الموقف الاستشاري للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بشأن إصلاح أنظمة التقاعد: جسر تلاقي وتقاطع بين إكراهات الحكومة وانتظارات - النقابات الجزء الثاني/2


بقلم الأستاذ المعاشي محمد
باحث في قانون الشغل وخبير في الميدان النقابي والعلاقات المهنية


قراءة الجزء الأول من المقال

رابعا: مضمون تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بشأن نظام المعاشات المدنية

بعد أن أحال رئيس الحكومة، في فاتح غشت 2014 على المحلس الاقتصادي والاجتماعية والبيئي مشروعي القانونين من أجل الدراسة وإبداء الرأي، كل من :
+     مشروع القانون رقم 71.14 يغير ويتمم القانون رقم 011.71 الصادر في 12 من ذي القعدة 1391(30 ديسمير 1971) المحدث بموجبه نظام المعاشات المدنية؛
+     مشروع القانون رقم 72.14 يغير ويتمم القانون رقم 012.71 الصادر في 12 من ذي القعدة 1391(30 ديسمير 1971) المحددة بموجبه السن التي يجب أن يحال فيها التقاعد موظفو وأعوان الدولة والبلديات والمؤسسات العامة المنخرطون في نظام المعاشات المدنية.
صادقت الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يوم 30 أكتوبر 2014، أي الموالي للإضراب العام، وذلك بأغلبية أصوات الأعضاء الحاضرين، على مشروعي القانونين السالف ذكرهما، وذلك طبقا للمادة 25 من القانون التنظيم رقم 12-128.

ومباشرة بعد المصادقة، أحال المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رأيه على رئيس الحكومة حول مشروعي قانونين، طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة السابعة من القانون التنظيمي 12-128 ، تقريرا مفصلا يتوفر على 64 صفحة يحتوي على:
+     ملخص تنفيذي؛
+     تقديم؛
+     المقاربة المنهجية التي اعتمدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وأهداف الرأي؛
+     عناصر التحليل وخلاصات أعمال المجلس؛
+     مرتكزات إعداد الرأي؛
+     توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
إضافة إلى الملاحق الستة المكونة من :
1.    عناصر التحليل والتقييم؛
2.    تحليل أثر التدابير المقترحة من طرف المجلس في إطار توصيات تتعلق بالتدابير الاستعجالية الخاصة بنظام المعاشات المدنية (على المدى القصير والقصير جدا)؛
3.    تحليل أثر التدابير المقترحة من طرف المجلس في إطار توصيات تتعلق بالتدابير الموازية الخاصة بباقي أنظمة المعاشات على المدى القصير؛
4.    بيبلوغرافيا ووثائق مرجعية؛
5.    يوم دراسي وجلسات إنصات؛
6.    خلاصات اجتماع اللجنة الوطنية المكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد المنعقد بتاريخ الأربعاء 30 يناير 2013.

إذا ماهو الإطار المرجعي الذي استند عليه المجلس في إعداد الرأي(أ)، وفي نفس الوقت ماهي المبادئ التي إرتكز عليها في إعداد الرأي(ب)؟ وكذلك ما هو رأي المجلس في المقترح الحكومي(ت)؟ وفي الأخير ما هي التوصيات التي أسفرت عن المجلس بشأن نظام المعاشات المدنية(ث)؟

أ: المجلس والإطار المرجعي المستند عليه في إعداد الرأي

إن المقاربة المنهجية التي اعتمدها المجلس من خلال التقرير الذي أنجزه بشأن المعاشات المدنية، لا تقتصر فقط على التدابير المقياسية لنظام المعاشات التي تقترحها الحكومة، بل يوجه تحليله في اتجاه إغناء رؤية مهيكلة ومتكاملة لإشكالية منظومة التقاعد بالمغرب، عبر دراسة مختلف جوانبها، وذلك في ضوء رهانات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتضامن والإنصاف الاجتماعيين والحفاظ على مصالح الأجيال القادمة.
ونظرا للأهمية الاقتصادية والاجتماعية لقطاع التقاعد بالمغرب، فقد إستند المجلس في إعداده على اطار مرجعي يقوم على:

+     توجهات الدستور المغربي لسنة 2011؛
+     المبادئ والحقوق التي يتضمنها الميثاق الاجتماعي الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي سنة 2011، وتوصياته في هذا الشأن؛
+     المبادئ الموجهة وأهداف الإصلاح الشمولي لمنظومة التقاعد، الذي انطلق سنة 2004 من طرف اللجنتية الوطنية والتقنية المكلفتين باصلاح نظام التقاعد بالمغرب، والذي كان موضوع توافق بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والمؤسساتيين؛
+      الرؤية التي بلورها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بشأن سياسة الحماية الاجتماعية التي تترجمها مختلف توصياته في هذا الصدد، ذات الصلة بمنظومة التقاعد.

وبناء على الاطار المرجعي هذا، تمفصل تحليل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول مجموعة من الرهانات والاكراهات وهي:

•    الرهانات الاجتماعية المرتبطة بفعالية منظومة التقاعد بالمغرب، وبتحسين نسبة التغطية الاجتماعية؛
•    الرهانات الاقتصادية والمؤسساتية المتصلة بديمومة أنظمة التقاعد واستدامتها المالية؛
•    الرهانات المتعلقة باستمرارية وديمومة منظومة التقاعد مع أخذ بعين الاعتبار متطلبات الانصاف فيما بين الأجيال وداخل الجيل الواحد؛
•    الرهان المتعلق بتحديث أنظمة التقاعد وإرساء أسس الحكامة الجيدة للقطاع؛
•    الاكراهات المتصلة بأفق ديمومة نظام المعاشات المدنية، وما يترتب عنها من ضرورة اتخاذ تدابير استعجالية نحو ضمان استدامة النظام على المدى القصير، في أفق تطبيق الإصلاح الشمولي.
وانطلاقا من هذا العمل، عمل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على بلورة الرأي حول مشروعي القانونين اللذين اقترحتهما الحكومة بشأن نظام المعاشات المدنية، وبشكل عام الوضعية العامة لأنظمة التقاعد بالمغرب، وذلك بعد وقوف المجلس على وضعية أنظمة التقاعد بالمغرب، وأبرز الاختلالات التي تعاني منها، وبالخصوص نظام المعاشات المدنية، معتمدا في ذلك على أعمال اللجنتين الوطنية والتقنية منذ سنة 2004، بالاضافة إلى التقارير المنجزة من طرف المؤسسات الوطنية والدولية في الموضوع، وخاصة تقرير المجلس الأعلى للحسايات يوليوز 2013، من جهة، ومن جهة أخرى بعد دراسة الآثار المترتبة على التدابير المقياسية المقترحة من طرف الحكومة مع الأخذ بعين الاعتبار الآثار الاقتصادية والاجتماعية ومدى آثارها على التوازنات المالية لنظام المعاشات المدنية، ثم مدى مساهمتها في عملية الاصلاح الشمولي لمنظومة التقاعد، هذا بالاضافة إلى بلورة المجلس لتوصيات تسعى إلى تحسين واستكمال التدابير المقترحة من قبل الحكومة، في اتجاه المساهمة في بناء الإصلاح الشامل في افق زمني معقول.

ب: المجلس والمبادئ التي إرتكز عليها في إعداد الرأي

إن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أكد في تقريره من جهة، على الوعي العام بضرورة الاستعجال باصلاح نظام المعاشات المدنية، ومن جهة أخرى أكد على:
+     ضرورة إدراج هذه الاجراءات في سياق مقاربة للإصلاح الشمولي لمنظومة التقاعد، مرتكزا على الأعمال المنجزة في هذا الشأن منذ سنة 2004؛
+     أهمية الحوار الاجتماعي المسؤل والشفاف بين الفرقاء الاجتماعيين والحكومة ضمانا لإنجاح الإصلاح والإنخراط فيه.
وبناء على ما سبق، نتساءل عن ماهية المبادئ التي إرتكز عليها المجلس في التقرير؟
 إرتكز رأي المجلس في هذا التقرير، على ثمانية مبادئ كبرى وهي كالتالي:

1.    ضرورة إنخراط أي إصلاح في إطار مقاربة شمولية لمنظومة التقاعد، وبصفة عامة في أفق بناء منظومة شمولية للتغطية الاجتنماعية؛
2.    متطلبات تحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع المواطنين، واعادة التوازن لفائدة المواطنين ذوي الدخل المنخفض، والاقتسام المنصف لمجهود المساهة بما يتماشى مع المعايير الدولية (مساهمات تتوزع على اساس الثلث يؤديه المنخرط وزالثلثين يؤديه المشغل، الاتجاه نحو اعتماد نموذج متعدد الأشطر: اساسي وتكميلي وإضافي..)؛
3.    أهمية مأسسة الحوار الاجتماعي الملزم والمسؤول بين الفرقاء الاجتماعيين والحكومة، لإنجاح أي أصلاح وقاعدة للتعاقدات الاجتماعية الكبرى؛
4.     ضرورة الحرص المتواصل على ديمومة منظومة التقاعد، وعلى ملاءمتها للتطورات المالية والاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية؛
5.    الاتجاه نحو احترام مبدأ التسعير العادل؛
6.    ارساء أسس الحكامة التشاركية، وذلك بالحرص على التمثيلية الفعلية والمشروعة لممثلي الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين في هيئات التوجيه والاستراتيجية لأنظمة التقاعد، وارساء قواعد شفافة لتقديم الحساب؛
7.    ضرورة توفير رؤية واضحة لمختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين حول كافة الجوانب المتعلقة بتطبيق الاصلاح الشمولي لمنظومة التقاعد وأهم مراحله، مما يعزز مناخ الثقة؛
8.    الطبيعة الاستعجالية، التي يؤكد عليها الفاعلين، للإنخراط في مرحلة أولى من الإصلاح، ولاسيما بالنسبة لنظام المعاشات المدنية، دون إغفال مساهمته في البعد الشمولي للإصلاح.


ث: رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المقترح الحكومي

بعد القراءة النقدية من طرف المجلس لمشروعي القانونين المقترحين من طرف الحكومة، وذلك انطلاقا من القراءة الأولية للتدابير المقترحة التي لا تهم سوى المنخرطين الناشطين والمستفيدين من النظام في المستقبل، اتضح للمجلس مايلي:

•    إن هذه التدابير تنصب على الاستعجالية المتعلقة بالبنية المقياسية لنظام المعاشات المدنية فقط؛
•    أنه إذا كان من شأن هذه التدابير ضمان أفق استدامة هذا النظام، فلا يبدو أنها منسجمة فيما بينها لكي تندرج في إطار مقاربة شمولية لمنظومة التقاعد، كما حددتها اللجنة الوطنية المكلفة باصلاح التقاعد؛
•    إن اقتراح الحكومة لرفع سن الاحالة على التقاعد إلى 65 سنة وفق وتيرة مفاجئة وغير كافية. فهي تقترح رفع السن مباشرة إلى 62 سنة، أي بسنتين كاملتين دفعة واحدة، الأمر الذي سيؤثر سلبا وبصورة مفاجئة على المنخرطين الذين سيحالون على التقاعد ما بين سنة و3 سنوات القادمة؛
•    إن اقتراح الحكومة لرفع نسبة المساهمة من 20 % إلى 28 % مع الابقاء على مبدأ التوزيع العادل بين المشغل والمنخرطين، الأمر الذي لايتلائم مع مبدأ العدالة في اقتسام مجهود المساهمة، ومع المعايير الدولية في هذا الشأن، التي تعتبر، بالنسبة للأنظمة الأساسية، أن يكون مجهود مساهمة المشغل ضعف مساهمة الأجراء (أي الدولة–المشغل تساهم بنسبة الثلثين، بينما يساهم المنخرطون بالثلث).
 
وفي هذا الاطار اعتبر المجلس أن الاصلاح المقترح لا يشجع على التقائية أنظمة القطب العمومي، ولا تسير في اتجاه بناء مرحلة أولية للإصلاح الشمولي مؤسسة للمراحل القادمة، إذا ما هي التوصيات التي أسفرت عن الجمعية العامة للمجلس في دورته الاستثنائية؟

د: توصيات أسفرت عن الجمعية العامة للمجلس بشأن نظام المعاشات المدنية

أمام الفعاليات المكونة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من خبراء متخصصين في الميدان ومن ممثلي النقابات الأكثر تمثيلا بالقطاع العام والقطاع الخاص ومن هيئات وجمعيات المهنية التي تمثل المقاولات والمشغلين اضافة إلى الشخصيات التي تمثل المؤسسات والهيئات في الدولة (المادة 11 من القانون التنظيمي للمجلس)، وما عرفه المقترح من نقاشات هامة ومثمرة داخل المجلس، أسفر اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بعد المصادقة بالأغلبية خلال الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للمجلس بتاريخ 30 أكتوبر 2014، على عدة  توصيات والتي تتمحور حول:

•    توصيات تتعلق بالإطار العام لإصلاح قطاع التقاعد؛
•    توصيات تتعلق بالتدابير الإستعجالية الخاصة بنظام المعاشات المدنية (على المدى القصير والقصير جدا)؛
•    توصيات تتعلق بالتدابير الموازية الخاصة بباقي أنظمة التقاعد على المدى القصير؛
•    توصيات تتعلق بتدابير المواكبة.

+     توصيات تتعلق بالإطار العام لإصلاح قطاع التقاعد

استجابة لضرورة إدراج إصلاح نظام المعاشات في نطاق أوسع يهم منظومة الحماية الاجتماعية ككل، أعد المجلس توصياته المتعلقة بالإطار العام للإصلاح:
•    إدماج بانتظام أبعاد العدالة الاجتماعية والانصاف بين أعضاء الجيل الواحد وبين الأجيال المختلفة في أية عملية إصلاح أو سياسة تنموية، مع الأخذ يعن الاعتبار التحولات الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية؛
•    أخذ بعين الاعتبار القدرات التمويلية للمشغلين(الرهانات التنافسية) والقدرة المساهماتية للمنخرطين (رهانات المحافظة على القدرة الشرائية)؛
•    ضمان مستويات دنيا من الدخل والتغطية لكل مواطن، مع وضع الآليات المناسبة التي من شأنها تقويم وإعادة تقييم هذه المستويات بحسب تطورات الاجتماعية والاقتصادية للمغرب، والاكراهات المتعلقة بالقدرة التمويلية؛
•    أخذ بعين الاعتبار، في سياق هذا الأفق الجديد للإستدامة الذي يقترحه المجلس بصدد هذه المرحلة الأولى من الإصلاح (ما يتعلق بنظام المعاشات المدنية)، مع ضرورة أن تتم بلورة الخطوة الكبرى الموالية وتطبيقها في حيز زمني أقصاه خمس سنوات.

كما أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بمايلي:

1.    وضع قانون إطار، على اساس مقاربة تشاركية وبمساهمة الأطراف المعنية، وذلك داخل أجل محدد على المدى القصير في أفق يونيو 2015 على أن :
•    يرتكز على المبادئ الموجهة للإصلاح الشمولي لقطاع  التقاعد بالمغرب والمنظومة المنشودة؛
•    يحدد جدولا زمنيا دقيقا ولزم لجميع الأطراف لتنفيذ المراحل الكبرى للأصلاح الشمولي لمنظومة التقاعد؛
•    يحدد آليات تقييم وتتبع نتائج التدابير المتخذة لتنفيذ الاصلاح الشمولي؛
•    مأسسة آليات حكامة وقيادة فعالة لعملية تنفيذ الاصلاح الشمولي.
2.    تسريع وتيرة الأشغال التكميلية المتعلقة بالدراسات التي نصت عليها اللجنة الوطنية (إشكالية العمل الشاق، والأشخاص في وضعية إعاقة، وتوسيع مجال التغطية لتشمل المواطنين غير المتمتعين بالتغطية الاجتماعية)؛
3.    توسيع تغطية التقاعد على المدى المتوسط لتشمل المواطنين غير المتمتعين حاليا بتغطية التقاعد، وبصفة أعم توسيع الحماية الاجتماعية، مع اعتماد مقاربة شمولية ومندمجة، والأخذ كذلك بعين الاعتبار متطلبات توسيع مصادر التمويل عن طريق موارد أخرى غير الاقتطاعات الاجتماعية؛
4.    وضع آليات لحكامة وقيادة أنظمة التقاعد، بقوة القانون، بهدف الحرص على استدامتها وملاءمتها للتطورات المالية والاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية، على أن تستجيب هذه الآليات لمتطلبات ضمان مستوى من القيادة الشمولية لمجموع الأنظمة على أساس إطار مرجعي احترازي مشترك، واعتماد مقاربة استباقية لتدبير المخاطر، وكذلك إلزامية من جهة، اعتماد آليات للتتبع ووضع الاسقاطات الدقيقية على المدى الطويل والطويل جدا (أفق زماني يمتد إلى ما يزيد عن 40 سنة)، ومن جهة، أخرى إلزامية التقييم المستمر لفعاليات الآليات المستعملة لقيادة وتدبير المخاطر، قصد تحيينها وتحسين نجاعتها؛
5.     إرساء مبادئ الحكامة التشاركية والشفافية القائمة على فصل واضح بين صلاحيات التوجيه الاستراتيجي والقيادة، وبين تلك المتعلقة بالتدبير، مع الحرص على التمثيلية الفعلية والمشروعة للشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين، داخل هيئات التوجيه، وقيادة الأنظمة، وتلك الخاصة بوضع وتقييم سياسات الاستثمار وتوظيف الاحتياطيات المالية.

توصيات تتعلق بالتدابير الاستعجالية الخاصة بنظام المعاشات المدنية (على المدى القصير والقصير جدا)

تعتمد توصيات المجلس على المبدأ القاضي بإدراج جميع التدابير في اطار مقاربة الاصلاح الشمولي لأنظمة التقاعد التي انطلقت سنة 2004، وفي هذا الصدد يوصي المجلس بمايلي:

1.    بشأن المقترح المتعلق برفع سن الإحالة على التقاعد: ضرورة اعتبار الرفع من مدة المساهمة في احترام لمبادئ التضامن والمستلزمات الاستعجالية المتصلة بنظام المعاشات المدنية، وذلك بالحرص على:
أ‌.    اعتماد مقاربة تدريجية (ممتدة على أفق زمني يتراوح بين 8 و 10 سنوات للوصول إلى السن الأقصى المستهدف)، مع الانتباه إلى أثرها على النظام ككل من جهة، ومن جهة أخرى على أجيال الموظفين الذين من المتوقع أن يحالوا على التقاعد في غضون السنوات الأولى. وفي هذا الصدد يقترح المجلس:
+     اعتماد وتيرة جد بطيئة في مرحلة أولى بمعدل 6 أشهر كل سنة خلال الست سنوات الأولى (63 سنة في 2020)؛
+     فتح الباب في وجه أولئك الذين يرغبون في استباق التدرج، مباشرة بعد دخول الاصلاح حبز التنفيذ، والضمان لهم امكانية الإحالة على التقاعد في سن يمكن أن يصل إلى 65 سنة؛
+     تقييم آثار الانخراط الطوعي، بعد سنتين أو ثلاث سنوات، وقياس تأثيرها على ديمومة النظام، وذلك قصد تمكين الأطراف المعنية باتخاذ القرارات للازمة، ولاسيما الرفع من سن التقاعد إلى 65 سنة خلال مرحلة إضافية تمتد من سنة واحدة إلى سنتين (201-2022)؛
ب‌.    تعديل المادة 7 من المرسوم رقم 749-95-2 لتطبيق القانون رقم 43.95 القاضي بإعادة تنظيم الصندوق المغربي للتقاعد: نحو تحديد الحد الأدنى للاحتياطات القانونية بما بعادل 5 مرات، عوضا عن مرتين، متوسط النفقات المثبتة خلال الثلاث سنوات الأخيرة؛
ت‌.    مواكبة هذا الاجراء بإحداث درجة إضافية داخل الوظيفة العمومية، بحيث يشكل حافزا للانخراط الطوعي في الرفع من سن الاحالة على التقاعد (65 سنة) مما يمكن الموظفين من مواصلة تحسين أجورهم خلال مرحلة العمل الإضافية؛

2.    بشأن المقترح المتعلق برفع نسبة المساهمة من 20% إى 28 % حلال الفترة ما بين 2015 و2016: يوصي المجلس بجعل هذه المراجعة فرصة سانحة لوضع مرتكزات المراجل القادمة والضرورية لإرساء قطب عمومي (وفقا لخطاطة الاصلاح الشمولي).

وتطبيقا لمبدأ التوزيع العادل لمجهود المساهمة، وتماشيا مع المعايير الدولية، واستعدادا للتمييز، في مرحلة ثانية، بين النظام الأساسي والنظام التكميلي، كل حسب خصوصيته، فإن المجلس يوصي بإحداث شطرين اثنين في بنية المساهمة داخل نظام المعاشات المدنية:
الشطر الأول: أساسي محدد بسقف قريب من المستويات المتوسطة للأجور في الوظيفة العمومية، بزيادة ما بين 15% و30 % (أي ما بين 8.000 و10.000 درهم)، بحيث يسمح هذا الشطر بتغطية معاش أساسي بنسبة تعويض تتراح ما بين 30%  إلى 40%.
وتبلغ نسبة المساهة، بالنسبة لهذا الشطر الأساسي، ما بين 8% و 10%، يتم توزيعها على أساس الثلث (أي حولي 3% ) للأجير، والثلين ( أي حوالي6 %) للدولة المشغلة؛
الشطر الثاني: تكميلي من الدرهم الأول، والذي يمكن من بلوغ معاش إجمالي، يعادل مستوى المعاش المحتسب وفقا لمعدل الأقساط السنوية والحقوق المكتسبة قبل تاريخ دخول المقتضيات المقترحة حيز التنفيذ.
وما تبقى من مبلغ المساهمات التي تصل نسبتها إلى 28 % ، يتم رصدها للشطر الثاني، وتوزع بالتساوي ما بين الموظف/ المستخدم والدولة-المشغلة.

وهكذا، بالنسبة للأجور الأدنى من السقف، ستوزع المساهمة الإجمالية البالغة 28% على أساس %12.5 للمستخدم مقابل 15.5% للدولة المشغلة.

وتجدر الاشارة بأن هذين الشطرين مدعوان بمواكبة المراحل القادمة للإصلاح بما يقتضيه ذلك من تطور في المساهمات، والمبادئ المؤسسة لهما من أجل إرساء نظامين إجباريين: نظام أساس (الشطر الأول) ونظام تكميلي (الشطر الثاني).
3.    بشأن المقترح المتعلق بقاعدة تصفية المعاش، اعتماد مبدأ "أفضل ثماني سنوات"، بدلا من "احتساب السنوات الثمانية الأخيرة"، وذلك في أفق خلق انسجام في مبادئ اشتغال القطبين العمومي والخاص.

+     توصيات تتعلق بالتدابير الموازية الخاصة بباقي أنظمة التقاعد على المدى القصير

على غرار نظام المعاشات المدنية يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالنسبة لباقي أنظمة التقاعد من حلال توصياته، على ضرورة الشروع منذ المرحلة الأولى للإصلاح، لتسهيل الالتقائية بين مختلف أنظمة التقاعد في أفق تنزيل الإصلاح الشمولي، بقطبيه العمومي والخاص.

1.    بالنسبة لنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد(RCAR)، يتعين التحضير منذ الآن للمراحل القادمة الضرورية لإرساء قطب عمومي، وذلك من خلال البدء في إصلاح هذا النظام وفق المسالك التالية:
•    اعتماد قاعدة احتساب وعاء تصفية المعاشات على أساس متوسط أفضل 10 سنوات، عوض متوسط مجموع سنوات العمل، وربط الاجراء بملائمة مؤشر إعادة تقييم المعاشات وفق منحى تنازلي يستفيد منه ذوو الدخل المنخفض (على سبيل المثال:3% بالنسبة للجزء الأول من الأجر، و2.75%، و%2، و0% بالنسبة للجزء الثاني من الأجر الذي يفوق السقف)؛
•    تعميم النظام التكميلي بتطبيقه ابتداء من الدرهم الأول، لكي يستفيد منه ذوو الأجور المنخفضة، وبالتالي السماح لهم بتحسين تقاعدهم، ومصاحبة هذا الإجراء:
+     بتحديد سقف جديد يكون قريبا من الأجر المتوسط في الوظيفة العمومية، بزيادة تتراوح ما بين %15 و %30، أي ما بين 8.000 و10.000 درهم ( في أفق التقريب ما بين أنظمة القطب العمومي)؛
+     الرفع ب2% نسبة المساهمة في النظام التكميلي يتقاسمها بالتساوي المشغل والمستخدم (لترتفع من 6% إلى 8%)؛
+     إحداث سقف ثان يتم تطبيقه على النظام التكميلي، وتحفيز الموظفين الذين تتعدى أجورهم هذا السقف الثاني(2 أو 3 مرات السقف الأول) نحو الإنخراط في أنظمة إضافية اختيارية تعتمد على مبدأ الرسمالة؛
•    إخضاع عملية إعادة تقييم المعاشات لنطاق يتم احتسابه وفق نسبة التضخم والنسبة المائوية للزيادة في الأجر المتوسط للمنخرطين.
•    ضمان للمنخرطين، وبطلب منهم، إمكانية تأخير سن الاحالة على التقاعد في حدود 65 سنة، وذلك بهدف تحسين قاعدة احتساب معاشاتهم.

2.    بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي(CNSS)،ينبغي كذلك إستغلال هذه المناسبة من أجل التحضير للمراحل القادمة للإصلاح:
•    على غرار الأنظمة العمومية، تمكين الأجراء الذين يرغبون بتنسيق مع مشغليهم، تأخير إحالتهم على التقاعد في حدود 65 سنة، بهدف تحسين قاعدة احتساب معاشاتهم.
•    إعادة النظر في النصوص المنظمة لقواعد توظيف احتياطات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، قصد الوصول إلى استثمار أفضل في احترام تام للقواعد الاحترازية.

+     توصيات تتعلق بتدابير المواكبة

1.    الإسراع في تفعيل السلطة الجديدة للتأمينات وهيئات الحماية الاجتماعية، التي ستتولى ضمن اختصاصاتها، مهمة الإشراف وتقنين عمل مجموع منظومة التقاعد والانظمة المكونة له؛
2.     ملائمة المقتضيات المتعلقة بالقواعد والاهداف والإكراهات المرتبطة بتوظيف احتياطات صناديق التقاعد، وتوجيهها نحو نجاعة أكبر لسياسات الاستثمار وتخصيص الأصول وتدبير المخاطر المتصلة بها؛
3.    تكريس واستكمال مقاربة النوع على مستوى مجموع الأنظمة، وربطها بسياسة الأسرة مراعاة لخصوصية وضعية المرأة، وذلك بتمكين النساء المنخرطات في المنظومة من ربح سنة المساهمة عن كل وضع (طفل)، في حدود 3 سنوات (وفقا للممارسات الجاري بها العمل على الصعيد الدولي)؛
4.    بالنظر إلى أهمية التي تكتسيها أنظمة التقاعد، بالنسبة لاقتصاد البلاد ولتوازناتها الاجتماعية، فإنه يتعين ضمان ولوج واسع إلى المعلومة (مفتوحة في وجه العموم). وينبغي أن يشمل هذا الولوج عناصر الخيارات الاستراتيجية المحددة للأنظمة، وتتبع أوضاع هذه الأنظمة، والنتائج التي أسفرت عنها الاستراتيجية المعتمدة؛
5.    فتح نقاشات حول الإصلاح الشامل للوظيفة العمومية، والتوجهات المستقبلية للقطاع، في ضوء أهداف المردودية والجودة والانتاجية التي تؤشر إلى فعالية المرفق العمومي في الاستجابة للحاجيات والانتظارات المشروعة للمواطنات والمواطنين، وكذا رهانات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

خلاصـــــــــــــة:
أخذت عملية إصلاح منظومة التقاعد وقتا طويلا بالمغرب، لقد تأحر البلاد في مباشرة هذا الورش الكبير والحساس، بالرغم من التقارير والدراسات المنجزة وطنيا كانت أو دولية كما تعرضنا إليها سابقا.
وقد نتج عن المقترح الحكومي احتجاجات ومظاهرات ومسيرات واضرابات لا تهم المغرب فقط، بل في الحقيقة إشكالية عالمية، تفرض نفسها بإلحاح، أمام ما يعرفه العالم من تحولات ديموغرافية واقتصادية واجتماعية من جهة، وأمام الأزمة الاقتصادية المالية التي يعيشها العالم من جهة أخرى، وبالخصوص ما يشوب انظمة التقاعد بالمغرب من اختلالات، وكان سببا كافيا في التفكير بالتعجيل والاسراع في اصلاحات منظومة التقاعد واتخاذ التدابير اللازمة.
وفضلا عن ذلك، إذا كانت الحكومات المتعاقبة لم تتحلى بالجرأة والشجاعة السياسية لاتخاذ إجراءات وقرارات جريئة من أجل إصلاح منظومة التقاعد، فان تماطل الحكومة الحالية في التعاطي والفصل في الموضوغ يجب أن يكون بعيدا عن الانتخابات والحسابات السياسية، وهي مدعوة لإثيات حسن نيتها وتجسيد جرأتها المعبر عنها في كل خطاباتها.
في نظري حان الوقت -مادامت الحكومة والفرقاء الاجتماعيين عازمنن على اصلاح منظومة التقاعد- لتجميع ودمج جميع الأنظمة الأساسية والاجبارية للتقاعد في نظام واحد، وكذا الأنظمة التكميلية الاختيارية في نظام واحد كذلك، أي التوفر على نظامين، الأساسي والتكميلي، لكن لا يجب أن يكون الاصلاح على حساب الموظفين والمستخدمين والاجراء والعمال، بقدر ما يجب على الحكومة، أن تعمل على تحسين الوضعية المالية للمتقاعدين، عن طريق الرفع من معاشاتهم الهزيلة، عوض الرفع من المعيشة اليومية.
وإذا صعب إدماجهم وتجميعهم في الوقت الراهن، فيجب على الأقل خلق آليات للتنسيق بين أنظمة التقاعد، مع إنشاء شبكة الكترونية مشتركة، والعمل كذلك على إحداث الشباك الوحيد، والسير تدريجيا لتوحيد أنظمة التقاعد.  
إذاً، هل ستنجح المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا أثناء المفاوضات الجماعية مع الحكومة، في انتزاع مكاسب جديدة أكثر فائدة لصالح المنخرطين في أنظمة التقاعد، دون المساس بالحقوق المكتسبة؟ أم ستكتفي بالمحافظة على المكاسب الحالية؟ أم سيؤجل اتخاذ القرار النهائي في اصلاح منظومة التقاعد إلى ما بعد انتخابات المأجورين، من جهة، أمام ما برز مؤخرا سواء داخل النقايات الأكثر تمثيلا وحتى النقابات الموالية للحكومة، أو داخل المجلس الاداري للصندوق المغربي للتقاعد، على أن ما روجته الحكومة فيما يخص أزمة الصندوق المغربي للتقاعد لا أساس له من الصحة، وإنما الغرض منها تهويل الموضوع وتضخيم الأمر، بل عرفت مالية  الصندوق المغربي للتقاعد فائضا ماليا يقدر بالملايير، وهذا في اعتقادي يتطلب التحقيق في الموضوع أثناء أشغال لجنة نظام المعاشات المدنية التي ستنطلق أعمالها يوم 23 فبراير 2015، ومن جهة أخرى، أمام ما يقتضيه الاصلاح من الإعداد القانوني، من مشاريع قوانين ومراسم تطبيقية في الموضوع، وهو ما لم يتم لحد الآن.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-