أول ما حضرني عندما سمعت بقرار وزير التربية الوطنية منع أطر التدريس والمراقبة من إنجاز دروس بمؤسسات التعليم الخصوصي قولة الفيلسوف ابن رشد المشهورة حين منع حكام عصره تعاطي الناس الفلسفة لأن بعض من تعاطاها تزندق ، والقولة هي : ” مثل من منع الفلسفة عن الناس كمثل من منع الماء عنهم لأن قوما شربوا الماء فشرقوا فماتوا ” ، فهذا المثل ينسحب على وزير التربية الوطنية أيضا لأنه عندما أراد القضاء على ظاهرة الغش التي تعرفها المراقبة المستمرة بسبب غياب الضمير المهني لدى البعض من الذين يوظفون فروض المراقبة المستمرة من أجل استدراج المتعلمين وأولياء أمورهم للإقبال على دروسهم الخصوصية طمعا في النقط المغشوشة . ومعلوم أن منعدمي الضمير من أطر التدريس وأطر المراقبة ـ وبالمناسبة أرى شخصيا وأنا من أطر المراقبة أنه من العار والشنار أن يتعاطى أطرها الدروس الخصوصية ـ يعتمدون على الدعاية المغرضة بين أوساط المتعلمين من أجل جلبهم نحو دروسهم . ومن طرق الدعاية الوسخة إطلاع المتعلمين على فروض المراقبة المستمرة خلال الدروس الخصوصية ثم إنجازها بعد ذلك في مؤسسات التعليم العمومي لتمكين المتعلمين من معدلات عليا غير مستحقة ، الشيء الذي يعني أن نقط المراقبة المستمرة تباع من طرف منعدمي الضمير من الذين يتعاطون الدروس الخصوصية . ومن أجل القضاء على هذه الظاهرة السلبية بل المشينة التي تقوض مصداقية الشواهد المغربية لجأ الوزير إلى إجراء كإجراء الحكام زمن الفيلسوف ابن رشد، فمنع الدروس الخصوصية جملة وتفصيلا ، علما بأنه لا يمكن تعميم الحكم بانعدام الضمير المهني لدى كل من يتعاطى الدروس الخصوصية لأنه يوجد منهم الفضلاء وأصحاب الضمائر الحية الذين يقومون بواجبهم المهني على أحسن وجه في المؤسسات العمومية ، ويسدون خدمات جليلة للمتعلمين دون العبث بمصداقية فروض المراقبة المستمرة ، وتشهد على ذلك نتائج المتعلمين حيث لا يمكن أن يتميز الضعاف منهم في فروض المراقبة بالرغم من استفادتهم من دروس الدعم المؤدى عنها . ولقد أقدم الوزير على قرار لم يقدر بعض عواقبه ، فمن جهة يعتبر قراره إجهازا على التعليم الخصوصي الذي يراهن أصحابه في الغالب على سمعة المدرسين في مؤسسات التعليم العمومي لجلب الزبائن ، ذلك أنه بمجرد تعاقد أساتذة ذوي سمعة أو شهرة بين المتعلمين مع مؤسسات التعليم الخصوصي يتم الإقبال عليها بشكل كبير. ولا توجد أطر تدريس لدى مؤسسات التعليم الخصوصي تضاهي في الخبرة أطر التدريس في مؤسسات التعليم العمومي . ولا تخضع أطر التعليم الخصوصي لتكوينات أساسية على غرار أطر التعليم العمومي . ويلجأ أصحاب مؤسسات التعليم الخصوصي إلى الأطر غير المكلفة ماديا كما يلجأ أصحاب المقاولات والمصانع إلى اليد العاملة الرخيصة لضمان أكبر قدر من الربح . وهكذا يلجأ أصحاب مؤسسات التعليم الخصوصي إلى حيلة جلب الزبائن عن طريق التعاقد مع ذوي الخبرة والشهرة من مدرسي التعليم العمومي ، وهم عناصر يعدون على رؤوس الأصابع مقابل غالبية المدرسين من حاملي الشهادات أو ممن تعثر بهم المسار التعليمي ، ولم يحالفهم الحظ للحصول على شواهد أو وقفوا في منتصف طريقه الحصول عليها . وإذا كان أرباب مؤسسات التعليم الخصوصي أول ضحايا قرار الوزير ، فإنه يأتي بعدهم كضحايا المتعلمون الذين سيحرمون من دروس الدعم المؤدى عنها وهي بطبيعة الحال تختلف عن دروس الدعم المجانية وفق قاعدة ” الباطل يبطل “. ومعلوم أن دروس الدعم المؤدى عنها تلعب دورا كبيرا في التحكم في نتائج الامتحانات الإشهادية ، ولو قدر لدراسات جادة أن تنجز في هذا الصدد لتبين مدى تأثير دروس الدعم في نتائج الامتحانات الإشهادية . وقد لا يخطر على بال الوزير أن قراره يشبه قرار إغلاق الحدود بين بلدين متجاورين حيث تنشط حركة التهريب المخرب للاقتصاد بسبب ذلك . فعلى غرار انتشار التهريب بين بلدين أغلقا حدودهما سينتشر تهريب الدروس الخصوصية في أماكن من الصعب خضوعها للمراقبة سواء في بيوت المدرسين الذين يتعاطون هذه الدروس أو في بيوت أولياء المتعلمين ، وحينئذ لن يستطيع الوزير الحد من ظاهرة ارتزاق المرتزقين بفروض المراقبة المستمرة التي يتم إطلاع المتعلمين عليها قبل إنجازها في فصول مؤسسات التعليم العمومي ، وسينطبق على ذلك مثل اللص الذي كان يسرق قطعان الماشية ويبيع لحمها فقطعت يده ، ولكن لم يمنعه ذلك من السرقة بل ساعده قطعها على عملية السلخ . ولا يجب أن يغيب عن ذهن الوزير أن من قطع أرزاقهم من مزاولي الدروس الخصوصية خصوصا منعدمي الضمائر والمرتزقة منهم سيكون لهم رد فعل انتقامي ينعكس على مردوديتهم داخل الفصول بمؤسسات التعليم العمومي ، وسينعكس ذلك دون شك على نتائج المتعلمين إما عن طريق إنجاز فروض مراقبة تعجز المتعلمين أو عن طريق إلقاء الحبل على الغارب، وجعل فروض المراقبة في حكم السائبة والمبتذلة . وإذا كان الوزير يريد بقراره أن يحول دون استغلال أطر التدريس والمراقبة وظائفهم للكسب غير المشروع ، فإنه في حقبة وزارته السابقة استغل وظيفته كوزير لتسويق حواسيبه كما راج عنه ذلك يومئذ . وإذا ما صح ما راج عنه ، فإنه يصدق عليه قول الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله /// عار عليك إذا فعلت عظيم
وفي اعتقادي أن وزارة التربية الوطنية لا زالت تقع في خطأ القرارات المرتجلة والمستعجلة وغير المدروسة بدقة كما كان الحال في فترة الوزير السابق الذي عطل بقراراته الارتجالية أمورا قبل أن يجد لها بدائل كما هو الشأن بالنسبة لمنع مؤسسات التميز و منع بيداغوجيا الإدماج ، ومنع وجود أقسام التعليم الأولي بمؤسسات التعليم العمومي ، وهي قرارات ألغاها خطاب ملكي كان وراء شطب الوزير من الوزارة . و كان من المفروض أن يبحث الوزير عن حل مدروس بدقة وحكمة وبعد نظر لمشكل إنجاز دروس من طرف أطر التدريس والمراقبة في مؤسسات التعليم الخصوصي من قبيل تقنين الإنجاز عن طريق إحداث معايير على رأسها عدم تمكين من تقل نسب النجاح عندهم في الامتحانات الإشهادية من الترخيص ، أوإلغاء احتساب نقط المراقبة المستمرة في معدلات الامتحانات الإشهادية من أجل قطع الطريق على كل أشكال الزبونية أو الارتزاق بنقط المراقبة المستمرة ، علما بأن أجيالا متلاحقة خضعت للامتحانات الإشهادية التي لا تؤثر فيها نقط المراقبة المستمرة ،وكانت لشواهدهم مصداقية لا يمكن الطعن فيها ، فضلا عن إخضاع أطر التدريس بمؤسسات التعليم الخصوصي للتكوينات الأساسية الضرورية في مراكز التكوين التابعة للوزارة ، وعقد صفقات مع مؤسسات التعليم الخصوصي لتوظيفهم بنفس المعايير التي توظف بها الوزارة أطرها التدريسية ، وكذا تخيير أطر الوزارة بين التدريس بمؤسسات التعليم العمومي وبين مؤسسات التعليم الخصوصي مع تسهيل إجراء الانتقال بين هذه المؤسسات . وقد توجد حلول أخرى كلها ستكون في نهاية المطاف أفضل من حل المنع الذي لا أعتقد أنه سيجدي نفعا . وأخيرا أقول لمعالي الوزير إن تهافت المتهافتين على إنجاز الدروس الخصوصية هو الوضعية المادية المزرية لأطر التدريس والمراقبة الذين يقضون معظم حياتهم المهنية أسرى الأبناك الربوية التي تمتص دماءهم من أجل ظفرهم بمسكن يصون الكرامة ، ومن أجل مصاريف وسائل تنقلهم اليومي خلال المواسم الدراسية و مصاريف الكراء ، ومصاريف عيش ودراسة أبنائهم ، و مصاريف إعالة أسرهم ، علما بأن التركيبة الاجتماعية للأسر المغربية تفرض على كل فرد حصل على وظيفة أن يتقاسم مرتبه مع كافة أفراد أسرته . ومنهم من ابتلاهم الله عز وجل بأمراض مزمنة تتطلب مصاريف فوق ما يطيقون . ومعلوم أن أطر التدريس والمراقبة وكافة الأطر التابعة لوزارة التربية الوطنية لا حق لهم في أسفار المتع خارج أو حتى داخل الوطن ، والويل لمن حاول أن يجرب فإنه بعد التجربة يندم الندم الشديد ، ويعيش زمنا طويلا عيش الزهاد مكرها يدفع جوعه وجوع أهله باللقيمات من بسيط العيش الذي لا يصون الكرامة، ولا يغني و لا يسمن من جوع . وإذا كان المثل يقول : ” الحاجة أم الاختراع ” فأنا أقول :” الحاجة أم الارتزاق “.
وجدة البوابة - محمد شركي*
مفتش مادة اللغة العربية
لا تنه عن خلق وتأتي مثله /// عار عليك إذا فعلت عظيم
وفي اعتقادي أن وزارة التربية الوطنية لا زالت تقع في خطأ القرارات المرتجلة والمستعجلة وغير المدروسة بدقة كما كان الحال في فترة الوزير السابق الذي عطل بقراراته الارتجالية أمورا قبل أن يجد لها بدائل كما هو الشأن بالنسبة لمنع مؤسسات التميز و منع بيداغوجيا الإدماج ، ومنع وجود أقسام التعليم الأولي بمؤسسات التعليم العمومي ، وهي قرارات ألغاها خطاب ملكي كان وراء شطب الوزير من الوزارة . و كان من المفروض أن يبحث الوزير عن حل مدروس بدقة وحكمة وبعد نظر لمشكل إنجاز دروس من طرف أطر التدريس والمراقبة في مؤسسات التعليم الخصوصي من قبيل تقنين الإنجاز عن طريق إحداث معايير على رأسها عدم تمكين من تقل نسب النجاح عندهم في الامتحانات الإشهادية من الترخيص ، أوإلغاء احتساب نقط المراقبة المستمرة في معدلات الامتحانات الإشهادية من أجل قطع الطريق على كل أشكال الزبونية أو الارتزاق بنقط المراقبة المستمرة ، علما بأن أجيالا متلاحقة خضعت للامتحانات الإشهادية التي لا تؤثر فيها نقط المراقبة المستمرة ،وكانت لشواهدهم مصداقية لا يمكن الطعن فيها ، فضلا عن إخضاع أطر التدريس بمؤسسات التعليم الخصوصي للتكوينات الأساسية الضرورية في مراكز التكوين التابعة للوزارة ، وعقد صفقات مع مؤسسات التعليم الخصوصي لتوظيفهم بنفس المعايير التي توظف بها الوزارة أطرها التدريسية ، وكذا تخيير أطر الوزارة بين التدريس بمؤسسات التعليم العمومي وبين مؤسسات التعليم الخصوصي مع تسهيل إجراء الانتقال بين هذه المؤسسات . وقد توجد حلول أخرى كلها ستكون في نهاية المطاف أفضل من حل المنع الذي لا أعتقد أنه سيجدي نفعا . وأخيرا أقول لمعالي الوزير إن تهافت المتهافتين على إنجاز الدروس الخصوصية هو الوضعية المادية المزرية لأطر التدريس والمراقبة الذين يقضون معظم حياتهم المهنية أسرى الأبناك الربوية التي تمتص دماءهم من أجل ظفرهم بمسكن يصون الكرامة ، ومن أجل مصاريف وسائل تنقلهم اليومي خلال المواسم الدراسية و مصاريف الكراء ، ومصاريف عيش ودراسة أبنائهم ، و مصاريف إعالة أسرهم ، علما بأن التركيبة الاجتماعية للأسر المغربية تفرض على كل فرد حصل على وظيفة أن يتقاسم مرتبه مع كافة أفراد أسرته . ومنهم من ابتلاهم الله عز وجل بأمراض مزمنة تتطلب مصاريف فوق ما يطيقون . ومعلوم أن أطر التدريس والمراقبة وكافة الأطر التابعة لوزارة التربية الوطنية لا حق لهم في أسفار المتع خارج أو حتى داخل الوطن ، والويل لمن حاول أن يجرب فإنه بعد التجربة يندم الندم الشديد ، ويعيش زمنا طويلا عيش الزهاد مكرها يدفع جوعه وجوع أهله باللقيمات من بسيط العيش الذي لا يصون الكرامة، ولا يغني و لا يسمن من جوع . وإذا كان المثل يقول : ” الحاجة أم الاختراع ” فأنا أقول :” الحاجة أم الارتزاق “.
وجدة البوابة - محمد شركي*
مفتش مادة اللغة العربية