أكذوبة 83.7% ؟؟؟

أعلنت المركزيات النقابية الداعية للإضراب العام يوم 29 أكتوبر، الاتحاد المغربي للشغل، الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، الفيدرالية الديمقراطية للشغل بجناحيها تيار لشكر وتيار الزايدي والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، عن نتائج المشاركة في الإضراب العام  والتي قدرتها هذه الجهات في القطاعين الخاص والعام بنسبة 83,7% مع الساعة الثانية والنصف بعد زوال نفس يوم الإضراب بسرعة قياسية فاجأت المتتبعين  والرأي العام الوطني.
حيث أن هذا الإعلان وفي هذا الظرف الزمني القياسي طرح أكثر من علامات استفهام، إذ لا يعقل أن تقدم مجموعة من النقابات المتشرذمة من الداخل حيث يعاني صفها الداخلي من تصدعات و شقوق لا تستطيع إخفائها على الرأي العام فبالأحرى عن المتتبع للمشهد السياسي والنقابي، إذن فنحن أمام مزايدات نقابية في وجه الحكومة وأغلبيتها وتغطية لفشلها أمام الشعب وإظهار نفسها بمظهر القوي المنتصر.
إذا كان أغلب مؤسسات القطاع الخاص تشتغل بنظام المداومة في العمل حيث يتفيأ العمال إلى ثلاث مجموعات في الشركة حيث يعمل الفوج الأول من الساعة السادسة صباحا إلى الساعة الثانية بعد الزوال في حين يبدأ الفوج الثاني العمل ابتداء من الساعة الثانية بعد الظهر في حين يشتغل الفوج الثالث ابتداء من الساعة العاشرة ليلا. فعمليا نتائج الإضراب لا تكون نهائية إلا بعد انقضاء يوم الإضراب وليس في منتصفه، وأن أسلوب وطريقة الاشتغال في القطاع الخاص لا تمكن من رصد نتائج المشاركة في الإضراب العام في هذه الساعة المبكرة من يوم الإضراب.
إن الإعلان المبكر عن نتائج المشاركة في الإضراب العام تتطلب التوفر على موارد بشرية و لوجيستيكية وقدرات تنظيمية هامة وهذا أمر لا تتوفر عليه إلا مؤسسات عمومية ذات قدرات مالية وإدارية كبيرة وعلى رأسها وزارة الداخلية التي تتوفر على جيش من الشيوخ والمقدمين ورجال السلطة ووسائل تواصل عصرية وتغطية شاملة لجميع أرجاء البلاد بقراها ومدنها ومداشرها وجبالها وسهولها وصحرائها، ونحن نعتقد جازمين أن هذه المركزيات النقابية لا تتوفر عليه، نظرا لضعف التأطير النقابي ببلادنا حيث أجمع الباحثون على أن نسبة الانخراط في العمل النقابي تبقى جد متواضعة، وبالتالي فإن الإعلان عن هذه النسبة بهذا السرعة من طرف هذه المركزيات يبقى غير دقيق، وهو رقم يتسم بالمكابرة والتضخيم ومحاول التغطية على العجز والفشل الذي أوقع هؤلاء القوم أنفسهم فيه بهذه الدعوة المتسرعة لشن إضراب عام في القطاعين العام والخاص.
وإذا عدنا إلى لغة الأرقام فقد سجل عدم انخراط القطاع الخاص في هذا الإضراب إلا بشكل محدود جدا حيث جاءت التقارير الواردة من الأقاليم والجهات أن نسبة المضربين في القطاع الخاص لم تكن كما توقعتها هذه الأطراف رغم الانخراط الواسع للهيئات السياسية والنقابية الداعية له من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بالإضافة إلى جماعة العدل والإحسان التي انخرطت بمجرد إعلان حزب الأصالة والمعاصرة انخراطه في هذه المحطة .
باستثناء قطاع الأبناك الذي شل في بعض المدن كمدينة تازة و تطوان وحافلات النقل الحضري الذي توقف عن العمل بفعل البلطجة النقابية حيث هوجم المستخدمون الراغبون في العمل في كل من مدينة سلا والدار البيضاء وطنجة وتم حصار مستودعات شركات الحافلات ومنع السائقين من مباشرة أعمالهم، فإننا نحد أن القطاع الخاص لم ينخرط في الإضراب إلا بنسبة لم تتعدى 10 % بحيث لوحظ انسياب عادي للخدمات في جميع المدن المغربية واستمرت خدمات النقل و الصناعة والتجارة وباقي المهن الخدماتية في تقديم خدماتها للمواطنين بشكل عادي جدا ولم تتوقف الحياة العامة إلا في مدينة جرادة بالجهة الشرقية لأسباب موضوعية تتعلق بها والمتمثل في غلق المنجم المتواجد بها.
أما على صعيد المؤسسات الاستراتيجية في البلاد فلم تشارك في الإضراب وعلى رأسها المكتب الوطني للسكك الحديدية و الوكالة الوطنية للموانئ باستثناء ميناء الجرف الأصفر الذي شهد انخراطا كليا في هذا الإضراب العام رغم انخراط مسؤولي الوكالة في التحريض على خوض الإضراب نفس الشيء لوحظ على مستوى المكتب الوطني للمطارات الذي اشتغل بكامل طاقمه وموارده البشرية في جميع مطارات المملكة، إذن لم يسحل أي استجابة تذكر في المشاركة في هذه القطاعات الحيوية.
أما في القطاع العمومي فكانت الاستجابة فيه ضعيفة باستثناء موظفي وزار التربية الوطنية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي الذي حقق أعلى معدلات المشاركة تراوحت بين 90 % و 30 % حسب الأقاليم في حين كانت الاستجابة في قطاعي الصحة والجماعات المحلية والعدل والمالية متوسطة على العموم تراوحت بين 60% و 50%، في حين سجلت القطاعات الأخرى مشاركة جد محدودة وضعيفة حيث قدمت خدماتها بشكل عادي وكان السير الإداري فيها عادي جدا.
وبالتالي يمكن القول أن المركزيات النقابية وحلفاءها من الأحزاب السياسية لم تحقق هدفها الذي حددته لنفسها من خلال خوض هذه المحطة والمتمثل في شل الحياة الاقتصادية والإدارية وشل المرافق العامة والخاصة، ولم لا تسجيل انفلات أمني يسجل ضد هذه الحكومة ومن تم اتهام بنكيران وحكومته بتهديد استقرار المملكة، مما سيخول لهذه الأحزاب والنقابات رفع شعار ارحل في وجهه وجه حكومته، وبالتالي تفككيك الأغلبية الحاكمة، وهذا ما أعلنت عنه جريدة العلم لسان حزب الاستقلال التي عنونت صفحتها الأولى وبأحرف كبيرة وملونة يوم 28 أكتوبر مفاده أن الإضراب العام سيشل الحياة العامة بالمدن المغربية، كما رفع حميد شباط زعيم حزب الاستقلال شعار ارحل في وجه بنكيران في إعلان مسبق عن نية هؤلاء القوم وهم يتوقعون نجاحا باهرا للإضراب.
فنحن إذن أمام  مبررات منطلقها اجتماعي في حين تخفي ورائها أهداف سياسية تتمثل في الانقلاب على الصندوق الانتخابي قبل إكمال هذه الحكومة لمدتها المحددة في الدستور، وبالتالي نحن أما إضراب سياسي يهدف إلى محاصرة الحكومة في انتظار الترتيب لخطوة ثانية للإجهاز عليها بشكل نهائي، وعندما فشلوا أعنوا وبشكل استباقي النتائج العامة للإضراب في زمن قياسي لا يمكن أن تحققه حتى أجهزة وزارة الداخلية المتمرسة على ذلك منذ استقلال المغرب.
لقد لجأت هذه المركزيات النقابية إلى لعبة تضخيم الرقم والإعلان عنه مبكرا  قبل اكتمال عناصره وتحققه على أرض الواقع في استباق للأحداث والمزايدة على الحكومة وإخفاء الفشل الواضح والبين والدليل على ما نقول هو خرست ألسنتهم ولاذوا بالصمت المطبق وعدم الحديث كثيرا عن هذا الإضراب ليواروا مولودهم الجديد الذي ولد ميتا تحت التراب.


محمد الأشهب
تربية بريس
تربية بريس
تعليقات