تربية بريس
إسماعيل الحلوتي
يبدو أننا صرنا مؤهلين للاحتجاج بامتياز، وتأتي ردود فعلنا متسرعة دونما تفكير أو تمحيص، كلما جيء لنا بمنتوج جديد مهما كانت درجة فعاليته ومستوى جودته، جراء ما تراكم لدينا من إحباط وخيبات أمل، في ظل ما بات يطبع مخططاتنا من عشوائية وارتجال، وما تحصده مشاريعنا من رياح الفشل، فقدنا الثقة في سياساتنا العمومية، وترسخت لدينا قناعة بألا خير يرجى من المسؤولين، وخاصة في قطاع التعليم الذي تناوب على إدارته وزراء من التكنقراط ومن مختلف الألوان السياسية، ولم تزدد أوضاعه إلا تراجعا وترديا...
وفي هذا الإطار يندرج مشروع "مسار" المعلوماتي، الذي بمجرد ما تم الإعلان عن تنزيله كآلية جديدة لتدبير التمدرس، وتوحيد أدوات العمل على صعيد أسلاك التدريس وفي كافة المستويات التعليمية، وضبط التقاطعات والارتباطات بين نتائج التلاميذ ومجموعة من المستجدات في أفق تحسين أدائهم، حتى عم الارتباك سير الدراسة، ساد اللغط وثارت ثائرة الأساتذة والإداريين، ضد ما اعتبره البعض قرارا مباغتا وإقصائيا لم يخضع للتشاور والتمهيد القبلي، فيما البعض الآخر رأى فيه نوعا من التسلط والتشكيك في نزاهته، فضلا عن كون السنة الدراسية كما في علم الجميع تنقسم إلى دورتين، وتقتضي أن ترتبط آخر كل واحدة منهما بعطلة، تسلم إثرها النتائج المحصل عليها لأصحابها أو أوليائهم في الإبان المحدد، سيما أنه سبق صدور قرار وزاري خلال شهر أبريل من الموسم الدراسي: 2013-- 2012، بشأن تنظيم السنة الدراسية: 2014-- 2013، يحدد سير مختلف مراحل العمليات بمددها وآجالها، فروض وامتحانات إشهادية ومجالس الأقسام، إلا أنه بعد إلحاق قطاع التكوين المهني بوزارة التربية الوطنية، في التعديل الحكومي ل: 10 أكتوبر 2013، ومع قدوم الوزير الجديد السيد: رشيد بلمختار، ارتأى هذا الأخير إعادة توزيع تواريخ الفروض بما يتوافق والتنظيم الدراسي في القطاعين، وهذا ما تم تحمله على مضض، لمصادفة الشروع في انطلاق دروس الدورة الثانية مباشرة بعد نهاية آخر فروض الدورة الأولى، لكن الذي لم تتم استساغته هو أن يتم إلزام العمل بمشروع ضخم نزل كالصاعقة بدون إشعار سابق، وكأي بداية لإصلاح ما غير مدروس بدقة، تنتشر الشائعات كالنار في الهشيم لخلق البلبلة، وهكذا أوحي للتلاميذ بأن الغرض من هذه المنظومة هو تطويق الخناق على التلاميذ، لمحاربة التساهل القائم والحد من سخاء الأساتذة، وإخضاعهم لمراقبة صارمة في تصحيح فروض المراقبة المستمرة، ووضع النقط المستحقة رهن إشارة مختلف المتدخلين بما فيهم الآباء والأولياء، وبالتالي سيؤثر لا محالة على النتائج الفعلية للتلاميذ ويعكس صورة مستوياتهم الحقيقية خالية من كل المساحيق، مغالطات كثيرة تم ترويجها في إطار تصفية الحسابات الضيقة والمزايدات السياسوية، انعكست آثارها السلبية على التلاميذ في معظم الثانويات بسائر الأقاليم، ودفعتهم إلى القيام بإضرابات متواصلة، واحتجاجات حاشدة يطالبون بإسقاط "مسار" الذي صوروه لهم في شكل غول رهيب، انفلت من قمقمه للانقضاض على مستقبلهم، الشيء الذي أرغم الوزارة الوصية على النزول من برجها العاجي في محاولة يائسة لطمأنة الجماهير الشعبية، عبر وسائل الإعلام السمعية البصرية والمكتوبة والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والنيابات الإقليمية، وهي إجراءات كان من المفروض اتخاذها باكرا...
منظومة "مسار"، هي منظومة معلوماتية متكاملة ذات جدوى وفاعلية، تستجيب لوظائف شتى في اتجاه النهوض بالعملية التعليمية - التعلمية، وتعتمد على طرق حديثة في تيسير التواصل، ومواكبة الأداء لدى المتعلمين عن قرب، وتدبير الزمن المدرسي، وعملية الدعم الاجتماعي، وتطوير الخدمات الإلكترونية لفائدة التلاميذ وأوليائهم عبر شبكة الإنترنت، وتهدف أساسا إلى إخراج العمل الإداري من رتابته، وحسن تدبير العمليات، عبر مسك معطيات التلاميذ وتخزين المعلومات المتعلقة ب: التسجيل المدرسي وإعادته، تكوين الأقسام وإعداد اللوائح، ضبط ملفات التلاميذ المدرسية، بناء استعمالات الزمن وجداول الحصص، إنجاز الشهادات المدرسية، برمجة الفروض ومسك النقط، تنظيم الامتحانات والنتائج الدورية، الانتقال والتوجيه... تحقيق الحكامة الرشيدة وتكريس مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع في مناخ تربوي سليم يتسم بالموضوعية والشفافية بعيدا عن المحسوبية. من هذا المنطلق يتضح بجلاء أن الغاية من تثبيت ركائز هذا المشروع التربوي القيم، تبقى في شموليتها هامة ونبيلة مادامت تصب في اتجاه مصلحة الوطن أولا، ثم في مصلحة التلاميذ وأمهاتهم وآبائهم وجميع الفاعلين التربويين، وما من شك في أن استياء رؤساء المؤسسات ناجم عن التسرع والاعتباطية، في فرض منظومة جد معقدة لم يسمح لهم بما يكفي من وقت لاستيعاب ميكانيزماتها جيدا وبشكل تدريجي، وعما يثقل كاهلهم من أعباء إضافية تستدعي الاندماج السريع في المشروع، وضرورة السهر على تنفيذ مراحله الأربع بما يلزم من جدية وحرص شديد على توفير كافة أسباب النجاح ل: تدبير الدخول المدرسي، تقييم التلاميذ، الإحصائيات المتنوعة، الموارد البشرية وضبط الزمن المدرسي...
إن مشروعا بهذه القيمة التكنولوجية الحديثة، وما يمتلكه من قوة علمية تساعد على حسن التدبير والتحكم في المعطيات وحفظ المعلومات، لكفيل بتجاوز الكثير من المثالب والنقائص، والقطع مع مختلف الأساليب التقليدية المتجاوزة، التي ظلت على مدى سنين طويلة تساهم في تسهيل مأمورية التلاعب بنقط التلاميذ والاتجار فيها، وكان جديرا بأن يثير شهية الشرفاء والمخلصين وهم كثر، للإقبال على الاستفادة من خدماته بنهم شديد، لو أن المسئولين بدورهم حرصوا على تهييء الظروف المناسبة، وتزويد المؤسسات بالموارد البشرية ذات الاختصاص أو بتكوين جيد للمتوفر منها، وتجهيزها بالحواسيب الكافية ومستلزماتها وعتاد الربط بشبكة الإنترنت، تلافيا للأعطاب المتلاحقة، ولأشكال التعقيدات وكل ما يمكنه إثارة حفيظة المتدخلين وانتقاداتهم الواسعة، والاستعانة بمختلف القنوات التواصلية مركزيا وجهويا وإقليميا مع كافة الشركاء: إدارة تربوية، هيأة التدريس، تلاميذ وجمعيات الآباء والأولياء في المؤسسات التعليمية، للتعريف بفوائد المشروع في إصلاح المنظومة التعليمية والارتقاء بمستوى تلامذتنا...
ففي نظرنا المتواضع، كان من الأفيد للحفاظ على مصلحة أبنائنا، ألا ننظر إلى منظومة "مسار" بعين السخط حتى لا نبخسها حقها، أن نعترف بقدرتها على تطوير آليات الاشتغال في نظامنا التعليمي، أن نقدر ما بذل من جهود مضنية ونثمنها، وأن ننخرط إيجابيا في المشروع لدعمه وإنجاحه، ونتعامل مع الحدث بنوع من الرصانة والتعقل، كأن ننظم وقفة احتجاجية بتنسيق مع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، نفتح من خلالها حوارا هادئا ونقدم ما نراه من اقتراحات هادفة، في كافة المؤسسات التعليمية لمدة ساعة أو ساعتين، تعبيرا عن امتعاضنا وإشعار القائمين على الشأن التعليمي بما رافق تنزيل المشروع من مساوئ أضرت بأهميته، والحرص على عدم الوقوع ثانية في حبال الاستعجال والارتجال، لئلا يزج بأبنائنا في أتون معركة خاسرة، لن تزيد حياتهم المدرسية إلا تعقيدا واحتراقا...
إسماعيل الحلوتي
يبدو أننا صرنا مؤهلين للاحتجاج بامتياز، وتأتي ردود فعلنا متسرعة دونما تفكير أو تمحيص، كلما جيء لنا بمنتوج جديد مهما كانت درجة فعاليته ومستوى جودته، جراء ما تراكم لدينا من إحباط وخيبات أمل، في ظل ما بات يطبع مخططاتنا من عشوائية وارتجال، وما تحصده مشاريعنا من رياح الفشل، فقدنا الثقة في سياساتنا العمومية، وترسخت لدينا قناعة بألا خير يرجى من المسؤولين، وخاصة في قطاع التعليم الذي تناوب على إدارته وزراء من التكنقراط ومن مختلف الألوان السياسية، ولم تزدد أوضاعه إلا تراجعا وترديا...
وفي هذا الإطار يندرج مشروع "مسار" المعلوماتي، الذي بمجرد ما تم الإعلان عن تنزيله كآلية جديدة لتدبير التمدرس، وتوحيد أدوات العمل على صعيد أسلاك التدريس وفي كافة المستويات التعليمية، وضبط التقاطعات والارتباطات بين نتائج التلاميذ ومجموعة من المستجدات في أفق تحسين أدائهم، حتى عم الارتباك سير الدراسة، ساد اللغط وثارت ثائرة الأساتذة والإداريين، ضد ما اعتبره البعض قرارا مباغتا وإقصائيا لم يخضع للتشاور والتمهيد القبلي، فيما البعض الآخر رأى فيه نوعا من التسلط والتشكيك في نزاهته، فضلا عن كون السنة الدراسية كما في علم الجميع تنقسم إلى دورتين، وتقتضي أن ترتبط آخر كل واحدة منهما بعطلة، تسلم إثرها النتائج المحصل عليها لأصحابها أو أوليائهم في الإبان المحدد، سيما أنه سبق صدور قرار وزاري خلال شهر أبريل من الموسم الدراسي: 2013-- 2012، بشأن تنظيم السنة الدراسية: 2014-- 2013، يحدد سير مختلف مراحل العمليات بمددها وآجالها، فروض وامتحانات إشهادية ومجالس الأقسام، إلا أنه بعد إلحاق قطاع التكوين المهني بوزارة التربية الوطنية، في التعديل الحكومي ل: 10 أكتوبر 2013، ومع قدوم الوزير الجديد السيد: رشيد بلمختار، ارتأى هذا الأخير إعادة توزيع تواريخ الفروض بما يتوافق والتنظيم الدراسي في القطاعين، وهذا ما تم تحمله على مضض، لمصادفة الشروع في انطلاق دروس الدورة الثانية مباشرة بعد نهاية آخر فروض الدورة الأولى، لكن الذي لم تتم استساغته هو أن يتم إلزام العمل بمشروع ضخم نزل كالصاعقة بدون إشعار سابق، وكأي بداية لإصلاح ما غير مدروس بدقة، تنتشر الشائعات كالنار في الهشيم لخلق البلبلة، وهكذا أوحي للتلاميذ بأن الغرض من هذه المنظومة هو تطويق الخناق على التلاميذ، لمحاربة التساهل القائم والحد من سخاء الأساتذة، وإخضاعهم لمراقبة صارمة في تصحيح فروض المراقبة المستمرة، ووضع النقط المستحقة رهن إشارة مختلف المتدخلين بما فيهم الآباء والأولياء، وبالتالي سيؤثر لا محالة على النتائج الفعلية للتلاميذ ويعكس صورة مستوياتهم الحقيقية خالية من كل المساحيق، مغالطات كثيرة تم ترويجها في إطار تصفية الحسابات الضيقة والمزايدات السياسوية، انعكست آثارها السلبية على التلاميذ في معظم الثانويات بسائر الأقاليم، ودفعتهم إلى القيام بإضرابات متواصلة، واحتجاجات حاشدة يطالبون بإسقاط "مسار" الذي صوروه لهم في شكل غول رهيب، انفلت من قمقمه للانقضاض على مستقبلهم، الشيء الذي أرغم الوزارة الوصية على النزول من برجها العاجي في محاولة يائسة لطمأنة الجماهير الشعبية، عبر وسائل الإعلام السمعية البصرية والمكتوبة والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والنيابات الإقليمية، وهي إجراءات كان من المفروض اتخاذها باكرا...
منظومة "مسار"، هي منظومة معلوماتية متكاملة ذات جدوى وفاعلية، تستجيب لوظائف شتى في اتجاه النهوض بالعملية التعليمية - التعلمية، وتعتمد على طرق حديثة في تيسير التواصل، ومواكبة الأداء لدى المتعلمين عن قرب، وتدبير الزمن المدرسي، وعملية الدعم الاجتماعي، وتطوير الخدمات الإلكترونية لفائدة التلاميذ وأوليائهم عبر شبكة الإنترنت، وتهدف أساسا إلى إخراج العمل الإداري من رتابته، وحسن تدبير العمليات، عبر مسك معطيات التلاميذ وتخزين المعلومات المتعلقة ب: التسجيل المدرسي وإعادته، تكوين الأقسام وإعداد اللوائح، ضبط ملفات التلاميذ المدرسية، بناء استعمالات الزمن وجداول الحصص، إنجاز الشهادات المدرسية، برمجة الفروض ومسك النقط، تنظيم الامتحانات والنتائج الدورية، الانتقال والتوجيه... تحقيق الحكامة الرشيدة وتكريس مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع في مناخ تربوي سليم يتسم بالموضوعية والشفافية بعيدا عن المحسوبية. من هذا المنطلق يتضح بجلاء أن الغاية من تثبيت ركائز هذا المشروع التربوي القيم، تبقى في شموليتها هامة ونبيلة مادامت تصب في اتجاه مصلحة الوطن أولا، ثم في مصلحة التلاميذ وأمهاتهم وآبائهم وجميع الفاعلين التربويين، وما من شك في أن استياء رؤساء المؤسسات ناجم عن التسرع والاعتباطية، في فرض منظومة جد معقدة لم يسمح لهم بما يكفي من وقت لاستيعاب ميكانيزماتها جيدا وبشكل تدريجي، وعما يثقل كاهلهم من أعباء إضافية تستدعي الاندماج السريع في المشروع، وضرورة السهر على تنفيذ مراحله الأربع بما يلزم من جدية وحرص شديد على توفير كافة أسباب النجاح ل: تدبير الدخول المدرسي، تقييم التلاميذ، الإحصائيات المتنوعة، الموارد البشرية وضبط الزمن المدرسي...
إن مشروعا بهذه القيمة التكنولوجية الحديثة، وما يمتلكه من قوة علمية تساعد على حسن التدبير والتحكم في المعطيات وحفظ المعلومات، لكفيل بتجاوز الكثير من المثالب والنقائص، والقطع مع مختلف الأساليب التقليدية المتجاوزة، التي ظلت على مدى سنين طويلة تساهم في تسهيل مأمورية التلاعب بنقط التلاميذ والاتجار فيها، وكان جديرا بأن يثير شهية الشرفاء والمخلصين وهم كثر، للإقبال على الاستفادة من خدماته بنهم شديد، لو أن المسئولين بدورهم حرصوا على تهييء الظروف المناسبة، وتزويد المؤسسات بالموارد البشرية ذات الاختصاص أو بتكوين جيد للمتوفر منها، وتجهيزها بالحواسيب الكافية ومستلزماتها وعتاد الربط بشبكة الإنترنت، تلافيا للأعطاب المتلاحقة، ولأشكال التعقيدات وكل ما يمكنه إثارة حفيظة المتدخلين وانتقاداتهم الواسعة، والاستعانة بمختلف القنوات التواصلية مركزيا وجهويا وإقليميا مع كافة الشركاء: إدارة تربوية، هيأة التدريس، تلاميذ وجمعيات الآباء والأولياء في المؤسسات التعليمية، للتعريف بفوائد المشروع في إصلاح المنظومة التعليمية والارتقاء بمستوى تلامذتنا...
ففي نظرنا المتواضع، كان من الأفيد للحفاظ على مصلحة أبنائنا، ألا ننظر إلى منظومة "مسار" بعين السخط حتى لا نبخسها حقها، أن نعترف بقدرتها على تطوير آليات الاشتغال في نظامنا التعليمي، أن نقدر ما بذل من جهود مضنية ونثمنها، وأن ننخرط إيجابيا في المشروع لدعمه وإنجاحه، ونتعامل مع الحدث بنوع من الرصانة والتعقل، كأن ننظم وقفة احتجاجية بتنسيق مع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، نفتح من خلالها حوارا هادئا ونقدم ما نراه من اقتراحات هادفة، في كافة المؤسسات التعليمية لمدة ساعة أو ساعتين، تعبيرا عن امتعاضنا وإشعار القائمين على الشأن التعليمي بما رافق تنزيل المشروع من مساوئ أضرت بأهميته، والحرص على عدم الوقوع ثانية في حبال الاستعجال والارتجال، لئلا يزج بأبنائنا في أتون معركة خاسرة، لن تزيد حياتهم المدرسية إلا تعقيدا واحتراقا...