مجلس التدبير وسوء التقدير بالمدرسة العمومية !

الصورة من موقع تربية بريس
على بعد عقد ونيف من الزمن،سبق لوزارة التربية الوطنية ضمن ما دأبت عليه من خرجات، ووفق ما يمليه عليها جهابذتها المنفصلون كليا عما يجري في أرض الواقع، أن أقدمت على تمهيد السبل لجعل دائرة سياسة اللامركزية واللاتمركز، تتسع لاستيعاب مؤسساتها، بوضع أسس آليات تنظيمية حديثة للتسيير المعاصر، يتمثل أحد وجوهها في ما أطلق عليه اسم: مجلس التدبير،عله يسهم بنجاعة في العقلنة والتسيير الذاتي للمؤسسة التعليمية، وبالتالي ضمان حرية إدارتها، تعزيز أدوارها وتوسيع صلاحياتها من جهة، وتسريع وتيرة تحسين أدائها والرفع من جودة التكوين من جهة ثانية.
وسعيا إلى تحقيق منهج تطوير أساليب العمل في مدرستنا العمومية،جاء ميلاد المجلس السالف ذكره، حسب المادة 18 االمنصوص عليها في المرسوم الوزاري رقم:2.02.376 الصادر بتاريخ: 17 يوليوز 2002، بمثابة النظام االأساسي الخاص بمؤسساتنا التعليمية، والداعي إلى إحداث مجلس التدبير ضمن بقية المجالس التقنية الموازية، اعتبارا لما قد تشكله من دعامات للإدارة التربوية، في التأطير النموذجي المسؤول وحسن التدبير في اتجاه التأسيس لحكامة جيدة، بعيدا عن كل العبث الذي يكاد يجهز على ما تبقى لمدارسنا من نفس. وفي ذات الإطار،أتى القرار الوزيري رقم: 1537.03 بتاريخ: 22 يوليوز 2003، ليرسم لنا الخطوات الواجب اتباعها في تشكيل المجلس، لتتهاطل بعدئذ المذكرات الوزارية والأكاديمية، تهيب بجميع الفعاليات وتحثهم على تعميم تأسيس وتفعيل أدوار مجلس التدبيرحتى يكون قاطرة للتسيير الأمثل. إلا أن الرياح قد تهب عكس اتجاه السفن، فحسب ما رصدنا منذ فترة ليست بالهينة، يبدو أن المجلس رغم أهميته، ولد وهو يحتضر دون أن يجد طريقا للعناية اللازمة والمركزة، مما عجل بموته. ذلك أن عدم انضباط المدرسات والمدرسين لمضامينه، واعتماد إداراتنا التربوية تلك العقلية البائدة في تشكيل مجالس وفق مقاسات محددة سلفا، أفرغها من قيمتها العلمية والتربوية وجعلها بدون روح، لتحنط في لوائح مزركشة وتزين بها سبورات المكاتب الإدارية، أوترتب في ملفات لتستمر قابعة في أدراج محكمة الإغلاق.ولم يعد خافيا على أحد اليوم، ذلك الإستخفاف الحاصل بأهم القضايا التربوية، التي من شأنها الدفع بعجلة تعليمنا نحو مستقبل أفضل،والذي بات يهيمن على سلوك أطرنا الإدارية والتربوية على حد سواء، فالكثير منا لم يعد يجشم نفسه عناء التفكيرحتى في المناخ المحيط بممارسة مهامه، بالأحرى أن يفكر في مكونات مجلس التدبير واختصاصاته، أمام انعدام الحافز والرقابة الصارمة.
إن الميثاق الوطني للتربية والتكوين،في مادته 149 ضمن المجال الخامس في الدعامة الخامسة عشرة، أراد بدوره تأمين وضمان انفتاح واسع للمؤسسة التعليمية على محيطها السوسيو ثقافي واقتصادي،وجعلها من خلال المجلس،مؤهلة للإضطلاع بأدوارها الطلائعية في إنتاج الفكر السليم، وتحقيق الغايات والأهداف المرجوة منها. إلا أن أسلوب اللامبالاة السائد والمتجلي أساسا في تبادل التهم أوتغليب المصالح الذاتية، ساهم بشكل وافر في تفاقم الإختلالات العميقة التي تحول دون ما نطمح إليه من تقدم ونماء...
علينا أن ندرك جيدا، إذا كنا نروم مصلحة الوطن والإرتقاء بمنظومتنا التعليمية،أن مجلس التدبير يعد من اللبنات الضرورية لبناء صرح مدرستنا العمومية،وهو الكفيل بالسهر على سيرها التربوي والبيداغوجي في ظل فضاء تربوي نظيف خال من الشوائب، وبفضله يمكن فتح آفاق رحبة نحو معانقة ريح مباركة، تخلع عن مدرستنا رداءها التقليدي المتخلف وتخلصها من أدران التردي والجمود..
فالمتفرس في ملامح مجالسنا وأجهزتنا التنظيمية،سيصطدم لا محالة ببؤس واقع مرير، ويكتشف أن مدارسنا بلا ضوابط رغم مكاتبها الإدارية، مرافقها، المذكرات والحواسيب...فلا مشاريع تنموية حقيقية مدروسة بعناية، ولا شراكات وطنية ودولية، ولا نظام داخلي مستوحى من خصوصية كل مؤسسة على حدة ومقترح فعلا من أعضاء مجلس التدبير،ولا برنامج عمل سنوي للأنشطة عدا في الأوراق المركونة في الرفوف، ولا إجراءات تدبيرية في بداية السنة وعند نهايتها، ولا..ولا..
إن الحس بالمسؤولية الجسيمة ، والغيرة الوطنية الصادقة، يستدعيان من الجميع تكثيف الجهود، لتدارك الزمن المدرسي المهدور، والإلتفات بجدية ليس فقط إلى مجلس التدبير وبث الروح فيه،بل إلى واقع سياستنا التعليمية التعلمية ككل، وأول الغيث قطرة.
تربية بريس
تربية بريس
تعليقات