المساء : الدروس الخصوصية.. «جريمة تربوية» يقترفها «تجار» التعليم

أصدرت‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬الوطنية‭ ‬والتكوين‭ ‬المهني‭ ‬مذكرة‭ ‬تمنع‭ ‬بموجبها‭ ‬وبأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬تنظيم‭ ‬المدرسات‭ ‬والمدرسين‭ ‬لدروس‭ ‬خصوصية‭ ‬مؤدى‭ ‬عنها‭ ‬لفائدة‭ ‬تلميذاتهم‭ ‬وتلاميذهم‭.  ‬ودعت‭ ‬هيأة‭ ‬التدريس‭ ‬إلى‭ ‬تكريس‭ ‬جهودها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الرفع‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬المتعلمات‭ ‬والمتعلمين‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الحصص‭ ‬الرسمية،‭ ‬وإلى‭ ‬مواكبة‭ ‬المتعثرين‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دروس‭ ‬الدعم‭ ‬والتقوية‭ ‬المعتمدة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬السياسة‭ ‬الرسمية‭ ‬للوزارة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الدعم‭ ‬التربوي‭.‬

لم‭ ‬تعد‭ ‬الدروس‭ ‬الخصوصية‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يصطلح‭ ‬عليه‭ ‬بـ»دروس‭ ‬الدعم‭ ‬والتقوية‮»‬،‭ ‬خطأ‭ ‬أو‭ ‬تدليسا،‭ ‬حكرا‭ ‬على‭ ‬الأثرياء‭ ‬وذوي‭ ‬الدخل‭ ‬المرتفع‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬تمنح‭ ‬للتلاميذ‭ ‬الضعاف‭ ‬أو‭ ‬لمن‭ ‬يتعثر‭ ‬في‭ ‬مادة‭ ‬من‭ ‬المواد،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬‮«‬موضة‮»‬‭ ‬عند‭ ‬البعض،‭ ‬وضرورة‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬الآخر،‭ ‬ومطلبا‭ ‬إجباريا‭ ‬عند‭ ‬ثلة‭ ‬أخرى،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬الآباء‭ ‬يسارعون،‭ ‬عند‭ ‬بداية‭ ‬الموسم‭ ‬الدراسي،‭ ‬إلى‭ ‬حجز‭ ‬مقعد‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭  ‬حجرة‭ ‬دراسية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬للتعليم‭ ‬الخصوصي،‭ ‬أو‭ ‬مقر‭ ‬جمعية‭ ‬تمنح‭ ‬دروسا‭ ‬خصوصية‭. ‬ومن‭ ‬الآباء‭ ‬الأثرياء‭ ‬من‭ ‬‮«‬يحجز‮»‬‭ ‬أساتذة‭ ‬كل‭ ‬موسم‭ ‬دراسي‭ ‬يتنقلون‭ ‬إلى‭ ‬فيلاتهم‭ ‬لإعطاء‭ ‬دروس‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المواد‭ ‬لأبنائهم‭ ‬يوضعون‭ ‬رهن‭ ‬إشارتهم‭ ‬حسب‭ ‬أوقات‭ ‬فراغهم‭. ‬وأصبحت‭ ‬الأسر‭ ‬تخصص‭ ‬لهذا‭ ‬النشاط‭ ‬ميزانية‭ ‬خاصة‭ ‬تقتطع‭ ‬من‭ ‬ميزانية‭ ‬الأسرة‭ ‬العامة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬حاجيات‭ ‬ومتطلبات‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬حيوية‭.   ‬

لقد‭ ‬استفحلت‭ ‬الظاهرة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬بحجة‭ ‬مساعدة‭ ‬المتعلم‭ ‬والرفع‭ ‬من‭ ‬مستواه‭ ‬المعرف‭ ‬وضمان‭ ‬حظوظ‭ ‬أوفر‭ ‬للنجاح‭. ‬وفتحت‭ ‬منازل‭ ‬وشقق‭ ‬وفيلات‭ ‬ومرائب‭ ‬ومقرات‭ ‬لجمعيات‭ ‬ومدارس‭ ‬ومعاهد‭ ‬أجنبية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تشجع‭ ‬تعلم‭ ‬لغتها‭ ‬وثقافتها‭ ‬مجانا‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬غرفها‭ ‬ومكاتبها‭ ‬وقاعاتها‭ ‬وساحاتها،‭ ‬غير‭ ‬خاضعة‭ ‬للمراقبة‭ ‬لتحديد‭ ‬مدى‭ ‬استجابتها‭ ‬لشروط‭ ‬صحة‭ ‬وسلامة‭ ‬وأمن‭ ‬الذين‭ ‬يلجونها،‭ ‬بهدف‭ ‬استقطاب‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬المتعلمين‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬المستويات،‭ ‬من‭ ‬أقسام‭ ‬الابتدائي‭ ‬حتى‭ ‬الجامعي،‭ ‬واستدرار‭ ‬أموال‭ ‬طائلة،‭ ‬تعد‭ ‬بالملايير،‭ ‬غير‭ ‬خاضعة‭ ‬للضرائب‭ ‬ولا‭ ‬للمحاسبة‭ ‬وخارج‭ ‬القوانين‭ ‬الغائبة‭ ‬أو‭ ‬المغيبة‭. ‬

يشرع‭ ‬هؤلاء‭ ‬‮«‬التجار‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬والتربية‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬كلّ‭ ‬بداية‭ ‬موسم‭ ‬دراسي‭ ‬وحتى‭ ‬خلال‭ ‬العطل‭ ‬الصيفية،‭ ‬في‭ ‬حملات‭ ‬قوية‭ ‬وخطيرة‭ ‬لإقناع‭ ‬المتعلمين‭ ‬وآبائهم‭ ‬وأولياء‭ ‬أمورهم،‭ ‬عبر‭ ‬مطويات‭ ‬وقصاصات‭ ‬ولوحات‭ ‬إشهارية‭ ‬منشورة‭ ‬في‭ ‬جرائد‭  ‬وموزعة‭ ‬أمام‭ ‬أبواب‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬وفي‭ ‬المقاهي‭ ‬والشوارع‭ ‬وتحت‭ ‬أبواب‭ ‬المنازل‭ ‬بمختلف‭ ‬المدن،‭ ‬بضرورة‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬دروس‭ ‬الدعم‭ ‬والتقوية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬منحها‭ ‬على‭ ‬‮«‬أيدي‭ ‬أطقم‭ ‬من‭ ‬خيرة‭ ‬الأساتذة‭ ‬الأكفاء‭ ‬والمتمكنين‭ ‬من‭ ‬طرق‭ ‬التدريس‭ ‬والتلقين‭ ‬بأحدث‭ ‬الوسائل‭ ‬والإمكانيات‮»‬،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأساتذة‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬الوطنية‭ ‬المغربية‭ ‬ويشتغلون‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬تعليمية‭ ‬مغربية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬بالقول‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬رجال‭ ‬التعليم‭ ‬الجشعين‭ ‬يستغلون‭ ‬مكانتهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعادة‭ ‬بيع‭ ‬المواد‭ ‬الدراسية‭ ‬التي‭ ‬يتقاضون‭ ‬عليها‭ ‬أجرا‭ ‬من‭ ‬الدولة،‭ ‬وأصبح‭ ‬الأمر‭ ‬شبيها‭ ‬بالمضاربة‭ ‬في‭ ‬المعرفة‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬يدلي‭ ‬بعض‭ ‬الآباء‭ ‬وأولياء‭ ‬أمورهم‭ ‬وحتى‭ ‬بعض‭ ‬الأساتذة‭ ‬بشهادات‭ ‬تفيد‭ ‬أن‭ ‬عائدات‭ ‬بعض‭ ‬الأساتذة‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬الدروس‭ ‬التي‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬ظلما‭ ‬‮«‬دروس‭ ‬دعم‭ ‬التقوية‭ ‬الإضافية‮»‬‭ ‬يتراوح‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬و60‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭ ‬شهريا‭ ‬وقد‭ ‬بتجاوز‭ ‬المبلغ‭ ‬ذلك،‭ ‬أما‭ ‬مداخيل‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسات‭ ‬شهريا‭ ‬فلا‭ ‬يعلمها‭ ‬إلا‭ ‬أصحابها،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يلمس‭ ‬الآباء‭ ‬تحسنا‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬أبنائهم‭ ‬ومردودية‭ ‬أفضل‭. ‬وتتراوح‭ ‬واجبات‭ ‬هذه‭ ‬الدروس‭ ‬الخصوصية‭ ‬الشهرية،‭ ‬بمعدل‭ ‬4‭ ‬ساعات‭ ‬في‭ ‬الأسبوع،‭ ‬ما‭ ‬بين300‭ ‬درهم‭ ‬و1200‭ ‬درهم‭ ‬للمتعلم‭ ‬الواحد،‭ ‬حسب‭ ‬المواد‭ ‬المدرسة‭ ‬وأهميتها‭ ‬وشهرة‭ ‬المدرس،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬تتم‭ ‬في‭ ‬غالب‭ ‬الأحيان،‭ ‬داخل‭ ‬غرف‭ ‬مكتظة‭ ‬بالتلاميذ‭ ‬تتجاوز‭ ‬المنطق‭ ‬التربوي‭ ‬والسلامة‭ ‬الصحية‭.   ‬

ومن‭ ‬الأساتذة‭ ‬من‭ ‬يجبر‭ ‬التلاميذ‭ ‬بطرق‭ ‬مباشرة‭ ‬وغير‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬الساعات‭ ‬الإضافية‭ ‬التي‭ ‬يمنح‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬دروسا‮»‬‭ ‬هي‭ ‬الدروس‭ ‬نفسها‭ ‬المقررة‭ ‬في‭ ‬البرامج‭ ‬التعليمية،‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تهضم‭ ‬في‭ ‬فصول‭ ‬المؤسسات‭ ‬داخل‭ ‬الحيز‭ ‬الزمني‭ ‬الرسمي‭ ‬الممنوح‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الإدارة‭ ‬والمؤدى‭ ‬عنه‭ ‬أجرا‭ ‬شهريا‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬العام،‭ ‬دروس‭ ‬ليست‭ ‬بالضرورة‭ ‬لتقوية‭ ‬مستواهم‭ ‬الدراسي‭ ‬ورفع‭ ‬مردوديتهم‭ ‬بل‭ ‬مقابل‭ ‬منحهم‭ ‬نقطا‭ ‬إيجابية‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬الامتحانات‭ ‬والفروض‭ ‬ولو‭ ‬دون‭ ‬استحقاق،‭ ‬محاباة‭ ‬لهم‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬طرح‭ ‬أسئلة‭ ‬الواجبات‭ ‬تم‭ ‬التطرق‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬حصة‭ ‬الدروس‭ ‬الخصوصية‭.‬

لقد‭ ‬تراجع‭ ‬أداء‭ ‬المدرسة‭ ‬العمومية،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مكانا‭ ‬للمعرفة‭ ‬أو‭ ‬بوابتها‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬بمثابة‭ ‬معمل‭ ‬ينتج‭ ‬الخواء‭ ‬العلمي‭ ‬والمعرفي‭ ‬والكوارث‭ ‬التربوية،‭ ‬إذ‭ ‬تأكد‭ ‬لدى‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬الانتقال‭ ‬أو‭ ‬العبور‭ ‬من‭ ‬فصل‭ ‬إلى‭ ‬الفصل‭ ‬الموالي‭ ‬يتم‭ ‬بمعدلات‭ ‬كارثية‭. ‬

لكن‭ ‬ليس‭ ‬كلّ‭ ‬التلاميذ‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬دروس‭ ‬خصوصية،‭ ‬حسب‭ ‬العارفين‭ ‬بقطاع‭ ‬التعليم‭ ‬والبيداغوجية،‭  ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬بمثابة‭ ‬منظومة‭ ‬تعليمية‭ ‬غير‭ ‬نظامية‭ ‬موازية‭ ‬للمنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬الرسمية،‭ ‬واحتلت‭ ‬بذلك‭ ‬مكانة‭ ‬أهم‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬المتعلم‭ ‬وأسرته،‭ ‬واقتنع‭ ‬الجميع‭ ‬بأن‭ ‬المدرسة‭ ‬العمومية‭ ‬هي‭ ‬مقر‭ ‬للتسجيل‭ ‬ووضع‭ ‬ملف‭ ‬لاجتياز‭ ‬امتحان‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬شهادة،‭ ‬فيما‭ ‬تبقى‭ ‬‮«‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬الموازية‭ ‬غير‭ ‬الرسمية‮»‬‭ ‬الطريق‭ ‬المضمون‭ ‬والمؤمن‭ ‬لمعظم‭ ‬التلاميذ‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬النقط‭ ‬والمعدلات‭.‬

انخراط‭ ‬أغلب‭ ‬هؤلاء‭ ‬التلاميذ‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدروس‭ ‬الخصوصية،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬بأي‭ ‬صلة‭ ‬للدعم‭ ‬البيداغوجي‭ ‬التربوي‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬متعارف‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الطرائق‭ ‬التعليمية‭ ‬القديمة‭ ‬والحديثة،‭ ‬يجعلهم‭ ‬أكثر‭ ‬شغبا‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الفصول‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسة‭ ‬الرسمية،‭ ‬وأكثر‭ ‬لهوا‭ ‬ولعبا،‭ ‬وتحكم‭ ‬سلوكاتهم‭ ‬اللامبالاة‭ ‬وعدم‭ ‬الاحترام‭ ‬لمدرسيهم‭ ‬وينعدم‭ ‬لديهم‭ ‬التركيز‭ ‬ويتشتت‭ ‬انتباههم،‭ ‬ويكثر‭ ‬غيابهم،‭ ‬بحكم‭ ‬أن‭ ‬دروس‭ ‬المؤسسة‭ ‬الرسمية‭ ‬ثانوية‭ ‬وغير‭ ‬مجدية‭. ‬

‮«‬‭ ‬إن‭ ‬الساعات‭ ‬الإضافية‭ ‬أثرت‭ ‬وتؤثر‭ ‬على‭ ‬مردودية‭ ‬المدرسة‭ ‬العمومية‭ ‬وتخلق‭ ‬جوا‭ ‬من‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬تلاميذ‭ ‬الفصل‭ ‬الواحد‭ ‬وتربي‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الخطيرة‭ ‬كالحقد‭ ‬والكره‭ ‬والإحساس‭ ‬بالدونية‭ ‬أو‭ ‬بالعجرفة‭ ‬أو‭ ‬بالتفوق‭ ‬غير‭ ‬المبني‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭ ‬الشريفة‭ ‬داخل‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬الجميع‭. ‬فما‭ ‬هي‭ ‬وظيفة‭ ‬نساء‭ ‬ورجال‭ ‬التعليم‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هي‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الظواهر‭ ‬الاجتماعية؟‮»‬‭ ‬يقول‭ ‬أحد‭ ‬الأساتذة‭ ‬الرافضين‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬‮«‬التجارة‮»‬‭.‬

إنها‭ ‬جريمة‭ ‬تربوية‭ ‬بامتياز،‭ ‬يعلق‭ ‬بعض‭ ‬رجال‭ ‬التعليم‭. ‬ويضيفون‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬يجب‭ ‬تجريم‭ ‬التعاطي‭ ‬لدروس‭ ‬الساعات‭ ‬الإضافية‭ ‬لأنها‭ ‬نتيجة‭ ‬للغش‭ ‬داخل‭ ‬الفصل،‭ ‬وعدم‭ ‬الالتزام‭ ‬بالمقررات‭ ‬الدراسية‭ ‬الرسمية،‭ ‬والتماطل‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬المادة‭ ‬للتلميذ‭ ‬ودفعه‭ ‬دفعا‭ ‬للالتحاق‭ ‬بالساعات‭ ‬الإضافية‭ ‬التي‭ ‬يظنها‭ ‬هي‭ ‬المخلص‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬رسوب‭ ‬وفشل‭ ‬محققين‮»‬‭.‬

ويقر‭ ‬أغلب‭ ‬التلاميذ‭ ‬بأن‭ ‬مساوئ‭ ‬الدروس‭ ‬الخصوصية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬منافعها،‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬إثقال‭ ‬كاهل‭ ‬التلميذ‭ ‬وحشو‭ ‬دماغه‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يفيد‭ ‬في‭ ‬غالب‭ ‬الأحيان،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬رهن‭ ‬أوقات‭ ‬فراغه‭ ‬والعطل‭ ‬المدرسية،‭ ‬حيث‭ ‬يضيق‭ ‬وقته‭ ‬ولا‭ ‬يبقى‭ ‬له‭ ‬حيز‭ ‬للراحة،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الإجهاد‭ ‬ثم‭ ‬الإرهاق‭ ‬وضعف‭ ‬التركيز‭ ‬وعدم‭ ‬التحصيل،‭ ‬هذا‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يصب‭ ‬بانهيار‭ ‬عصبي‭ ‬وقت‭ ‬الامتحانات‭ ‬الإشهادية،‭ ‬خصوصا‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الدروس‭ ‬الخصوصية‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬لنظام‭ ‬بيداغوجي‭ ‬تربوي‭ ‬نفسي‭ ‬مدروس،‭ ‬حيث‭ ‬يشتغل‭ ‬المتلقي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬14‭ ‬ساعة‭ ‬في‭ ‬اليوم‭.‬

أما‭ ‬بيداغوجيا،‭ ‬فيقول‭ ‬الباحثون‭ ‬الاجتماعيون‭ ‬والتربويون‭ ‬بضرورة‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الدعم‭ ‬البيداغوجي‭ ‬والبيداغوجية‭ ‬التعويضية،‭ ‬وهي‭ ‬دروس‭ ‬التقوية‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬البيداغوجية‭ ‬التعويضية‭ ‬تعني‭ ‬دعما‭ ‬وتقوية‭ ‬منطلقين‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭ ‬ليصلا‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬المدرسة‭. ‬وتهدف‭ ‬البيداغوجية‭ ‬التعويضية‭ ‬إلى‭ ‬تعويض‭ ‬أطفال‭ ‬الفئات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الدنيا،‭ ‬لما‭ ‬يشعرون‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬حرمان‭ ‬ونقص‭ ‬وفوارق،‭ ‬ترجع‭ ‬بالأساس‭ ‬إلى‭ ‬انتماءاتهم‭ ‬الأسرية،‭ ‬وطمس‭ ‬الفوارق‭ ‬الموجودة‭ ‬بين‭ ‬قيم‭ ‬أسرهم‭ ‬وقيم‭ ‬المدرسة‭.‬

أما‭ ‬ديداكتيكية‭ ‬الدعم‭ ‬البيداغوجي،‭ ‬فتتحدد‭ ‬بالأساس،‭ ‬في‭ ‬كونها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭ ‬والتقنيات‭ ‬البيداغوجية‭ ‬التي‭ ‬تتبع‭ ‬داخل‭ ‬الفصل‭ ‬أو‭ ‬خارجه،‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬أنشطة‭ ‬وممارسات،‭ ‬بهدف‭ ‬تلافي‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يعترض‭ ‬المتعلمين‭ ‬من‭ ‬صعوبات‭ ‬معرفية‭ ‬على‭ ‬الخصوص،‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬إبراز‭ ‬القدرات‭ ‬الحقيقية‭ ‬والإمكانات‭ ‬الفعلية‭ ‬للمتعلمين‭.‬

وتهدف‭ ‬هذه‭ ‬الديداكتيكية‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التجانس‭ ‬داخل‭ ‬عناصر‭ ‬الفصل،‭ ‬وتجاوز‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬التعثر‭ ‬والتأخر‭ ‬التي‭ ‬تعرقل‭ ‬سير‭ ‬عملية‭ ‬التعليم‭ ‬الطبيعي‭ ‬لدى‭ ‬المتعلم‭. ‬وذلك‭ ‬بإعطائه‭ ‬فرصا‭ ‬لتدارك‭ ‬مجالات‭ ‬ضعفه‭. ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إبعاد‭ ‬هذا‭ ‬المتعلم‭ ‬عن‭ ‬الرسوب‭ ‬والتخلف‭ ‬الدراسي‭. ‬

أما‭ ‬أنواع‭ ‬الدعم،‭ ‬فتختلف‭ ‬باختلاف‭ ‬الأهداف‭ ‬المراد‭ ‬تحقيقها،‭ ‬ومنها‭  ‬الدعم‭ ‬النظامي،‭ ‬والدعم‭ ‬التكميلي‭ ‬حيث‭  ‬يتم‭ ‬الأول‭ ‬داخل‭ ‬المدرسة،‭ ‬وتشارك‭ ‬فيه‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية‭ ‬من‭ ‬مدرسين‭ ‬ومؤطرين‭ ‬واختصاصيين‭ ‬في‭ ‬التوجيه‭ ‬وعلم‭ ‬النفس‭ ‬المدرسي،‭ ‬فيما‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬الدعم‭ ‬التكميلي‭ ‬القطاعات‭ ‬الموازية،‭ ‬كالتعاون‭ ‬المدرسي‭ ‬والجمعيات،‭ ‬والإعلام‭ ‬المدرسي‭.‬

أما‭ ‬الدعم‭ ‬الداخلي،‭ ‬فهو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬من‭ ‬أنشطة‭ ‬داعمة‭ ‬داخل‭ ‬الفصل،‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الوحدات‭ ‬التعليمية‭ ‬وفق‭ ‬خطة‭ ‬مبرمجة‭ ‬بشكل‭ ‬دقيق‭. ‬

أما‭ ‬المستوى‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬الدعم،‭ ‬فيتمثل‭ ‬في‭ ‬الدعم‭ ‬الفوري‭ ‬المستمر‭ ‬والدعم‭ ‬المرحلي،‭ ‬حيث‭ ‬يرتكز‭ ‬الأول‭  ‬على‭ ‬تتبع‭ ‬العمليات‭ ‬والأنشطة‭ ‬التي‭ ‬يتضمنها‭ ‬الدرس،‭ ‬وتعيين‭ ‬الثغرات‭ ‬والتعثرات‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬المتعلمين‭ ‬خلال‭ ‬تطبيقها‭ ‬فورا،‭ ‬لدعمها‭ ‬بشكل‭ ‬صريح‭ ‬ومباشر،‭ ‬وأحيانا‭ ‬بشكل‭ ‬ضمني،‭ ‬يتمثل‭ ‬عادة‭ ‬في‭ ‬مجموع‭ ‬الأنشطة‭ ‬التي‭ ‬يلجأ‭ ‬إليها‭ ‬المدرس‭ ‬بشكل‭ ‬آلي،‭ ‬كالإعادة‭ ‬والتكرار‭ ‬والتوضيح‭ ‬والتشخيص‭ ‬والتصحيح‭...‬،‭ ‬ويتم‭ ‬الدعم‭ ‬المرحلي‭ ‬عادة‭ ‬بعد‭ ‬تراكم‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المعارف‭ ‬والخبرات‭. ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬تقديم‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الدروس‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬دراسية‭ ‬معينة‭. ‬وهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الدعم،‭ ‬يستلزم‭ ‬تخطيطا‭ ‬محكما،‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬انتقاء‭ ‬عناصر‭ ‬برنامج‭ ‬تدعيمي‭ ‬وظيفي،‭ ‬يخدم،‭ ‬أولا،‭ ‬الحالات‭ ‬المتعثرة،‭ ‬وهي‭ ‬المستهدفة،‭ ‬ثم‭ ‬يعمق،‭ ‬ثانيا،‭ ‬فعاليات‭ ‬الآخرين‭ ‬ويطور‭ ‬وينمي‭ ‬فهمهم‭.‬

 ويؤكد‭ ‬البحث‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدعم‭ ‬البيداغوجي‭ ‬ليس‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مراجعة‭ ‬للدروس،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬بناء‭ ‬نسقي‭ ‬وخطة‭ ‬محكمة‭ ‬لتصحيح‭ ‬المسار‭ ‬الديداكتيكي‭ ‬البيداغوجي‭ ‬الذي‭ ‬اعتراه‭ ‬التعثر،‭ ‬فحال‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافه‭. ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬لصيقا‭ ‬بالمدرس،‭ ‬كما‭ ‬يعتقد‭ ‬البعض،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬إجراء‭ ‬يساهم‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬الشركاء،‭ ‬وخاصة‭ ‬المتعلم‭ ‬المتعثر،‭ ‬وجماعة‭ ‬الفصل،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬إسهامات‭ ‬الفعاليات‭ ‬الأخرى‭ ‬كالآباء‭ ‬وخبراء‭ ‬التربية‭ ‬وغيرهم‭.‬


المساء -  العدد :2567 - 30/12/2014
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-