تجليات المحلي في رواية الحضارة أمي *

الكبير الداديسي

في إطار الاهتمام بالرواية العربية المعاصرة نفتح اليوم نافدة على رواية (الحضارة أمي ) للكاتب المغربي إدريس الشرايبي ، فعلى الرغم من قدم الرواية ( صدرت سنة 1976 باللغة الفرنسية )  فإنها طفت على السطح  الثقافي العربي من جديد في سنة 2014  وحظيت باهتمام القراء والمفكرين العرب ، بعد  صدور ترجمتها بالعربية، في طبعتها الأولى الصادرة ضمن  سلسلة إبداعات عالمية العدد 400 / 2014  المجلس الوطني للثقافة والآداب ترجمة سعيد بلموخوت المزداد سنة 1959 بالجديدة، مراجعة إيمان خالد المسلم  في 178 صفحة مقسمة على جزأين:
 الجزء الأول من ص 15 إلى ص 97 يضم 10 فصول
الجزء الثاني من ص 99 إلى ص 178 موزع على 7 فصول
والمؤلف  - مثل المترجم - من مواليد الجديدة  عاصمة إقليم دكالة يوم 15 نونبر 1926  توفي يوم الأحد فاتح أبريل 2007 انضم إلى اتحاد كتاب المغرب سنة 1961 ، حصل على عدة جوائز أهمها جائزة إفريقيا المتوسطية على مجموع أعماله، جائزة الصداقة الفرنسية العربية، جائزة مونديللو الإيطالية .... خلف ريبرتوارا فكريا متنوعا يربو عن العشرين مؤلفا، أطل على المثقفين بكتابه (الماضي البسيط الذي استفز الذاكرة الجمعية المغربية وأحدث وقتها رجة فكرية ( لقد ولد الشرايبي ناضجا )  ليتدفق شلاله الفكري في مؤلفات منها :
1.    الماضي البسيط  1954 Le Passé simple
2.    الماعز 1955 Les Boucs
3.    من جميع الآفاق 1958 De Tous les horizons
4.    النجاح المفتوح 1962 Succession Ouverte
5.    سيأتي صديق لرؤيتكم 1967 Un Ami viendra vous voir
6.    الحضارة أمي 1972 La Civilisation ma mère
7.    ميت في كندا 1975 Mort au Canada
8.    تحقيق في بلد 1981 Une Enquête au pays
9.    أم الربيع 1982 La Mère du printemps
10.    ولادة عند الفجر 1986 Naissance à l'aube
11.    المفتش علي 1991 L’Inspecteur Ali
12.    رجل الكتاب 1995 L’Homme du livre
13.    المفتش علي في جامعة ترينتي 1995 L'Inspecteur Ali à Trinity College
14.    المفتش علي والاستخبارات المركزية الأمريكية 1996 L'Inspecteur Ali et la CIA
15.    قرأ وشوهد وسمع 1998 Lu, vu, entendu
16.    العالم جانبا 2001 Le Monde à côté
17.    الرجل الذي أتى من الماضي 2004 L'homme qui venait du passé
رواية الحضارة أمي إذن  صدرت مترجمة سنة 2014  كتبت في الأصل  سنة 1972 تحكي عن مرحة استعمار المغرب أي خمسينيات القرن الماضي ، لتكون بداية هذه الرواية قد سمحت علينا دون غيرها من الروايات القراءة بلغتين (العربية والفرنسي) ولمؤلفين ( الكاتب والمترجم) والانفتاح على مراحل مختلفة...
لا بد في البداية من الإشارة إلى الاختلاف الواضح بين النص الأصلي بالفرنسية والنص المترجم المكتوب بالعربية من حيث القيمة اللغوية والجمالية ،  فقراءتنا للنسختين كرست لنا فكرة: أن الترجمة  خيانة للنص الأصلي إذ يلاحظ القارئ بعض الركاكة في بعض التعابير الناتجة عن حرص المترجم على الترجمة الحرفية دون مراعاة خصوصية بنية الجملة في اللغة العربية ، والمسؤولية في ذلك مشتركة بين المترجم والمسؤولة عن مراجعة النص (إيمان خالد المسلم) ولسنا في حاجة لسرد كل تجليات ذلك وإنما تقديم بعض الأمثلة
الفعل في اللغة الفرنسية يطابق الفاعل في العدد وفي العربية تعتبر واو الجماعة فاعلا لذلك لا يذكر فاعلان للفعل الواحد كما في قول المترجم (عندما يذهبون... رجال القرون المقبلة سينبشون)  .. كما أن المترجم لم يتحكم جيدا في لعبة الضمائر ومن أمثلة ذلك قوله أيضا (إنهم يشبهون ذلك الرجل الذي كنت أنت هو في السابق)   والأصح في العربي (الرجل الذي كنه في السابق ) بل بعض الأحيان يحتار القارئ في معرفة إحالة الضمائر كما في قوله (أخذت المنذيل من حزامها، سرحته، في أحد أطرافه، تم طرز: "أنا " قلدناها مدة ثلاث ثواني منديل ابي كان مطرزا "هو" منديلي "ن" . سأل أبي )  وأحيانا التزم المترجم بالحفاظ على ضمير المتكلم منفصلا في نهاية الجملة كما في الفرنسية (حصلت بالفعل المعركة الضارية، حيث كان أصدقائي وأنا نترك فيها الأسمال في الدرب)  والأسلم في العربية ( كنت وأصدقائي) ناهيك عن بعض الأخطاء المطبعية ، والركاكة في التعبير كما في قوله (لكن افترضي أنه قبل ، ماذا ستفعلين بتك الفرسان الإقطاعية؟)  ، وفي قوله  (وهذا يعني ،تزيد أمي ، ولهذا فإن الغربيين لا يتحملون الألم ...) فلا حاجة لتكرار اسم الإشارة في مثل هذه الجمل ( وهذا يعني ،تزيد أمي، أن الغربين...)  مثل هذه التعابير كثيرة في الرواية...
  ونحن هنا لسنا بصدد المقارنة بين النسخة الأصلية والنسخة المترجمة، ولا بصدد التصحيح والمراجعة اللغوية للنسخة العربية .. وإيرادنا لهذا للتذكير فقط
لذلك فنحن مضطرون للعودة لموضوع حديثنا ، وقبل  الغوص في مناقشة تجليات المحلي في الرواية دون أن يستوقفنا هذا العنوان (الحضارة ،أمي )  المشحون بالدلالات ولإيحاءات الرمزية  التي تحبل بها  كلمتاه:
* فإذا كانت (الحضارة) مفهوما عاما هناك من يمططه ليتسع للموارد الاقتصادية (فلاحة صناعة تجارة صيد بحري) ، نظم السياسة والتدبير( أسلوب المعيشة في  الأكل واللباس والعلاقات ..) ، التقاليد والقيم (الدينية ، الأخلاقية..) ، العلوم والفنون( عمران، موسقى أغاني ..)   وهناك من يضيقه فيضع الحضارة في مقابل الثقافة ويميز بين الإنسان المتحضر والإنسان المثقف . كما يوجد من يميز  بين الحضارة والبداوة واضعا فرقات بين البدوي والمتحضر...  فإن إضافة (أمي ) للحضارة تخلق لدى المتلقي فجوة ويخيب أفق انتظاره فيضطر إلى البحث عن العلاقات الممكنة التي قد تربط الحضارة في كل دلالاتها العامة  بأمي (في خصوصيتها الشديدة)، ليجد نفسه أمام دلالات  تفرض نفسها آنئذ ومعان تحيل على التفوق والرفعة إذا ما استحضرنا ثنائيات الحضارة/ البداوة  ، المثقف/ المتحضر  وتصبح (الحضارة أمي ) معادلة لاعتبار فأمي هي المتحضرة بل هي الحضارة ...  

الرواية عبارة عن رحلة في المحلي للأم مع ولديها ( السارد وأخيه نجيب) والأب خلال فترة الاستعمار وهي رحلة تعكس بحق أن الشرايبي - وإن كتب بالفرنسية - فإنه ظل يفكر مغربيا بالطريقة المغربية المحلية ربما أكثر من أولئك الذين كتبوا بالعربية بل و أكثر  من الذين وظفوا اللهجة العامية كتاباتهم، لذلك لا يتجادل اثنان في مغربية/ عربية الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية ، كما لا يتجرأ أحد على نفي اعتبار إدريس الشرايبي دكاليا تحدث في أعماله عن خصوصية المنطقة وهويتها الثقافية والاجتماعية و هو الذي ظل يتردد عليها وزارها قبيل وفاته ..
فماهي المظاهر المحلية التي رصدها قلم الشرايبي ؟

تربية بريس
تربية بريس
تعليقات