الشغب المدرسي بين اليات الردع و مقاربات الاصلاح

ذ: الحسين وبا
مهتم بشؤون الطفولة


تعرف مؤسساتنا  التعليمية خلال السنوات الأخيرة موجة من الفوضى و العنف بشقيه : اللفظي والجسدي  ، سواء بين التلاميذ و الادارة أو بينهم و بين اساتذتهم أو بين بعضهم البعض ، الى درجة أضحت ظاهرة الشغب مائدة دسمة لعدة بلاطوات داخلية و خارجية وعنوانا بارزا لعدة صحف وطنية و دولية  

و الحال أن قرار العقوبة الذي تتبناه ادارتنا والذي يتسلح به بعض مدرسينا، زاد – في الواقع- الوضعية تعقيدا و تأزما. إذ اذا  كانت العقوبة قد عحزت عن تحقيق أهدافها المرجوة، الشيء الذي جعلها تلاقي موجة من الاستنكار و الاحتجاج سواء من طرف فقهاء مدارس الفكر الجنائي أو الهيئات و المنظمات الحقوقية او الفاعلين في المجتمع المدني فكيف نقبل بها في مؤسساتنا التربوية؟
ثم متى كان العقاب وسيلة لتعديل السلوك الاعوجاجي لدى الانسان؟
هل فكر دعاة العقاب في الظروف و الملابسات التي دفعت بأصحاب السلوكات الللامدنية الى الاقدام على افعالهم وتصرفاتهم؟  


للإجابة على هذه الاسئلة ، سأعتمد المبحثين التاليين:

  • المبحث الأول : اسباب و دوافع إحداث الشغب
  • المبحث الثاني: الاتفاقيات الدولية و المذكرات الوطنية المانعة للعقاب البدني
  • المبحث الأول : اسباب و دوافع احداث الشغب

ازداد الاهتمام ببحث العوامل المتصلة بذات الإنسان وتكوينه العضوي والعقلي والنفسي. وتعلمون جيدا كيف أن المدارس المختلفة فيا الانسانية العلوم قد فسرت  تشكل سلوكات العنف على انها مجموعة من العوامل النفسية والعقلية والعوامل الاجتماعية  المتداخلة فيما بينها والتي لا يمكن فصلها عن بعضها البعض ، هي السبب الرئيسي في توجيه الانسان  بشكل عام – مكرها- نحو الاقدام على هذا الفعل او ذاك .

المطلب الأول: العوامل الفردية لإحداث الشغب


ونقصد بالعوامل الفردية مجموعة الظروف والشروط المتصلة بشخص المشاغب، وهي قد تكون أصلية تلازم الفرد منذ ولادته، ويدخل فيها التكوين الطبيعي للشخص والوراثة والجنس والنوع والخلل العقلي والأمراض العصبية والنفسية وظروف الحمل والولادة. وقد تكون مكتسبة – خارجية- أي يكتسبها الشخص بعد ولادته من الأمراض العقلية والعضوية التي قد تصيب الفرد أثناء حياته. فضلا عن العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإعلامية  المرتبطة ببيئة الشخص.

الفقرة الأولى:  الوراثة كعامل من عوامل الشغب و العنف


 اذا كان جورنج   GORING يرى أن الوراثة هي العامل الأساسي في ارتكاب الشغب وليست البيئة، وقد دلل على وجهة نظره بالنسبة للأولاد الذين أبعدوا عن تأثير والديهم في سن مبكرة فقد أصبحوا منحرفين بنسبة أكبر من الأولاد الذين أبعدوا عن تأثير والديهم في سن متأخرة. فإذا ما وضعنا جانبا عنصر البيئة لأنه قليل الأهمية يبقى العنصر البديل وهو الوراثة، 


فالوراثة كعامل من عوامل الانحراف لا تعني ميلا حتميا طبيعيا أو بالميلاد إلى الانحراف، بل تعني فقط أن اتجاها وراثيا معينا، كعيب في الجهاز العصبي ينمي في الفرد خصائص معينة. هذه الخصائص والعيوب الوراثية وإن كانت لا تقود حتما إلى ألجنوح إلا أن الخبرة يمكن أن تفصح عنها وتنحو بالفرد إلى الإشباع الفوري لرغباته الغريزية من ثم احتماله سلوك طريق الجريمة.  


1: من الأمراض العضوية:  

      
- العاهات: من لثابت علميا، أن العاهات والنقائص الجسمية تؤثر بشكل كبير في تكوين الشخصية ألإنسانية وهذه العاهات تلعب دورا هاما في حياة الأفراد، ويؤدي أحيانا إلى السلوك الذي يلجأ إليه المصاب لكي يعوض عن نقصه إلى السلوك العدواني . فمن الأطفال من تولد لديهم العاهات الإحساس بان المجتمع سوف ينبذهم، ومنهم من يستطيع تكييف نفسه مع هذا الواقع، ومنهم من يظهر عدم التكيف فتظهر تصرفاتهم غير متوافقة، وقد يدفعها هذا الأمر لاحداث الفوضى . 


وقد يكون الطفل مصابا بعاهات مختلفة كالعمى والصمم والبكم، فالحدث الأعمى كما لوحظ من إحدى الدراسات غالبا ما يلجأ إلى الخشونة للتغلب على المصاعب التي تصادفه. وقد وجد العلماء روسلو Roslow وسيرنجرSPRINGER أن الاتجاهات العصبية لدى الأحداث الصم  تزيد على الاتجاهات العصبية لدى الأطفال الأسوياء، وهذا يمكن أن يؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى الشغب، لان الشغب قد تكون وسيلة للتعبير عن الحالة السيئة التي يعيشها الاطفال. 


يسلكون أحيانا سلوكا منحرفا، إما للتعويض عن النقص البيولوجي أو الجسدي أو نتيجة المعاملة السيئة التي يلقونها في المجتمع. 


- إصابات في الرأس: وهذه تنشا عادة نتيجة الرضوض التي قد تحدث في الرأس، سواء أثناء الولادة أو بعدها، وهذه الرضوض  تحلل عادة بالمراكز العصبية التي تحكم الحياة الغريزية للفرد، وتنشأ لديه دوافع نفسية نحو العنف أو أنواع  من الشذوذ الجنسي، أو ميل إلى السرقة، ويكون ذلك المرض أشد خطرا حين يصيب الفرد في طفولته.

الفقرة الثانية: تأثير عامل التكوين العقلي والنفسي على احداث الشغب  

  
الأمراض العقلية التي قد تصيب الأطفال، والتي يمكن أن تؤدي بهم إلى الانحراف متعددة ومتشابكة أحيانا مع غيرها من الأمراض العضوية والنفسية. فالضعف العقلي، غالبا ما يتصف صاحبه بالتقلب النفسي والانفعالي بما يحول بينه وبين الانخراط في عمل ثابت ودائم، ومن ثم يساهم في فشل الفرد في حياته المهنية أو المدرسية فيصبح أكثر تعرضا للإنحراف.  


ومن الأمراض العقلية ما تستحوذ على شخصية الحدث فلا يستطيع التصرف إلا وفق ما تمليه عليه أفكاره، بحيث يعتقد أنها السبيل الوحيد للتشفي والانتقام من الكبت الذي يعانيه فتسيطر على إرادته دوافع معينة شاذة لا يستطيع مقاومتها وتحمله على ارتكاب العنف، ويطلق على هذا النوع من المرض  بارانوا  paranoia أي جنون العقائد الوهمية، ومن مظاهره عدم اشتراك الحدث مع زملائه في اللعب، وشعوره بعدم الثقة والاطمئنان، والاكتئاب والأنانية بحيث تبدو تصرفاته مع العادات المتبعة في المجتمع الذي يعيش فيه. 


 ومن الأمراض الخطيرة التي قد تصيب الأحداث وتدفعهم إلى الشغب: مرض انفصام الشخصية   schizofrina ومن مظاهره ندرة الكلام والصفة الخيالية للتفكير والاضطراب في التفكير والسلوك وعدم الاهتمام بالبيئة، وقد يسمع المريض أصواتا غير موجودة في الواقع ويرى أشياء غير ماثلة في الحقيقة، بحيث يقدم على ارتكاب جريمته وهو مجرد عن كل إرادة وعاطفة. 


وقد يصاب الحدث بالصرع، ومن أعراض هذا المرض الكذب والسرقة والميل إلى العدوان أو التخريب، واضطراب السلوك الجنسي والخجل الشديد، وعلى العموم يغلب على المصابين به إرتكاب جرائم العنف، إذ تبين من إحصاء ل 37 حالة لمرضى تورطوا في جرائم مختلفة أن 7/ منهم ارتكبوا جرائم عنف من بينها أربع جرائم قتل.

اما العوامل التي تدخل في التكوين النفسي  فهي متعددة ومتداخلة بعضها ببعض ومنها يخرج التصرف الفردي الذي فيه تعكس الحياة النفسية بجميع جوانبها. 


 والتكوين النفسي هو مجموعة من العوامل الداخلية التي تؤثر في تكوين شخصية الحدث وتتفاعل مع البيئة الخارجية، وهذا التكوين يعود لعدة عوامل منها: الوراثة والتكوين الجسدي والفسيولوجي، وما يصيب الحدث من أمراض وعلل وما يحيط به من ظروف خارجية. فالمرض النفسي يعتبر بذلك من الاضطرابات الوظيفية نتيجة عقبات تصادف الفرد وتحول بيته وبين التلاؤم، وهو ليس من الاضطرابات العضوية ويختلف كذلك عن الأمراض العصبية التي ترجع لأسباب عضوية، فلذوي المرض النفسي اضطراب باد في تفكير المرء وشعوره وأعماله يكون من الخطورة بدرجة تحول بين المرء والقيام بوظيفته في المجتمع بطريقة سوية مرضية.  


وعموما فالأمراض النفسية التي قد تصيب الأحداث متعددة ولعل أهمها ما سأتطرق لها في هذا المجال.

    2- من الأمراض النفسية:


- أعراض الوسواس والقلق: وهذه تنشأ نتيجة للتربية الفاسدة والمعاملة السيئة التي يتلقاها الحدث في المنزل. ويرى علماء النفس أن هذا القلق يرجع إلى كبت الغريزة الجنسية. ومن مظاهر هذه الأعراض: الخوف الدائم وعدم الاطمئنان وتجسيم المتاعب والآلام بحيث يجد الحدث نفسه عاجزا عن مواجهة أمور الحياة حتى البسيطة منها. 


- الهستيريا: وهي بنظر فرويد  freud قائمة على نظرية الكبت المرضي لمؤثرات جنسية ترجع إلى عهد الطفولة، وإن البيئة التي ينشأ فيها الطفل ووسائل التربية السيئة لتعد من أهم العوامل المسؤولية عن حالة الكبت المذكورة. والأعراض الهستيرية أشبه بصلح زائف بين الرغبات النفسية المتضاربة التي تعذر على العقل أن يوفق بينها توفيقا منطقيا معقولا يرد إلى العقل هدوءه وطمأنينته.  


 والهستيريا إما أن تتحول إلى أعراض بدنية فتدعى هستيرية تحويلية، وإما أن تتحول إلى ظواهر نفسية من ذات المرتبة الخاصة بالعقليات وتسمى هستيرية قلقية. ومن مظاهر هذا المرض المخاوف الوهمية والتخيلات الفكرية المقلقة، والإسراف في حب الذات والانفعال السريع.


- النورستانيا: الأحداث المصابون بهذا المرض يشكون عادة من ضعف في القوى المعنوية وشعور  بالأعباء والتعب لأقل مجهود عقلي أو جثماني وضعف جثماني عام يؤدي إلى أن يساور المريض بسبب ذلك بعض الأوهام المرضية، ويسيطر على المصابين بمرض الاكتئاب واليأس والتشاؤم، وهذه المشاعر قد تؤدي إلى أن يرتكب المريض بعض الأفعال الاجرامية.

المطلب الثاني: العوامل الاجتماعية  المؤدية  للشغب  


يعيش الطفل منذ ولادته في بيئات مختلفة، يترعرع فيها و يختلط بأشخاصها، فيتأثر بأخلاقهم وعاداتهم وسلوكياتهم، وتتفاعل طباعه الخلقية الأصيلة مع الأوضاع والظروف المحيطة به، التي قد تتباين من وقت لآخر، وحصيلة هذا التفاعل تحدد مسار سلوكه وتصرفاته. فخلال السنوات الأولى من حياة الطفل يجد نفسه في بيئته العائلية، وعند التحاقه بالمدرسة تنضم إليها بيئته المدرسية، وقد لا تمكنه ظروفه من الدراسة فينتقل مباشرة إلى بيئة العمل، وإلى جانب البيئتين الأخرويتين توجد البيئة الترويحية التي يقضي فيها أوقات فراغه. 


 الفقرة الأولى :  اختلالات البيئة العائلية 


تشكل العائلة بحق مهد شخصية الفرد، فيها تتكون عند الحدث النماذج الأساسية لردود الفعل الخاصة بالتفكير والسلوك، وتتكون لديه أيضا معايير القيم التي تصاحب حياته المقبلة. 


واختلالات البيئة العائلية تبرز في مقدمة العوامل الاجتماعية لجنوح الأطفال، وتبدو في تصدع العائلة ومستواها السلوكي السيئ وتنازع الوالدين والتربية الخاطئة وعوز العائلة. 


أ- تصدع العائلة: يحدث تصدع العائلة بغياب الوالدين أو احدهما، بسبب الوفاة أو الطلاق أو الهجر. مما يؤدي غالبا لحرمان الحدث من الرعاية التي يحتاجها في حالة غياب الوالدين، أو لضعف هذه الرعاية عند غياب احدهما وفقدان الرعاية اللازمة لتنشئة سوية للطفل قد يفسح مجالا لانحرافه في اغلب ألأحوال ، كما تدل علة ذلك العديد من الأبحاث الميدانية والدراسات. 


ب- المستوى السلوكي السيئ للعائلة: يسوء المستوى السلوكي للعائلة في حالة كون الوالدين أو احدهما مجرما أو منحلا خلقيا أو مدمنا على المخدرات والمسكرات. فالحدث الذي يجد نفسه في مثل هذه العائلة، ينزلق غالبا مع ذويه في خطاياهم ويتورط عاجلا أو آجلا في ارتكاب المخالفات  دون أن يساوره أي شعور بالذنب.  


 ويقول دونالد تاقت  donald taft أن:"العائلة  هي مدرسة في التدريب على حسن السلوك أو سوء السلوك، تبعا لسلوك العائلة ذاتها". 


ج- خصام الوالدين:  من بين أسباب تمزق حياة الطفل الداخلية، وجود خصام بين والديه، يظهر جليا في مشاكسات ومشاحنات بينهما، قد تتطور أحيانا إلى شجار يتخلله سب وقذف وإيذاء. يثير الفزع لدى الطفل ويجعله يعيش في حيرة وقلق، مهمل من والديه المنهمكين في خصامهما، مما يعرضه لانحراف قد يبلغ حد الجنوح.
ويعود الخصام بين الوالدين لأسباب مختلفة، كأن يكون احدهما أو كلاهما حاد الطبع أو متقلب المزاج أو شديد الغيرة، أو يكون احدهما بخيلا والآخر مسرفا، أو يكون احدهما محافظا والآخر متحررا، أو أن النزاع بينهما مرجعه فرض السلطة في العائلة.
د- التربية الخاطئة: للطفل دوافع بدائية فطرية، تدفعه إلى تحقيق رغبات آنية، قد تكون ضارة به أحيانا، فمن مقتضيات التربية الصحيحة تهذيب هذه الدوافع وتوجيهها لإتباع سلوك سليم للقيام بما يفيد، ولو كان  ذلك يسبب إما آنيا، والتحذير من القيام بما يضر ولو كان ذلك يحقق لذة  فورية على أن يتم التوجيه والتحذير في إطار معاملة الطفل بحزم ومقترن بعطف، أما التربية الخاطئة التي قد ينشأ عنها ميول الطفل نحو الشغب، فهي تشمل جميع الحالات التي لا يتوافر فيها التوجيه السليم أو يتوافر هذا التوجيه في إطار معاملة متسمة بالقسوة أو مصحوبة باللين أو متأرجحة بين القسوة واللين. 
هـ - عجز العائلة: إن حياة الكوخ والفقر وأجور العمال المتدنية ووتيرة البطالة المتزايدة والحاجة بكل أشكالها الأحرى، يفتك بالإنسان بجسمه وطباعه وعقله، حين يسبب له سوء التغذية والحرمان من معظم مقومات الحياة الأساسية والكبت الحيوي والانفعالي، فيما يثير في نفوس أطفال العائلة الشعور بالنقص والضيق وعدم الطمأنينة، فينطلقون عند أول فرصة سانحة إلى خارج جدران مساكنهم العتيقة، للحصول على حاجاتهم الأساسية وغيرها بوسائل تعرضهم للجنوح إن لم تجعلهم جانحين فعلا.

    2- الفقرة الثانية : اختلالات البيئة المدرسية: 


تتولى المدرسة مهمة التعليم، الذي وإن كان بمعناه الضيق لا يتعدى تقديم المعرفة المقررة في مناهج الدراسة، إلا انه بمعناه الواسع يشمل إحاطة هذه المعرفة بإطار متكامل من القيم والمثل والمعتقدات القويمة التي تسهم في التنشئة الاجتماعية السليمة للتلاميذ، غير أن البيئة المدرسية لا تخلو من اختلالات تشوبها، فتدفع التلميذ إلى الجنوح وتبدو هذه الاختلالات في القدوة المنحرفة والرفقة السيئة والمعاملة الخاطئة. أشرحها على الشكل التالي: 


أ- القدوة المنحرفة: يحرص التلاميذ عادة على تتبع سلوك مدرسيهم، والتأثر به غالبا على نحو متباين، فإذا كان سلوكهم سليما انعكست سماته الخيرة على تلاميذهم، فيمتثلون ذلك في سلوكهم وثقافتهم، مما يساعد على حسن تنشئتهم الاجتماعية، أما إذا كان سلوكهم منحرفا، انعكست سماته السيئة على تلاميذهم وخاصة على الذين تغلب عليهم نزعة المحاكاة، فتدفعهم إلى تقليد مدرسيهم، باعتبارهم القدوة الحسنة والمثل الأعلى، والتلاميذ بوصفهم الأدنى، وذلك طبقا لنظرية التقليد  فيكون سلوكهم  هذا هو المنزلق نحو الانحراف.  


ب- الرفقة السيئة:  في البيئة المدرسية يلتقي التلميذ بعدد كبير من زملائه، الذين نشأوا في بيئات عائلية متباينة، بمستوياتها الأخلاقية منها الصالحة ومنها الفاسدة. فإذا قدر للحدث مصاحبة الأخيار الذين جاءوا من بيئة صالحة، فان ذلك يبشر بالتزامه السلوك القويم، أما إذا انقاد لرفاق أشرار قدموا من بيئة  فاسدة، وسايرهم في مسالكهم المنحرفة، وأولها الهروب من المدرسة وما تلاه من مفاسد، فان ذلك بالتأكيد يعرضه للانحراف. كما تقتضي ذلك نظرية الاختلاط التفاضلي. 


ج- المعاملة الخاطئة: العدالة والحكمة والحزم المقترن بالعطف والتفاهم الصريح المباشر، هي الأسس الصحيحة لتعامل  القائمين بإدارة المدرسة ومدرسيها مع التلاميذ، في حين تبدو المعاملة الخاطئة في إتباع احد أسلوبين متضادين سيئين وهما:
الأسلوب ألأول :  يتمثل في القسوة وتوقيع عقوبات عشوائية بدنية، أو بأي شكل آخر حاط بالكرامة، مما يثير كوامن الحقد والشعور بالنقص، فتدفع التلميذ إلى كره المدرسة والهروب من واقعها الذي لا يستبعد الارتماء في مسالك الانحراف .


الأسلوب الثاني: يظهر في إتباع اللين والتسامح، مما ينجم عنه استخفاف التلاميذ بإدارة المدرسة ومدرسيها ونظمها وتعاليمها، فيركنون إلى إهمال الدراسة والاستهتار والعبث والهروب من المدرسة أيضا، مما يعرضهم إلى الانحراف فعلا.

    2- اختلالات البيئة المدرسية:


تتولى المدرسة مهمة التعليم، الذي وإن كان بمعناه الضيق لا يتعدى تقديم المعرفة المقررة في مناهج الدراسة، إلا انه بمعناه الواسع يشمل إحاطة هذه المعرفة بإطار متكامل من القيم والمثل والمعتقدات القويمة التي تسهم في التنشئة الاجتماعية السليمة للتلاميذ، غير أن البيئة المدرسية لا تخلو من اختلالات تشوبها، فتدفع التلميذ الحدث إلى الجنوح وتبدو هذه الاختلالات في القدوة المنحرفة والرفقة السيئة والمعاملة الخاطئة.- أشرحها على الشكل التالي:

أ- القدوة المنحرفة: يحرص التلاميذ عادة على تتبع سلوك مدرسيهم، والتأثر به غالبا على نحو متباين، فإذا كان سلوكهم سليما انعكست سماته الخيرة على تلاميذهم، فيمتثلون ذلك في سلوكهم وثقافتهم، مما يساعد على حسن تنشئتهم الاجتماعية، أما إذا كان سلوكهم منحرفا، انعكست سماته السيئة على تلاميذهم وخاصة على الذين تغلب عليهم نزعة المحاكاة، فتدفعهم إلى تقليد مدرسيهم، باعتبارهم القدوة الحسنة والمثل الأعلى، والتلاميذ بوصفهم الأدنى، وذلك طبقا لنظرية التقليد  فيكون سلوكهم المنحرف هو المنزلق نحو الجنوح.

ب- الرفقة السيئة:  في البيئة المدرسية يلتقي التلميذ الحدث بعدد كبير من زملائه، الذين نشأوا في بيئات عائلية متباينة، بمستوياتها الأخلاقية منها الصالحة ومنها الفاسدة. فإذا قدر للحدث مصاحبة الأخيار الذين جاءوا من بيئة صالحة، فان ذلك يبشر بالتزامه السلوك القويم، أما إذا انقاد لرفاق أشرار قدموا من بيئة  فاسدة، وسايرهم في مسالكهم المنحرفة، وأولها الهروب من المدرسة وما تلاه من مفاسد، فان ذلك بالتأكيد يعرضه للجنوح. كما تقتضي ذلك نظرية الاختلاط التفاضلي. 


ج- المعاملة الخاطئة: العدالة والحكمة والحزم المقترن بالعطف والتفاهم الصريح المباشر، هي الأسس الصحيحة لتعامل  القائمين بإدارة المدرسة ومدرسيها مع التلاميذ، في حين تبدو المعاملة الخاطئة في إتباع احد أسلوبين متضادين سيئين وهما:
الأسلوب الأول: يتمثل في القسوة وتوقيع عقوبات عشوائية بدنية، أو بأي شكل آخر حاط بالكرامة، مما يثير كوامن الحقد والشعور بالنقص، فتدفع التلميذ إلى كره المدرسة والهروب من واقعها الذي لا يستبعد الارتماء في مسالك الانحراف والجنوح.
الأسلوب الثاني: يظهر في إتباع اللين والتسامح، مما ينجم عنه استخفاف التلاميذ بإدارة المدرسة ومدرسيها ونظمها وتعاليمها، فيركنون إلى إهمال الدراسة والاستهتار والعبث والهروب من المدرسة أيضا، مما يعرضهم إلى الجنوح فعلا.

أ‌-    الرفقة السيئة: دور زملاء الدراسة بالنسبة للتلميذ ا يماثل دور زملاء العمال بالنسبة للعامل، من حيث تأثر سلوكه بسلوك زملائه الذين يصاحبهم، فان كانوا أخيارا سار معهم في مسالك الخير وإن كانوا أشرارا انزلق معهم إلى أماكن الرذيلة والشر والجريمة. 


3- اختلالات البيئة الترويحية:


     البيئة الترويحية هي البيئة التي يقضي فيها الحدث أوقات فراغه، باتخاذ وسيلة ترويحية، أو أكثر للحصول على ما يحتاجه من انتعاش المتعة. وتنقسم الوسائل الترويحية تبعا لما تسفر عنه إلى وسائل مفيدة وأخرى ضارة. 


فالوسائل الترويحية المفيدة تحقق المتعة والفائدة معا، كالمطالعة النافعة وممارسة الرياضة ومشاهدة الأفلام السينمائية والعروض المسرحية والاجتماعية والثقافية سواء في دور عرضها أو على شاشة التلفاز أو الاستماع إلى الموسيقى والأناشيد الهادفة.
أما الوسائل الترويحية الضارة التي تمثل اختلالات البيئة الترويحية، فان مجرد اتخاذ بعضها، يعد جريمة بحد ذاته كتعاطي المخدرات والقمار والتردد على محلات السكر والعري والشذوذ الجنسي  وهلم جرى وهذا ما يمهد له الطريق - دون شك- إلى الاعتياد على هذه الدور والارتماء في أحضان الأفعال المجرمة قانونا ودينا وعرفا.

  • المطلب الأول : الاتفاقيات الدولية المانعة للعقاب و التعذيب البدني
  • المطلب الثاني: المذكرات الوطنية المانعة للعقوبة البدنية
تربية بريس
تربية بريس
تعليقات