من تداعيات تدهور الوضع الأمني في المحيط المدرسي !

الصورة من موقع تربية بريس
تربية بريس
إسماعيل الحلوتي
  
في عالم موبوء يتسم بالقلق المبهم، وانتشار دواعي الرعب في النفوس، تحت سماء كئيبة ترسم غيومها لوحة سريالية قاتمة، ولا تمطر غير البؤس والأحزان.. وعلى صفيح أرض حارقة تتململ الأرجل فاقدة لأي تماسك أو توازن، يقف المواطن متحسرا على ما آلت إليه أوضاعه العامة من ترد، يعاني الأمرين بين قساوة الغلاء الفاحش وانعدام الأمن.. لقد بات من شبه المستحيل أن تغرب شمس يوم جديد، دون أن تخلف وراءها رماد حرائق قلوب تعتصر ألما وعيون تنزف دما، بعد أن تحولت شوارعنا إلى مسارح متنقلة للجريمة بشتى ألوانها، بدءا بتنامي السرقة الموصوفة تحت التهديد بالسلاح الأبيض، خاصة في صفوف الإناث، تعريجا على السطو المسلح على الوكالات البنكية والمحلات التجارية،إلى الاعتداءات الجسدية، والتحرش الجنسي دون وازع أخلاقي...
    فعلى الرغم مما تتناقله وسائل الإعلام المتنوعة، من أنباء متفرقة عن استفحال مظاهر الجريمة في واضحة النهار، وما يتولد عنها من هلع وعدم استقرار، ومن تعالي أصوات فعاليات المجتمع المدني منددة بالانفلات الأمني الحاصل الذي فاقت عواقبه كل التوقعات، جراء عجز السلطات المحلية، الأجهزة الأمنية والدرك الملكي..عن توفير ما من شأنه ضمان أمن وسلامة المواطنات والمواطنين، والحفاظ على ممتلكاتهم، تحت ذرائع واهية.. ما زالت الأوضاع تنذر بالشؤم والتأزم، متفاقمة بوتيرة سريعة ورهيبة. والأدهى من ذلك ، أن هشاشة الحالة الأمنية، أرخت بظلالها على المحيط المدرسي في كافة مستويات التعليم الدراسي، مما أمسى يشكل تهديدا حقيقيا للناشئة وللأسر المغربية التي لم يعد يرف لها جفن أو تنعم بالراحة، إلا حين عودة البنات والأبناء سالمين في الصباح والمساء...
  صحيح أن جهودا لا يستهان بها بذلت، وأن استراتيجية تشاركية وضعت بين مختلف قطاعات فاعلة في مجالات التوعية والتربية، على مستويات عدة منها وزارة التربية الوطنية، والمديرية العامة للأمن الوطني وجمعيات المجتمع المدني، واللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير...بيد أن كل حملات التحسيس ظلت بلا جدوى حيال ذلك السيل الجارف من الانحرافات، بجوار المؤسسات التعليمية، والمتمثلة أساسا في انتشار مروجي المخدرات ومستهلكيها ، الاتجار في السجائر والمشروبات الكحولية بالتقسيط، التحريض على الفساد والتغرير بالقاصرات واستدراج الأطفال لاغتصابهم...الشيء الذي بات يستوجب المزيد من الانكباب الفعلي على تفعيل ما جاء به المنشور رقم: 141، المشترك بين وزارة التربية الوطنية ووزارة الداخلية الصادر سنة: 2006، الذي يقر صراحة بحاجة المؤسسات التعليمية، إلى ما يحصن أجواءها من اختراقات تتمثل في العنف المتكرر، الذي يتعرض له التلاميذ والأطر التعليمية على حد سواء، جراء تهجمات غير محسوبة النتائج من لدن عناصر أجنبية. وتطهير محيطها الخارجي، عبر فتح نقاش واسع ومسؤول تنخرط فيه مختلف فعاليات المجتمع، تنظيم حملات تحسيسية هادفة إلى الدفاع المشروع عن النفس والذود عن قدسية الرسالة التربوية، وتكثيف دوريات أمنية ميدانية  صارمة، بدل القيام بتلك "الطلعات الاستكشافية" أثناء الإضرابات/ العطل المؤدى عنها سابقا (قبل اعتزام حكومة السيد "ابن كيران"، الاقتطاع من أجور المضربين)، لأنه من المخجل أن تظل أجهزة الأمن ببلادنا، لا تحسن سوى توجيه الضربات الموجعة  واللكمات القوية إلى الوجوه، وتتفنن في نحت العاهات على أجساد المحتجين والمتظاهرين من المعطلين الحاصلين على شهادات ذات قيمة علمية، فيما يستمر المجرمون الحقيقيون في غزواتهم طلقاء، يمارسون ساديتهم على الأبرياء...
   إن مدارسنا وكلياتنا تعاني اليوم أكثر من أي وقت مضى أخطارا متنوعة، أبطالها من ذوي السوابق والمنحرفين الذين يجعلون من محيطاتها أماكن آمنة، لتصريف عدوانيتهم على التلاميذ والطلبة، بسرقة حاجياتهم من حافظات نقود وهواتف نقالة... باستعمال أسلحة بيضاء أو استخدام كلاب مروضة من فصيلة "بتبول" للترويع، والترويج لسمومهم الفتاكة، عن طريق الاستعانة أحيانا بتلاميذ وطلبة وقعوا فريسة الإدمان، مقابل ضمان استفادتهم من "دوخة" مجانية، علاوة على مضايقة الفتيات وتعنيفهن. إن محيط المؤسسات التعليمية أضحى قبلة لكل الذئاب البشرية الجائعة والكلاب الضالة، وفضاء مفتوحا على كل الاحتمالات، خاصة في الهوامش والأحياء الشعبية، مما ينذر بارتفاع معدل الجريمة، ما لم يعجل المسؤولون بتطويق الظاهرة في أفق اجتثاث جذورها. لقد أصبح التدهور الأمني في هذه المواقع الحساسة، يثير قلقا تربويا وهاجسا اجتماعيا، يحتاجان إلى جهود جبارة، وتضحيات جسام.. وبالنظر إلى كون المجالس الجماعية المنتخبة تشكل عنصرا ذا أهمية بالغة في إنجاز أي مشروع تنموي وأمني للمؤسسة التعليمية ومحيطها الخارجي، فإنه يتعين عليها لزوما التدقيق وإعادة النظر، في الرخص الممنوحة لبعض الأنشطة التجارية والمقاهي، وكذا في تهيئة الحدائق العمومية أمام المدارس، والتي يحول الغرباء من أصحاب السوابق العدلية والمراهقين، فضاءاتها إلى مواخير وساحات لممارسة الرذيلة نهارا جهارا، وبشتى أصنافها المتعارضة مع قيمنا الأخلاقية ومبادئنا الإنسانية، نذكر منها بوجه خاص: استهلاك المخدرات، تناول حبوب الهلوسة والمشروبات الكحولية، والتحريض على الدعارة، ناهيكم عن استعراض العضلات من خلال الاعتداءات المباشرة على الأشخاص، وسباق الدراجات النارية وسياقة السيارات بسرعة جنونية، دون أدنى تفكير أو مراعاة لما قد يمس بصحة وسلامة المواطنين على اختلاف أعمارهم...
إن الواجب الوطني يقتضي التعامل مع موضوع بمثل هذا الحجم، بكل ما يلزم من رصانة وحزم، سعيا إلى محاولة جادة في تأمين المحيط المدرسي والتعليمي، والعمل على الارتقاء بالفضاءات التربوية والحياة المدرسية، وتأهيل البنيات التحتية والعمرانية، بما يكفل النهوض بخدمات مرافقها بدل إقبار أماكن أنشطتها الترفيهية والثقافية، وتحويلها إلى مستودعات للمتلاشيات، أو إلى ما يبعث على الاشمئزاز والنفور، الرفع من القيمة الجمالية لمؤسساتنا التعليمية بما يميز مكانتها، ويصقل صورتها لدى المتعلمين والمربين. وتفاديا لما قد ينجم عن هذا التدهور الأمني القائم داخل مؤسساتنا التعليمية وخارجها من آثار سلبية على السير الطبيعي للدراسة. وما يبثه من رعب في نفوس المواطنين والأسر، لابد أن ينصب اهتمام كل الأطراف المعنية بالشأن التربوي، من أطر تربوية، جمعيات الأمهات والآباء، هيئات نقابية وسياسية، منتخبين، فعاليات المجتمع المدني، ومختلف الأجهزة الأمنية.. على ابتكار أساليب متطورة، وآليات فعالة لإيجاد الحلول الناجعة ، والقادرة على مجابهة تفاقم الأوضاع الأمنية المهزوزة، والحد من المخاطر المحدقة بأطفالنا وشبابنا، والتحلي بروح المواطنة الصادقة، والجرأة اللازمة، للتصدي بقوة وصرامة لمظاهر العنف وتجفيف ينابيع المخدرات بحس تشاركي شفاف، حماية لمؤسساتنا التعليمية ومحيطها من مظاهر الانحراف الجاثمة على صدور فلذات أكبادنا،والمؤدية إلى انتهاك حرماتها وإفراغها من وظائفها التربوية، وأكيد أن سلطات الأمن المغربية، لا يعوزها الذكاء الكافي ولا تعدم الحيلة في وضع خطط واقعية وذات طراز رفيع في استتباب الأمن، والحفاظ على صحة وسلامة المواطنين في الشارع العام كما في المؤسسات التعليمية ومحيطها الخارجي...


نشر هذا المقال بجريدة الأحداث المغربية ليوم: 15 يناير 2013، صفحة: 23
تربية بريس
تربية بريس
تعليقات