العنف المدرسي: مسؤولية من؟

الصورة من موقع تربية بريس
ونحن نتطلع بلهفة وشوق نادرين إلى ما يمكن جنيه من غلال الربيع العربي، مراهنين بكل ما نملك على ما ستفرزه حكومة "إخوان الصفا والوفا" بقيادة عميدها حكيم البيان السيد الجليل: ابن كيران، من مشاريع متماسكة ومتناغمة مع طموحات عموم شعبنا التواق إلى نسائم الحرية، المتطلع إلى شموس الرقي والازدهار. ومن مدى وفائها بالتزاماتها ووعودها، خاصة في الشق المتعلق بإصلاح الشأن التعليمي بالبلاد، دون استنساخ لمشاريع الفشل السابقة، وتكريس لإخفاقات الحكومات المتلاحقة. أو التخفي وراء أعذار واهية، تحت مسميات ذاوية، من قبيل: جيوب المقاومة، العفاريت، الأزمة العالمية وانعكاساتها على الحبوب والمحروقات...إلا أننا ولسوء الطالع، وجدنا أنفسنا ننتظر ظهور "سيدنا اقدر" بلا جدوى تذكر..خذلتنا الخطب العصماء، وبتنا لا ننشد أكثر من أمننا وسلامتنا في مقرات عملنا بالمدارس، التي تحولت إلى ساحات للحروب غير المعلنة. وكفى الله المؤمنين شر إصلاح المنظومة ككل. انشغل أصحاب "المصباح" بالكلام المباح، في التنقيب عن أسباب تنامي حوادث السير في البر والبحر، رفع الضغط عن صندوق المقاصة، وتصفية حساباتهم الضيقة مع خصومهم السياسيين، في اليسار واليمين. وبدا الدخول المدرسي مختل "الميزان"، مظلما بلا بوصلة تفضي بنا إلى ساحل الأمان. بحت حناجرنا من فرط المناداة بصياغة أساليب ثورة هادئة، تقوم على أرض صلبة من أجل تقويم الاعوجاجات، وإصلاح ما أفسدته مساحيق الغرب التي أتلفت ملامحنا، فصارت حكومتنا الموقرة، كمن يعمل على طحن الماء، بيع الوهم والهواء، وتعطيل عجلة التقدم والنماء،جراء الارتباك الحاصل، وعدم الانسجام والوئام بين مكونات فريقها ، الذي يسير بثبات نحو الإفلاس، على خطى المنتخب الوطني لكرة القدم...
 إن أي تعليم غير مناسب لثقافتنا وحضارتنا، سيفقد لا محالة مجتمعنا  مناعته، ويجرف أبناءنا إلى هاوية سحيقة، يصعب الخروج منها بسلام ودون خسائر، ما لم تتخذ التدابير الوقائية اللازمة. ولعل أبرز مظاهر الانحراف، التي لم يتمكن إلى الآن حكماؤنا، من إيجاد حلول لها وتجاوزها، في حين أنها لا تتطلب أكثر من إعادة النظر، في بعض المذكرات المنظمة للحياة المدرسية، إنها ظاهرة العنف التي ارتفعت وتيرتها بشكل مرعب في كافة المؤسسات التعليمية بمختلف الأسلاك، حيث أمست مصدر قلق وإزعاج كبيرين للعاملين بالمدرسة العمومية، في غياب قانون فعلي وملزم، يحميهم من تهور وبطش بعض التلاميذ الذين تعطل المخدرات حواسهم وتلعب بعقولهم. ترى من يصون كرامة رجل التربية والتعليم في ظل الوضع المتأزم القائم ؟ لقد أصبح بين مطرقة الأسر وسندان تلامذته...
مارسوا عنفا مزدوجا على من كاد إلى عهد قريب،أن يكون رسولا، وأذاقوه كل أشكال العسف والتشهير، لفقوا له من التهم ما يندرج حتى في جرائم التحرش الجنسي، يتربصون به محاولين تصيد هفواته للانقضاض عليه من غير رأفة، حملوه مسؤولية ما آلت إليه أحوال مدرستنا العمومية من تراجع كارثي، عاتبوه عن كل شيء ولا شيء، ولا أحد جشم نفسه يوما، عناء البحث عما يواجهه هذا الجندي "المعلوم" من معاناة حقيقية بين جدران "زنزانة" الدرس، وصقيع المكاتب الإدارية من اعتداءات مادية ومعنوية. وإذا كنا لا ننفي وجود قلة مندسة، ولجت القطاع بطرق مشبوهة ،لا تربطها أدنى صلة بالأخلاق والتربية، ولن يردعها في غياب الضمير المهني، سوى صرامة القانون وإنزال العقاب وفق ما أتى به دستور فاتح يوليوز 2011 ( ربط المسؤولية بالمحاسبة)، فلا يجوز قطعا التنكر لفئة عريضة من نساء ورجال التعليم، أفنت زهرة عمرها في العطاء المثمر، وغذت مجموعة من القطاعات بشخصيات مرموقة قلما يجود الزمان بمثلها في بلاد المهجر.... ومنها من أحيل على المعاش خاوي الوفاض، لا يملك حتى "قبر الحياة" لإيواء أفراد أسرته ويقيهم شر الإفراغ بعد رحيله إلى دار البقاء، ثم هناك جزء آخر لا زال يكابد آلام مختلف الأمراض المزمنة من ربو، ارتفاع ضغط الدم، انهيار عصبي، داء السكري...وأسقاما ما تزال تحت التشخيص... كل ذلك نتيجة ما يتعرضون إليه من عنف يومي مستمر، على أيدي حالات من التلاميذ إما سمح لهم باستئناف الدراسة عن طريق الاستعطاف،أو فسح لهم المجال بتكرار القسم السابق ( السنة الأولى من سلك البكالوريا)، للتخلص من ضعف النقطة المحصل عليها في الامتحان الجهوي الموحد، وإما لأسباب أسرية وأشياء أخرى...حالات سلوكية تحتاج إلى تقويم شخصياتها وتصحيح سيكولوجياتها، لا تجد من يحتويها ويضمد جراحها ،فتفجر غضبها في وجه من يسهر على تدريسها ويسعى جاهدا إلى محاولة تأهيلها لمسايرة تحديات العصر، وجعلها قادرة على تطوير مستوياتها الفكرية والأخلاقية لمجابهة الصعاب مهما بلغت درجات قسوتها...
إن واقع مؤسساتنا التعليمية ينذر بالانفجار، ما لم يتم تفكيك خيوط قنبلة العنف التي أسمعت دقاتها المتنامية حتى من في آذانهم وقر، لقد حول مراهقونا ساحات المدارس، إلى ملاجئ آمنة لممارسة شغبهم وساديتهم، تارة اتجاه بعضهم البعض، وأخرى في مواجهة مدرسيهم ومؤطريهم الإداريين. يكاد لا يفلت من اعتداءاتهم أحد في المدرسة والشارع على حد سواء، فضلا عما تلاقيه التجهيزات من تدمير وتخريب : سبورات، مقاعد، زجاج النوافذ، أبواب، أزرار الكهرباء وصنابير المياه... وعما تعج به المرافق الحيوية من رسومات خادشة للحياء وما يتخللها من حرائق متفاوتة الخطورة. وإننا إذ ندق ما نعتبره ناقوس تنبيه،لإماطة اللثام عن جانب مما تتعرض إليه منظومتنا التعليمية من إفساد، ويحول دون أداء نساء ورجال التربية لمهامهم في أحسن الظروف، فإننا ندعو وزارتنا الوصية إلى التعجيل باتخاذ ما تراه قمينا برفع أسباب التوتر القائم، والحد من الأخطار المحدقة بمدرستنا، كأن تطالب مثلا الأكاديميات الجهوية، بضرورة مراجعة القوانين المعمول بها، في معالجة مجموعة من القضايا التنظيمية المرتبطة بالجانبية الدراسية ( تكرار، فصل، استعطاف...)، نقط المواظبة والسلوك، الحالات السلوكية ومجلس الانضباط...، بإشراك جميع الفاعلين التربويين خاصة منهم الأساتذة والإداريين ، تفعيل أدوار الأندية الثقافية والفنية، مراكز الاستماع والأنشطة التربوية الاجتماعية الموازية. فإلى من تعود مسؤولية هذه الآفة، التي يتضخم حجمها بسرعة البرق : للأسرة، للمدرسة، لجمعيات الأمهات والآباء، للمجتمع المدني أم إلى جهات خارجية ؟ وهل من آذان صاغية لصرختنا المدوية؟

    إسماعيل الحلوتي
تربية بريس
تربية بريس
تعليقات