المدرسة المغربية بين الأخلاق و الانزلاق

الصورة من موقع تربية بريس
في كثير من الأحيان ينتابني شعور بخيبة الأمل ممزوجا بالإحباط وأنا أتابع عن كثب الانزلاق الأخلاقي الذي أصبحت تعيشه مؤسساتنا التعليمية يوما بعد يوم. فالكثير من الظواهر المشينة أصبحت ملتصقة للأسف بهذا الفضاء الذي كان إلى زمن قريب مكانا للتحصيل يضرب برواده المثل في سمو الأخلاق و علو الكعب في المعرفة و التهذيب و العفة و الشموخ

لقد أصبح الداخل إلى مؤسساتنا التعليمية مولودا و الخارج منها مفقودا, فأين نحن من أولئك التلاميذ الذين كان شغلهم الشاغل هو الدراسة و التحصيل والذين كانوا يتنافسون لنيل أعلى النقط و أحسنها

عندما يمر المرء جوار أي مؤسسة تعليمية ( إعدادية أو ثانوية), يصاب بالدهشة و الحسرة في آن واحد, تلاميذ تركوا قاعات الدرس للتجمع حول أبواب المنازل و الحدائق المجاورة ليس من اجل التداول في شؤونهم الدراسية ولكن للأسف للتدخين و إتيان أفعال منافية للأخلاق. تلميذات هائمات على وجوههن, شاردات, يبحثن عن شيء ما ( لا علاقة له طبعا بالدراسة و الفاهم يفهم ). لقد أصبح هذا الفضاء الخارجي شبيها بسوق تباع فيه كل الأشياء من حشيش و أقراص هلوسة بل الانكى من ذلك يباع فيه شرف بناتنا بأرخص الاثمان, حيث يأتي أناس عديمو الأخلاق للتلاعب بفتيات لم يجدن من ينتشلهن من براثين الضياع.

أما إذا ما ولجت داخل المؤسسة فالوضع لن يختلف كثيرا أو لنقل فالمصيبة أعظم, تلاميذ استعاضوا عن الجد و الاجتهاد بالشغب و سوء الأخلاق فلا يكاد يوم يمر دون مشاحنات و ملاسنات سواء بين التلاميذ أنفسهم أو بين هؤلاء و الهيئة التعليمية. فهذا تلميذ يريد دخول الفصل وقتما شاء دون الامتثال للضوابط و القوانين الداخلية, وآخر يريد الولوج و هو في حالة تخدير ضدا عن كل الأعراف, وتلكم فتاة تصر على دخول الفصل بملابس لا علاقة لها بالزى المدرسي. و النتيجة؟ صراع مرير من اجل إلزام التلاميذ بالامتثال, يواجهه هؤلاء بعصيان كبير مما يحول في كثير من الأحيان دون مرور الدراسة بشكل عادي و يؤثر على باقي التلاميذ الذين جاؤوا فعلا من اجل التحصيل ( رآه باقي لي باغي يقرا).

كثيرة هي الظواهر السلبية التي تعيشها مؤسساتنا التعليمية, و لو تكلمنا أياما و أياما لما استطعنا إيفائها حقها من التحليل, ولكن يجب أن نطرح السؤال, من المسئول عن هذه الوضعية؟

كلنا مسئولون بشكل أو بآخر, فالأسرة تخلت عن دورها في الرعاية و المراقبة, هناك آباء لا يعرفون حتى المستوى الذي يدرس فيه أبنائهم وحتى إن عرفوا فهم لا يراقبون نتائج أبناءهم بل الأدهى من ذلك فهم لا يقومون بزيارات ولو مرة في الشهر للمؤسسات للسؤال عن أحوالهم الدراسية. وهكذا يشعر التلميذ انه غير مراقب من طرف ذويه فينزلق في أتون الانحراف الأخلاقي.

و ماذا عن الأساتذة أو الهيئة التعليمية برمتها؟ بطبيعة الحال فمسؤوليتها كبيرة, فالكثير من الأساتذة لا يتقنون فن التواصل مع تلاميذهم و التقرب منهم لمعرفة ما بدواخلهم و المشاكل التي يعانون منها, فالكثير منهم يكتفون بإلقاء الدروس و كفى. أما الإداريون فيركزون دائما على الجانب الزجري ( وهذا ضروري ), لكن هل هذا كافي؟ لا أظن, فهناك تلاميذ على شفى حفرة من الضياع ( وآخرون ضاعوا) متحاجون لمن يأخذ بيدهم لتصحيح المسار, ولكن للأسف فجل مؤسساتنا تنعدم فيها مثلا" مراكز الاستماع" من اجل المتابعة النفسية و الاجتماعية لناشئتنا. فالتلميذ ليس منسلخا عن المجتمع و يتأثر بكل ما يدور حوله, فهناك من طلق أبواه ولم يحتمل الصدمة, وهناك من كان ثمرة علاقة غير شرعية يحسبها كوصمة عار, وهناك تلميذات اغتصبن و هن صغيرات فتحطمت أمالهن ولم يجدن لا عونا ولا سندا بل وجدن ذئابا بشرية استغلت ظروفهن و عبثت بما تبقى من كبريائهن.

إننا يا سادة أمام معادلة متشعبة يتداخل فيها ما هو تعليمي محض مع ما هو أخلاقي صرف, معادلة أطرافها التلميذ و الأسرة و المدرسة و الشارع, فالمجتمع كله مسئول عما تعيشه مؤسساتنا التعليمية من انزلاق أخلاقي خطير يهدد مستقبل بلادنا العزيزة, فتلاميذ اليوم هم رجال الغد فلنساهم جميعا في خلق جيل قادر على رفع التحديات و قيادة البلاد نحو الرقي و الازدهار.

بقلم فتحي رضوان
تربية بريس
تربية بريس
تعليقات