أصدرت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني مذكرة تمنع بموجبها وبأي شكل من الأشكال تنظيم المدرسات والمدرسين لدروس خصوصية مؤدى عنها لفائدة تلميذاتهم وتلاميذهم. ودعت هيأة التدريس إلى تكريس جهودها من أجل الرفع من مستوى المتعلمات والمتعلمين في إطار الحصص الرسمية، وإلى مواكبة المتعثرين منهم من خلال دروس الدعم والتقوية المعتمدة في إطار السياسة الرسمية للوزارة في مجال الدعم التربوي.
لم تعد الدروس الخصوصية أو ما يصطلح عليه بـ»دروس الدعم والتقوية»، خطأ أو تدليسا، حكرا على الأثرياء وذوي الدخل المرتفع كما كان في السابق، ولم تعد تمنح للتلاميذ الضعاف أو لمن يتعثر في مادة من المواد، بل أصبحت «موضة» عند البعض، وضرورة عند البعض الآخر، ومطلبا إجباريا عند ثلة أخرى، حتى أصبح الآباء يسارعون، عند بداية الموسم الدراسي، إلى حجز مقعد في غرفة عبارة عن حجرة دراسية أو في مدرسة للتعليم الخصوصي، أو مقر جمعية تمنح دروسا خصوصية. ومن الآباء الأثرياء من «يحجز» أساتذة كل موسم دراسي يتنقلون إلى فيلاتهم لإعطاء دروس في مختلف المواد لأبنائهم يوضعون رهن إشارتهم حسب أوقات فراغهم. وأصبحت الأسر تخصص لهذا النشاط ميزانية خاصة تقتطع من ميزانية الأسرة العامة على حساب حاجيات ومتطلبات أخرى أكثر حيوية.
لقد استفحلت الظاهرة خلال السنوات الأخيرة بحجة مساعدة المتعلم والرفع من مستواه المعرف وضمان حظوظ أوفر للنجاح. وفتحت منازل وشقق وفيلات ومرائب ومقرات لجمعيات ومدارس ومعاهد أجنبية التي كان من المفروض أن تشجع تعلم لغتها وثقافتها مجانا كما كان في السابق، غرفها ومكاتبها وقاعاتها وساحاتها، غير خاضعة للمراقبة لتحديد مدى استجابتها لشروط صحة وسلامة وأمن الذين يلجونها، بهدف استقطاب أكبر عدد ممكن من المتعلمين من كلّ المستويات، من أقسام الابتدائي حتى الجامعي، واستدرار أموال طائلة، تعد بالملايير، غير خاضعة للضرائب ولا للمحاسبة وخارج القوانين الغائبة أو المغيبة.
يشرع هؤلاء «التجار في التعليم والتربية»، مع كلّ بداية موسم دراسي وحتى خلال العطل الصيفية، في حملات قوية وخطيرة لإقناع المتعلمين وآبائهم وأولياء أمورهم، عبر مطويات وقصاصات ولوحات إشهارية منشورة في جرائد وموزعة أمام أبواب المؤسسات التعليمية وفي المقاهي والشوارع وتحت أبواب المنازل بمختلف المدن، بضرورة اللجوء إلى دروس الدعم والتقوية التي يتم منحها على «أيدي أطقم من خيرة الأساتذة الأكفاء والمتمكنين من طرق التدريس والتلقين بأحدث الوسائل والإمكانيات»، رغم أن هؤلاء الأساتذة ينتمون إلى وزارة التربية الوطنية المغربية ويشتغلون في مؤسسات تعليمية مغربية، وهو ما يدفع بالقول إلى أن بعض رجال التعليم الجشعين يستغلون مكانتهم من أجل إعادة بيع المواد الدراسية التي يتقاضون عليها أجرا من الدولة، وأصبح الأمر شبيها بالمضاربة في المعرفة.
وفي هذا الصدد يدلي بعض الآباء وأولياء أمورهم وحتى بعض الأساتذة بشهادات تفيد أن عائدات بعض الأساتذة من وراء هذه الدروس التي يطلق عليها ظلما «دروس دعم التقوية الإضافية» يتراوح ما بين 30 ألف و60 ألف درهم شهريا وقد بتجاوز المبلغ ذلك، أما مداخيل تلك المؤسسات شهريا فلا يعلمها إلا أصحابها، دون أن يلمس الآباء تحسنا في مستوى أبنائهم ومردودية أفضل. وتتراوح واجبات هذه الدروس الخصوصية الشهرية، بمعدل 4 ساعات في الأسبوع، ما بين300 درهم و1200 درهم للمتعلم الواحد، حسب المواد المدرسة وأهميتها وشهرة المدرس، كما أن هذه الدراسة تتم في غالب الأحيان، داخل غرف مكتظة بالتلاميذ تتجاوز المنطق التربوي والسلامة الصحية.
ومن الأساتذة من يجبر التلاميذ بطرق مباشرة وغير مباشرة على الانخراط في الساعات الإضافية التي يمنح فيها «دروسا» هي الدروس نفسها المقررة في البرامج التعليمية، والتي من المفروض أن تهضم في فصول المؤسسات داخل الحيز الزمني الرسمي الممنوح من طرف الإدارة والمؤدى عنه أجرا شهريا من المال العام، دروس ليست بالضرورة لتقوية مستواهم الدراسي ورفع مردوديتهم بل مقابل منحهم نقطا إيجابية عالية في الامتحانات والفروض ولو دون استحقاق، محاباة لهم أو عبر طرح أسئلة الواجبات تم التطرق إليها في حصة الدروس الخصوصية.
لقد تراجع أداء المدرسة العمومية، إذ لم تعد مكانا للمعرفة أو بوابتها بقدر ما أصبحت الآن بمثابة معمل ينتج الخواء العلمي والمعرفي والكوارث التربوية، إذ تأكد لدى الجميع أن الانتقال أو العبور من فصل إلى الفصل الموالي يتم بمعدلات كارثية.
لكن ليس كلّ التلاميذ في حاجة إلى دروس خصوصية، حسب العارفين بقطاع التعليم والبيداغوجية، والتي أصبحت بمثابة منظومة تعليمية غير نظامية موازية للمنظومة التعليمية الرسمية، واحتلت بذلك مكانة أهم في حياة المتعلم وأسرته، واقتنع الجميع بأن المدرسة العمومية هي مقر للتسجيل ووضع ملف لاجتياز امتحان والحصول على شهادة، فيما تبقى «المنظومة التعليمية الموازية غير الرسمية» الطريق المضمون والمؤمن لمعظم التلاميذ للحصول على النقط والمعدلات.
انخراط أغلب هؤلاء التلاميذ في تلك الدروس الخصوصية، التي لا تمت بأي صلة للدعم البيداغوجي التربوي كما هو متعارف عليه في الطرائق التعليمية القديمة والحديثة، يجعلهم أكثر شغبا في بعض الفصول داخل المؤسسة الرسمية، وأكثر لهوا ولعبا، وتحكم سلوكاتهم اللامبالاة وعدم الاحترام لمدرسيهم وينعدم لديهم التركيز ويتشتت انتباههم، ويكثر غيابهم، بحكم أن دروس المؤسسة الرسمية ثانوية وغير مجدية.
« إن الساعات الإضافية أثرت وتؤثر على مردودية المدرسة العمومية وتخلق جوا من التمييز بين تلاميذ الفصل الواحد وتربي لدى البعض منهم الكثير من الظواهر الاجتماعية الخطيرة كالحقد والكره والإحساس بالدونية أو بالعجرفة أو بالتفوق غير المبني على المنافسة الشريفة داخل الفصل بين الجميع. فما هي وظيفة نساء ورجال التعليم إن لم تكن هي القضاء على الظواهر الاجتماعية؟» يقول أحد الأساتذة الرافضين لهذا النوع من «التجارة».
إنها جريمة تربوية بامتياز، يعلق بعض رجال التعليم. ويضيفون أنه «يجب تجريم التعاطي لدروس الساعات الإضافية لأنها نتيجة للغش داخل الفصل، وعدم الالتزام بالمقررات الدراسية الرسمية، والتماطل في تقديم المادة للتلميذ ودفعه دفعا للالتحاق بالساعات الإضافية التي يظنها هي المخلص له من رسوب وفشل محققين».
ويقر أغلب التلاميذ بأن مساوئ الدروس الخصوصية أكثر من منافعها، فهي من جهة إثقال كاهل التلميذ وحشو دماغه بما لا يفيد في غالب الأحيان، بعد أن يتم رهن أوقات فراغه والعطل المدرسية، حيث يضيق وقته ولا يبقى له حيز للراحة، مما يؤدي إلى الإجهاد ثم الإرهاق وضعف التركيز وعدم التحصيل، هذا إذا لم يصب بانهيار عصبي وقت الامتحانات الإشهادية، خصوصا وأن هذه الدروس الخصوصية لا تخضع لنظام بيداغوجي تربوي نفسي مدروس، حيث يشتغل المتلقي أكثر من 14 ساعة في اليوم.
أما بيداغوجيا، فيقول الباحثون الاجتماعيون والتربويون بضرورة التمييز بين الدعم البيداغوجي والبيداغوجية التعويضية، وهي دروس التقوية. ذلك أن البيداغوجية التعويضية تعني دعما وتقوية منطلقين من المدرسة ليصلا إلى خارج المدرسة. وتهدف البيداغوجية التعويضية إلى تعويض أطفال الفئات الاجتماعية الدنيا، لما يشعرون به من حرمان ونقص وفوارق، ترجع بالأساس إلى انتماءاتهم الأسرية، وطمس الفوارق الموجودة بين قيم أسرهم وقيم المدرسة.
أما ديداكتيكية الدعم البيداغوجي، فتتحدد بالأساس، في كونها مجموعة من الوسائل والتقنيات البيداغوجية التي تتبع داخل الفصل أو خارجه، في شكل أنشطة وممارسات، بهدف تلافي ما قد يعترض المتعلمين من صعوبات معرفية على الخصوص، تحول دون إبراز القدرات الحقيقية والإمكانات الفعلية للمتعلمين.
وتهدف هذه الديداكتيكية إلى خلق نوع من التجانس داخل عناصر الفصل، وتجاوز كل أشكال التعثر والتأخر التي تعرقل سير عملية التعليم الطبيعي لدى المتعلم. وذلك بإعطائه فرصا لتدارك مجالات ضعفه. وكل ذلك من أجل إبعاد هذا المتعلم عن الرسوب والتخلف الدراسي.
أما أنواع الدعم، فتختلف باختلاف الأهداف المراد تحقيقها، ومنها الدعم النظامي، والدعم التكميلي حيث يتم الأول داخل المدرسة، وتشارك فيه الأطراف المعنية من مدرسين ومؤطرين واختصاصيين في التوجيه وعلم النفس المدرسي، فيما تساهم في الدعم التكميلي القطاعات الموازية، كالتعاون المدرسي والجمعيات، والإعلام المدرسي.
أما الدعم الداخلي، فهو ما يمكن أن يقدم من أنشطة داعمة داخل الفصل، في مختلف الوحدات التعليمية وفق خطة مبرمجة بشكل دقيق.
أما المستوى الثالث من الدعم، فيتمثل في الدعم الفوري المستمر والدعم المرحلي، حيث يرتكز الأول على تتبع العمليات والأنشطة التي يتضمنها الدرس، وتعيين الثغرات والتعثرات التي تعترض المتعلمين خلال تطبيقها فورا، لدعمها بشكل صريح ومباشر، وأحيانا بشكل ضمني، يتمثل عادة في مجموع الأنشطة التي يلجأ إليها المدرس بشكل آلي، كالإعادة والتكرار والتوضيح والتشخيص والتصحيح...، ويتم الدعم المرحلي عادة بعد تراكم عدد من المعارف والخبرات. أي بعد تقديم سلسلة من الدروس في مرحلة دراسية معينة. وهذا النوع من الدعم، يستلزم تخطيطا محكما، يساعد على انتقاء عناصر برنامج تدعيمي وظيفي، يخدم، أولا، الحالات المتعثرة، وهي المستهدفة، ثم يعمق، ثانيا، فعاليات الآخرين ويطور وينمي فهمهم.
ويؤكد البحث على أن الدعم البيداغوجي ليس عبارة عن مراجعة للدروس، وإنما هو بناء نسقي وخطة محكمة لتصحيح المسار الديداكتيكي البيداغوجي الذي اعتراه التعثر، فحال دون تحقيق أهدافه. إلا أنه ليس لصيقا بالمدرس، كما يعتقد البعض، وإنما هو إجراء يساهم فيه كل الشركاء، وخاصة المتعلم المتعثر، وجماعة الفصل، إضافة إلى إسهامات الفعاليات الأخرى كالآباء وخبراء التربية وغيرهم.
المساء - العدد :2567 - 30/12/2014
لم تعد الدروس الخصوصية أو ما يصطلح عليه بـ»دروس الدعم والتقوية»، خطأ أو تدليسا، حكرا على الأثرياء وذوي الدخل المرتفع كما كان في السابق، ولم تعد تمنح للتلاميذ الضعاف أو لمن يتعثر في مادة من المواد، بل أصبحت «موضة» عند البعض، وضرورة عند البعض الآخر، ومطلبا إجباريا عند ثلة أخرى، حتى أصبح الآباء يسارعون، عند بداية الموسم الدراسي، إلى حجز مقعد في غرفة عبارة عن حجرة دراسية أو في مدرسة للتعليم الخصوصي، أو مقر جمعية تمنح دروسا خصوصية. ومن الآباء الأثرياء من «يحجز» أساتذة كل موسم دراسي يتنقلون إلى فيلاتهم لإعطاء دروس في مختلف المواد لأبنائهم يوضعون رهن إشارتهم حسب أوقات فراغهم. وأصبحت الأسر تخصص لهذا النشاط ميزانية خاصة تقتطع من ميزانية الأسرة العامة على حساب حاجيات ومتطلبات أخرى أكثر حيوية.
لقد استفحلت الظاهرة خلال السنوات الأخيرة بحجة مساعدة المتعلم والرفع من مستواه المعرف وضمان حظوظ أوفر للنجاح. وفتحت منازل وشقق وفيلات ومرائب ومقرات لجمعيات ومدارس ومعاهد أجنبية التي كان من المفروض أن تشجع تعلم لغتها وثقافتها مجانا كما كان في السابق، غرفها ومكاتبها وقاعاتها وساحاتها، غير خاضعة للمراقبة لتحديد مدى استجابتها لشروط صحة وسلامة وأمن الذين يلجونها، بهدف استقطاب أكبر عدد ممكن من المتعلمين من كلّ المستويات، من أقسام الابتدائي حتى الجامعي، واستدرار أموال طائلة، تعد بالملايير، غير خاضعة للضرائب ولا للمحاسبة وخارج القوانين الغائبة أو المغيبة.
يشرع هؤلاء «التجار في التعليم والتربية»، مع كلّ بداية موسم دراسي وحتى خلال العطل الصيفية، في حملات قوية وخطيرة لإقناع المتعلمين وآبائهم وأولياء أمورهم، عبر مطويات وقصاصات ولوحات إشهارية منشورة في جرائد وموزعة أمام أبواب المؤسسات التعليمية وفي المقاهي والشوارع وتحت أبواب المنازل بمختلف المدن، بضرورة اللجوء إلى دروس الدعم والتقوية التي يتم منحها على «أيدي أطقم من خيرة الأساتذة الأكفاء والمتمكنين من طرق التدريس والتلقين بأحدث الوسائل والإمكانيات»، رغم أن هؤلاء الأساتذة ينتمون إلى وزارة التربية الوطنية المغربية ويشتغلون في مؤسسات تعليمية مغربية، وهو ما يدفع بالقول إلى أن بعض رجال التعليم الجشعين يستغلون مكانتهم من أجل إعادة بيع المواد الدراسية التي يتقاضون عليها أجرا من الدولة، وأصبح الأمر شبيها بالمضاربة في المعرفة.
وفي هذا الصدد يدلي بعض الآباء وأولياء أمورهم وحتى بعض الأساتذة بشهادات تفيد أن عائدات بعض الأساتذة من وراء هذه الدروس التي يطلق عليها ظلما «دروس دعم التقوية الإضافية» يتراوح ما بين 30 ألف و60 ألف درهم شهريا وقد بتجاوز المبلغ ذلك، أما مداخيل تلك المؤسسات شهريا فلا يعلمها إلا أصحابها، دون أن يلمس الآباء تحسنا في مستوى أبنائهم ومردودية أفضل. وتتراوح واجبات هذه الدروس الخصوصية الشهرية، بمعدل 4 ساعات في الأسبوع، ما بين300 درهم و1200 درهم للمتعلم الواحد، حسب المواد المدرسة وأهميتها وشهرة المدرس، كما أن هذه الدراسة تتم في غالب الأحيان، داخل غرف مكتظة بالتلاميذ تتجاوز المنطق التربوي والسلامة الصحية.
ومن الأساتذة من يجبر التلاميذ بطرق مباشرة وغير مباشرة على الانخراط في الساعات الإضافية التي يمنح فيها «دروسا» هي الدروس نفسها المقررة في البرامج التعليمية، والتي من المفروض أن تهضم في فصول المؤسسات داخل الحيز الزمني الرسمي الممنوح من طرف الإدارة والمؤدى عنه أجرا شهريا من المال العام، دروس ليست بالضرورة لتقوية مستواهم الدراسي ورفع مردوديتهم بل مقابل منحهم نقطا إيجابية عالية في الامتحانات والفروض ولو دون استحقاق، محاباة لهم أو عبر طرح أسئلة الواجبات تم التطرق إليها في حصة الدروس الخصوصية.
لقد تراجع أداء المدرسة العمومية، إذ لم تعد مكانا للمعرفة أو بوابتها بقدر ما أصبحت الآن بمثابة معمل ينتج الخواء العلمي والمعرفي والكوارث التربوية، إذ تأكد لدى الجميع أن الانتقال أو العبور من فصل إلى الفصل الموالي يتم بمعدلات كارثية.
لكن ليس كلّ التلاميذ في حاجة إلى دروس خصوصية، حسب العارفين بقطاع التعليم والبيداغوجية، والتي أصبحت بمثابة منظومة تعليمية غير نظامية موازية للمنظومة التعليمية الرسمية، واحتلت بذلك مكانة أهم في حياة المتعلم وأسرته، واقتنع الجميع بأن المدرسة العمومية هي مقر للتسجيل ووضع ملف لاجتياز امتحان والحصول على شهادة، فيما تبقى «المنظومة التعليمية الموازية غير الرسمية» الطريق المضمون والمؤمن لمعظم التلاميذ للحصول على النقط والمعدلات.
انخراط أغلب هؤلاء التلاميذ في تلك الدروس الخصوصية، التي لا تمت بأي صلة للدعم البيداغوجي التربوي كما هو متعارف عليه في الطرائق التعليمية القديمة والحديثة، يجعلهم أكثر شغبا في بعض الفصول داخل المؤسسة الرسمية، وأكثر لهوا ولعبا، وتحكم سلوكاتهم اللامبالاة وعدم الاحترام لمدرسيهم وينعدم لديهم التركيز ويتشتت انتباههم، ويكثر غيابهم، بحكم أن دروس المؤسسة الرسمية ثانوية وغير مجدية.
« إن الساعات الإضافية أثرت وتؤثر على مردودية المدرسة العمومية وتخلق جوا من التمييز بين تلاميذ الفصل الواحد وتربي لدى البعض منهم الكثير من الظواهر الاجتماعية الخطيرة كالحقد والكره والإحساس بالدونية أو بالعجرفة أو بالتفوق غير المبني على المنافسة الشريفة داخل الفصل بين الجميع. فما هي وظيفة نساء ورجال التعليم إن لم تكن هي القضاء على الظواهر الاجتماعية؟» يقول أحد الأساتذة الرافضين لهذا النوع من «التجارة».
إنها جريمة تربوية بامتياز، يعلق بعض رجال التعليم. ويضيفون أنه «يجب تجريم التعاطي لدروس الساعات الإضافية لأنها نتيجة للغش داخل الفصل، وعدم الالتزام بالمقررات الدراسية الرسمية، والتماطل في تقديم المادة للتلميذ ودفعه دفعا للالتحاق بالساعات الإضافية التي يظنها هي المخلص له من رسوب وفشل محققين».
ويقر أغلب التلاميذ بأن مساوئ الدروس الخصوصية أكثر من منافعها، فهي من جهة إثقال كاهل التلميذ وحشو دماغه بما لا يفيد في غالب الأحيان، بعد أن يتم رهن أوقات فراغه والعطل المدرسية، حيث يضيق وقته ولا يبقى له حيز للراحة، مما يؤدي إلى الإجهاد ثم الإرهاق وضعف التركيز وعدم التحصيل، هذا إذا لم يصب بانهيار عصبي وقت الامتحانات الإشهادية، خصوصا وأن هذه الدروس الخصوصية لا تخضع لنظام بيداغوجي تربوي نفسي مدروس، حيث يشتغل المتلقي أكثر من 14 ساعة في اليوم.
أما بيداغوجيا، فيقول الباحثون الاجتماعيون والتربويون بضرورة التمييز بين الدعم البيداغوجي والبيداغوجية التعويضية، وهي دروس التقوية. ذلك أن البيداغوجية التعويضية تعني دعما وتقوية منطلقين من المدرسة ليصلا إلى خارج المدرسة. وتهدف البيداغوجية التعويضية إلى تعويض أطفال الفئات الاجتماعية الدنيا، لما يشعرون به من حرمان ونقص وفوارق، ترجع بالأساس إلى انتماءاتهم الأسرية، وطمس الفوارق الموجودة بين قيم أسرهم وقيم المدرسة.
أما ديداكتيكية الدعم البيداغوجي، فتتحدد بالأساس، في كونها مجموعة من الوسائل والتقنيات البيداغوجية التي تتبع داخل الفصل أو خارجه، في شكل أنشطة وممارسات، بهدف تلافي ما قد يعترض المتعلمين من صعوبات معرفية على الخصوص، تحول دون إبراز القدرات الحقيقية والإمكانات الفعلية للمتعلمين.
وتهدف هذه الديداكتيكية إلى خلق نوع من التجانس داخل عناصر الفصل، وتجاوز كل أشكال التعثر والتأخر التي تعرقل سير عملية التعليم الطبيعي لدى المتعلم. وذلك بإعطائه فرصا لتدارك مجالات ضعفه. وكل ذلك من أجل إبعاد هذا المتعلم عن الرسوب والتخلف الدراسي.
أما أنواع الدعم، فتختلف باختلاف الأهداف المراد تحقيقها، ومنها الدعم النظامي، والدعم التكميلي حيث يتم الأول داخل المدرسة، وتشارك فيه الأطراف المعنية من مدرسين ومؤطرين واختصاصيين في التوجيه وعلم النفس المدرسي، فيما تساهم في الدعم التكميلي القطاعات الموازية، كالتعاون المدرسي والجمعيات، والإعلام المدرسي.
أما الدعم الداخلي، فهو ما يمكن أن يقدم من أنشطة داعمة داخل الفصل، في مختلف الوحدات التعليمية وفق خطة مبرمجة بشكل دقيق.
أما المستوى الثالث من الدعم، فيتمثل في الدعم الفوري المستمر والدعم المرحلي، حيث يرتكز الأول على تتبع العمليات والأنشطة التي يتضمنها الدرس، وتعيين الثغرات والتعثرات التي تعترض المتعلمين خلال تطبيقها فورا، لدعمها بشكل صريح ومباشر، وأحيانا بشكل ضمني، يتمثل عادة في مجموع الأنشطة التي يلجأ إليها المدرس بشكل آلي، كالإعادة والتكرار والتوضيح والتشخيص والتصحيح...، ويتم الدعم المرحلي عادة بعد تراكم عدد من المعارف والخبرات. أي بعد تقديم سلسلة من الدروس في مرحلة دراسية معينة. وهذا النوع من الدعم، يستلزم تخطيطا محكما، يساعد على انتقاء عناصر برنامج تدعيمي وظيفي، يخدم، أولا، الحالات المتعثرة، وهي المستهدفة، ثم يعمق، ثانيا، فعاليات الآخرين ويطور وينمي فهمهم.
ويؤكد البحث على أن الدعم البيداغوجي ليس عبارة عن مراجعة للدروس، وإنما هو بناء نسقي وخطة محكمة لتصحيح المسار الديداكتيكي البيداغوجي الذي اعتراه التعثر، فحال دون تحقيق أهدافه. إلا أنه ليس لصيقا بالمدرس، كما يعتقد البعض، وإنما هو إجراء يساهم فيه كل الشركاء، وخاصة المتعلم المتعثر، وجماعة الفصل، إضافة إلى إسهامات الفعاليات الأخرى كالآباء وخبراء التربية وغيرهم.
المساء - العدد :2567 - 30/12/2014