لا يختلف اثنان على أننا في حاجة ماسّة إلى مدرسة عمومية قوامها تكافؤ الفرص وضمان الجودة وتنمية الإنتماء إلى هذا الوطن، غير أن هذه الشعارات تحتاج إلى الإبداع والخلق، ثم إلى الرعاية والتمنيع حتى لا تتعرّض للإندثار وسط ركام المصالح الخاصة والفئوية، التي تدفع بعض المستفيدين من تخلف تعليمنا إلى بذل كل ما في وسعهم للحفاظ على الوضع القائم ضدا على مصلحة أبنائنا وبلدنا.
وإذا سبق لوزارة التربية الوطنية على أعلى مستوى أن وصفت حصيلة سنة 2012، التي طويناها مؤخرا، بالإيجابية، في إشارة إلى القرارات التي تم إتخاذها من قبيل محاربة الريع التعليمي، بمختلف أشكاله، والتصدي لبعض المدارس الخصوصية التي لا تحترم دفاتر التحملات، والاقتطاع من أجور المضربين... فإننا لا يمكن إلا أن نحيّيها على جرأتها وشجاعتها وعزمها وتصميمها، غير أنها عرفت الكثير من الارتباك والتردد أثناء
أجرأة بعض هذه القرارات، إذ لم تتمكن من إيجاد حلول منطقية ومعقولة وقانونية ومقبولة، تحظى بإجماع غالبية الشرائح الاجتماعية، ضمانا لاستئصال الإختلالات وطيّها بشكل نهائيّ من جهة، ودرءا لكل ما من شأنه أن يزيد من غليان واستفحال الوضع التعليميّ من جهة أخرى.
إنّ من حق وزراة التربية الوطنية وواجبها أن تعمل على تطهير القطاع، بتصديها لمختلف الاختلالات، وما يؤخذ عليها في هذا الصدد هو تبنيها مقاربة أحادية ويتيمة أسعفتها في إعطاء انطلاقة التصدي لخلل أو خللين، لكنها لم تستطع تجاوز عقمها بخلق وإنجاب مقاربات جديدة تتلائم وطبيعة الإختلالات الأخرى المزمع علاجها، لأنّ لكل مقام مقالا.. ولإعطاء معنى لمساهمتنا المتواضعة هاته، سنحاول في ما يلي التطرق لبعض هذه الاختلالات
في علاقتها بمقاربة علاجها:
محاربة الريع التعليمي
لقد استقبل العديد من متتبعي الشأن التعليمي قرار وزارة التربية الوطنية التصدي لمختلف أشكال الريع التعليمي
والمستفيذين منه بارتياح كبير، خاصة منهم المحتلين للسكنيات الإدارية والوظيفية بدون وجه حق، والجيش العرمرم من الموظفين الأشباح المتخفّين وراء بعض الأحزاب والنقابات والجمعيات والأشخاص النافذين..
ويترقب الرأي العامّ متابعة معالجة هذه الاختلالات بكل ما تقتضيه المرحلة من شفافية وحزم، خاصة أنها محسومة سلفا بقوة القانون ولا تحتاج إلا إلى التفعيل الجدي، تنفيذا للمقتضيات القانونية وروح الدستور الجديد، وانسجاما مع رغبة السواد الأعظم من المغاربة، العاقدين الأمل على أهل الحلّ والعقد في قطاع التعليم
والقطاعات ذات الصلة للقضاء على هذه الاختلالات في آجال معقولة دون تردد وتلكؤ وبعيدا عن الانتقائية والزبونية.
بقي أن نشير إلى أنّ الوزارة يمكن أن تعمل على أنسنة مقاربتها حصريا على خلل اجتماعيّ بامتياز - إذا رغبت فبي ذلك- ويتعلق الأمر بموضوع السكنيات المحتلة من لدن البسطاء من نساء ورجال التعليم المحالين على التقاعد، والذين أفنوا زهرة شبابهم في قطاع التعليم دون تمكنهم من إامتلاك قبر الحياة، ونعتقد
أن مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية للتعليم -إذا تمت إعادة النظر في أسلوب تسييرها وتدبيرها هي
الأخرى- قد تساهم في حل هذا الإشكال، والذي لا يجب أن يكون في كل الأحوال على حساب المستحقين للسكنيات التابعة للوزارة.
وخلاصة القول فإن المقاربة التي تبنتها وزارة التربية الوطنية -رغم المطبات والصعوبات الذاتية والموضوعية التي واجهتها وتواجهها- قد مكنتها على الأقل من تلمس طريقها نحو القضاء على مختلف أشكال الريع سالفة الذكر، إلا أنها أخطأت الموعد ولم تتمكن من تعبيد طريقها لمعالجة الاختلالات التي سنأتي على ذكرها:
*فرض احترام التعليم الخصوصي للقوانين المنظمة للقطاع نظمت وزراة التربية الوطنية، مؤخرا، زيارات تفقدية وتفتيشية للوقوف على مدى احترام بعض مؤسسات التعليم الخصوصي دفاترَ تحملاتها، وقبل ذلك وبالضبط في مطلع السنة الدراسية الحالية 2012 -2013 اتخذت الوزارة في مقررها الصادر بتاريخ 04 -09 -2012 قرار منع نساء ورجال التعليم العمومي من التدريس في مؤسسات التعليم الخصوصي خارج المذكرة المنظمة أي بدون ترخيص أو بإعطاء حصص يفوق عددها ما تم التنصيص عليه، وهي المقاربة التي اعتبرناها في مقال سابق «قاصرة»، لكونها تحمل في طياتها أنصاف الحلول بل تروم تصحيح خطأ بخطأ أكبر منه، وغير شاملة لأنها تنظر إلى المدرسة العمومية والخصوصية باعتبارهما ندَّيْن وليس وجهين لعملة واحدة، ما أعطى الانطباع على أنّ وزارة التربية الوطنية هي وزارة للتعليم العمومي فقط، لذا وجب تدارك الموقف بخلق وإيجاد مقاربة متناغمة وطبيعة هذا الخلل، واقعية وشمولية وآخذة في الحسبان مصلحة كل المتمدرسين، بغضّ النظرعن انتمائهم إلى هذه المدرسة أو تلك.
الاقتطاع من أجور المضربين
لقد أثارت مسألة الاقتطاع من أجور المضربين الكثيرَ من الجدل وأسالت الكثير من المداد حول أحقية الاقتطاع من أجور المضربين من عدمه، ويبدو الحسم في هذا الموضوع صعبا، إنْ لم نقل مستحيلا، بالنظر إلى الخطأ التاريخي الذي عمّر لأزيد من نصف قرن، والمتمثل في غياب نص قانونيّ ينظم حق الإضراب، ما خلق نوعا من النقاش السفسطائي إلى درجة يبدو معها كل من المؤيّدين والمعارضين للاقتطاع من أجور المضربين على صواب وخطأ في الوقت نفسه.. والحقيقة أنه في ظل هذا الفراغ يجوز القول إنّ في الاقتطاع تعسفا على حق من حقوق شريحة اجتماعية عريضة وهي الشغيلة، وفي ممارسة حق الإضراب بالمبالغة في التوقف عن
العمل تعَدِّ على حقوق ومصالح العباد والبلاد.. ولتجاوز هذا التناقض وجب على القيّمين ليس على قطاع التعليم فحسب، بل على شؤون البلاد عامة، إعادة النظر في مقاربة معالجة هذا الخلل، بتفعيل حوار اجتماعيّ حقيقي والتعاطي معه بشكل جدي لإيقاف النزيف وخلق جو من الثقة والهدوء بهدف فسح المجال وفي أقرب الآجال للعقلاء من نخبنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية لتعكف على معالجة جوهر هذا الخلل على أمل إيجاد صيغة قانونية رفيعة لتنظيم حق الإضراب، لا غالب فيها ولا مغلوب، مثَلها الأعلى مصلحة البلاد وهدفها الأسمى ضمان حقوق كل العباد، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون..
يتضح مما سبق أننا في حاجة إلى ابتكار مقاربات لمعالجة اختلالات التعليم، متشبعة بالروح الوطنية وبثقافة الحق والواجب، ومتصفة بالدقة والشمولية وبُعد الرؤية، إذا كنا فعلا نرغب في دمقرطة الحقل التعليميّ وإرساء سِلم اجتماعيّ حقيقي وخلق مدرسة وطنية قوامها الجودة وتكافؤ الفرص.
محمد أوعلي - رجل تعليم
المساء التربوي
وإذا سبق لوزارة التربية الوطنية على أعلى مستوى أن وصفت حصيلة سنة 2012، التي طويناها مؤخرا، بالإيجابية، في إشارة إلى القرارات التي تم إتخاذها من قبيل محاربة الريع التعليمي، بمختلف أشكاله، والتصدي لبعض المدارس الخصوصية التي لا تحترم دفاتر التحملات، والاقتطاع من أجور المضربين... فإننا لا يمكن إلا أن نحيّيها على جرأتها وشجاعتها وعزمها وتصميمها، غير أنها عرفت الكثير من الارتباك والتردد أثناء
أجرأة بعض هذه القرارات، إذ لم تتمكن من إيجاد حلول منطقية ومعقولة وقانونية ومقبولة، تحظى بإجماع غالبية الشرائح الاجتماعية، ضمانا لاستئصال الإختلالات وطيّها بشكل نهائيّ من جهة، ودرءا لكل ما من شأنه أن يزيد من غليان واستفحال الوضع التعليميّ من جهة أخرى.
إنّ من حق وزراة التربية الوطنية وواجبها أن تعمل على تطهير القطاع، بتصديها لمختلف الاختلالات، وما يؤخذ عليها في هذا الصدد هو تبنيها مقاربة أحادية ويتيمة أسعفتها في إعطاء انطلاقة التصدي لخلل أو خللين، لكنها لم تستطع تجاوز عقمها بخلق وإنجاب مقاربات جديدة تتلائم وطبيعة الإختلالات الأخرى المزمع علاجها، لأنّ لكل مقام مقالا.. ولإعطاء معنى لمساهمتنا المتواضعة هاته، سنحاول في ما يلي التطرق لبعض هذه الاختلالات
في علاقتها بمقاربة علاجها:
محاربة الريع التعليمي
لقد استقبل العديد من متتبعي الشأن التعليمي قرار وزارة التربية الوطنية التصدي لمختلف أشكال الريع التعليمي
والمستفيذين منه بارتياح كبير، خاصة منهم المحتلين للسكنيات الإدارية والوظيفية بدون وجه حق، والجيش العرمرم من الموظفين الأشباح المتخفّين وراء بعض الأحزاب والنقابات والجمعيات والأشخاص النافذين..
ويترقب الرأي العامّ متابعة معالجة هذه الاختلالات بكل ما تقتضيه المرحلة من شفافية وحزم، خاصة أنها محسومة سلفا بقوة القانون ولا تحتاج إلا إلى التفعيل الجدي، تنفيذا للمقتضيات القانونية وروح الدستور الجديد، وانسجاما مع رغبة السواد الأعظم من المغاربة، العاقدين الأمل على أهل الحلّ والعقد في قطاع التعليم
والقطاعات ذات الصلة للقضاء على هذه الاختلالات في آجال معقولة دون تردد وتلكؤ وبعيدا عن الانتقائية والزبونية.
بقي أن نشير إلى أنّ الوزارة يمكن أن تعمل على أنسنة مقاربتها حصريا على خلل اجتماعيّ بامتياز - إذا رغبت فبي ذلك- ويتعلق الأمر بموضوع السكنيات المحتلة من لدن البسطاء من نساء ورجال التعليم المحالين على التقاعد، والذين أفنوا زهرة شبابهم في قطاع التعليم دون تمكنهم من إامتلاك قبر الحياة، ونعتقد
أن مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية للتعليم -إذا تمت إعادة النظر في أسلوب تسييرها وتدبيرها هي
الأخرى- قد تساهم في حل هذا الإشكال، والذي لا يجب أن يكون في كل الأحوال على حساب المستحقين للسكنيات التابعة للوزارة.
وخلاصة القول فإن المقاربة التي تبنتها وزارة التربية الوطنية -رغم المطبات والصعوبات الذاتية والموضوعية التي واجهتها وتواجهها- قد مكنتها على الأقل من تلمس طريقها نحو القضاء على مختلف أشكال الريع سالفة الذكر، إلا أنها أخطأت الموعد ولم تتمكن من تعبيد طريقها لمعالجة الاختلالات التي سنأتي على ذكرها:
*فرض احترام التعليم الخصوصي للقوانين المنظمة للقطاع نظمت وزراة التربية الوطنية، مؤخرا، زيارات تفقدية وتفتيشية للوقوف على مدى احترام بعض مؤسسات التعليم الخصوصي دفاترَ تحملاتها، وقبل ذلك وبالضبط في مطلع السنة الدراسية الحالية 2012 -2013 اتخذت الوزارة في مقررها الصادر بتاريخ 04 -09 -2012 قرار منع نساء ورجال التعليم العمومي من التدريس في مؤسسات التعليم الخصوصي خارج المذكرة المنظمة أي بدون ترخيص أو بإعطاء حصص يفوق عددها ما تم التنصيص عليه، وهي المقاربة التي اعتبرناها في مقال سابق «قاصرة»، لكونها تحمل في طياتها أنصاف الحلول بل تروم تصحيح خطأ بخطأ أكبر منه، وغير شاملة لأنها تنظر إلى المدرسة العمومية والخصوصية باعتبارهما ندَّيْن وليس وجهين لعملة واحدة، ما أعطى الانطباع على أنّ وزارة التربية الوطنية هي وزارة للتعليم العمومي فقط، لذا وجب تدارك الموقف بخلق وإيجاد مقاربة متناغمة وطبيعة هذا الخلل، واقعية وشمولية وآخذة في الحسبان مصلحة كل المتمدرسين، بغضّ النظرعن انتمائهم إلى هذه المدرسة أو تلك.
الاقتطاع من أجور المضربين
لقد أثارت مسألة الاقتطاع من أجور المضربين الكثيرَ من الجدل وأسالت الكثير من المداد حول أحقية الاقتطاع من أجور المضربين من عدمه، ويبدو الحسم في هذا الموضوع صعبا، إنْ لم نقل مستحيلا، بالنظر إلى الخطأ التاريخي الذي عمّر لأزيد من نصف قرن، والمتمثل في غياب نص قانونيّ ينظم حق الإضراب، ما خلق نوعا من النقاش السفسطائي إلى درجة يبدو معها كل من المؤيّدين والمعارضين للاقتطاع من أجور المضربين على صواب وخطأ في الوقت نفسه.. والحقيقة أنه في ظل هذا الفراغ يجوز القول إنّ في الاقتطاع تعسفا على حق من حقوق شريحة اجتماعية عريضة وهي الشغيلة، وفي ممارسة حق الإضراب بالمبالغة في التوقف عن
العمل تعَدِّ على حقوق ومصالح العباد والبلاد.. ولتجاوز هذا التناقض وجب على القيّمين ليس على قطاع التعليم فحسب، بل على شؤون البلاد عامة، إعادة النظر في مقاربة معالجة هذا الخلل، بتفعيل حوار اجتماعيّ حقيقي والتعاطي معه بشكل جدي لإيقاف النزيف وخلق جو من الثقة والهدوء بهدف فسح المجال وفي أقرب الآجال للعقلاء من نخبنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية لتعكف على معالجة جوهر هذا الخلل على أمل إيجاد صيغة قانونية رفيعة لتنظيم حق الإضراب، لا غالب فيها ولا مغلوب، مثَلها الأعلى مصلحة البلاد وهدفها الأسمى ضمان حقوق كل العباد، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون..
يتضح مما سبق أننا في حاجة إلى ابتكار مقاربات لمعالجة اختلالات التعليم، متشبعة بالروح الوطنية وبثقافة الحق والواجب، ومتصفة بالدقة والشمولية وبُعد الرؤية، إذا كنا فعلا نرغب في دمقرطة الحقل التعليميّ وإرساء سِلم اجتماعيّ حقيقي وخلق مدرسة وطنية قوامها الجودة وتكافؤ الفرص.
محمد أوعلي - رجل تعليم
المساء التربوي