الخميسات صعوبات عدة، من قبيل تأخر إنجاز بعض مشاريع البناءات المدرسية أو استكمال التجهيزات الأساسية، أو إعطاء انطلاقة بعض مشاريع البناءات المدرسية بسبب مشكل الوعاء العقاري. جزء مهم من هذه المشاكل تم التغلب عليه تطلب من النيابة وقتا ومجهودا كبيرين. مشاكل وصعوبات قلما اعترضتني بإقليم سيدي قاسم كانت توجد لها الحلول بتضافر جهود كل المتدخلين وفي وقت قياسي. صعوبات وإكراهات سبق للوزارة أن أشعرتني بها خلال تعييني بإقليم الخميسات كي أعمل على تجاوزها، لكن للأسف كانت هذه الصعوبات أكبر حجما مما كنت أتصوره. إذ أن المجهودات التي بذلتها على مستوى إقليم سيدي قاسم لمدة ثلاث سنوات كانت أقل بكثير من تلك التي بذلتها على مستوى نيابة الخميسات خلال سنة واحدة.
- عرفت بداية تدبيركم للقطاع بالإقليم بعض التشنجات مع بعض الفرقاء الاجتماعيين، نريد من خلالكم تقريب الرأي العام من أسباب وحيثيات هذه التوترات، وكيف تم التعامل معها لتحقيق التواصل الإيجابي والهادئ الحاصل الآن؟
  كعادة كل مسؤول عند تحمله المسؤولية، وحتى يتمكن من الإلمام بكل القضايا والإشكالات المطروحة، عليه الانفتاح والتواصل مع كل المتدخلين في الحقل الذي يشتغل فيه. لذلك قمت منذ تعييني أواخر شهر مارس من سنة 2013 على استقبال كل المكاتب النقابية كل واحدة على حدة، وكانت لي معهم جلسات مطولة سادتها روح التجاوب والتفاعل والثقة في المستقبل. وكان أملي أن نجتمع قبل نهاية الموسم الدراسي لتلك السنة بشكل جماعي للاتفاق على منهجية الاشتغال وجدولة لقاءات لتحديد موضوعات اللقاءات القادمة. غير أن صعوبة داخلية اعترضتني، كانوا على علم بها، تطلبت مني جهدا كبيرا لمعالجتها. مباشرة تلتها الامتحانات الإشهادية لنهاية السنة الدراسية التي حالت دون تمكني من عقد هذا اللقاء. لأفاجأ بداية السنة الدراسية بمؤاخذتهم لي كوني أغلق باب الحوار وغير متواصل، علما أنني دعوتهم لاجتماع لتقاسم معطيات إجراء الحركة الإقليمية، قاطعوه بقرار وطني من مركزياتهم. إلى حدود ذلك يبقى الأمر، في نظري، عاديا ومقبولا لكون كل بداية يعمل كل طرف فيها على جس النبض وإيجاد موقعه داخل الجدال. وهو ما جعلني أتفهم وأقود هذا الحوار الصعب بكل هدوء حتى أتمكن من كسب ثقتهم وانخراطهم في ورش الإصلاح الذي أسعى إليه. ويتجلى ذلك في العديد من الاتفاقات والقرارات والملفات التي تمت معالجتها بشكل مشترك أو مع كل مكتب نقابي على انفراد. لكن الذي لا يمكن أن يستصيغه أحد كون إحدى النقابات تشارك في الحوار وتساهم في بلورة القرار بشكل مشترك في اجتماع مسؤول ضم كل الفرقاء الاجتماعيين وتتملص من التزامها أياما قليلة بعد الاجتماع لتصدر بيانا في الموضوع وتقوم بالتصعيد دون سابق إشعار. فباب الحوار مفتوح والنيابة مستمرة في نقاشها وتواصلها مع النقابات التي تلتزم بذلك.
- دائما في إطار التوترات، تشكو بعض المقاولات والمزودون من تأخر الأداءات، كيف تعاملتم مع الأمر، وحدثنا عن اختياراتكم التدبيرية في الجانب المالي بهذه النيابة.
< اسمحوا لي أن أقول لكم إني استقبلت فور التحاقي بهذه النيابة المقاولين والمزودين ومختلف المرتفقين الذين أصروا على الالتقاء بي سواء جماعات أو فرادى. حينها علمت أن الأمر جدي وأن هناك تأخرا كبيرا في أداء مستحقاتهم. عملت على مباشرة حل المشكل لكن وجدت ممانعة قوية من أحد الموظفين. قمت بكل الأساليب الممكنة قصد معالجة المشكل لكن كان مصرا على أسلوبه ونهجه. فما كان علي إلا اتخاذ قرار جريء دعمتني فيه الوزارة. حينها تمكنت من تجاوز هذه الصعوبة، لتعترضني صعوبة أخرى تتمثل في ضعف السيولة المتوصل بها والتي كانت خارجة عن إرادة وزارة التربية الوطنية. ورغم ذلك حاولت قدر الإمكان إرضاء مختلف المرتفقين إذ بلغت نسبة الأداء ما يفوق 96% من مجموع السيولة المتوصل بها خلال سنة 2013 وفي وقت قياسي كما تشهد على ذلك وثائق الأداء والحساب الجاري للنيابة، خلافا لما تحاول الترويج له بعض النيات التي تسعى إلى التشويش على أداء النيابة. وحتى يطمئن الجميع فالنيابة عالجت أكثر من 90% من الملفات القابلة للأداء سيتم أداؤها بالسرعة اللازمة فور التوصل بالسيولة التي نتمنى، أثناء توزيعها، أن يؤخذ بعين الاعتبار مشكل التأخير في الأداء الذي عرفه الإقليم وحجم الملفات الجاهزة للأداء.
أما بخصوص الاختيارات في مجال التدبير المالي، لا أخفيكم سرا إن قلت لكم إن إكراهات ضعف السيولة أمام حجم الملفات الجاهزة للأداء تحد منها، لتبقى النيابة أمام تدبير الممكن لضمان التوازنات وإطفاء فتيل الغضب. وهو حسب علمي ما استحسنه مختلف المرتفقين. هذا من جهة، أما من جهة ثانية فميزانية النيابة تتم على مستوى الأكاديمية وفي إطار مجلسها الإداري لتبقى النيابة منفذة لهذه الميزانية التي يتم توزيعها في إطار لجن مختصة. وهذا موضوع آخر يلزمه نقاش طويل للوقوف على تجربة الأكاديميات لما يفوق العشر سنوات قصد تحديد نقط الضعف ونقط القوة.
- غير بعيد عن المقاولات، كانت هناك تأخرا، لبعض مشاريع البناء وافتتاح بعض المؤسسات والداخليات، تارة مشكل العقار والترخيصات، وتارة أخرى مشكل الربط بالماء والكهرباء، هل لنا أن تقربنا من الموضوع، وكيف دبرتم هذه المشاكل؟
  سبق لي في سؤال سابق أن أبرزت لكم مختلف الصعوبات التي تعترض إنجاز بعض المشاريع والتي عملنا على مستوى النيابة لتجاوزها رغم قلة الموارد البشرية ومحدوديتها لتدبير هذا المجال مع عدم التزام بعض المتدخلين للأسف الموكول لهم مواكبة وتتبع هذه الأوراش منذ انطلاقها إلى متم استلامها. وهذا في نظري يستدعي التفكير جديا في حل آخر للمشكل. وفي هذا الصدد أقترح إحداث وكالة وطنية بفروع جهوية أو وكالات جهوية، خصوصا ونحن مقبلون على جهوية متقدمة وموسعة، يعهد لها بإنجاز مشاريع البناءات والإصلاحات ليس فقط لقطاع التربية والتكوين، ولكن بالنسبة لكل القطاعات الحكومية وخاصة القطاعات ذات البعد الاجتماعي كالتعليم والصحة والشباب والرياضة والتعاون الوطني والتكوين المهني. وسيمكن هذا النهج من ترشيد النفقات وحصول التكامل بين مختلف المتدخلين وعقلنة تشغيل الموارد البشرية. وفي هذا الإطار يتم بناء مؤسسات متعددة الاختصاصات توفر التربية والتكوين بمفهومه الواسع، وهو ما يتماشى والاختيار الحالي الذي جمع في وزارة واحدة التربية والتعليم والتكوين المهني.
 - من بين المحاور الشائكة والموضوعة باستمرار على مكتبكم، محور الموارد البشرية، بين الخصاص، وكثرة الشواهد الطبية، وتطبيق المذكرة الإطار، كيف تعاملتم مع هذا المحور لتحققوا استقرارا لطالما كان في السابق حديث العامة والخاصة؟
  اسمحوا لي أن أقول لكم إن أكبر وأعظم الصعوبات التي تعترض كل مسؤول في كل مجالات الاشتغال هو كيفية تدبير الموارد البشرية. ويزداد الوضع صعوبة وتفاقما بقطاع هدفه تكوين وتأهيل الموارد البشرية نظرا لطبيعة الصعوبات والإكراهات التي يعرفها هذا القطاع. فعلى مستوى نيابة الخميسات نقوم بتدبير هذا الملف بالشفافية اللازمة ووفق المذكرة الإطار المنظمة لهذه العملية، وبتنسيق بين مصالح النيابة المختصة موارد بشرية وحياة مدرسية وتخطيط في إطار لجنة مختلطة بين المصالح الثلاث، مع الانفتاح على مقترحات الفرقاء الاجتماعيين. وللوقوف على ما تم إنجازه، قمنا بافتحاص داخلي لهذه العملية، في هدوء تام، جمعنا نتائجه في كتيب يتضمن كل تفاصيل ومراحل إنجاز هذه العملية للفترة الممتدة من بداية الدخول المدرسي إلى حدود دجنبر 2014. وسيتم تحيين هذا الكتيب نهاية كل شهر لكون الحركية التي يعرفها ملف الموارد البشرية مستمرة طوال السنة الدراسية. كما أننا بصدد تجميع ملف خاص بالشواهد الطبية لتتبعها واعتمادها في عملية تدبير حركية نساء ورجال التعليم، حتى نتمكن من إجراء التقاطعات اللازمة بين الملفين. حيث تبين أن هناك من يقدم شهادة طبية لفترة معينة ويتم تعويضه لكن يمكن إغفاله لمدة طويلة قد تدوم سنة دون إسناده القسم بعد انتهاء مدة الرخصة. ولقد مكنتنا هذه الإجراءات من التغلب على الخصاص الذي يعرفه الإقليم في الموارد البشرية.
غير أن مشكل الموارد البشرية، في نظري المتواضع، يلزمه تعميق التفكير في التعامل معه على مستويات عليا. فقطاع التربية والتكوين يحتاج مزيدا من الموارد البشرية كميا ونوعيا، نظرا لتزايد عدد المحالين على التقاعد سنويا، أمام ارتفاع عدد الممدرسين بسبب المجهودات التي يتم بذلها
 - ما الذي ترونه أساسيا في عملية الإصلاح التربوي المنتظر؟
  أود أن أقول لكم إن المنظومة تحتاج لإصلاح فعلي، لكن كيفما كانت فلسفته ومضامينه لن يكتب له النجاح إلا إذا توفرت له الموارد البشرية المؤمنة بضرورته والمنخرطة فيه بحس وطني عال بعيد عن كل المزايدات، مستحضرا خطورة ضياع شباب المستقبل بكل ما يحمل هذا العالم من مخاطر وجب تحصين الذات منها.
تربية بريس
تربية بريس
تعليقات