نعم، تستيقظ في الصباح الباكر كديك ريفي مفعم بالحيوية والنشاط، - بين قوسين الدواجن مرة أخرى - وتردد في قرارة نفسك أن هذا اليوم سيكون يوما رائعا وان ما ستقرر فعله هو ما سيكون بالفعل لان كل بائعي الكلام المعسول من مدربي التنمية البشرية يقولون لك أن كل إنسان مسؤول عن قدره وان النجاح الحقيقي هو أن تخطط لحياتك لا أن تكون جزءا من مخططات الآخرين.
باختصار وقبل أن تضع رجليك خارج المنزل٬ تعتقد أن شيئا ما من الفلسفة الوجودية لجون بول سارتر قد تسرب في غفلة منك إلى أعماقك وانك أصبحت شخصا آخر لأنك تفكر بطريقة مختلفة عن الآخرين الذين يختزلهم فيلسوفك المفضل في الجحيم ٬في قولته الخالدة على لسان احد شخصيات مسرحيته ″الأبواب الموصدة″ Huis clos" " :
"L'enfer, c'est les autres"
في طريقك إلى العمل وأنت خلف مقود سيارتك ٬تستمع في هدوء إلى قطعة موسيقية رومانسية في انتظار الإشارة الخضراء للمرور. تحملك هذه الأنغام رغما عنك إلى أيام الشباب فتنسى انك وسط زحمة خانقة من المحركات التي تهدر دون توقف في ترقب النور الاصطناعي٬ وفجأة ينتهي كل شيء. تزمجر الأبواق٬ تنهال عليك الشتائم من كل صوب٬ يتوعدك السائقون العصابيون وهم يرتجفون خلف زجاجهم الأمامي.
ترتعد وتصاب بالهلع وتشعر أن أعصابك على وشك الانفجار. كل هذا بسبب شارة ضوئية مقدسة وثلاثة ألوان : الأخضر والأصفر والأحمر.
تهدئ من روعك وأنت الآن في العمل وتحاول جاهدا أن تنسى ما وقع. تتنفس الصعداء وتحاول الاسترخاء ثم تستقبل التلاميذ الذين تعطلت بوصلتهم في متاهات النظام التربوي والتي تشبه إلى حد بعيد تلك التي تمر منها فئران التجارب المغلوبة على أمرها. تقدم لهم عرضا حول تقنيات مراوغة أنظمة الدراسة ومعاملات التقويم التي لا ترحم. تستمع بعمق إلى أوجاعهم المزمنة من الجلوس المؤلم والطويل على كراسي الدراسة الخشبية. لتختم بانجح السبل لتسجيل الهدف الشخصي في مرمى المستقبل الصغير جدا. تودعهم أخيرا على أمل اللقاء بهم في استشارات تربوية أخرى.
تأخذ حاسوبك وأغراضك ثم تعرج على الإدارة لإلقاء التحية والاستفسار عن الأحوال لتكتشف من خلال الدردشات الروتينية ان ″ المخابرات التربوية ″ قد أصدرت تعليماتها بمراقبة أنشطة المستشار في التوجيه التربوي لأنه من الموظفين الأشباح الذين لا يرابطون بقطاعاتهم التربوية كباقي الموظفين وكان التوجيه التربوي يتم في بداية الدخول المدرسي. والغريب أن الأشباح الحقيقيين بالوزارة يهابهم الجميع ولا احد يجرؤ على الاقتراب منهم ربما في انتظار الفقيه الشجاع القادر على إخراج هؤلاء الكائنات الخفية من جسم النظام التربوي العليل.
تعود أدراجك إلى البيت.
في البيت تنادي على أطفالك لتطمئن على حالهم٬ وتصاب بالقرف وأنت تنصت إلى أوجاعهم من نظام تربوي مهترىء يقاوم الاحتضار. تتحدث إليهم بلطف مصطنع فيخبرونك بان النيابة لم تعين بعد أساتذة الفيزياء والإعلاميات و...ونحن على مشارف نصف السنة الدراسية. تستشيط غضبا كاب مكلوم وتقرر الاتصال بجمعية الآباء التي لم تحرك ساكنا في الموضوع. يجيبك الرئيس بأنهم قد عقدوا اجتماعات عديدة مع المسؤولين في النيابة، لكن لا شيء إلى غاية الآن باستثناء الكلام المعسول واللغة الخشبية التي يتقنونها.
أخيرا٬ يغازل النوم عينيك٬ لكنهما ترتعدان خوفا من الانصياع كفتاتين بدويتين في موعد حبهما الأول تهربان عن الأنظار من اجل متعة وهمية.
محمد ازرور
باختصار وقبل أن تضع رجليك خارج المنزل٬ تعتقد أن شيئا ما من الفلسفة الوجودية لجون بول سارتر قد تسرب في غفلة منك إلى أعماقك وانك أصبحت شخصا آخر لأنك تفكر بطريقة مختلفة عن الآخرين الذين يختزلهم فيلسوفك المفضل في الجحيم ٬في قولته الخالدة على لسان احد شخصيات مسرحيته ″الأبواب الموصدة″ Huis clos" " :
"L'enfer, c'est les autres"
في طريقك إلى العمل وأنت خلف مقود سيارتك ٬تستمع في هدوء إلى قطعة موسيقية رومانسية في انتظار الإشارة الخضراء للمرور. تحملك هذه الأنغام رغما عنك إلى أيام الشباب فتنسى انك وسط زحمة خانقة من المحركات التي تهدر دون توقف في ترقب النور الاصطناعي٬ وفجأة ينتهي كل شيء. تزمجر الأبواق٬ تنهال عليك الشتائم من كل صوب٬ يتوعدك السائقون العصابيون وهم يرتجفون خلف زجاجهم الأمامي.
ترتعد وتصاب بالهلع وتشعر أن أعصابك على وشك الانفجار. كل هذا بسبب شارة ضوئية مقدسة وثلاثة ألوان : الأخضر والأصفر والأحمر.
تهدئ من روعك وأنت الآن في العمل وتحاول جاهدا أن تنسى ما وقع. تتنفس الصعداء وتحاول الاسترخاء ثم تستقبل التلاميذ الذين تعطلت بوصلتهم في متاهات النظام التربوي والتي تشبه إلى حد بعيد تلك التي تمر منها فئران التجارب المغلوبة على أمرها. تقدم لهم عرضا حول تقنيات مراوغة أنظمة الدراسة ومعاملات التقويم التي لا ترحم. تستمع بعمق إلى أوجاعهم المزمنة من الجلوس المؤلم والطويل على كراسي الدراسة الخشبية. لتختم بانجح السبل لتسجيل الهدف الشخصي في مرمى المستقبل الصغير جدا. تودعهم أخيرا على أمل اللقاء بهم في استشارات تربوية أخرى.
تأخذ حاسوبك وأغراضك ثم تعرج على الإدارة لإلقاء التحية والاستفسار عن الأحوال لتكتشف من خلال الدردشات الروتينية ان ″ المخابرات التربوية ″ قد أصدرت تعليماتها بمراقبة أنشطة المستشار في التوجيه التربوي لأنه من الموظفين الأشباح الذين لا يرابطون بقطاعاتهم التربوية كباقي الموظفين وكان التوجيه التربوي يتم في بداية الدخول المدرسي. والغريب أن الأشباح الحقيقيين بالوزارة يهابهم الجميع ولا احد يجرؤ على الاقتراب منهم ربما في انتظار الفقيه الشجاع القادر على إخراج هؤلاء الكائنات الخفية من جسم النظام التربوي العليل.
تعود أدراجك إلى البيت.
في البيت تنادي على أطفالك لتطمئن على حالهم٬ وتصاب بالقرف وأنت تنصت إلى أوجاعهم من نظام تربوي مهترىء يقاوم الاحتضار. تتحدث إليهم بلطف مصطنع فيخبرونك بان النيابة لم تعين بعد أساتذة الفيزياء والإعلاميات و...ونحن على مشارف نصف السنة الدراسية. تستشيط غضبا كاب مكلوم وتقرر الاتصال بجمعية الآباء التي لم تحرك ساكنا في الموضوع. يجيبك الرئيس بأنهم قد عقدوا اجتماعات عديدة مع المسؤولين في النيابة، لكن لا شيء إلى غاية الآن باستثناء الكلام المعسول واللغة الخشبية التي يتقنونها.
أخيرا٬ يغازل النوم عينيك٬ لكنهما ترتعدان خوفا من الانصياع كفتاتين بدويتين في موعد حبهما الأول تهربان عن الأنظار من اجل متعة وهمية.
محمد ازرور