تسونامي التصور.. أخطر ما يهدد المغرب

ليس حديثي عن ذاك الذي عصف بشرق آسيا، ولا عن تلك الذغذغة التي أضحكت سواحل اﻷطلسي، لكن حديثي عن ذاك الذي زلزل عروش الطغاة، وأبكى مبارك وبن علي ومن بعدهما صالح والقدافي، ليس بطبيعي ولا بإصطناعي، ولكن بشري وأحيانا دموي، ففي عهد بنكيران تكاد المملكة أن تهان، وكيف لا وقد أصبح البرلمان أشبه بسوق للتجارة بالغلمان، فمصطلحات وألفاظ رئيس الحكومة في ذلك المقام السامي مجرد مقتبسات من شريط كاز نيكرا النابي، باﻷمس القريب التبوريدة وغدا التبوحيطة، ولا عجب بعد ذلك من سماع كلمات سوقية لا تليق بمقر السلطة التشريعية.

ولكي نضع اﻷمور في سياقها ونزيد الصورة توضيحا، فلا شك أن المواطن المغلوب على أمره يتابع الشطحات الكوميدية رغما عن أنفه في مؤسسة البرلمان لمن كان أجدر بهم أن يعلموا شرائح الشعب أسلوب الهيبة والوقار. وإلى جانب هذا اﻷمر الهزلي، فالمواطن يتابع ببالغ الجدية والقلق ما يحدث قبالة تلك المؤسسة السامية منذ حوالي شهرين متواصلين، حيث يعتصم تقريبا خمسة أﻵف أستاذ وأستاذة لا يبرحون مكانهم، ويتساءل هذا المواطن عن مصير حق فلذة كبده في الدراسة والتعلم، وهو حق تكفله الديانات السماوية جميعها والمواثيق الدولية كلها، وتكفله السلطة أيضا بقوة القانون، لكن الواقع أن شهران قابلان للزيادة وهذا الحق مهضوم، كيف ذلك ؟

تصور يا مواطن أن عملية التدريس في القرى والتجمعات السكنية الصغيرة، شبه متوقفة الى أجل غير معلوم، والوزارة الوصية غير مهتمة مادام الضحايا مجرد أبناء مغرب الهامش ليس إلا.

تصور يا مواطن خمسة اﻵف فصل دراسي حاليا في مغرب 2014 من دون أساتذة ومنذ شهرين إثنين، وقد تكون المدة أربعة وخمسة شهور!

تصور يا مواطن خمسة اﻵف أستاذ وأستاذة لكل واحد فصل من عشرين تلميذا، يكون مئة ألف تلميذ بلا تعليم منذ 19نونبر من العام الماضي إلى اﻷن.

تصور يا من لم يتركوا لك الحق سوى في التصور، خمسة ألاف أستاذ ينشئون أجيالا متلاحقة، يطوعونها على قول كفى وعلى كره الدولة ومؤسساتها، بل ويزرعون في عقول صغيرة حقدا دفينا يريدونه أن ينفجر وقت يشاؤون.

تصور يا بلمختار وأنت الذي لم تحسن اﻹختيار منذ أساءوا إختيارك رأسا للوزارة، تصور قطاع التربية والتعليم في درك أسفل سافلين في التقارير اﻷممية والدراسات الدولية، من يعصمك بعدها من غضبة ملكية، تطيح بك من الوزارة وتلاحق تاريخك المشرف أساسا على النهاية.

تصور يا مواطن أن بنكيران لم يصر عبدا لمن علمه حرفا، ولكن رفع في وجهه سيفا، وإلى المحاكم إقتاذ معلمه إقتيادا.

تصور يا مواطن هذه المفارقة، أفواج 2011 وما قبلها في السلم العاشر، نفس الشئ ﻷفواج 2014 وما بعدها، بينما أوسطهم فوجي 2012 و 2013 يسجنان في السلم التاسع من غير وجه حق، سوى أن عادل إمام أفرغ خزينة الدولة من ملايين الدراهم، كان مربي اﻷجيال أولى بها.

تصور يا مواطن راتب الشرطي والدركي ستة اﻵف درهم، ولمن علمهم ودرسهم تسع سنوات من حياتهم أربعة اﻵف درهم، ينفقها على قاعة صماء وتلاميذ الجبال الفقراء لعله يحد من بؤس من شاءت اﻷقدار أن يتألموا في عهد ولاية اﻹسلاميين البكماء.

وبعدما تصورنا كل ذلك آن اﻷوان أن نتصور حلا نخرج به من النفق المظلم الذي ذخل فيه طرفا الصراع، الوزارة بسبب ميزاجية رئيس حكومتها وعدم إدراكه للعواقب، والتنسيقية مكرهة لا بطلة، وﻷن الحل لا يتأتى إلا بتنازل من التنسيقية لحفض ماء وجه الوزارة، فالمتبصر لا يراه سوى في التنازل عن مطلب تغيير اﻹطار وعن ترقية جميع الموجزين، بل فقط الموجزين المعنيين، أقصد المناضلين المضربين من يوم 19 نونبر فقط وفق من طرف نياباب الوزارة حيث اﻹحصائيات دقيقة أكثر من أي مكان آخر، فمن شأن ذلك تجاوز مشكل السيولة المالية المطروح وإحساس الوزارة بعلو كعبها في الحوار، أيضا يمكن للوزارة إصدار بلاغ من شأنه رفع أسهمها بشكل رهيب، ذلك بأن يشير الى أن ترقية اﻷساتذة إنما جاء وفق سياسة الحكومة الرامية الى إزلة السلم تسعة في قطاع التعليم، وﻷن إمكانيات خزينة الدولة لا تسمح بترقية الجميع، فاﻷمر سيتم عبر دفعات، بحيث يكون المضربين أول دفعة، والبقية تلحق بهم في السنوات العشر المقبلة.
لاشك في أن هذا الحل يلزمه بعض الشجاعة خصوصا من الوزارة، ولكن كيفما كان فهو أجدر من الحل المفضي لعزل وتسريح خمسة اﻵف أستاذ، تعبت الدولة في تكوينهم وصرفت عليهم ملايين الدراهم، ليتحولوا بعدها لقطاع طرق وراكبي أمواج الهجرة وربما البعض ستحتاج الدولة لبناء مصحة أمراض عقلية لهم عند عزلهم، فاﻹجراء ولاشك سيسبب جلطات قلبية ونفسية وعقلية للكثيرين، فهل يا بلمختار ستحسن اﻹختيار هذه المرة وأنت تعلم أن أسر خمسة الآف أستاذ بين يديك !

بوبكر أوعز

تربية بريس
تربية بريس
تعليقات